الأحد، 25 ديسمبر 2011

المصريون و البحث الدائم عن بديل


عندما يكون المرء مقبلاً على إختيار معين, فإن عدداً من البدائل تتوفر أمامه يوازن منها ثم يحدد إختياره حسب أولوياته...و تكون سعيد الحظ إذا كانت مقارنتك بين الحسن و الأحسن...لكن الحياة لا توفر لنا دائماً هذه الرفاهية, فكثيراً ما تجد نفسك محصوراً بين السىء و الأسوأ.أى أنه عليك بكل بساطة أن تختار أهون الشرين..أو أخف الضررين.
عندما شارك الإخوان المسلمون فى الإنتخابات النيابية قبل الثورة كانت نسبة من الأصوات التى تذهب إليهم تأتى فى شكل تصويت عقابى للحزب الوطنى لأن الإخوان هم البديل الأقوى بغض النظر عن إقتناع الناخبين بهم من عدمه.فى إنتخابات الرئاسة ذهبت أصوات كل من يرفض مبارك إلى المرشحين أمامه حتى مع عدم الإقتناع بهم.أنا شخصياً أعطيت صوتى فى إنتخابات الرئاسة لأيمن نور دون إقتناع شخصى به حتى لا يذهب صوتى للمخلوع.
بعد الثورة زادت الخيارات و البدائل.و زاد إقبال الناس أيضاً بعد أن شعروا أن أصواتهم صار لها قيمة و تأثير.هناك من يحدد إختياراته منذ البداية تبعاً لإقتناعه الكامل بمرشحه و الحزب الذى يؤيده.و هناك من يصوت لحزب خوفاً من حزب آخر.فى الإنتخابات الأخيرة تم الترويج للكتلة المصرية على أنها البديل الأقوى فى مواجهة الأحزاب الإسلامية و على رأسها الحرية و العدالة و النور.بل أن أحد أصدقائى من الذين يعتبرون أنفسهم من الإسلاميين قد صوت للكتلة لا عن قناعةٍ بها و لكن حتى يكون هناك توازن إزاء الإخوان.
تظهر فكرة البديل بشكل أقوى فى إنتخابات الإعادة.فى دائرة المنتزة بالإسكندرية تكتلت الأصوات مع المرشح المستقل المدعوم من الحرية و العدالة فى مواجهة م.عبد المنعم الشحات الذى أعتبر متطرفاً فى نظر من تكتلوا أمامه.و ربما لم يكن المسيحيون و الليبراليون يظنون أنه سيأتى عليهم يوم يضطرون فيه لدعم مرشح الإخوان.لكنه بالنسبة لهم أهون الشرور.
فى دائرة الرمل المجاورة لها حدث العكس.فقد ذهبت نسبة من أصوات نفس الفئة لطارق طلعت مصطفى و هو من الفلول المعروفين و ذلك نكايةً فى المستشار الخضيرى لأنه مدعومٌ من الإخوان.و فى الحالتين لم يكن التصويت عن قناعة و إنما بديل مفروض.
الآن هناك إلحاحٌ كبير على مسألة سرعة إنتخاب رئيس الجمهورية.و الحقيقة أن الإعتقاد بأن مجىء الرئيس سيجعل كل المشاكل تحل فى التو و اللحظة هو إعتقادٌ ساذج طفولى.فالرجل سيأتى ليحمل تركة ثقيلة و ميراثاً كارثياً نتاج عقود من الإستبداد و الفساد.و العسكر لن يتركوها له (مخضرة) كما نقول فى المثل.
إن الرئيس المدنى هو البديل للحكم العسكرى و لذلك نلح عليه.و لو لم يرتكب المجلس العسكرى كل هذه الأخطاء و الجرائم لما كان هذا الإلحاح. لكن نعود و نؤكد على أن الرئيس القادم ليس معه خاتم سليمان و لا مصباح علاء الدين ليحل كل المشاكل بشكل آنى.فى الوقت الذى سنصل فيه - و سنصل بإذن الله- للحكم المدنى ستستمر البلاد فى مرحلة إضطراب لأن أعداء الوطن فى الداخل و الخارج لن يتركونا فى حالنا.و تعلق الناس بالوهم الطفولى بالمخلص أو الفارس القادم من بعيد على حصانه لينتشلنا من الوحل و ينقذنا من الغول-المجلس العسكرى-هو جزء من فن صناعة الفرعون الذى أدمناه كمصريين.
و لنترقب عندما نرى الأسماء النهائية للمرشحين للرئاسة أن نجد مجموعة من الأسماء التى لا يوجد بينها من يملأ أعيننا و يقنعنا.و ساعتها سيكون الإختيار بمبدأ (أحسن الوحشين) و عند التصفية النهائية بين إثنين من المرشحين قد نضطر لإختيار رئيس هو أهون الشرين.لكن على أية حال سيكون أهون من حكم العسكر.
إن العسكر راحلون لا محالة.هم يماطلون و يسعون لعدم الرحيل قبل التأكد من أنهم أمنوا ساحتهم تماماً.و عندما نصل لمرحلة الإنتخابات الرئاسية فسيكون واضحاً أمام المصريين من هو مرشح المجلس العسكرى و الفلول معاً.
فى الإنتخابات البرلمانية كان مبدأى أن أصوت للفكرة و المبدأ بغض النظر عن فرص حاملها فى الفوز.كنت أرفض التصويت للجواد الرابح.لكن عندما نتكلم عن إختيار الشخص الذى سيكون مقدراً له حكم مصر فسيضطرنا العسكر إلى تعديل حساباتنا...و أكرر أنه إذا انحصر الخيار بين مرشح مدنى – أياً كان توجهه - و مرشح المجلس العسكرى فإن إختيار المرشح الأول - حتى لو كان مخالفاً لمرجعيتك - هو الأولى. فالمرشح الثانى سيعنى أن البلاد ما زالت تحت حكم العسكر و إن خلع بزتهم و ارتدى بدلة.
و سيأتى يومٌ لا نوضع فيه بين شقى الرحى, و لا نساق فيه لتحديد إختياراتنا.هذا اليوم قادمٌ لا محالة.
((و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين))
((إن الله لا يصلح عمل المفسدين))
((و لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار))
يسقط حكم العسكر

-----------------------------------------
تم نشر هذا المقال فى شبكة رصد


ليست هناك تعليقات: