الجمعة، 13 مايو 2011

الدولة الدينية و الدولة المدنية بين الحقيقة و الوهم


طالما أننا بدأنا فى النقاش حول المصطلحات التى تثير لغطاً فى الساحة السياسية المصرية, فلنتكلم هذه المرة عن مصطلحين مثيرين للجدل بصورة كبيرة, هما الدولة الدينية و الدولة المدنية.

لكن قبل أن نعود للكلام فى حرب المصطلحات التى تكلمنا عنها من قبل, لابد أن نلفت النظر لمبدأ هام جداً, و هو أنه من غير المنطقى و من غير المعقول أن تثار حروبٌ كلامية و مشاحنات و مشادات حول مصطلحات و شعارات عفى عليها الزمان, أو ليس لها تطبيق عملى فى الواقع المعاصر, أو حتى لم يكن لها تطبيقٌ عملى حقيقى فيما مضى, و هذا هو الجنون بعينه!!

نعود لموضوع اليوم و هو الدولة الدينية و الدولة المدنية.

يبدأ الحديث برفض كامل لما يسمى بالدولة الدينية من قبل التيارات العلمانية, فيرد عليهم أتباع المنهج الوسطى من الإسلاميين أنهم بدورهم يرفضون الدولة الدينية و أنه لا وجود لها فى الإسلام من الأساس و أن ما يريدونه هو دولة مدنية مرجعيتها الإسلام.فيشكك الفريق الأول فى كلامهم و كلما وقع حادث-حقيقى أو مكذوب-متورط فيه بعض المتطرفين أو منسوبٌ إلى الإسلاميين كذباً عليهم, يُتخذ هذا ذريعةً للتخويف أكثر من الدولة الدينية.ثم يخرج علينا بعد كل هذا بعض المتطرفين و ضيقى الأفق ليحذرونا من الدولة المدنية لأنها تعنى منع الحجاب و إباحة الزنا و الخمر و الشذوذ!!!!!

فما تعريف الدولة الدينية, و ما تعريف الدولة المدنية؟

الدولة الدينية أو الثيوقراطية نظام حكم تكون فيه السيادة فى الدولة لرجال الدين, فهم الذين يشرعون و يحركون مقاليد الأمور.و هو نظام شهدته أوروبا فى العصور الوسطى.

و جدير بالذكر أن ظهور العلمانية فى أوروبا كان رد فعل قوى على فساد رجال الدين و سطوتهم.و بدلاً من تطهير المؤسسة الدينية و وضع ضوابط تنظم العلاقة بين السياسة و الدين فقد تم إستبعاد الدين نهائياً و وضعه على الرف.و بذلك فإن العلمانية هى علاج أوروبى لعرضٍ أو مرضٍ أوروبى صرف و لم يشكُ منه العالم الإسلامى.لكن جهابذتنا رأوا أن أوروبا لم تتقدم إلا بعد أن أخذت طريق العلمانية التى هى فى أبسط و أكثر تعريفاتها إختزالاً(فصل الدين عن الدولة), و كان هذا بمباركة الإستعمار و تحت رعايته.

نكرر أن نموذج الدولة الدينية حسب التعريف المذكور لم يكن له وجودٌ فى تاريخ الدول الإسلامية و لم تعرفه أرض الإسلام.لذا فإنى أرى أنه لا معنى لطرح هذا المصطلح من الأساس كخيار نرفضه و نحذر منه, لأنه ليس هناك من يدعو له, حتى التيارات الإسلامية.

و عندما يسعى المعتدلون من الإسلاميين إلى توضيح فكرة خلو الإسلام من نظام الدولة الدينية, يُطرح أمامنا النموذج الإيرانى فى العصر الحديث.يرد الفريق الأول بأننا فى مصر نتبع المذهب السنى و ليس لدينا نظام ولاية الفقيه الذى رسخه الخمينى فى الفكر الشيعى و بالتالى لا يمكن تطبيقه فى مصر.مع الإعتراف بأن النموذج الإيرانى هو دولة دينية حسب التعريف الأول.

و عندما يُقدم إلى أحد المتخوفين من الدولة الدينية و نظام الحكم الإسلامى دولة السعودية نموذجاً أكاد أستلقى على قفاى من الضحك.لأنى لا أعتبر السعودية دولة إسلامية تطبق الشريعة من الأساس, و إنما يصح فيها قول رسول الله:إذا سرق فيهم الشريف تركوه, و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.و من ينظر للدولة السعودية من الإسلاميين على أنها دولة تطبق شرع الله لكونها تقيم بعض الحدود فلديه فهم قاصرٌ للغاية لمفهوم تطبيق الشريعة.

الدولة المدنية من جهة أخرى ليس لها تعريف محدد, فهناك من يرى أن هذا المصطلح هو للتمييز بين هذه الدولة و بين الدولة التى يحكمها العسكر.و هناك من يضع هذه الدولة إزاء الدولة التى يحكمها رجال الدين, و هو المفهوم الموجود حالياً فى مصر.

و يضع دعاة الدولة المدنية حالياً هذه الدولة مقابل الدولة الدينية.و يصفونها بأنها الدولة التى تضمن الحريات للجميع و تنتظم العلاقات بين أفرادها حسب مبدأ المواطنة.و لا يتدخل رجال الدين فيها فى السياسة.بل و ينفصل الدين عن السياسة كليةً عند أغلب دعاتها.

و يسعى نفس الفريق المعتدل من الإسلاميين إلى طرح صيغة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية, و يوضحون الفكرة بأن الدولة الإسلامية قامت كدولة مدنية فى الأساس.و الرسول صلى الله عليه و سلم عندما أسس دولة المدينة وضع دستوراً من 42 مادة ينظم العلاقة بين أبناء هذا المجتمع:مسلمين(مهاجرين و أنصار),و مشركين, و يهود.و كان مبدأ المواطنة واضحاً فى وثيقة المدينة و ما تلاها من عهود من النبى و خلفائه لأهل الذمة فى البلدان المختلفة و التى لُخصت فى قاعدة(لهم ما لنا و عليهم ما علينا).

أما مبادىء الحريات العامة و الخاصة فهى ثابتة و واضحة فى الإسلام بطريقة لا لبس فيها.و بالتالى فإن النقطة الفاصلة بين دعاة الدولة المدنية من الإسلاميين و من العلمانيين هى نقطة المرجعية .

و نقطة المرجعية نقطة فاصلة, فالحريات التى ننادى بها لابد أن يكون لها حدود معينة حتى لا تتحول إلى فوضى أو تتخطى قيم و تقاليد المجتمع.هذه الحدود هى القوانين المنظمة للعلاقات فى المجتمع.و لا أعتقد أن هناك ما هو أفضل و أشمل من أن نلتزم بالقواعد و القوانين و الشرائع التى سنها لنا الله تعالى فى الدين بحيث تنظم هذه العلاقات و تؤطر هذه الحريات.و بالإلتزام بهذه الأطر نجد أننا لن نقع فى المنزلق الذى وقع فيه د.عمرو حمزاوى الذى رحب بفكرة زواج المسلمة من غير المسلم فى إطار الحرية التى يدعو لها مما يعطى فرصة لمن يتبنى خطاباً متشدداً مثل الشيخ حازم شومان لكى يبرر كلامه المغلوط حول مفهوم الليبرالية و أنها تعنى منع الحجاب و حرية الزنا و إباحة الشذوذ!!!!

و عندما نعود بأنظارنا للتاريخ, سواء تواريخ الخلفاء فى الإسلام-خلفاء الملك العضوض و ليس الراشدون بالطبع- أو ملوك أوروبا فى العصور الوسطى, سنجد من خلفاء المسلمين من يحكم بمبدأ(السلطان ظل الله على الأرض), و من ملوك أوروبا من يحكم بمبدأ(الحق الإلهى). و هذا نموذج من الهيمنة السياسية بإستخدام و إستغلال الدين, و هو أمر مرفوض بالطبع.و لكن دعونا نسأل المتخوفين منه:ما الإمكانات العملية لتطبيق هذه الأنظمة فى عالمنا المعاصر؟ و من يعطى الشرعية و السلطة لأى فرد و يمكنه من حكمه بهذه المبادىء؟

الإجابة العملية: لا يوجد.

و عندما نتساءل, و ما الضمانات التى تتيح ألا يصل للحكم من يحكمنا بإسم الدين و يقمعنا بإسم الدين و تتحول الدولة إلى دولة دينية حسب التعريف الأول؟

الإجابة العملية:الشعب المصرى هو الضمانة لهذا.و طبيعة فهم الدين فى مصر-سواء إسلام أو نصرانية-هو فهم و منهج وسطى لا يسمح بهذا الوضع.

إن الشعب المصرى شعب متدين بطبعه , يحتل الدين لديه مرتبة سامية-بغض النظر عن دينه-فلا يمكن تقديم مشروع فكرى و حياتى إليه ينادى بعض دعاته بتنحية الدين جانباً.

إن الفهم الخاطىء لبعض الناس للدين لا يعنى أن ننحى الدين جانباً خوفاً من هذا الفهم الخاطىء.و إنما تُواجه الأفكار بالأفكار, و التيارات المتشددة يجب أن تواجه بالحوار و عن طريق دعم التيارات الوسطية المعتدلة.لكن الخطاب الحاصل الآن و الذى يمتلىء بالسخرية من الإسلاميين بمختلف توجهاتهم يزيد المتشدد تشدداً بل و يعطى لبعض تصرفاته مبررات.و ربما ضم لفريقه متعاطفين أكثر. و المؤسف أن التيارات المتشددة فى الطرفين هى صاحبة الصوت الأعلى لأنها تحدث ضوضاء و (شوشرة)كبيرة, لكنها ليست بالضرورة الأكثر عدداً.بل إنها بالفعل ليست الأكثر عدداً.

و الواقع العملى يؤكد عدم إمكانية فصل الدين عن الدولة لأن الدين نظام عام و شامل للحياة و العلاقات و المعاملات و لا يقتصر على العلاقة بين الإنسان و ربه فحسب, بل ينظم العلاقات بين البشر.و هذا لب السياسة.

ففصل الدين عن السياسة غير ممكن....و إستغلال الدين فى السياسة مرفوض بشكلٍ قاطع.

الخلاصة:أننا يجب أن نتحرر من المصطلحات الغير قابلة للتطبيق العملى فى عصرنا الحالى و فى أرضنا, و أن نركز الحوار فيما يستحق أن نتحاور حوله.و الحقيقة أننى أرى أن الخلاف إذا حددناه و ركزناه سينحصر فى النهاية حول المرجعية و ذلك أمر منطقى لأن طرفى الخلاف ينطلقان من مرجعيتين مختلفيتين.و إذا زدنا التركيز و التحديد سنجد أن المساحة الإنسانية الواسعة المشتركة بين التيارين تشوبها بعض القضايا الخلافية على المستوى السياسى.هذه القضايا هى التى يحتاج كل ناخب أن ينظر إلى موقف مرشحه منها قبل أن يعطيه صوته و هى التى تميز أيديولوجية عن الأخرى فى الأساس.

و أعود لأكرر أن هذا الخطاب محاولة لفتح رؤوس مواضيع لحل إشكاليات بين المثقفين لكن رجل الشارع العادى لا يأبه لدولة دينية أو مدنية و إنما يريد دولة و حسب.و هو لن يصبر علينا طويلاً. فإما أن نحسم الحروب الكلامية التى لا تنتهى و التى لا طائل وراءها طالما أن المتشددين من الطرفين ليس لديهم إستعداد لتقبل فكر الآخر أو إستعداد لتغيير بعض المفاهيم إذا ثبت عدم صحتها.إستمروا فى بروجكم العاجية و حاربوا الطواحين و دعونا نبنى هذا البلد سوياً بمختلف أطيافنا.


الأحد، 8 مايو 2011

حدث فى محرم بك



لا أكتب هذا الكلام اليوم لنكأ جراح قديمة, لأن الجرح أصلاً لم يشفى و لم يندمل بعد.و لا أكتب لكى أزيد النار إشتعالاً, لكنى أكتب حتى لا ننسى بعض ما جرى –و يجرى, و سيجرى-بيننا و بين (أخوتنا)فى الوطن, و سياسة النظام السابق الحمقاء التى لا تتغير من القمع و الردم فوق الأمور فتظن أنها أطفأت النار و لكن تحت الرماد وميض جمر و يوشك أن يكون له ضِرامُ كما قلنا من قبل.

الأحداث التى أتكلم عنها عايشتها بنفسى و رأيتها بعينى, و كنت قد كتبت شهادتى على منتدى موقع عمرو خالد و لكن ضاعت هذه الشهادة و كل التعليقات القيمة عليها مع المنتدى القديم للأسف, و رغم مرور أكثر من خمس سنوات على الموضوع إلا أنى ما زلت أذكر تفاصيله كأنه حدث بالأمس.

لعلكم تذكرون قصة المسرحية المسيئة للإسلام التى تم تمثيلها و تصويرها من قبل بعض الشباب المسيحى فى كنيسة مار جرجس بمحرم بك بالإسكندرية, و تحت رعاية من إدارة هذه الكنيسة.تسربت أنباء هذه المسرحية-أو سُرِبَت-للمسلمين و شاهدها الكثير فغلى الدم فى العروق لما تضمنته من سخرية بالقرآن, تظاهر المسلمون من أهل المنطقة أمام الكنيسة, كان هذا فى شهر أكتوبر عام 2005, و كنا فى رمضان, ما طالب به المسلمون كان محاسبة هؤلاء الذين قاموا بعمل المسرحية, و تقديم الأنبا شنودة-بابا الأقباط-لإعتذار عما جاء فيها.لم يتم هذا و لا ذاك.زاد التوتر و الإحتقان و قام أحد العاطلين بطعن راهبة و هى تغادر الكنيسة.بدأت تنتشر إشاعات و مبالغات من قبيل أن المسيحيين يقومون بتخزين السلاح داخل الكنيسة تحسباً لقيام المسلمين(بالهجوم عليها).

قرر المسلمون من أهل المنطقة القيام بتظاهرة حاشدة أمام الكنيسة بعد صلاة الجمعة بعد إنتظارهم لإعتذار من الكنيسة طوال أسبوع كامل, و صرح بعضهم بأنهم إن لم يحصلوا على هذا الإعتذار قبل يوم الجمعة سيهاجمون الكنيسة.

كنت قد قررت أنا و أحد أعز أصدقائى-صلاح-أن نشارك فى التظاهرة رغم أننا لسنا من سكان المنطقة, لكننا فعلنا ذلك بنيتين, أولاهما:أن نكثر سواد المسلمين, و الثانية:أن نحاول أن نكون من أصوات العقل فى هذه المظاهرة التى لابد و أن يسود فيها الإنفعال.

ما كان أحد منا يرضى بأن تتطور الأمور لما لا يحمد عقباه فيخسر المسلمون و لا يكسبون.و الكل يعلم أن هناك بالخارج من يترصد لنا أقل غلطة حتى يشنع علينا و على ديننا, كما أن الكنيسة ملاصقة لمسجد كبير-مسجد أولاد الشيخ-و أى ضرر بالكنيسة سيؤثر على المسجد أيضاً.

تقابلنا و انطلقنا الى محرم بك, و حى محرم بك لمن لا يعرفه حى عريق-أشبه بحى شبرا بالقاهرة مع فرق الحجم-به مناطق راقية و شوارع تظللها الأشجار, و به كذلك مناطق بسيطة و شعبية جداً, و به كذلك تواجد مسيحى ملحوظ.

ذهبنا لنصلى الجمعة فى مسجد أولاد الشيخ بشارع محرم بك الرئيسى, كلما دخلنا من شارع جانبى يؤدى لشارع محرم بك وجدنا حاجزاً أمنياً, و المخبرون يطلبون منا-أو يأمروننا بمعنى أصح-أن نتجه للشارع التالى.تكرر هذا الأمر 3 مرات فتجمع عدد من المسلمين عند الحاجز الثالث و بدأت الأعصاب تفلت لأننا نمنع من الذهاب للمسجد و الصلاة, تدخل ضابط كبير يرتدى ملابس مدنية و فتح لنا الحاجز و طلب منا الصلاة فى جامع آخر فى نفس الشارع على بعد مائة متر من الجامع الأول.

كان المسجد يغص بالمصلين, و أطال الخطيب فى خطبته و الناس شوارد يفكرون فيما بعد الخطبة, و بعد الصلاة إعتلى الخطيب المنبر و طلب من المصلين الإنصراف راشدين إلى بيوتهم و عدم الإنجرار وراء الفتنة, و أن الأمر بيد الأمن الآن –الذى سيعيد إلينا حقنا-لم يكد الرجل ينهى كلامه حتى سمعنا الهتافات خارج المسجد.

خرجنا لنجد جموعاً من المسلمين-رجالاً و نساءا-متجهين صوب الكنيسة.كان يقف بعرض الشارع صفين من جنود الأمن المركزى مستعدين بالدروع و العصى و يتقدمهم عقيد معه شومة طويلة.و على الجانب الآخر من الشارع وقف صفان آخران ليتصدوا للمظاهرات القادمة من الجهة الأخرى ليشكلوا بذلك ساحة واسعة خالية أمام الكنيسة و المسجد.


بدأ الناس أولاً فى الهتافات, كان الملاحظ أن الهتافات عفوية و غير منظمة لأنه لم يكن هناك من يقود المظاهرة أصلاً.كانت الهتافات عبارة عن تهليل و تكبير و ترديد لسورة الإخلاص.وجدت أن بعض من تقدم لقيادة المظاهرة و الهتافات كانوا من الشباب(الصيع) الذين لا أظن أنهم يصلون من الأساس و ربما خرجوا حِميةً فقط, كان من الواضح أنه لا دراية لهم بأى شىء فقد وجدت أحدهم يهتف قائلاً:خيبر خيبر يا يهود,جيش محمد سوف يعود!!

بدأنا نجد بعض العقلاء يحاولون تهدئة الناس, و أغلب هؤلاء بالمناسبة كانوا من السلفيين, دعا أحدهم الناس لأن نجلس على الأرض فى صورة إعتصام لكن لم يسمع له أحد. كنت واقفاً مع آخرين و ظهرى للجنود و وجهى للمتظاهرين فى محاولة لترشيد غضب الناس لكن بدون فائدة.قام المتظاهرون بهجمة على الحاجز الأمنى فبدأت عصى الأمن تضرب و كان من نصيبى واحدة على رأسى. لعنت غباء العساكر و وقفت وسط الناس الذين كان من الواضح أن الشحنة بداخلهم تزداد مع رؤيتهم لجنود الأمن المركزى بهراواتهم. و الحق أن الأمر كله كان غير منطقى, فحتى لو حدث و وصل المتظاهرون للكنيسة, فماذا سيفعلون أمام هذه القلعة الحصينة؟و هل من المقبول أصلاً مهاجمة دار عبادة مهما حدث من أهلها؟لم يكن أحد فى غمار هذه الفتنة عنده إستعداد لسماع هذا الكلام.لم يكن أحد على إستعداد للتفكير فى التأثير السلبى لهذا على المسلمين. لم يكن أحد يريد أن يقتنع بأنه يكفى أن يرى هؤلاء الذين أخطأوا فى حقنا الأعداد التى تتظاهر, و أن تشق أسماعهم كلمات التوحيد حتى يفكروا ألف مرة قبل أن يعودوا لمثلها مرة أخرى-إن عادوا.

و لكن يا أسفى على ما حدث.

لدى صد الهجوم الأول, سرعان ما تدافع الناس محاولين الهجوم مرة أخرى, وجدت إمرأة ضئيلة الحجم فوق الأربعين من عمرها تدفع الرجال فى ظهورهم بأيديها حتى يتقدموا للأمام.وجدت شاباً يلقى بطوبة كبيرة جهة الكنيسة, و المسافة لا تسمح بأن يصيبها أصلاً.قلت له:طوبتك هذه ستقع على رؤوس الجنود و هم مسلمون مثلك.فلم يأبه لهذا.

إندفع عدد من المتظاهرين فى هجمة قوية و إستطاعوا رفع حاجز مرورى و كسر صف الجنود من جهة الميمنة, ساعتها سمعت فرقعة كبيرة, نظرنا إلى السماء فوجدنا قنبلة مسيلة للدموع, و سقطت هذه القنبلة فى الخلف عند آخر صفوف المتظاهرين.

لم أكن قد شممت رائحة هذا الغاز من قبل, كنت فى صغرى أتعجب من كون هذه القنابل تفرق الناس بهذا الشكل رغم أن تأثيرها لا يعدو(إسالة الدموع).لكن لكم كنت مخطئاً.

ألقى الجنود قنبلتين آخرتين أقرب لنا, و عندما وصلت رائحة الغاز النفاذة تفرق الناس بسرعة, أحسست بالغاز يملأ صدرى و بالدموع تنهمر من عيني-و أنا أصلاً مصاب بحساسية الصدر-جرى بعض الناس تجاه الأسبلة ليغسلوا وجوههم, آخرين دخلوا فى محلات و أغلقوا الأبواب عليهم, و دخل آخرون فى شوارع جانبية و أنا منهم.

عندما إستعدت قدرتى على التنفس, إتصلت بصديقى صلاح و التقينا بعد أن فرقتنا القنبلة التى كانت بداية لسيل من القنابل التى ألقيت بعشوائية, فسقط بعضها فى بلكونات الناس, و سقطت قنبلة على سطح المستشفى القبطى القريب من مسرح الأحداث.

لم أستطع العودة للشارع الرئيسى مرة أخرى بسبب رائحة الغاز, و لكن الموضوع تحول إلى كر و فر, بعض المتظاهرين يتجمعون ليحاولوا تكرار الهجوم, الجنود يقومون بصدهم, رأيت بعض الجرحى محمولين على الأكتاف يجرون بهم إلى المستشفى.عربات الإسعاف تتوالى.صيحات غاضبة تهتف:حكومة كافرة...حكومة كافرة.يقف بعض المسلمين أمام عمارة فيفاجئون بمياه غسيل تلقى عليهم من إمرأة مسيحية غاضبة.نار تشتعل فى سيارة فى الشارع المقابل.و أرى كل هذا من وسط دموع الغيظ و القهر لأن غيرنا يخطىء و نحن نُضرب, و فى النهاية سيخسر المسلمون و لن يكسبوا إلا الجراح و القهر.

فى وسط هذا الجنون رأيت أمامى عربة يخرج منا مذيع و طاقم تصوير تليفزيونى. قام الطاقم بتعليق الصفحة الأولى من إحدى الجرائد-الدستور على ما أذكر-ليصوروا المانشيت الرئيسى بها, و كانت العناوين مستفزة وردت بها كلمة(المتطرفين المسلمين), عرفت الرجل فهو مراسل قناة (الحرة).تجمع بعض الناس حوله و لما قرأوا المانشيتات ثار غضبهم و قالوا:دول بيقولوا إن إحنا السبب. منعوا الرجل من التصوير بل و حطم أحدهم الكاميرا أصلاً, و غادر الطاقم و هو يجر أذيال الخيبة.

إتصل بى أحد أصدقائى ليخبرنى أن جد صديق لنا قد توفى, تركنا هذه المعركة الخاسرة و ذهبنا لأداء صلاة الجنازة فى(شدس), ثم حضرنا الدفن فى منطقة(العمود).

فى أثناء ذهابنا للجنازة إتصلت بصديق لى على علاقة صداقة بنجل أحد قيادات الإخوان بالإسكندرية, أخبرته بأن الأمور خرجت عن نطاق العقل و يجب أن يكون هناك من يتدخل و يعيد الناس لرشدهم, و أن الإخوان يجب أن يتدخلوا للمساهمة فى الإحتواء, فوعدنى بأنه سيحاول توصيل الرسالة.

بعد الجنازة قررت و صديقى صلاح العودة لمحرم بك لمتابعة ما جرى بعد رحيلنا.بهتنا لما رأينا, فالشارع كان ممتلئاً بسيارات الأمن المركزى لدرجة أننا وجدنا قوات جاءت من محافظات مجاورة!!أما الشارع فملىء بكسر طوب كان مشوناً بمدرسة تحت الإنشاء بنفس الشارع فإستعان به المتظاهرون لرشق الجنود.و الهواء ما زال به رائحة الغاز النفاذة من كثرة ما ألقى من قنابل لدرجة أن عينك تدمع من مجرد المشى فى الطريق.أما المكان الذى كنا نقف به فى بداية اليوم فكان به سيارة متفحمة!!

عرفنا بعد ذلك أن بعض سكان المنطقة قد أصيبوا بطلقات الرش و هم يتابعون الأحداث من بلكوناتهم, غير الإصابات فى صفوف المتظاهرين و الجنود على السواء.هذا خلاف السيارات و المحلات التى تضررت.

بينما كنت فى خضم مشاعر الغضب أفكر فى أن أذهب بعد صلاة التراويح لمحرم بك للإنضمام لأى تظاهرة جاءنى إتصال من والدى يطلب منى أن أذهب إليه فى العمل ليلاً.ذهبت و بينما أنا فى مكانى وجدت أمامى مسيرة إنتخابية للإخوان, و وجدت القيادى الإخوانى الذى حاولت توصيل صوتى له صباحاً يمر من أمامى, توجهت للحديث معه, وضع الرجل يده على كتفى و أنصت إلى و أنا أقص عليه ما جرى صباح اليوم بإختصار, قلت له:ماذا سيفعل الإخوان؟

قال لى بكل هدوء:و لا حاجة.

رأى الرجل الإندهاش فى عينى, فقال لى:أن فى الإنضمام لمثل هذه الأحداث فخ و منزلق للإخوان لا يسمحون لأنفسهم بالإنزلاق فيه, لأنهم ساعتها سيتهمون بأنهم يذكون نيران الفتنة و ستكون ذريعة جديدة للتنكيل بهم, و أما بخصوص ما فعله النصارى, فهذا متكرر منهم طوال تاريخهم, فدعهم يشتمون, و دعنا نحن نعمل لإصلاح بلدنا و التغيير.

إحترمت موقف الرجل, ثم رأيت بعدها بيوم حدوث ما تخوف منه.

شاهدت فى اليوم التالى حلقة برنامج(البيت بيتك)الذى يقدمه المذيع السمج تامر أمين, كان ضيوف الحلقة ثلاثة, أولهم هانى عزيز, و هو رجل أعمال قبطى و عضو بالمجلس الملى و على علاقة قوية ببابا الأقباط, و الثانى الداعية خالد عبد الله, و الثالث شيخ أزهرى لست أذكر من هو.

بدأ تامر أمين سؤاله لهانى عزيز عما حصل, فأجاب بكل هدوء و بساطة:هناك مرشح قبطى فى الإنتخابات فى هذه الدائرة, و هناك مرشح مسلم منتمى لأحد الجماعات منافس له.قاطعه تامر أمين قائلاً:تقصد الإخوان المسلمين؟ قال هانى عزيز:نعم.و إتهم الإخوان بإثارة الفتنة لصرف أصوات المرشحين عن المرشح القبطى!!

إشترك الضيفان الآخران-للأسف-فى هذا الهذر, و تحولت الحلقة من الحديث عن الأزمة و سببها إلى الهجوم على الإخوان المسلمين و السخرية منهم, و الكلام المكرر عن الوحدة الوطنية و عنصرى الأمة.....إلخ.

و قبل أن نكمل أشير لشيئين:

الأول:أن الإخوان تم توريطهم إعلامياً حتى بالرغم من عدم إشتراكهم فى الأحداث من الأصل.

الثانى:أن دائرة محرم بك لم يكن بها مرشح إخوانى من الأساس.

لكن الكذب و البجاحة و الإستخفاف بالعقول ليس له حدود.

و لم تتمخض هذه الأزمة إلا عن بيان هزيل-ما زلت أحتفظ بنسخة منه-صدر عن البطريركية بالإسكندرية (تأسف)فيه لما جرى من أحداث, و تعلن أنها تستنكر إى مساس بمشاعر المسلمين, خالياً من أى إعتذار للعمل المسىء نفسه.

و هكذا تم الردم على الموضوع, و كان تصرف الحكومة هو نفس التصرف الأحمق المعتاد:حل سريع أمنى لإحتواء الموقف, و يكون الحل بالقمع فى حالة المسلمين, و بطول البال و النفس مع غيرهم, و فى النهاية لا يحل الموضوع و تبقى الحزازات و المرارة بالنفوس.

لماذا أتكلم عن هذا الموضوع اليوم؟

لأن الرابط المشترك هو الصمت من جهة الكنيسة, و إلقاء اللوم كله على المسلمين.و هذه المرة يتم تلبيس الأمر للسلفيين, مع العلم أننى أكرر التأكيد على أن من كان يحاول تهدئة الناس يوم محرم بك سواء أثناء المظاهرة أو بعدها هم السلفيون.

إن أى عاقل يعرف أن هذا البلد لا يُرادُ له أن يتقدم و لا أن يستعيد وضعه و مكانته أو يقوم بدوره فى المنطقة و العالم.و أن أعداءنا لن يتركونا فى حالنا.و علينا أن نتوقع المزيد و المزيد من هذه الحوادث.لكن أريد أن أشدد على أن مسئولية كبرى تقع على أبناء هذا الوطن لمنع وجود ما يسبب أى إحتكاكات أو يوفر مناخاً للفتنة و يسمح لأى عدو بالتدخل.و جدير بالذكر أن إلقاء الخطأ كله فى جانب واحد ليس من الإنصاف فى شىء.و تصوير طرف آخر فى صورة الحمل الوديع و الشهيد المظلوم ليس من العدل فى شىء.لا أدعو لتوزيع الأخطاء ليرتاح الجميع.لكن قبل أن نشير بأصابع الإتهام تجاه طرف فلننظر إلى أسباب وقوعه فى هذا الخطأ.

عندى تحفظات كثيرة على شريحة كبيرة من التيار السلفى و أختلف مع عدد من أتباع هذا التيار فى الفكر.لكنى أرفض الإختزال و تعميم الأحكام.و أرفض الشتائم القذرة التى توجه للسلفيين لدرجة أن أرى مسيحيين و مسلمين يتوحدون معاً فى سب الدين للسلفيين!!!! و أرفض الهوان و الخذلان و تسمية الأمور بغير مسمياتها كما قلنا من قبل.و أرفض التعالى على القانون و أرفض الإستقواء بالأجنبى و أرفض إستفزاز مشاعر غالبية هذا الشعب.

نحن نريد أن نبنى بلدنا سوياً و نعيش مستقبلنا معاً كما عشنا عمرنا كله معا.و الأيام المقبلة هى التى ستثبت من الذى سينتصر:الحق أم الباطل؟ العقل أم الغباء؟ البقاء أم الفناء؟

و الله المستعان. رب إحفظ مصر و المصريين.


الأحد، 1 مايو 2011

حرب المصطلحات

تحديث: تم نشر هذا المقال بموقع يقظة فكر بتاريخ 23 مايو2011

-------------------------------------------------------------------------


إنها حربٌ مجالها الصحف و المجلات و المناظرات و الفضاء الإلكترونى.حربٌ لا غالب فيها و لا مغلوب لأنها حربٌ وهمية.حربٌ تُستنزف فيها الأعصاب و تضيع الطاقات و الأوقات و يبقى بقية الشعب المسكين متفرجاً على هذا الهذر الذى لا يعنيه و لا يشغله.لكن هل سيظل صامتاً طويلاً؟

إنها الحرب الفكرية بين التيار الإسلامى و التيار العلمانى فى مصر.

يتخندق أتباع كل طرف داخل خنادق فكرية لا يرون منها الطرف الآخر, و بين الخندقين جبال من دخان و أوهام إذا نفخت فيها صارت هباءً منثوراً.

هذه الجبال هى مذاهب فكرية و مصطلحات و شعارات رنانة يسبب الجهل بمعانيها الحقيقية كثيراً من سوء الفهم, و يقوم الإختزال ببقية الدور.

نسمع تحذيرات من الدولة الدينية, و مطالبات بدولة مدنية.نجد بعدها تحذيرات من الدولة المدنية بدورها.و ذلك كله بسبب الفهم المغلوط للمصطلحين.

نجد هجوماً شرساً فى الإعلام على الإسلاميين ينال منه السلفيون نصيب الأسد, و فى المقابل تكفيراً للعلمانيين.علماً بأن من علم هؤلاء و هؤلاء لم يكن ليتصرف هكذا.لكنه الجهل و التدليس و الإختزال.

نجد جدلاً حول مصطلحات الليبرالية و الإشتراكية و الحل الإسلامى.و فى الوقت ذاته عدم توضيح آليات كل تيار و حلوله العملية للمشاكل التى يواجهها الوطن.و تظل الأمور فى أطر الخطب و التنظير المجرد.


و حتى نخرج من هذه الخنادق, أرى أن نضع فى إعتبارنا الآتى:

1-كل من حباه الله علماً و فكراً و قدرة على توصيل المعلومة لا يكتم هذا العلم بل يسعى لنشره من أى منبر حسب دائرة تأثيره.هذا واجب الوقت.

2-لابد من الخروج من فكرتى الإختزال و تعميم الأحكام.فمثلاً, يقع الإسلاميون و العلمانيون فى خطأ كبير حينما يختزلون الشريعة فى إطار تطبيق الحدود فقط و ينسون أنها أوسع و أشمل من هذا.و يقع فى خطأ شنيع من يعمم التطرف على طائفة بسبب غلو بعض أفرادها, أو من يكفر فريقاً بسبب شطط بعض المنتمين له. و أرجو قراءة هذا المقال القديم عن ثقافة الإختزال.

3-على من يعرض فكرة الحرص على عرضها بوضوح مع توضيح علاقة الفكرة بالواقع.اللعب على الوتر العاطفى قد يكون فعالاً لكن لفترة قصيرة.و حين أجد مشروعاً فكرياً جيداً له تطبيق عملى و جاهز للتطبيق سأضع مشروعك على أقرب رف.

4-من يسعى للمعرفة عليه أن يحسن إنتقاء المصدر, فليس من الممكن الحصول على رأى موضوعى عن الإخوان المسلمين من د.رفعت السعيد مثلاً.و فى الوقت ذاته يحاول تنويع المصادر حتى لا يكون أسيراً لوجهة نظر واحدة.و بعد هذا لك الخيار فالله أعطاك عقلاً و منحك حرية الإرادة.

5-ليس من المقبول قولبة الناس فى قوالب جامدة و تصنيفهم تصنيفات تجعلك تقبل من هؤلاء كل ما يقولون أو ترفض من هؤلاء كل ما يصدر عنهم, إفتح عقلك لكل الأفكار و من جديد إترك لعقلك الحكم.و أرجو قراءة هذا المقال عن ثقافة التصنيف.

6-لا يوجد شىء إسمه إنسان محايد.الإنسان قد يكون له موقف حيادى سلبى فقط فى قضية لا تخصه أو يجهل تفاصيلها لكن فور معرفته للتفاصيل ينحاز لرأى معين.لا يمكنك أن تكون حيادياً و لكن يمكنك-بل يجب عليك-أن تكون موضوعياً.

7-حوار النخب و المثقفين جميل و جيد, و لكن ماذا عن الغالبية العظمى من الشعب؟لا يمكن الإستمرار فى سياسة الإنعزال و الإستعلاء و التعامل بطريقة فوقية و النظر للناس على أنهم غنم.أفيقوا يا سادة.

8-إذا كنت تعتبر نفسك مقاتلاً فى معركة, فتعلم أن تقاتل بشرف.التدليس ينسف مصداقيتك قبل أن يشوه صورة منافسك.و فى بلادنا التى ما زالت تعانى من داء الإختزالية فإن الصورة السلبية قد تصيب تيارك بأكمله و لا تقتصر عليك وحدك.فليس من المقبول نشر الأخبار الكاذبة و الإشاعات للتخويف من السلفيين.و كذلك ليس مقبولاً إيهام الناس أن الدولة المدنية معناها إباحة الزنا و الخمر و المساواة فى الميراث ...إلخ!!!!

9-ليس من المعقول التركيز على المصطلحات دون قراءة آليات هذه المصطلحات, فمثلاً:ليس معقولاً أن نرى من يرفض كلمة الديمقراطية بسبب رفضه لتعريف المصطلح بدعوى أنها حكم الشعب للشعب فى حين أن الحاكمية لله عز و جل.و لو فهمنا آليات الديمقراطية سنرى أين ستوصلنا فى النهاية.

10-لابد أن نتذكر أن هناك سنن كونية منها التدرج.لا يمكن إصلاح كل شىء حالاً و فى نفس الوقت, لا يمكن المطالبة بإصلاح كل شىء الآن.هناك ما يعرف بفقه الموازنات و فقه الأولويات.و بالترتيب الصحيح للأولويات نمشى فى الطريق السليم لتحقيق الغاية الكبرى.

11-كل تيار فيه جانب متشدد و جانب وسطى.الجانب المتشدد هو الذى يثير ضوضاء أعلى رغم أنه قد يكون الأقل عدداً.لا يمكن أن نترك الساحة للمتشددين فى الجانب الدينى أو العلمانى ليقررا مستقبل الوطن.هذه مسئولية التيارات الوسطية المعتدلة داخل كل تيار.و على العاقل التمييز و معرفة مع من يتحاور و من يتهم.

12-الناظر لأهم ما تدعو إليه الإشتراكية مثلاً و هو مبدأ العدالة الإجتماعية.و إلى أهم ما تدعو له الليبرالية من التأكيد على الحريات و حقوق و المساواة و المواطنة سيجد أن كل هذه عوامل مشتركة بين هذين المذهبين و بين الإسلام.الإسلام ملىء بالنصوص و المواقف التى تؤكد هذه المبادىء و أكثر.و هذه مساحات مشتركة يجب أن تربط بين أتباع هذه التيارات و يمكن لكل تيار أن يعرض آلياته العملية لتحقيق هذه الشعارات و المبادىء, و التجربة وحدها هى التى ستثبت نجاح أى مشروع.

لا يتبادر لذهن أحد أنى بهذا الكلام أنفى الخلاف بين الفريقين أو أبسطه.لابالطبع, هناك خلاف جذرى لأن المرجعية مختلفة و نقطة الإنطلاق ليست واحدة.و لكن هل النظر يكون لنقطة البداية فقط أم للغاية التى يريد كل فريق أن نصل إليها؟و هل إذا لاحظنا أن الطرق تتقاطع من حين لآخر, ألا يدل هذا على وجود عوامل مشتركة و أرضية تمكن من عمل مجتمعى موحد كى نصل جميعاً للغاية المنشودة؟

إن نقطة الإنطلاق الخطأ و السير فى طريق خطأ لن يوصلنى للغاية التى أريدها مهما كان نبل هذه الغاية, فما العمل؟هل نساعد بعضنا البعض على السير فى طريق ممهد مشترك نواصل فيه العمل سوياً لبناء الوطن.أم يسير كل منا منفرداً بل و يحاول بعضنا قطع الطريق على الآخر؟

بعد إزالة غبار جبال الأوهام سنجد أن الأرضية المشتركة التى يمكن العمل عليها كبيرة.و حين نكتشف كبر هذه المساحة سيكون هذا دافعاً لنا للهدوء و الحوار بطريقة أكثر عقلانية و أكثر وداً.إن كثرة الروابط بينى و بينك تشجعنى أكثر على أن أتقبل كلامك, طالما أنى أجد منك فى المقابل أذناً مصغية و عقلاً متفتحاً قابلاً للنقد البناء.

دعونا نبنى سوياً, و دعونا من السفسطة و الجدل البيزنطى و الغلو فى التنظير و السخرية و التريقة على خلق الله.إما هذا أو فلتبقوا فى أبراجكم العاجية تصارعون الطواحين و تقذفون بعضكم البعض بالمصطلحات.أقول إبقوا فلن أبقى ساعتها معكم.