الاثنين، 11 يونيو 2012

هل ستحدث ثورة حال فوز شفيق؟


بعد إنحصار المنافسة بين مرسي و شفيق إنقسم المصريون بين مؤيد لمرسي -إقتناعاً أو إضطراراً- و بين مؤيدٍ لشفيق -إقتناعاً أو نكايةً أو وهماً- و بين حائر حتى هذه اللحظة بين هذا و ذاك!! و بين مقرر للمقاطعة.

و يرى كثيرٌ ممن يتبنى خيار المقاطعة أن الأمر محسوم سلفاً لصالح شفيق و أن الإنتخابات برمتها مسرحية هزلية لن يشاركوا بها و لن يعطوا لها شرعية, و أن شفيق حال فوزه ستنفجر ثورة شعبية ضده سيشاركون بها و ستستمر حتى يسقط...و الآن دعونا نناقش هذه الفكرة.

للأسف, و بعد عام و نصف من إنطلاق الثورة فإن أغلبنا ما زال يستعيد صورة إحتلال ميدان التحرير و الإعتصام به كصورة لما يجب أن تكون عليه الثورة, لكن هل هذا هو السبب الوحيد لنجاح الثورة؟

بعد توفيق الله و تأييده للثوار و ربطه على قلوبهم و تثبيته لأهل الميدان فإن جزءاً كبيراً من أسباب نجاح الثورة في البداية كان يعود لسلسلة من الأخطاء وقع فيها النظام السابق و من أهمها القمع و سفك الدماء بدايةً من يوم 25 يناير نفسه و مروراً بالسويس ثم جمعة الغضب ثم موقعة الجمل...نعم فالدماء هي الوقود الذي يصب على نيران الغضب فتستعر و تنتشر.

أنظر إلى الإعتصام الذي بدأ بعد ذلك بشهور في 8 يوليو, لجأ النظام لأسلوب آخر و هو الإحتواء, تُرِكَ الميدان لأهله يفعلون به ما يشاءون و لم تظهر القوات النظامية في المشهد و اكتفي بالمندسين الذين يثيرون المشاكل أو يقودون بعض المتحمسين لما يستفز المواطن العادي فتزداد كراهيته للثورة. و تدريجياً تناقصت الأعداد إلى الحد الذي قامت فيه قوات الشرطة العسكرية بإخلاء الميدان بكل سهولة و يسر في أول رمضان دون أن يأبه أحد لهذا.

في أحداث محمد محمود وقع النظام في نفس الخطأ القديم, حاول إخلاء الميدان و ضرب أهالي الشهداء و المصابين بقسوة و لما زادت الأعداد استمر في القسوة و لم يحتوِ الموقف فسالت الدماء من جديد و إشتعل الغضب حتى كاد يتحول لثورة أخرىربما كان لها أن تغير الواقع لو كانت كل القوى - و بالأخص الإسلاميين- قد شاركت, و لو لم يتفرق الثوار.

في أحداث مجلس الوزراء إنفلتت الأمور من أيدي النظام مرة أخرى, لكن لم يكن للثورة الزخم الكافي لتحريك الأمور لصالحها.

الملاحظ لأي تحرك ثوري طوال الفترة اللاحقة يجد أنه عبارة عن مليوينات أو إعتصامات في التحرير فقدت بريقها و قوتها و قدرتها, فالمليونية هي تجمع لعدد كبير من المتظاهرين في نفس المساحة كل مرة لإيصال رسالة محددة ثم العودة لمنازلهم في نهاية اليوم, و إذا كان الأمر يمثل صدمة للنظام في بداية الأمر بعد عقود تعود فيها على شعبٍ مطيعٍ هادىء مشغولٌ بقوت يومه و إذا به فجأة ينتفض, فإن النظام الآن قد اكتسب مناعة ضد الصدمات و تعلم من أخطائه و أدرك أن إحتواء الغضب أفضل من صب الزيت عليه. و لأنه يدرك طبيعة الخلافات بين القوى السياسية و تفرقها و خروج مليونيات خاصة بالتيارات العلمانية مرة و أخرى خاصة بالإسلامية مرة أخرى, فهو يعلم جيداً أن الميدان غير متوحد, أو على الأقل أن السهام لا توجه إليه بقدر ما يوجهها الفرقاء إلى بعضهم البعض.

قرر مجموعة من الثوار - ثوار بلا تيار - تغيير قواعد اللعبة و كسر النمطية فنقلوا مسرح الأحداث إلى المكان الذي يجب أن توجه إليه السهام بحق - وزارة الدفاع -  و بدأوا الإعتصام هناك. كان يمكن للنظام أن يحتويهم بأن يتجاهل وجودهم فترة حتى تقل الأعداد تدريجياً ثم يزيحهم بسهولة و خصوصاً أن الشارع لم يكن متعاطفاً معهم بالمرة و بقية التيارات تخلت عنهم و ادعى الجميع أنهم أنصار أبو إسماعيل و قاموا بهذا من أجله, لكن يبدو أن الصدمة الجديدة أربكت النظام من جديد فجعلته يقع في نفس الخطأ فأرسل بلطجيته ليسفكوا الدماء بشكلٍ بات معه واضحاً أن الإعتصام في هذا المكان يوجعه و يشعره بالخطر و لا يريد لهذا الإعتصام أن يزيد عن هذا الحد. و لكن للأسف الدماء هذه المرة لم تشعل ما يكفي من الغضب و ظل الكثير ينظرون للمشهد بلا مبالاة إلى أن أخلى العسكر المكان بالقوة بشكل يجعل الكثير يفكر قبل أن يخطو بالقرب من هذا المكان مرة أخرى.

في الوقت الحالي فإن ما يجري هو من جديد عودة النظام لأسلوب الإحتواء, لأن الإعتصام في التحرير نعم سيوصل رسالة أن هناك حشودٌ غاضبة, لكن تكرار الإعتصام في هذا المكان قد ابتذله و لم يعد له نفس الأثر. أضف إلى هذا إفتقار الثورة لقيادة مسئولة تقود المشهد, فنحن للأسف مبتلون بمجموعة من أشباه الرجال كل منهم يقدم مصلحته الشخصية و مركزه السياسي على المصلحة العامة, و هم بتفرقهم الذين أوصلونا لهذا الوضع المزري.

و إذا نجح شفيق فماذا سيحدث؟ سينزل الآلاف إلى الميدان - لكنهم أمام الجميع هذه المرة منقلبون على العملية الديمقراطية - و لن يستخدم معهم شفيق العنف كما هدد من قبل بقوله أن العباسية كانت بروفة طالما أنهم ظلوا في التحرير. شفيق منذ كان رئيساً للوزراء و هو يتحدث عن البونبوني الذي سيلقيه للثوار و عن عدم ممانعته في كون التحرير ساحة للإعتراض مثل هايد بارك بلندن. و الآن عاد ليكرر هذا الكلام. يعني بإختصار هو يقول لنا: تجمعوا في التحرير كيفما شئتم, و قولوا ما تشاءون , و سأفعل ما أشاء.

في بداية الثورة كانت الأعداد المعتصمة في التحرير و المظاهرات المؤيدة لها في المحافظات من الكثافة بحيث لم يكن هناك مفر من الرضوخ لإرادتها, و في لحظة قرر ألوف تغيير المسرح فتحركت مظاهرات الإسكندرية إلى رأس التين و تحرك ألوف من التحرير لمحاصرة القصر الجمهوري و اختفى مبارك من المشهد...و ليس هذا هو الواقع الآن و لا المحتمل مستقبلاً.

لا أقول هذا الكلام كي أوهن العزائم أو أدعو رفاقي الثوار للإستسلام و إلقاء السلاح, بالقطع لا...لكن اعلموا أن ثورة بلا وحدة لا سبيل لها للنجاح, و في الوقت نفسه فإن النمطية في الأداء تفقدك هيبتك في عين عدوك, و تخيل نفسك تلعب شطرنج و في كل مرة تبدأ بنفس الحركات حتى حفظك خصمك, ألن يستعد لك و يغلبك؟

في ظل عدم وجود قيادة موحدة للثورة حتى الآن فإن وجود فريق من الشباب يكسر النمطية و يغير قواعد اللعبة و يغير من جغرافيتها بإحتلال أماكن و مساحات في عمق العدو لم يكن قد حسب لها حساباً من قبل قد يكون رأس الحربة التي لن تكون مؤثرة إلا إذا صار الباقي جسماً لها..و كسر النمطية ليس مقصوراً على تغيير الأماكن فقط لأنه من جديد يمكن إحتواءها, و لكن تغيير الأساليب و هو المطلوب من كل منا أن يفكر فيه للمرحلة المقبلة.

و لكي نكون واقعيين, فإن كل هذا الكلام هو حتى الآن خطط و سيناريوهات إفتراضية لا نملكها بأيدينا. و المقاطعة ظناً بأن ثورة جديدة ستحدث هو مقامرة لأنها إن حدثت بالأسلوب النمطي فلن تكون مؤثرة كما وضحنا الآن.

حتى الآن الحل برأيي هو السير على التوازي في المسار الثوري و المسار الإنتخابي..أدعم أي عمل ثوري حقيقي على الأرض إن وُجد - و حسبنا الله في القيادات الغير مسئولة و الغير قادرة على إنتزاع لعبة من يد طفل بلة إنتزاع السلطة من أيدي العسكر -  و في الوقت ذاته سأشارك في الإنتخابات و لو كانت فرصة خسارة شفيق فيها 1%. و صدقوني يا رفاقي الثوار ممن قرر المقاطعة أن مقاطعتكم لن تؤثر إلا في صالح شفيق لأن إيمانكم أن الأمر محسوم له هو عين ما يريده النظام منكم. و إذا جلستم في بيوتكم فإن العدو يحشد لأنها مسألة بقاء بالنسبة له, و إذا آمنتم أنه من الغباء أن نظن بأن العسكر سيفعل كل ما فعل لدعم شفيق ثم من الممكن أن يخسر فأقول لكم لا تظنوا أن العسكر ليس له خطة بديلة في حال سير الأمور في عكس الإتجاه الذي يريده, و المعركة لن تنتهي إذا خسر شفيق لأن هناك دولة عميقة لا تزال تحارب لتبقى.

يا من قررتم المقاطعة أنظروا إلى فارق الأصوات بين مرسي و شفيق في الخارج و قارنوا هذه النتائج بنتائج المرحلة الأولى و ستعلمون كيف أن المقاطعة لا تؤثر إلا في تضييق الفارق بين مرسي و شفيق, و لكن في الداخل سيكون الوضع أسوأ.

إذا كان فارق الأصوات بين مرسي و شفيق ضعيفاً فسيسهل التزوير لصالح شفيق, أما إذا كان فارق الأصوات كبيراً فلن يستطيعوا, و إذا فعلوا بشكلٍ فاضح فساعتها سيكونوا بأنفسهم من أشعل فتيل الغضب.

و لا أحد يعلم ما سيحدث في الأيام القادمة فكل يوم نشهد ما يجعل الحليم حيراناً, و أهم شىء ألا نصاب بالوهن في حال فوز شفيق, لا تفقدوا ثقتكم بأنفسكم و لنفكر كيف سندير المعركة في المستقبل.

و الله غالبٌ على أمره....و الله المستعان على ما يصفون


----------------------------

تم نشر المقال على موقع رصد

ليست هناك تعليقات: