السبت، 18 سبتمبر 2010

عن الوفد, و الحزن الوطنى, و الإنتخابات, و هموم أخرى


فى ظل تدافع و تسارع الأمور فى بلادنا, و فى خضم الفوضى التى تجعل المرء فى حيرة و تساؤل عن المستقبل, شرد ذهنى فى هذه الخواطر:

ماذا يحدث فى حزب الوفد؟

الحزن الوطنى-و ليس الحزب-مسيطر على الحياة السياسية فى المحروسة منذ أكثر من ثلاثة عقود, و هو إن سمح لقوى المعارضة بالمشاركة السياسية فذلك من قبيل إظهار الوجه الديمقراطى للدولة المصرية, فلدينا تعددية حزبية و ممثلين لهذه الأحزاب فى البرلمان, و يقدمون طلبات إحاطة و يقومون بعمل إستجوابات, و هم يدخلون المجلس بعد إنتخابات تنافسية, و كل هذا من أجل إستكمال الشكل الديمقراطى العام كما ذكرنا.

و الحزن الوطنى يؤكد لنا أنه يحوز الأغلبية من خلال صناديق الإقتراع, و الأرقام تشهد, و يؤكد أن الأحزاب تتهمه بتزوير الإنتخابات لفشلها و ضعفها و عجزها عن عمل أرضية لها بين الجماهير تشجعها على إعطائها أصواتها.

و ما أصدق من شبه الحزن الوطنى بأنه حمار, أقصد حصان يجرى وحيداً فى السباق بدون أى خيول منافسة, و بالتالى فإن فوزه لا معنى له, لأنه يلعب مع نفسه, و لا أعلم لم كل هذا الإستمرار فى هذه التمثيليات الممجوجة التى تُصرف فيها كل هذه الأموال. رغم أن الحزن الوطنى يملك من البجاحة و الوجه المكشوف ما يعفيه من كل هذه التمثيليات, لكنه الغباء يا قارئى العزيز, و كأن هذه التمثيليات تخيل على الغرب الذى يخشاه النظام, و لن أقول الشعب لأنه لا يأبه به النظام.

ما علاقة كل هذا بحزب الوفد؟ أزعم أن الحزن الوطنى قد لجأ لتغيير التكتيك هذا العام, ليس من قبيل التنويع و كسر الملل, و لكن لأسباب أخرى سنذكرها.

ماذا لو صار أمام الحزن الوطنى منافس وحيد قوى من بين أكشاك الجرائد المسماة أحزاباً, منافش له شرعية فى المشاركة فى الحياة السياسية, منافس له إسم و تاريخ عريق, منافس يجعل الإنتخابات تبدو قريبة من الإنتخابات بين الليكود و العمل فى إسرائيل, أو المحافظين و العمال فى بريطانيا؟

طبعاً لن يتم هذا الأمر فى يوم و ليلة, و يبدو أن الحزن الوطنى قد إنتبه لهذا متأخراً, لكن كما يقال أن تبدأ متأخراً خير من ألا تبدأ على الإطلاق, فنحن نرى حزب الوفد منذ أشهر و كأنه يتم تلميعه و تهيئته لدور أكبر و أوسع:

-فالقيادة تغيرت بأخرى أكثر شباباً.

-هذه القيادة(السيد البدوى) رجل أعمال يمتلك منبراً إعلامياً(قناة الحياة), و أضاف لنفسه منبر آخر جديد من العيار الثقيل(جريدة الدستور), ربما لا نجد فى هذه المنابر الإعلامية دعاية مباشرة لحزب الوفد, لكنهما سلاح إعلامى مهم و واسع الإنتشار.

-وجدنا أسماء معروفة تنضم إلى حزب الوفد منها لاعب الكرة عبد الواحد السيد, و الداعية الإسلامية د.سعاد صالح(لا أدرى مال الدعوة الإسلامية بالليبرالية العلمانية؟)

و ما زال النيل يجرى, و ما زال المسلسل مستمراً, الكل متطلع إلى حزب الوفد و ما يجرى فيه, تعديلات اللائحة, الإخوان يعلقون قرارهم بالمشاركة فى الإنتخابات إنتظاراً لعمومية الوفد, الوفد يعقد جمعيته العمومية لحسم قرار دخوله الإنتخابات من عدمه, الوفد يعلن نزوله الإنتخابات.

من الواضح أن الوفد سيشارك كما لم يشارك من قبل, سيدفع بعدد أكبر من المرشحين بعضهم من العيار الثقيل, ربما ينزل السيد البدوى بنفسه حتى, و سيفوز عدد محترم من هؤلاء المرشحين.

كيف ستجرى الإنتخابات؟

غنى عن الذكر أن الأغلبية التى يحوزها الحزن الوطنى ليست بالأصوات, فهناك من ينجح بأصوات الناخبين الحقيقية, و هناك من ينجح بعد التزوير و غلق اللجان و منع الناخبين من التصويت, لكن هؤلاء لا يمثلون إلا الأقلية, و الأغلب هم المستقلون الذين يعلنون إنضمامهم للحزب بمجرد فوزهم.

هناك أسماء يدفع بها الحزب و من المعروف أنها لابد و أن تنجح أياً كانت الطريقة بسبب أهمية الشخصية -كما حدث مع مصطفى الفقى فى الدورة الماضية-أو أهمية الدائرة التى يمثلها-كما حدث مع مصطفى السلاب نائب دائرة رئيس الجمهورية-و هناك كروت محروقة أخرى ليس من المهم نجاحها من عدمه لأنها كمالة عدد.

ستحوز الأحزاب عدداً أكبر من المقاعد هذه المرة و فى مقدمتها حزب الوفد, لكن هذه المقاعد لن تكون بالخصم من رصيد الحزن الوطنى, بل ستكون من نصيب الخاسر الأكبر فى هذه الإنتخابات:الإخوان المسلمون.

يخطىء الإخوان إن ظنوا أن بإمكانهم أن يحافظوا على المقاعد التى حصلوا عليها فى إنتخابات 2005,بله أن يزيدوا عليها, فالحزن الوطنى ليس بحاجة لمزيد من الصداع و أن يرى بالمجلس 90 نائباً يرتدون أوشحة مكتوب عليها(لا للطوارىء), ناهيك عن الصداع الناتج من الإستجوابات و التصريحات و النواب المشاركين فى الوقفات و قوافل الإغاثة لغزة.....إلخ.

الحزن الوطنى ليس عنده إستعداد لأن يوجد مكان تحت القبة لمن يتكلم عن الفساد و بيع الغاز و تخصيص الأراضى و الإحتكار, و بالقطع ليس عنده إستعداد لأن يرى معارضاً للتوريث.

و قد إستعد النظام قبل الإنتخابات بحملة مكثفة من ضمنها إتهامات لنواب بالجماعة فى قضية قرارات العلاج على نفقة الدولة, و الحملات الصحفية, هذا غير رسالة دخلت لكل بيت من خلال التليفزيون:مسلسل الجماعة.

و مع هذا, بمجرد أن أعلن الوفد أنه سينزل الإنتخابات, و رغم دعوة الجمعية الوطنية للتغيير لكافة القوى الوطنية بمقاطعة مسرحية الإنتخابات الهزلية, فإن تصريحات الإخوان و غيرهم من الأحزاب تظهر أنهم سيهرعون للمشاركة و الترشح, و الظاهر أن المبدأ هنا ليس الإلتزام بمبدأ أو قرار داخلى و قناعات عامة لدى أى حزب معارض أو الجماعة, فربط الجماعة أو غيرها لمشاركتهم فى الإنتخابات من عدمها بقرار الوفد معناه أن قوى المعارضة تتعامل فيما بينها بمبدأ(إشمعنى), فلم يكون للوفد نواب و لا يوجد للإخوان؟ و لم يوجد للغد و لا يوجد للتجمع؟هل هذا الحزب أحسن من حزبى أو جماعتى أو يزيد عنها فى شىء؟

قوى المعارضة تعارض بعضها و تختلف أكثر مما تتفق, قوى المعارضة مصلحتها الفردية أهم من المصلحة العامة و لذا لا تتفق على موقف موحد, قوى المعارضة تتعارك على سقط المتاع الذى يتركه لهم الحزن الوطنى.

لن يقل عدد مقاعد الوطنى بل سيزيد, لأن المجلس نفسه زاد هذه المرة بعد إضافة مقاعد المرأة, و ستكون لعبة الكراسى الموسيقية هذه المرة على بقية الكراسى بين الوفد و الإخوان و بقية الأحزاب.

و لا أعلم لم أعلنت الأحزاب و الجماعة دعمها لمطالب التغيير السبعة و جلها متعلق بنزاهة الإنتخابات و الإشراف القضائى عليها و ضمان عدم تزويرها, ثم ها هم يتسابقون للإشتراك فى هذه الإنتخابات الغير نزيهة, و الكل يريد جزءاً من الكعكة و هو لا يرى أنها عفنت.

إنها لعبة السياسة القذرة و فقط.

ماذا نحن فاعلون؟

نشارك أم نقاطع؟هذه هى المسألة.من العلماء من يفتى بتأثيم من لا يشارك فى الإنتخابات من باب أن المقاطعة هى كتمان للشهادة, و يفتى بذلك علماء من داخل مؤسسة السلطة و من خارجها كل حسب التيار الذى يدعو له, و هؤلاء و هؤلاء أسأل:و ما جواز المشاركة فى مسرحيات هزلية تعطى شرعية لنظام فاسد مستبد مزور ليس عنده إستعداد لتداول السلطة, و فى خلال هذه المسرحية تصرف الملايين و تسيل الدماء بل و تزهق بعض الأرواح؟!

الحقيقة أنى أرى أنه من الأفضل حقناً للدماء, و توفيراً للأموال, العزوف عن هذه التمثيلية, و أولى بهذه الأموال ان تُصرف على الفقراء الذين لم يترك لهم الحزن الوطنى و حكومته سبيلا, و أولى بهذه الأنفس أن تزهق فى سبيل إزاحة طغاة عن كراسيهم فى هبة و ثورة وطنية يقوم بها شعب يدرك معنى الحرية و ثمنها, لا أن تزهق فى سبيل إجلاس ممثلين عجزة على كراسى متحركة.

كنت أرى قديماً أن دعوة المقاطعة دعوة سلبية, و أن المشاركة بإيجابية طريق التحرر, لكنى الآن أرى أن المشاركة السياسية بهذه الصورة لا تصلح مع الحزن الوطنى, فالنظام الديكتاتورى لا يمكن أن يرحل بالطريق الديمقراطى.

لا أقول هذا تحت تأثير اليأس و الإحباط, فليس لليأس لقلب المؤمن من سبيل, التغيير قادم لا محالة, إنها مسألة وقت فقط و تحتاج لصبر و عمل و شعب إذا أراد الحياة سيستجيب له القدر.

الصحافة فين؟

لا أعلم لم يصر المنافقون و الموالسون على الإساءة لمصر بنفاقهم, العالم كله عرف فضيحة الصورة المزيفة للرئيس مبارك و هو يمشى فى المقدمة و وراءه أوباما و نتنياهو و عباس فى مباحثات السلام.ما هذا الغباء؟ هل يتصور المنافق الذى زور الصورة أنه بهذا يعظم صورة مبارك أمام شعبه؟أو أنه يرتقى بمكانة مصر؟ ألا يدرى أنه زادنا و زاده خزياً فوق خزى؟ إلى متى سيجعلنا هؤلاء أضحوكة للعالم؟و العجيب أن يستمر النفاق و الموالسة و التبرير من رئيس تحرير الأهرام و يستمر على هذا الموقف المبكى و لا أقول المضحك.

أصبح من القليل وصف هذه المواقف بالنفاق و الموالسة, و لولا أننى أرفض أن أغير خط هذه المدونة أو أضمنها ما لا يليق من الألفاظ, لذكرت الوصف المناسب, يكفى أن أقول أنه اللفظ الناقص من هذه العبارة المعروفة لدى مشجعى كرة القدم:الصحافة فين,....... أهو.

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

القِرَدَة




منذ أيام قليلة بدأت أقرأ و أسمع عن لافتات التأييد لجمال مبارك التى بدأت تنتشر ببطء فى الإسكندرية بعد أن إنتقلت العدوى إليها من القاهرة و محافظات أخرى, و ظل الأمر مجرد سماع حتى رأيت أول لافتة بأم عينى بجوار مبنى المحافظة فى شارع فؤاد.

هل تعرفون هذا الشعور؟ عندما يكون هناك أمر ترفضه و لا تريد أن تراه يحدث لك أو أمامك, و رغم أن كل الشواهد تشير إلى أنه سيحدث, إلا أن عقلك الباطن يظل يرفضه و لا يصدق حدوثه, حتى تستيقظ فى يوم و تراه رأى العين.

منذ سنوات و نحن نرى عجلة التوريث تجرى, و قد زاد تسارعها فى الآونة الأخيرة, حتى بتنا نرى صور نجل الرئيس بكل بجاحة فى الشوارع من (أرزقية)و(مصلحجية)و منافقين و أوصاف أخرى يعف قلمى عن سطرها هنا.

عندما رأيت لافتة التأييد هذه, شعرت بالدموع تتحرك فى عينى.

هل سيكون هذا مصيرنا؟ هل سيكون هذا مآل مصر؟

هل نحن غنم تساق؟ و عبيد تسلم من نخاس إلى سراق؟

هل يصبح رأس دولتنا شخصاً-و لا أقول رجلاً-يؤمن بأن الإكتفاء الذاتى من المحاصيل و منها القمح أمر غير عملى؟

هل يصبح رئيس بلادى شخصاً تربى فى أحضان نظام مهادن موالى مطاطى خنوع مستسلم, و يؤمن أن العيش بذل هو أفضل سبيل للحفاظ على البلاد, و عرش البلاد؟

هل يحكم الشعب شخصٌ مولود و فى فمه ملعقة ذهب, لم يقف فى طابور, و لم يتعلق بأوتوبيس, و لم يعانِ فى مصلحة حكومية؟ و أنى له أن يشعر بما يشعر به المواطن العادى؟

هل يكون حاكم البلاد المقبل أحد أفراد شلة منتفعين و نهابين من كبار رجال الأعمال, أزكمت رائحة فسادهم الأنوف, و أهلكوا البلاد و العباد بالسرقة و الإحتكار؟

هل تكون المزية الوحيدة لرئيسنا المقبل, أنه إبن الرئيس الحالى؟

إن اللحظة التى رأيت فيها هذا اللافتة قد إستدعت إلى ذاكرتى هذا الحديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم فى رؤيا رآها فقال: إني أريت في منامي كأن بنى الحكم بن أبي العاص-يعنى بنى أمية- ينزون على منبرى كما تنزو القردة. صدق رسول الله.

فهاهو عرش مصر و كل منبر فيها و قد علته القردة.

لنبدأ بالكتابة, و لنضرب مثلاً بجريدة الأهرام.الأهرام التى كان يكتب فيها هيكل و إحسان عبد القدوس و نجيب محفوظ و عبد الوهاب مطاوع صار يكتب فيها أسامة سرايا و تامر حسنى!

و أين المسرح الذى كان يعلوه يوسف وهبى و زكى طليمات و الريحانى من الذى نراه الآن؟

و هل ما تمتعت عيوننا برؤيته من فن محمود سعيد و محمود مختار و صلاح طاهر و حسين بيكار يقارن بإنتاج (الوزير الفنان) فاروق حسنى؟

و أين الأصوات القديمة الجميلة القوية و التى كانت تتغنى بأشعار شوقى و حافظ و أبى فراس, و أغانى بيرم و جاهين؟

و إذا تكلمنا عن السياسة و أهل السياسة فليس هناك أى مجال للمقارنة, فنحن بين وزراء فاشلين و بعضهم متورط فى الفساد و بيع أراض الدولة بثمن بخس و الإهمال فى الحفاظ على الآثار و التحف و التأخر فى الإعلام و التدهور فى التعليم و الفشل فى الرياضة. هذا غير قمع الحريات و إنتهاك حقوق الإنسان و شفط جيوب الشعب و إفساد علاقات مصر بجيرانها و الإرتماء فى أحضان العدو و بيع الغاز له و الإنتكاس فى الدور العالمى و الإقليمى.

و نحن بين رؤساء أحزاب ضعاف لا يستطيعون الإتفاق فيما بينهم و الوقوف صفاً واحداً أمام الطغيان, و هم فى يوم ضد الحكومة و فى أيام معها من أجل المصالح.

و فى النهاية نرى جمال يريد أن يجلس على العرش الذى جلس عليه مينا و تحتمس و رمسيس و صلاح الدين و بيبرس و محمد على و عبد الناصر, فأين أنت من كل هؤلاء يا هذا؟

حقاً, إنه عصر القردة بإمتياز, و القردة تنزو على عرش مصر و منابرها.

لكن دوام الحال من المحال, و عجلة التغيير التى دارت لا يمكن أن تتوقف عن الدوران, لأن التغيير سنة كونية.

لا أعلم متى ستنقشع الغمة, و لا كيف ستنقشع, لكنى أعلم أنها ستنقشع.

لا أعلم ماذا سأفعل, لكنى أعلم جيداً ما الذى لن أفعله بعون الله.

لن أكون سلبياً محبطاً يائساً.

لن أتوقف عن دعم أى جهد يصب فى خانة التغيير.

لن أتوقف عن توعية من حولى و بث الأمل و روح الإيجابية فى نفوسهم.

لن أشارك فى مسرحيات هزلية تعطى شرعية لنظام أرفض وجوده, و لن أشارك فى الإنتخابات طالما خلت من النزاهة.

لن أقبل بأن تعتلى القِرَدَة عرش بلادى.

و تلك الأيام نداولها بين الناس, فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون, و حسبنا الله و نعم الوكيل.