الأحد، 31 أغسطس 2008

اللهم تقبل منا رمضان


أسأل الله فى هذا الشهر الكريم أن يتقبل منا الصيام و القيام و صالح الأعمال,و لا تنسونى من الدعاء يا أخوتى,فأخوكم بأمس الحاجة اليه,يا رب استجب,يا رب اغفر لنا و حقق لنا آمالنا يا رب

الأربعاء، 13 أغسطس 2008

عن الانتماء أتحدث



من فترة طويلة و أنا أريد أن أكتب عن هذا المعنى الهام الذى أصبحنا نفتقده بشكل كبير بين شبابنا فى الوقت الحاضر
عن الإنتماء أتحدث
و لعل الكثير منكم قد طالع مقال الصحافى الشهير الأستاذ مجدى الجلاد بعنوان:قضية أمن قومى
فى هذا المقال, قص علينا كاتبه قصة جلوسه مع 3 شباب خريجين, قصوا عليه واقعهم الأليم الممزق بين البطالة و العمل بوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم و فى الوقت ذاته لا يجدون من وراءها ما يحفظ كرامتهم أو يسد رمقهم.
و كانت الشىء المحزن هو هذا السؤال الذى طرحه أحدهم: إذا هاجمتنا إسرائيل و إحتلت سيناء مرة أخرى,هل ستذهبون للقتال؟
فكانت الإجابة من الشابين الآخرين بالنفى!!
و ملخص أسباب الأول: أن المرء يدافع عن أرض وطن يشعر دائماً أنه وطنه.. أرض يؤمن من الداخل أنها أرضه.. بلد يمنحه الدفء والأمن والأمان.. حكومة تحقق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع .
و قال الثانى:عايز أسألك: إزاي الواحد منا يخاف علي وطن يأكل أبناءه.. وطن خطفه ١٠٠ شخص، وأصبحوا يمتلكون ثرواته، فكيف نحارب نحن لتحرير أرضه، بينما الوطن وطنهم والأرض أرضهم.. ليذهبوا هم للدفاع عن الأرض، وليتركونا نحن في العيشة الهباب.
و هنا قد ينقسم الناس الى فريقين, فريق يؤيد كلام الشابين على طول الخط, بل و يزيد عليه و يقص علينا من وقائع الفساد و طبائع الإستبداد ما يجعل الدنيا كلها ظلاماً فى أعيننا, و خلاصة رأى هذا الفريق أنه:ليس هناك من فائدة, فلنترك هذا البلد و نرحل!!!
أما الفريق الثانى, فسيسارع إلى إبداء الإندهاش الشديد من الرأى الأول, و ربما سيتهم هؤلاء الشباب-بل و الجيل بأكمله-بضعف الإنتماء, إتهام سريع دون مراعاة الأسباب التى أدت لهذا البلاء, و بعض أفراد هذا الفريق يكون رد فعلهم على الجهة الأخرى تماماً من الفريق الأول, فيسعى إلى تجميل الصورة و يتحدث كأن كل شىء تمام و الحياة لونها(بمبى), و أن الشباب كسول و متعجل و غير صبور....الخ.
و طبيعى أن يكون رد الفعل هذا مصحوباً برد فعل مقابل أكثر تطرفاً من الفريق الأول, فتخيل أنك فى قمة غضبك و سخطك لم تجد من يسعى لإمتصاص هذا الغضب و مناقشة الأمور بعقلانية, بل على العكس تجد من يهاجمك و يتهمك بأنك أنت السبب؟!!و هكذا ندخل فى دوامة لا آخر لها.
و لذا أعلن أنى لست مع الطرف الأول و لا الطرف الثانى على الإطلاق, و إذا جاز لى ذلك فإنى فى منزلة بين المنزلتين.
و طبيعى و أنا أنتمى لهذا الجيل من الشباب أن أكون متفهماً لوجهة نظرهم مهما اختلفت معها, و لأن الوضع لم يعد يقتصر على الشباب فقط, بل إننا نسمع هذه النغمة من شرائح عمرية مختلفة بدءاً من الأطفال!!وصولاً إلى كبار السن.
لأن الوضع صار هكذا, فعندها يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهماً:
كيف أستطيع أن أغرس الإنتماء فى قلب شاب, و هو لا يجد عملاً محترماً يستطيع به أن يصرف على نفسه, بله أن يفتح بيتاً؟
كيف أستطيع أن أتكلم مع شاب عن حب الوطن و هو لم يجد من الوطن نفسه حباً متبادلاً؟
كيف أستطيع أن أتكلم مع شاب عن مصر, و هو لا يعرف من هى مصر أساساً؟
نعم,ألا تدركون أن هذا قد يكون أحد جوانب المشكلة, أننا لا نعرف ما هى مصر, و لا قيمة مصر؟
لا تتعجبوا, فمصر التى نعيش فيها ليست هى مصر التى كانت و التى يجب أن تكون.
مصر ليست الفساد, مصر ليست الزحام و التلوث, مصر ليست البطالة, و مصر ليست القذارة.
مصر ليست الفقر, مصر ليست الجهل, مصر ليست الهزيمة, مصر ليست اليأس و الاحباط.
مصر ليست العبارة, مصر ليست أجريوم, مصر ليست هايدلينا, و مصر ليست بنك القاهرة.
إذا أردت أن أعدد صور الفساد و الخزى فى عصرنا هذا سأملأ سطوراً كثيرة, لكن ليس هذا هو ما أريد.
أريد أن نعى جيداً ما هى مصر
و إذا لمسنا حقيقة الوطن العظيم الذى ننتمى اليه, و إذا عرفنا قيمته, ربما ساعتها سنشعر بالإنتماء اليه, بالرغم من كل الظروف و السلبيات الموجودة.
ليس دور هذا المقال أن يسرد جوانب العظمة فى مصر و تاريخها
لكنى أريد أن أناقش معكم فكرة معينة
إننا كمسلمين نرى بوضوح مدى المهانة و الهوان التى وصل اليها حالنا, فالأمم قد تكالبت علينا, و بلادنا ترزح تحت دكتاتوريات لا ترقب فينا إلاً و لا ذمة, و بلادنا ما زالت أسيرة لقوى الاستعمار الغربى, بعضها بالأسلوب الكلاسيكى للإستعمار كما هو حادث فى أفغانستان و العراق, و البقية أسيرة للاستعمار الإقتصادى و الغزو الثقافى.
و السؤال هنا: فى ظل كل هذا الهوان والضعف, هل يكون الحل هو أن نترك الإسلام؟!!
هل يجوز ألا نشعر بالإنتماء لهذا الدين العظيم, و نفكر بدلاً من ذلك فى أديان و مذاهب الأمم الأخرى المتغلبة علينا؟
بالطبع لا, و بالقطع ألف لا.
العيب ليس فى هذا الدين, و لكن العيب فى الكثير من المنتمين اليه.
و ما وصل حالنا لهذا الا لأننا ابتغينا العزة فى غير ديننا,فأذلنا الله, و حدنا عن طريق النور, فكان من الطبيعى أن نتخبط فى الظلمات.
لكن مع كل هذا, فإن بوادر الصحوة التى بدأت من سنوات, و التى تتسع أفقياً رغم الضغوط الداخلية و الخارجية, تعطى الأمل, بل الكثير من الأمل, و تجعلنا نوقن أن المستقبل لهذا الدين.
نعود لموضوعنا, الإنتماء لمصر
و اسمحوا لى أن أقيس على المبدأ السابق, و خلاصة قولى هنا هى أن العيب ليس فى هذا البلد, العيب ليس فى مصر, و لكن فى بعض المحسوبين على هذا الوطن, و هو منهم براء.
إننا نشعر بالكثير من السخط على هؤلاء الذين اختطفوا الوطن منا, و سرقوا ثرواتنا, و بددوا أموالنا, و باعوا أرضنا.
لكننا لضعفنا-أو بالأحرى لأننا نظن أننا ضعفاء-و نرى أننا غير قادرين على هؤلاء, فإننا نختزل الوطن فيهم, و نصب جام غضبنا عليه.
لكن مصر العظيمة أكبر و أعظم من أن تختزل فى صورة شخص أو عصابة.
مصر هى الوطن الذى ولدنا فيه, و ولد فيه آباؤنا, شئنا أم أبينا.
مصر هى الأرض التى حملت لواء الدفاع عن الاسلام فى عصور مختلفه, و كان لأبنائها شرف الانتصار على الصليبيين و التتار فى غير موقعة, حفظوا بها الاسلام و دياره.

مصر هى البلد الذى أنقذ الشرق الأوسط من المجاعة فى زمن يوسف عليه السلام, و أنقذ الجزيرة العربية فى عام الرمادة.

مصر هى البلد التى كان لها شرف كسوة الكعبة المشرفة كل عام.

مصر هى بلد الأزهر الذى حفظ الإسلام بعلمائه, و الذى خرج أشهر المقرئين, حتى قيل إن القرآن نزل فى مكة, و تلى فى مصر.

مصر هى البلد الذى احتضن الآلاف عبر العصور, و وجدوا فيه الأمن و الأمان.
أعلم جيداً أن هذا التاريخ المجيد لن يوفر شقة لشاب يريد الزواج, أو يوجد فرصة عمل لعاطل.
لكن الذى أدعو اليه, ألا تجعلنا الظروف السيئة نكره بلدنا, نكره مصر و نتبرأ من الانتماء اليها.
و لو كانت الظروف السيئة مبرراً لكى يتخلى الإنسان عن وطنه و يبغضه, لكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه كل الحق فى أن يكرهوا مكة.
نعم, لقد ذاقوا فيها صنوف العذاب و الاضطهاد و الإهانة, و حاول المشركون قتل رسول الله, و مع هذا فإنه فى أول طريق الهجرة نظر اليها و قال أنها أحب البلاد اليه, و لولا أن أهلها أخرجوه منها ما خرج.
و كم من أمة مرت بظروف سيئة و صعبة, فما كانت النتيجة أن تخلى أبناء هذه الأمم عن أوطانهم أو تبرأوا منها, و ليس هناك من داع أن أتكلم عن تواريخ أمم أخرى, فتاريخنا نفسه شاهد على هذا.
عصر الانحطاط الذى نعيش فيه ليس بأول عصر تمر به مصر, الأمم عموماً تمر بدورات من الازدهار و الانحطاط, انه منحنى طبيعى يمكن تطبيقه على كل شىء, بما فيه الإنسان نفسه, و الأمم بدورها تشهد أيام عز تكون فيها فى القمة, و أدوار إنحطاط تكون فيها فى القاع.
لكن عندما تصل الأمة لأدنى مستوياتها, يبرز نفر من الناس, تملأ نفوسهم الرغبة فى التغيير, و كلهم إيمان و تفاؤل و ثقة بأن دوام الحال من المحال,فتلك سنة الحياة.
هؤلاء النفر المصلحون يعملون على الصعود بالمنحنى الى أعلى, يعملون على إعادة تصحيح الأوضاع, و النهوض بالأمة و إعادتها الى دورها الطبيعى.
فى عصر الفراعنة دخلنا فى دور إنحطاط إنتهى بغزو الهكسوس لبلادنا, حتى حرر أحمس البلاد منهم.
و فى عهد الدولة الإسلامية, إحتل الصليبيون أجزاء من أرضنا, فكان لصلاح الدين شرف إعادة بيت المقدس لنا.
ثم جاء عصر انحطاط آخر غزا فيه التتار بلادنا, حتى قيض الله لهم قطز و بيبرس.
و جاء عصر إنحطاط إنتهى بدولة حديثة أسسها محمد على باشا.
و الأمثلة كثيرة جداً, لأنها دورات من قبيل الحتمية التاريخية, و لو خلت الأمم من النفر المصلحين المجددين, لماتت تلك الأمم و انقرضت الى الأبد.
هذا ما يريده أعداؤنا لمصر, فهل نحقق لهم ما يريدون؟
إننا إذ ندافع عن مصر, فإننا ندافع عن أرضنا, عن أهلنا, عن أنفسنا, و عن أبنائنا, و لسنا ندافع عن نفر من المنتفعين و الفاسدين.

إننا ندافع عن بعض القيم الجميلة الموجودة فى شعبنا, ندافع عن الشهامة و الرجولة و الجدعنة, حتى لو كانت هذه القيم فى إنحسار فإنها لم تنقرض و لن تنقرض بإذن الله.
و واجب على كل من يحمل فى قلبه ذرة من التفاؤل و الأمل, أن يبث روح الأمل فى قلوب اليائسين, و ألا يستسلم لدعاوى اليأس و الإحباط و الإنهزامية, و أن يدرك مدى المسئولية الملقاة على عاتقه, لأنه لو استسلم هو للإحباط و تركك نفسه يقع فى براثن اليأس, فمن سيقف فى وجه هذا الطوفان, و ينتشل الشباب من بحار الإحباط؟

ربما سيعتبر الكثير هذا الكلام من قبيل الخطابة و الإنشاء, و أنه غير واقعى, لذا ألخص النتيجة التى أريد أن نصل اليها هنا:

نعم نحن فى عصر نمر فيه بظروف غاية فى السوء, و الذى لا يرى هذا فهو أعمى, و لا عجب أن يسعى الكثير من الشباب الى السفر لتحسين الحالة الإقتصادية, و أنا نفسى أحد هؤلاء, لكن ليس معنى كل هذا أن نكره وطننا, و أن نختزل كل الظروف السيئة و كل الفاسدين و المفسدين فى صورة الوطن, مصر أعظم من أن تختزل فى أى صورة, فلنعرف قيمة مصر جيداً, أعداؤنا عرفوا قيمتها فحاولوا غزوها عبر العصور و ما زالوا يضربونها بمعاولهم ليخربوها, فلا نكن عوناً لهم و نتركها لهم لقمة سائغة.

و يا ريت تقرأوا قصيدة على اسم مصر لصلاح جاهين

و قصيدة قالولى بتحب مصر قلت مش عارف لتميم البرغوثى

يمكن الشعر يكون له أثر أحسن من الكلام الناشف

السبت، 2 أغسطس 2008

الوقوع فى إسار التاريخ


ليس السؤال المطروح هو:هل ممكن أن يقع الإنسان أسيراً لتاريخه؟
بل السؤال الحقيقى هو:هل يمكن ألا يقع أسيراً لهذا التاريخ؟
بدايةً, لا شك أنك تتفق معى أن هناك عوامل متعددة تساهم فى تكوين شخصية الإنسان,منها أسلوب التربية و التنشئة,و منها الظروف المحيطة, و منها كذلك الطبيعة و الجغرافيا و التاريخ, و هذه العوامل الأخيرة تشكل العوامل النفسية المشتركة بين أبناء الشعب الواحد.و لكى تتضح الفكرة فلابد من طرح أمثلة بالطبع:
أبدأ بالحديث عن دول الغرب, فالغربيين و إن كانت الثقافة السائدة فيهم هى الديمقراطية و الليبرالية و تقديس حرية التعبير, إلا أنه عند التطبيق المباشر, تجد شريحة واسعة تنسى كل هذه المبادىء, و يتجلى هذا أكثر ما يتجلى عند تعامل الإنسان الغربى مع الإسلام.
نعم, فالمواطن الأوروبى العادى أسير لتاريخ طويل من الصراع بين النصارى و المسلمين, بدأ بطرد الروم من الشام و مصر و شمال أفريقيا,ثم الحروب مع الدولة البيزنطية فى عهود الأمويين و العباسيين, ثم الحروب الصليبية, ثم الصراع مع الدولة العثمانية التى هزت عروش أوروبا.
حتى الآن, و رغم سهولة الحصول على المعلومات, و رغم تعدد وسائل الاتصال, إلا أن المواطن الغربى العادى يشعر بخوف و قلق من الإسلام, و ليس عنده إلا صورة مختزلة و مشوهة عنه, نفس الصورة التى كانت تُثَبَت فى عقول المقاتلين الصليبيين قبل أن يذهبوا لغزو بلادنا, و رسخت هذه الصورة عبر العصور و ظلت فى عقول الغربيين, و لا يغير هذه الصورة الا التعامل المباشر مع مسلمين حقيقيين يمثلون روح الإسلام الحقة.
و قد يبدو غريباً للبعض أن يرى أن بعض الملحدين و اللادينيين فى الغرب-و الذين يفترض أن يكونوا معادين للأديان كلها-نجد عداوة هؤلاء للإسلام تفوق عداوتهم لأى دين آخر, و هذا راجع أيضاً للوقوع فى إسار تاريخهم, إنهم يحملون نفس النظرة الصليبية فى العقل الباطن, و لو لم يؤمنوا بالدين من الأساس, لكنه تاريخهم و ثقافتهم التى نشأوا فيها.

أضرب مثلاً آخر بأخوتنا الشيعة, فالشيعة قد توقف التاريخ عندهم عند العاشر من محرم سنة 61 هجرية, يوم كربلاء الذى إستشهد فيه سيدنا الحسين رضى الله عنه, و من تقاعسهم عن نصرته فى هذا اليوم فإنهم عدوا أنفسهم عبر العصور مسئولين عن هذه النتيجة, فتجدهم فى هذا اليوم يلطمون و يضربون أنفسهم بالآلات الحادة,تعبير لا معنى له عن الحزن لن يعيد الحسين و لن يغير التاريخ, و فى الوقت ذاته تجدهم يستخدمون مفردات مثل:الثأر الثأر!!!
الثأر مِن مَن؟ للأسف الثأر الذى يتكلمون عنه هو منى و منك و من كل من يعتنق مذهب أهل السنة, لأننا بنظرهم أتباع يزيد و جنوده الذين قتلوا الحسين, و الذين يتحملون وزر ما حدث لأهل البيت, و الذين يجب أن يتحملوا (مظلومية) الشيعة عبر العصور.
و بهذه النظرة الاختزالية للتاريخ تستطيع أن تفهم تصرفات الكثير من أخوتنا الشيعة, سواء فى عصرنا هذا أو عبر العصور المختلفة, و لن يتغير الحال طالما ظلوا واقعين فى إسار نفس هذه اللحظة.

المثل الثالث أضربه بشعبنا المصرى, فشعبنا أسير لتاريخ يمتد الى آلاف السنين, و لا أرانى مبالغاً إذا قلت أنه قلما نجد لشعب تاريخ يفخر به مثل شعبنا.
لكن تعاطينا مع هذا التاريخ يخرج أحياناً فى صورة إيجابية, و أحياناً أخرى فى صور شديدة السلبية.
الصورة السلبية هى عندما نقول أننا أحفاد الفراعنة, و نتكلم عن حضارة السبع آلاف سنة, و نغرق فى الإشادة بماضى أعظم منا, و لا نحاول أن نستلهم منه العبر, و لا أن نتعلم من أجدادنا, و لا أن نسعى لأن نصل لبعض ما وصلوا اليه.
أما الصورة الايجابية, فهى عندما يتغلغل هذا التاريخ فى الجينات, باعثاً فى النفس روحاً تجعل الإنسان المصرى واثقاً من نفسه فى أى مكان يذهب اليه, و فى أى عمل يعمل فيه, حتى إذا ما عُرِضَ عليه أداء عمل صعب و تشكك أحد من قدرته على أدائه رد بكل ثقة قائلاً:عيب عليك,دحنا مصريين.
نعم,فالمصرى يستند بظهره الى تاريخ مجيد, و من يستند الى الهرم ليس كمن يستند الى كوخ من القش, فإذا تعاطى المصرى مع هذا التاريخ بإيجابية, و كان دافعاً له للأمام ليقوم بدوره بأعمال عظيمة, فقد استفاد من تاريخه, أما إذا ركن اليه, و عاش فى ظلاله, فقد وقع حينئذٍ فى إساره.

هنا يجب أن نتساءل:و ما العمل إذاً؟كيف نستطيع ألا نقع أسرى للتاريخ؟
الإجابة:إننا لن نستطيع ذلك, إلا إذا نسينا أو تناسينا التاريخ, و هو ما لا نستطيعه, و ما لا يجب أن نفكر فيه من الأساس, فأمةٌ بلا تاريخ هى بكل بساطة أمة بلا هوية.
الحل برأيى هو التوازن, نعم, يجب أن يكون الإنسان متوازناً عندما يتعاطى مع التاريخ, سواء تاريخه أو تواريخ الآخرين.
يجب أن نتخلص من القراءة الاختزالية للتاريخ, و يجب ألا يكون تحديد مواقفنا تجاه الآخرين مبنياً بالأساس على قراءة أحداث تاريخية معينة, و هنا يجب أن أطرح أمثلة معكوسة للأمثلة الأولى كى تتضح الفكرة أكثر:
المثل الأول هو فى التعامل مع الغرب, إذا وقعنا فى إسار التاريخ, حينها سنرفض كل ما يأتينا من الغرب, فلم نر منه عبر تاريخنا إلا الإستعمار و القتل و النهب و نشر القيم الرديئة...الخ
لكن النظرة المتوازنة للأمور يجب أن تدفعنا الى عدم رفض الغرب ككل, و لا وضع كل الغربيين فى قالب واحد, فالغرب ليس شراً خالصاً, و كما أنه ملىء بالقيم الرديئة و الثقافات الفاسدة, فبه أيضاً التطور و العلم و كثير من الأشياء التى نستطيع أن نتعلمها, فنحن كبشر لا نستطيع أن نعيش فى جزر منعزلة, لقد خلقنا الله أمما مختلفة (لنتعارف), و هذا هو التكامل الإنسانى بين البشر, فكل منا فى حاجة للآخر.
يعنى دولة مثل فرنسا مثلاً, دولة أوروبية متقدمة فى مجالات عدة, ترى من بنى جلدتنا من يغرق فى الإعجاب بها لدرجة التقديس, و يصفها بمنارة الحرية و شعاع الثقافة و الفن.
لكننا فى الوقت ذاته يجب ألا ننسى أن فرنسا هذه كانت المصدر الرئيس لحشد المتطوعين فى الجيوش الصليبية(لاحظ أن لفظة الفرنجة مشتقة من كلمة الفرنك أى الشعب الفرنسى),و لا يجب أن ننسى فى الوقت ذاته ما فعلوه فى بلادنا و دخولهم الأزهر بخيولهم, أو ما فعلوه فى الجزائر و فى كافة البلاد التى استعمروها.
كل هذا لا يمنع الاستفادة من العلوم و الآداب, و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدت, و قد كان للبعثات التى أرسلها محمد على دوراً مهماً فى بناء الدولة المصرية الحديثة.
من 10 سنوات,احتفل بعض مثقفينا و على رأسهم وزير الثقافة بمرور 200 عام على قدوم الحملة الفرنسية, مشيدين بدورها (التنويرى)و أنها أدخلت المطبعة لمصر, و صدق من قال:ما قيمة المطبعة يجرها المدفع!! حقاً هذا هو الوجه الآخر للعملة, فكما أرفض الوقوع فى إسار التاريخ, أرفض كذلك نسيانه بالكلية, أو على الأقل إختزاله.

حسناً, و ماذا عن الشيعة؟ هل نضعهم جميعاً فى خانة العداء, و نقع أسرى للتاريخ مثلهم؟ أم يجب أن يكون عندنا نوع من التوازن فى الرؤية و تقدير لمصالح الأمة العليا؟
هل نتخذ موقفاً سياسياً معادياً لحزب الله فى لبنان حتى لو كانت حربه مع إسرائيل؟و هل نفرح لو ضرب الأمريكان إيران و ننسى أن هذه دولة تؤمن بأنه لا إله إلا الله؟
لا أقول أن ننسى التاريخ, لكن لا تجعله عقبة فى تعاملك معهم, تعامل بشكل عادى, و لكن كن على حذر, تذكر أن من هؤلاء خرج ابن العلقمى الذى باع بغداد للتتار, و منهم الصفويين الذين تحالفوا مع النصارى لضرب الدولة العثمانية, و منهم من يتعاون مع الأمريكان فى العراق حالياً.
الخلاصة:عندما تتعامل مع الآخر,كن متوازناً, لا تنس التاريخ و كأن شيئاً لم يكن, فما تم بالأمس قد يحدث اليوم أو غداً, لكن فى الوقت ذاته, لا تدع هذا التاريخ عائقاً يمنك من التواصل مع الآخرين, و الإستفادة منهم.
لا تدر وجهك بعيداً و ترفض الآخر ككل, و لا تنس نفسك و ماضيك فتقبله ككل, خذ منه ما ينفعك, و ميز الذى يضرك و اطرحه بعيداً, تعامل بطريقة طبيعية, و لكن بعقل, و حذر.