الخميس، 28 يونيو 2012

رسالة إلى الوالي

هذه مجموعة من الرسائل القصيرة أتمنى أن تصل للرئيس المنتخب أعانه الله و أعاننا على المضي بهذا البلد للأمام

بعد التحية و السلام،

أتمنى أن تنتهى من عملية تحديد فريقك الرئاسي و رئيس الوزراء و أعضاء الحكومة في أقرب وقت .. تثار مشكلة سخيفة بخصوص أداءك اليمين الذي أرى أنه مسألة شكلية فشرعيتك الأساسية تأتي من الملايين التي انتخبتك و أوصلتك لمقعدك في الأساس, لكن درءاً لأي صداع فأعتقد أنه من أفضل الإقتراحات التي طُرحت في الفترة الأخيرة أن تحلف اليمين أمام مجلس الشورى في حضور أعضاء المحكمة الدستورية. و سيكون للقسم رمزية أعمق لو خرجت بعدها إلى التحرير و حلفت أمام حشود الشعب هناك.

لو كنت مكانك فإن ما سأفعله في ثاني يوم من تسلمي السلطة رسمياً هو إصدار قرار بإلغاء الإعلان الدستوري المكبل حيث أنه لا شرعية للمجلس العسكري و لا حق له في التشريع من الأساس حتى يشرع أو يسحب التشريع .. المجلس العسكري أدار المرحلة الإنتقالية بناءً على تكليف المخلوع له و عليهم الآن أن يتبعوا تكليفاتك أنت, أما أنت فصاحب الشرعية من الشعب الذي سيلتف وراءك لو وجد منك هذه الخطوة. و بالمناسبة, تذكر أنك قد صرت فعلياً رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسلمك السلطة.

و طالما أن هناك حكم محكمة منتظر بخصوص البرلمان في 10 يوليو فأقترح أن تصدر قراراً بالدعوة لإستفتاء عام للشعب بقبول أو رفض قرار حل البرلمان في حال إستمر الوضع على ما هو عليه.

تذكر أن المعتصمين في التحرير و المتظاهرين في المحافظات تحت الشمس الحارقة قد تملك أنت إراحتهم من هذا العناء بجرة قلم .. نعم ستواجه حرباً ربما لن تكون علنية من المجلس العسكري و سيخوضها بالوكالة عنه في العلن – و للأسف – العديد من أفراد النخبة من كتاب و صحفيين و إعلاميين و يصدعوا أدمغتنا بمدى دستورية قرارك و أنك ستتحول لديكتاتور يتولى كل السلطات في غياب دستور و برلمان و يتناسون أن المجلس العسكري ظل يحكمنا لعام و نصف بهذه الصورة. لا تشغل بالك بكل هذه الترهات و امضِ في طريق الحق بقوة بلا مهادنات و لا مساومات, و حين يلمس الشعب فيك القوة و الصلابة في الحق سيلتف وراءك.

إياك أن تنسى و أنت تنام في فراشك كل ليلة أن هناك ألوفاً ينامون على البورش .. لا تنس معتقلي العباسية و مجلس الوزراء و كل من تم اعتقاله سياسياً خلال الثورة...لا تنس ضباط 8 أبريل و من بعدهم. اصدر قراراً جمهورياً بالعفو عن هؤلاء.

أراك تسعى لإرسال رسائل طمأنينة إلى مختلف أركان الدولة، هذا حسن، لكن لا تسمح أبداً بأن يستمر الوضع المعوج للمجلس العسكري الذي سيستمر في التصرف كأنه كيان مستقل.

إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ .. فإن فسادَ الرأي أن تترددا .. لا تسوف و لا تؤجل القضايا الحاسمة فإنك كلما تأخرت و أجلت لن تجد الزخم الشعبي المتنوع القادر على مساندتك في الشارع .. أنت محتاج لهذا الدعم بقوة و خصوصاً في المرحلة الأولى إلى أن تنتزع صلاحياتك بشكلٍ كامل..نعم فالصلاحيات و السلطة لا تُسَلَم و إنما تُنتَزَع...و ما نيلُ المطالبِ بالتمني..و صدقني أنك إذا أجلت المعارك و المواجهات الحاسمة لن تجد أحداً يساندك في الشارع سوى الإخوان فقط في نهاية المطاف.

إعلم أن كافة أجهزة الدولة تحاربك حرباً قذرة سواء في الإعلام المأجور أو بنشر الأكاذيب و إشاعة الرعب لدى الناس .. قرأت أن رجلاً تحرش بفتاة مسيحية قائلاً لها أنها ستجبر غداً على النقاب و لما صرخت و تجمع عليه الناس وجدوا أنه أمين شرطة. قف بحزم و أوئد أي فتنة في مهدها و لا تستهن و لا تتهاون.فمعظم النار من مستصغر الشرر.

استعد لكثير من المشاكل المفتعلة من قبيل أزمات البنزين و السولار و ربما الخبز و ربما مشاكل خارجية أيضاً. أركان الدولة لا زالت تدار بأيدي أتباع النظام السابق و كلما تأخرت في التطهير إنفجرت المشاكل.

لو علمت الآمال التي يعلقها عليك ملايين البسطاء ما نمت الليل. هناك كثيرون يحلمون أن تتحسن أحوالهم للأفضل في يومٍ و ليلة و هو ما لا تملكه أنت و لا غيرك...كن صادقاً و شفافاً معهم و لا تعدهم إلا بما تملك .. ثم ابذل قصارى جهدك لتحقيق ما وعدت.

إحذر أن تتحول لنموذج عصام شرف الذي حمله الناس على أعناقهم ثم لعنوه بعدها ببضعة شهور. شعبنا عاطفي و سهل التأثير عليه و لو وقعت في الشراك التي سينصبها أعداؤك لك فسينقلب عليك شعبك.

ليكن في علمك أني لم أنتخبك إلا لأنك من تبقى أمام شفيق، و أني لم أكن أتصور أني سأصوت لك يوماً و لكن من أجل الصالح العام اخترتك..و لأجل الصالح العام سأستمر في دعمك طالما أحسنت السيرة و لم تحد عن طريق الثورة. أسأل الله أن يهديك لبطانة الخير و يبعد عندك مستشاري السوء...و إياك ثم إياك أن تنكث بأيٍ من وعودك...و أعانك الله على ما أنت مقبلٌ عليه, و أنا متفائل خيراً بإذن الله...الله أكبر و الثورة ستنتصر في النهاية سواء بك أو من غيرك فكن على قدر المسئولية أمام الله..و أمام شعبك..و أمام التاريخ.

--------------------------------------------------
تم نشر المقال بموقع رصد

السبت، 23 يونيو 2012

عندما يصبح الحياد خطيئة


بدايةً لا أؤمن أن هناك ما يسمى بحياد إيجابي أو حيادٍ سلبي. فالتطبيق العملي لسياسة الحياد الإيجابي على المستوى السياسي مثلاً تضمن في نهاية المطاف بصورةٍ أو بأخرى قدراً من الإنحياز, مما يتنافى أساساً مع مفهوم الحياد. لذا فالحياد هو أخذ موقف سلبي في الأساس. لكن متى يصبح الإنسان محايداً؟
أزعم أن الإنسان يكون محايداً في قضية ليس له علمٌ بها, أو ليس له مصلحةٌ فيها...فإذا توافر العلم إنحاز بعقله إلى طرفٍ من الأطراف, و إذا توفرت المصلحة إنحاز بعقله و عمله لتحقيق هذه المصلحة.
و الآن أسأل كل من يقف على الحياد في هذه اللحظات الدقيقة التي نعيشها: أليس لك مصلحة في هذا الصراع؟ أليس هذا الصراع متعلقاً بالأساس بمستقبل الوطن؟
إلى كل من فضل خيار المقاطعة أو إبطال الصوت في الإنتخابات, هل لا زلت ترى أن الخيارين سواء؟
ألا ترى أن الأمر هو صراعٌ بين عسكرة كاملة للدولة, و بين دولة مدنية حتى لو كنت معارضاً لرأسها الآن؟
إذا كنت ما زلت ترى أن الأمر برمته هو صراع على السلطة بين العسكر و الإخوان و لنتركهم يقضي أحدهما على الآخر فدعني أسألك: ثم ماذا؟ ثم ستستطيع أنت منفرداً هزيمة العسكر؟ لا يا عزيزي هذه معركة لا يستطيع أحد حسمها بشكل منفرد, لا أنت و لا حتى الإخوان .
ألا تستحق مصر أن تتخطى خلافك الأيديولوجي مع الإخوان و يكون حبك للثورة أكبر من كرهك لهم؟ و إذا لم تستطع تجاوز هذا الخلاف الآن من أجل مصر و من أجلك أنت, فمتى إذاً ؟
ألا ترى أن هناك من إستطاع بالفعل تجاوز هذا الخلاف الأيديولوجي و وقف في نفس الصف مع الإخوان رغم عميق الخلاف معهم؟
هل تصدق – أو تريد أن تصدق -  أن الميدان مقتصر على الإخوان و أنصارهم فقط كما يروج الإعلام؟
ألا ترى أننا قد عدنا لنقطة البداية و أن الإعلام يلعب نفس الدور, بل و يكرر نفس ما كان يقوله في الأيام الأولى للثورة؟
إذا سألتني : و هل كان الإخوان سيقفون نفس الموقف لو كان المرشح الذي ينافس شفيق ليس منهم؟ فصراحةً ليس لدي نية للمزايدة و لندع هذه الإجابة للإخوان أنفسهم لكن إذا كنت ترى أنهم لم يكونوا لينزلوا فدعني أنا أسألك: أليس هذا هو عين ما تفعله الآن؟
إذا كنت تنقم على الإخوان عدم مشاركتهم في عدد من المواقف الحاسمة فلم تكرر نفس ما نقمته أنت عليهم؟ لم لا تكون أفضل منهم لأجل هذا الوطن؟
كل ثائر عنده كل الحق في الغضب من الإخوان لمواقف عديدة أبرزها محمد محمود و مجلس الوزراء و غيرها, لكني إن كنت ترجع هذه المواقف للخيانة فإني أرجعها للغباء و سوء التقدير من قيادة الإخوان. و أحسب أن الإخوان بتحركاتهم الحالية قد أدركوا سوء تقديراتهم السابقة و اختاروا الخيار الصحيح هذه المرة. فماذا تنتظر منهم بعد؟ و إلى متى ستنتظر؟
كثيراً ما كنت أردد أن هناك ما يسمى بالترمومتر الثوري لدى كل ثائر يحدد له الوقت المناسب الذي ينبغي فيه النزول. و ما كنت أنتظر أن يكون في وقتنا هذا مساحة للإنتظار و للتردد لدى أي ثائر.
هناك أوقات لا تملك فيها أن تمسك العصا من المنتصف. و هناك من يفعل هذا إنتظاراً لرؤية الطرف الغالب ثم يعلن إنحيازه له في النهاية. و نجد من بين أفراد من يسمون بالنخبة كثيراً من هذا الصنف, لكن هذا بعيدٌ كل البعد عن أي ثائر.
إننا ربما نكون في آخر معركة كبرى للثورة و هى معركة إستقلال الإرادة و كسر هيمنة العسكر. لا أظن أن أحداً يرضى بأن يضربنا العسكر على أقفيتنا و يدعون أنهم سلموا السلطة و قد تركوا لنا رئيساً منزوع الصلاحيات و إحتفظوا هم بسلطة التشريع و فرضوا كذلك لجنة لتشكل الدستور على هواهم. و يخطىء من يرى أنها معركة تنتهي بإعلان مرسي رئيساً. و يخطىء كذلك من يظن أننا لن نعارض مرسي و نقف له بالمرصاد إذا وجدنا منه إنحرافاً عن الصواب. و يبدو أن قدرنا أن نظل معارضين.
خطوط المعركة و أهدافها محددة: لا للإنقلاب العسكري المسمى بالإعلان الدستوري المكمل.
لا لحل مجلس الشعب.
لا لتشكيل هيئة تأسيسية للدستور بخلاف الهيئة المنتخبة.
لا للضبطية القضائية.
لا لمجلس الدفاع الوطني كما شكله العسكر.
أرجو من كل ثائر أن يضع هذه الأهداف نصب عينيه إلى أن نحققها بعون الله تعالى....و أدعو كل متردد أو من يتخذ موقف الحياد حتى هذه اللحظة أن يراجع نفسه و يدرك اللحظة الفارقة..فلا مجال للتردد و لا للحياد في اللحظات الحاسمة.
 (إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحيادفي أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة) مارتن لوثر كنج
و مصر تستحق أن نسمو فوق أي خلاف و نبتلع المر من أجلها, و كي لا يضيع كل تعبنا هباءاً...و الله ناصرنا..و الله المستعان .

الجمعة، 15 يونيو 2012

مراجعة ليلة الإمتحان: للمقاطعين و المبطلين



هذه النقاط موجهة بالأساس للأخوة المقاطعين و المبطلين بإختلاف أسبابهم:
إذا كنت قد شاركت في الجولة الأولى و ستبطل صوتك الآن لأنك ترى أنه من العبث أن تشارك في مهزلة أو مسرحية  فأود أن أذكرك أن هذا القرار متأخر جداً..مشاركة أحمد شفيق من البداية هى مهزلة في حد ذاتها...و وصوله إلى كرسي الرئاسة سيكون إكمالاً لهذه المهزلة. و مقاطعتك لن تمنع هذه المهزلة من الحدوث..لكن مشاركتك ربما تمنعها.
إذا كنت ترى أن فوز شفيق هو أمر محسوم و تحصيل حاصل لأن الإنتخابات لابد ستزور فاعلم أن حتى التزوير له حدود, إذا كان فارق الأصوات بين الطرفين كبيراً لن يستطيعوا أن يزوروا لشفيق. و إذا فعلوها و زوروا رغم كل شىء فساعتها سيكون الأمر مفضوحاً و ذريعة لقلب الطاولة عليهم
إذا كنت ما زلت ترى أن المشاركة غباء لن العسكر لن يقوموا بكل ما قاموا به لتمرير شفيق ثم ينتظرون هل سينجح أم لا في النهاية فاعلموا أن من يظن أنه ليس للعسكر خطة بديلة في حال فشل مخططهم لأى سبب فهو واهم,  و يكفي ما حدث بالأمس من إخصاء للرئيس المقبل بحل مجلس الشعب ثم ربما بإعلان دستوري مكمل قريباً يشل يديه, و هذا السيناريو هو الأوقع في حال خسر شفيق.
إذا كنت ترى أن المقاطعة ستنزع الشرعية عن الإنتخابات فاعلم أن النظام الصفيق لا يأبه لهذا و كذلك لن يشعر المواطنون العاديون بهذا و سيقتصر الأمر عليك وحدك... مبارك كان ينجح بالتزوير و الحزب الوطني كان يكتسح الإنتخابات بالتزوير و آخرها 2010 و لم يمنعه هذا من الحديث بكل بجاحة عن الشرعية...و بالنسبة لي فحتى لو فاز شفيق فهو غير شرعي لأن وجوده في الإنتخابات من البداية غير شرعي.
إذا كنت تنوي المقاطعة لعدم إقتناعك بمرسي و نفورك من كلامه و من سلوكيات الإخوان و تصريحاتهم و مواقفهم فصدقني أني ألتمس لك العذر, لكني بشكل شخصي لا أنظر لهذه الإنتخابات على أساس أني أنتخب مرسي و لكن على أساس أني أصوت ضد شفيق.
إنتخاب مرسي ليس هو الإنتصار الحقيقي للثورة و لكن منع شفيق من الوصول هو محاولة لمنعه هو و من وراؤه من الإجهاز على الثورة.
و من يظن أن هذه الإنتخابات هى نهاية المطاف أياً كانت نتيجتها فهو واهمٌ و مخطىء.
إذا كنت قد حصنت نفسك من الإحباط و اليأس ففكر في موجة الإحباط و الإنكسار لدى ألوفٍ غيرك التي ستحدث لو فاز شفيق
فكر في إخواننا في سوريا و في فلسطين و في كل بلد ثائر و هم يتطلعون بأعينهم لمصر و يدعون من أجلنا..فكر في مدى الآمال التي يعلقونها علينا و مدى الإنتكاسة التي سيصابون بها لو عاد النظام القديم
و إذا كنت مقاطعاً و ترى أن الثورة هى الحل فمعك كل الحق, لكن إذا كانت الثورة في نظرك هى المليونيات التي تنتهي بنهاية اليوم فراجع نفسك و اقرأ هذا المقال
إذا كانت الثورة في رأيك ليس لها إلا هذا الشكل النمطي فمقاطعتك مراهنةً على الحل الثوري بالشكل النمطي هو مقامرة
و في النهاية...إذا أصررت على المقاطعة فمن الأفضل أن تكون مبطلاً لا مقاطعاً حتى لا يكون هناك مجال لإستخدام صوتك
و إذا أصررت على المقاطعة ففضلاً لا تروج لها إلا بين من ينوي التصويت لشفيق و من المستحيل أن يصوت لمرسي, فتحييد هؤلاء هو مكسب
و خلاصة الكلام: فات أوان الإنسحاب و لا معنى له الآن...أي كلام يقال الآن حول الإنتخابات و نزاهتها كان يتقال من شهرين...ليس بالمشاركة أو المقاطعة سنعطي أو ننزع الشرعية عن الرئيس المقبل لأن هذه الشرعية في عيوننا نحن فقط و لن تكون لها علاقة بما سيردده شفيق و من حوله...ما زلت أرى أن حتى التزوير له حدود و لو كان الفارق كبيراً ما استطاعوا التزوير...ما حدث بالأمس سيزيد من عدد المقاطعين و لكني لا زلت أرى أن المقاطعة ليست الحل طالما لا يوجد مجال لتحرك ثوري حقيقي و فاعل (الآن)...من يظن أن الحل الوحيد لدى العسكر هو نجاح شفيق فهو مخطىء مثل من يظن أن الإنتخابات و إنجاح مرسي هو الحل الوحيد...العسكر بكل إجراءاتهم السابقة قاموا بإخصاء الرئيس المقبل و تقييد حركته إلى حين. و الرهان الآن ما زال على دفع الضرر الأكبر و لكن الإنتخابات حتى لو أتت في النهاية بمرسي لن تكون نهاية المطاف و لا نهاية المعركة و لن نجد الوقت لنتنفس الصعداء.
و الله غالبٌ على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون
-----------------------------------------
تم نشر المقال في موقع رصد

الاثنين، 11 يونيو 2012

هل ستحدث ثورة حال فوز شفيق؟


بعد إنحصار المنافسة بين مرسي و شفيق إنقسم المصريون بين مؤيد لمرسي -إقتناعاً أو إضطراراً- و بين مؤيدٍ لشفيق -إقتناعاً أو نكايةً أو وهماً- و بين حائر حتى هذه اللحظة بين هذا و ذاك!! و بين مقرر للمقاطعة.

و يرى كثيرٌ ممن يتبنى خيار المقاطعة أن الأمر محسوم سلفاً لصالح شفيق و أن الإنتخابات برمتها مسرحية هزلية لن يشاركوا بها و لن يعطوا لها شرعية, و أن شفيق حال فوزه ستنفجر ثورة شعبية ضده سيشاركون بها و ستستمر حتى يسقط...و الآن دعونا نناقش هذه الفكرة.

للأسف, و بعد عام و نصف من إنطلاق الثورة فإن أغلبنا ما زال يستعيد صورة إحتلال ميدان التحرير و الإعتصام به كصورة لما يجب أن تكون عليه الثورة, لكن هل هذا هو السبب الوحيد لنجاح الثورة؟

بعد توفيق الله و تأييده للثوار و ربطه على قلوبهم و تثبيته لأهل الميدان فإن جزءاً كبيراً من أسباب نجاح الثورة في البداية كان يعود لسلسلة من الأخطاء وقع فيها النظام السابق و من أهمها القمع و سفك الدماء بدايةً من يوم 25 يناير نفسه و مروراً بالسويس ثم جمعة الغضب ثم موقعة الجمل...نعم فالدماء هي الوقود الذي يصب على نيران الغضب فتستعر و تنتشر.

أنظر إلى الإعتصام الذي بدأ بعد ذلك بشهور في 8 يوليو, لجأ النظام لأسلوب آخر و هو الإحتواء, تُرِكَ الميدان لأهله يفعلون به ما يشاءون و لم تظهر القوات النظامية في المشهد و اكتفي بالمندسين الذين يثيرون المشاكل أو يقودون بعض المتحمسين لما يستفز المواطن العادي فتزداد كراهيته للثورة. و تدريجياً تناقصت الأعداد إلى الحد الذي قامت فيه قوات الشرطة العسكرية بإخلاء الميدان بكل سهولة و يسر في أول رمضان دون أن يأبه أحد لهذا.

في أحداث محمد محمود وقع النظام في نفس الخطأ القديم, حاول إخلاء الميدان و ضرب أهالي الشهداء و المصابين بقسوة و لما زادت الأعداد استمر في القسوة و لم يحتوِ الموقف فسالت الدماء من جديد و إشتعل الغضب حتى كاد يتحول لثورة أخرىربما كان لها أن تغير الواقع لو كانت كل القوى - و بالأخص الإسلاميين- قد شاركت, و لو لم يتفرق الثوار.

في أحداث مجلس الوزراء إنفلتت الأمور من أيدي النظام مرة أخرى, لكن لم يكن للثورة الزخم الكافي لتحريك الأمور لصالحها.

الملاحظ لأي تحرك ثوري طوال الفترة اللاحقة يجد أنه عبارة عن مليوينات أو إعتصامات في التحرير فقدت بريقها و قوتها و قدرتها, فالمليونية هي تجمع لعدد كبير من المتظاهرين في نفس المساحة كل مرة لإيصال رسالة محددة ثم العودة لمنازلهم في نهاية اليوم, و إذا كان الأمر يمثل صدمة للنظام في بداية الأمر بعد عقود تعود فيها على شعبٍ مطيعٍ هادىء مشغولٌ بقوت يومه و إذا به فجأة ينتفض, فإن النظام الآن قد اكتسب مناعة ضد الصدمات و تعلم من أخطائه و أدرك أن إحتواء الغضب أفضل من صب الزيت عليه. و لأنه يدرك طبيعة الخلافات بين القوى السياسية و تفرقها و خروج مليونيات خاصة بالتيارات العلمانية مرة و أخرى خاصة بالإسلامية مرة أخرى, فهو يعلم جيداً أن الميدان غير متوحد, أو على الأقل أن السهام لا توجه إليه بقدر ما يوجهها الفرقاء إلى بعضهم البعض.

قرر مجموعة من الثوار - ثوار بلا تيار - تغيير قواعد اللعبة و كسر النمطية فنقلوا مسرح الأحداث إلى المكان الذي يجب أن توجه إليه السهام بحق - وزارة الدفاع -  و بدأوا الإعتصام هناك. كان يمكن للنظام أن يحتويهم بأن يتجاهل وجودهم فترة حتى تقل الأعداد تدريجياً ثم يزيحهم بسهولة و خصوصاً أن الشارع لم يكن متعاطفاً معهم بالمرة و بقية التيارات تخلت عنهم و ادعى الجميع أنهم أنصار أبو إسماعيل و قاموا بهذا من أجله, لكن يبدو أن الصدمة الجديدة أربكت النظام من جديد فجعلته يقع في نفس الخطأ فأرسل بلطجيته ليسفكوا الدماء بشكلٍ بات معه واضحاً أن الإعتصام في هذا المكان يوجعه و يشعره بالخطر و لا يريد لهذا الإعتصام أن يزيد عن هذا الحد. و لكن للأسف الدماء هذه المرة لم تشعل ما يكفي من الغضب و ظل الكثير ينظرون للمشهد بلا مبالاة إلى أن أخلى العسكر المكان بالقوة بشكل يجعل الكثير يفكر قبل أن يخطو بالقرب من هذا المكان مرة أخرى.

في الوقت الحالي فإن ما يجري هو من جديد عودة النظام لأسلوب الإحتواء, لأن الإعتصام في التحرير نعم سيوصل رسالة أن هناك حشودٌ غاضبة, لكن تكرار الإعتصام في هذا المكان قد ابتذله و لم يعد له نفس الأثر. أضف إلى هذا إفتقار الثورة لقيادة مسئولة تقود المشهد, فنحن للأسف مبتلون بمجموعة من أشباه الرجال كل منهم يقدم مصلحته الشخصية و مركزه السياسي على المصلحة العامة, و هم بتفرقهم الذين أوصلونا لهذا الوضع المزري.

و إذا نجح شفيق فماذا سيحدث؟ سينزل الآلاف إلى الميدان - لكنهم أمام الجميع هذه المرة منقلبون على العملية الديمقراطية - و لن يستخدم معهم شفيق العنف كما هدد من قبل بقوله أن العباسية كانت بروفة طالما أنهم ظلوا في التحرير. شفيق منذ كان رئيساً للوزراء و هو يتحدث عن البونبوني الذي سيلقيه للثوار و عن عدم ممانعته في كون التحرير ساحة للإعتراض مثل هايد بارك بلندن. و الآن عاد ليكرر هذا الكلام. يعني بإختصار هو يقول لنا: تجمعوا في التحرير كيفما شئتم, و قولوا ما تشاءون , و سأفعل ما أشاء.

في بداية الثورة كانت الأعداد المعتصمة في التحرير و المظاهرات المؤيدة لها في المحافظات من الكثافة بحيث لم يكن هناك مفر من الرضوخ لإرادتها, و في لحظة قرر ألوف تغيير المسرح فتحركت مظاهرات الإسكندرية إلى رأس التين و تحرك ألوف من التحرير لمحاصرة القصر الجمهوري و اختفى مبارك من المشهد...و ليس هذا هو الواقع الآن و لا المحتمل مستقبلاً.

لا أقول هذا الكلام كي أوهن العزائم أو أدعو رفاقي الثوار للإستسلام و إلقاء السلاح, بالقطع لا...لكن اعلموا أن ثورة بلا وحدة لا سبيل لها للنجاح, و في الوقت نفسه فإن النمطية في الأداء تفقدك هيبتك في عين عدوك, و تخيل نفسك تلعب شطرنج و في كل مرة تبدأ بنفس الحركات حتى حفظك خصمك, ألن يستعد لك و يغلبك؟

في ظل عدم وجود قيادة موحدة للثورة حتى الآن فإن وجود فريق من الشباب يكسر النمطية و يغير قواعد اللعبة و يغير من جغرافيتها بإحتلال أماكن و مساحات في عمق العدو لم يكن قد حسب لها حساباً من قبل قد يكون رأس الحربة التي لن تكون مؤثرة إلا إذا صار الباقي جسماً لها..و كسر النمطية ليس مقصوراً على تغيير الأماكن فقط لأنه من جديد يمكن إحتواءها, و لكن تغيير الأساليب و هو المطلوب من كل منا أن يفكر فيه للمرحلة المقبلة.

و لكي نكون واقعيين, فإن كل هذا الكلام هو حتى الآن خطط و سيناريوهات إفتراضية لا نملكها بأيدينا. و المقاطعة ظناً بأن ثورة جديدة ستحدث هو مقامرة لأنها إن حدثت بالأسلوب النمطي فلن تكون مؤثرة كما وضحنا الآن.

حتى الآن الحل برأيي هو السير على التوازي في المسار الثوري و المسار الإنتخابي..أدعم أي عمل ثوري حقيقي على الأرض إن وُجد - و حسبنا الله في القيادات الغير مسئولة و الغير قادرة على إنتزاع لعبة من يد طفل بلة إنتزاع السلطة من أيدي العسكر -  و في الوقت ذاته سأشارك في الإنتخابات و لو كانت فرصة خسارة شفيق فيها 1%. و صدقوني يا رفاقي الثوار ممن قرر المقاطعة أن مقاطعتكم لن تؤثر إلا في صالح شفيق لأن إيمانكم أن الأمر محسوم له هو عين ما يريده النظام منكم. و إذا جلستم في بيوتكم فإن العدو يحشد لأنها مسألة بقاء بالنسبة له, و إذا آمنتم أنه من الغباء أن نظن بأن العسكر سيفعل كل ما فعل لدعم شفيق ثم من الممكن أن يخسر فأقول لكم لا تظنوا أن العسكر ليس له خطة بديلة في حال سير الأمور في عكس الإتجاه الذي يريده, و المعركة لن تنتهي إذا خسر شفيق لأن هناك دولة عميقة لا تزال تحارب لتبقى.

يا من قررتم المقاطعة أنظروا إلى فارق الأصوات بين مرسي و شفيق في الخارج و قارنوا هذه النتائج بنتائج المرحلة الأولى و ستعلمون كيف أن المقاطعة لا تؤثر إلا في تضييق الفارق بين مرسي و شفيق, و لكن في الداخل سيكون الوضع أسوأ.

إذا كان فارق الأصوات بين مرسي و شفيق ضعيفاً فسيسهل التزوير لصالح شفيق, أما إذا كان فارق الأصوات كبيراً فلن يستطيعوا, و إذا فعلوا بشكلٍ فاضح فساعتها سيكونوا بأنفسهم من أشعل فتيل الغضب.

و لا أحد يعلم ما سيحدث في الأيام القادمة فكل يوم نشهد ما يجعل الحليم حيراناً, و أهم شىء ألا نصاب بالوهن في حال فوز شفيق, لا تفقدوا ثقتكم بأنفسكم و لنفكر كيف سندير المعركة في المستقبل.

و الله غالبٌ على أمره....و الله المستعان على ما يصفون


----------------------------

تم نشر المقال على موقع رصد