قص على عمى أنه فى أيام شبابه فى الستينات
كان جالساً مع عمى الأكبر فى أحد المقاهى مع مجموعة من الأصدقاء, و كان عمى الأكبر
معجباً بكل ما هو ألمانى و بهتلر على وجه الخصوص.و دار نقاش حول الرجل و يبدو أن
النقاش إحتدم فتدخل أحد رواد المقهى و قال:أصل (هترل) ده كان شيوعى!! فكتم الشباب
ضحكهم و دفعوا الحساب و إنصرفوا بعيداً عن هذه العقلية.
تذكرت هذه القصة حينما أخبرنى صديق بخطبة
جمعة إستمع لها مؤخراً فوجد الخطيب - سلفى للأسف - يدعو الناس للتصويت لصالح (الإسلام)
و أنهم إذا لم ينتخبوه فلا يلوموا إلا أنفسهم إذا فاز غيره ( طبعاً معروف أن
الإسلام هو حزب النور).ثم أردف قائلاً : لقد جربنا الديمقراطية ثلاثون عاماً (يا
راجل), و جربنا (الرأسمالية) فى عهد عبد الناصر!!!
حدثنى نفس الصديق عن مرشح عمال فى الدائرة
الثالثة فردى فى الإسكندرية عن حزب النور, أخبرنى أن الرجل على المستوى الإنسانى
طيب و على خلق , لكن فى السياسة لا يعرف الفرق بين الألف و كوز الذرة . فى بداية
الثورة كان هذا الرجل من الصنف المعارض لها و الذى يرى أنها فتنة . و فى مرحلة
الإستفتاء كان يدعو لقول نعم و حينما كان يُسأل عن سبب موافقته على التعديلات
الدستورية كان رده : لأن الشيوخ قالوا بهذا.
فى اليوم الذى توجهت فيه للجنة الإستفتاء على
التعديلات المشئومة قابلت فى الطريق شاباً يبدو من سمته أنه سلفى ..تطوع ليخبرنى
بمكان اللجنة التى أعلم مسبقاً أين مكانها . ثم إبتسم لى و قال : قول نعم بقى . إستدرت
له بغيظ و قلت له: لا تقل للناس ماذا يختارون.و بالمناسبة, خيارى وقتها كان (نعم)
لقناعاتى الخاصة (وقتها).
سأل صديق لى رجلاً سلفياً : إذا أسفرت
الإنتخابات عن إعادة بين البرادعى و شفيق , من ستختار؟ قال: شفيق , لأن البرادعى
رجل علمانى ليبرالى!!!
يا سبحان الله , و هل شفيق هو الإسلامى الذى
يدعو لتطبيق الشريعة؟!!
و لكن هل نلوم الرجل فقط, أم نلوم الشيوخ
الذين ملأوا رأسه و رؤوس غيره بخطب فى نقد العلمانية و الليبرالية و اليسار بعموم
المصطلحات و تصنيف الشخصيات؟
هذا النموذج متكرر على مستويات مختلفة , من
يسلمون رؤوسهم لآراء المشايخ...و هذا أمر لا يصح أن يُترك على عواهله فى الدين
أساساً قبل السياسة . و أن تجد هذا السلوك من فرد عادى شىء , و أن تجده فيمن يفترض
أن يكون ممثلاً للأمة و مشاركاً فى سن القوانين شىء آخر.
و مع كون فكرة فصل الدين عن السياسة بمفهوم
العلمانية الشاملية أمراً يتنافى مع مرجعيتى و قناعاتى الشخصية , فإن إستغلال
الدين فى السياسة من جهة أخرى هو أمر مرفوضٌ و مقزز فى الوقت ذاته . و هو أمرُ يضر
الدعوة أبلغ ضرر و يسىء إلى صورة الإسلاميين كلهم و يشوه تاريخهم و كفاحهم و يجعل
الفرصة سانحة لكل من يبغى الإنتقاص منهم . و فى أحيان كثيرة يكون ما يُلصق
بالإسلاميين من قبيل الزور و البهتان . و فى أحيانٌ أخرى يكون الإسلاميون هم من
أعطى الفرصة الكاملة لمنتقديهم . و أحياناً يكون أعدى أعداء الفكرة هو غباء- و لا
أقول حماسة - بعض المنتمين لها.
إن دخول أتباع مدرسة السلفية العلمية - تمييزاً
لها عن السلفية الحركية التى أيدت الثورة و شاركت بها منذ البداية - لمعترك الحياة
السياسية قد شابه الكثير من الأخطاء الناجمة عما نسميه بالعامية (الغشومية) أو
بكلمات مهذبة (قلة الخبرة السياسية) . و الحقيقة أن القوم قد سعوا لدخول الباب
بطريقة أكثر إحترافية فأسسوا حزباً لهم و هو حزب النور...و بدا لفترة ما أن الحزب
بدأ يسير فى الإتجاه الصحيح...لكن سرعان ما تبين أن العقلية القديمة هى التى تتحكم
فى الأمور. سواء من جهة الخطاب الإستعلائى المغرور لعدد من المنتمين له و كأن لسان
حالهم (لن نغلب اليوم عن قلة) و نسوا (و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) . أو التنافس
الصبيانى الذى إشتركوا فيه مع الإخوان المسلمين و الذى ظهر بشكل كبير فى ساحات
صلاة العيد.أما الإنتخابات التى كنا نرى أن القوى الوطنية عموماً و القوى الإسلامية
خصوصاً يجب أن تنسق فيما بينها فى مواجهة الفلول....فقد سقط الجميع بإمتياز و لا
أحمل حزب النور مسئولية الفشل وحده...و لكن أكثر ما ساءنى أن يكون العناد دافعاً
للنزول أمام شخصية مثل المستشار الخضيرى لا لشىء إلا لأنه عارض موقفهم المعارض
للثورة فى بدايتها ثم المثير لمعركة لا داع لها حول المادة الثانية أمام الإستفتاء
. و فى النهاية فالمستفيد هو الفل طارق طلعت مصطفى.
لا أعلم على أى أساس يختار هذا الحزب مرشحيه
إذا كان بينهم عقلية مثل عقلية المرشح الذى ذكرناه فى بداية المقال.لا أريد أن
أعمم النموذج و كأن مرشحى الحزب كلهم هكذا....لكن إذا كان أحد أساسيات الإختيار هى
تزكية المشايخ...فلا أهلاً و لا سهلاً.
لن أعطى صوتى إلا لمن يقتنع به عقلى ....الأولوية
لمن شارك فى الثورة منذ بدايتها و لم يدنس نفسه بالجلوس على حجر العسكر. و
بالمناسبة أرجو ألا يستغرق الجميع فى الإنتخابات و يعطوها أكثر من حجمها و ينسوا
العسكر و ألاعيبهم . شخصياً مشاركتى فى الإنتخابات هى معذرة إلى ربى و لأن سلبيتى
معناها فرصة أكبر لمن لا يستحق أو للفلول فى دخول المجلس.
لا أعلم ما دهاكم . خياراتكم خاطئة. أولوياتكم
مقلوبة .رهاناتكم على الحمار-لا الحصان-الخاسر . تخسرون أصدقاءكم و لا تحسنون كسب
أعدائكم . تحركاتكم بطيئة و متأخرة . ردود أفعالكم لا تتناسب مع قدر الأحداث .
تخوضون معارك لا طائل منها و على الجبهة الخطأ . و غروركم سيجعلكم و يجعلنا نخسر كل شىء .
ليست هذه السطور لسب السلفيين أو الإنتقاص
منهم....هم لهم ما لهم و عليهم ما عليهم و هم أخوة فى دين الله...لكن طالما أننا
نتكلم فى العمل السياسى وجب توجيه النقد لهم لأنهم لا يؤذون أنفسهم فقط و إنما
يشاركون مع غيرهم فى إيذاء تيار كامل أنتمى له بعقلى و قلبى و روحى و يحز فى نفسى
أن يكونوا كالدبة التى قتلت صاحبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق