و لعلكم تتساءلون عن كون التصنيف شيئاً نحتاج أن نتجنبه, و لست أتكلم هنا عن المبدأ بشكل عام, فقد اتفقنا من قبل أن تعميم الأحكام هو من أكبر الأخطاء, لكن ربما توضح الأمثلة المعنى الذى أبغى الوصول اليه.
فمن أمثلة التصنيف المذموم الذى هو موضوع هذا المقال, هو ما يقوم به عدد من الشباب الملتزم, و خصوصاً الأخوة المنتمين للتيار السلفى, من تصنيف كل من يقابلهم حسب الانتماء السياسى, و المذهبى, و العقائدى, و الدينى.
و كأن دراسة العقيدة قد صارت وسيلة فقط لكى يمشى الإنسان فى الشارع و يصنف كل من يقابله,فهذا أزهرى اشعرى, و هذا ماتريدى, و هذا صوفى نفر منه فرار السليم من الأجربِ!!
أما هذا الفتى الذى يتكلم معى عن ضرورة المشاركة السياسية و العمل الدعوى جنباً غلى جنب, فهو من الإخوان, فدعك منه و مما يقول.
و هذا الذى يحثنى على المشاركة فى المظاهرات و الإعتصامات و إستخراج بطاقة إنتخابية فهو ثورجى من حركة كفاية, تلك الحركة التى تضم خليطاً من الإخوان و اليساريين و المستقلين و الناصريين, فدعك منهم أجمعين!!
و أنت يا صديقى اليسارى الذى يفتخر بعلمانيته و فكره المستنير فى مواجهة الظلاميين الرجعيين, إنك بمجرد أن ترى أمامك شخصاً ملتحياً فإنك تصنفه كيمينى متأخر, و ترى أنه بأفكاره المتخلفة لا يساير الزمن, و لا يواكب التطور, و أنه ليس له القدرة على فهم الأمور و رؤيتها كما تراها, طالما أن هذه اللحية تحيط بوجهه, أو أن هذه الطرحة تغطى رأسها.
هل وصل المعنى الذى أتكلم عنه؟
إننى عندما أتحدث مع إنسان ما, و أعرف إتجاهه الفكرى, و مذهبه الدينى أو السياسى, و من ثم اضعه تحت تصنيف معين, و يكون نتيجة هذا التصنيف أن أرفضه كليةً و اضرب بآرائه كلها عرض الحائط, فهذا خطأ فادح, و ظلمٌ بين.
هذا الخطأ هو إمتداد لثقافة أخرى تكلمنا عنها من قبل, و هى ثقافة الإختزال, فقولبة البشر فى قوالب جامدة, و إختزالهم فى صور يرفضها العقل هو قصور فى الرؤية و ظلم فى الحكم, و هو التطرف فى حد ذاته سواء كان من يعتنق هذا الفكر يمينياً أو يسارياً, و الحقيقة أن كل الأفكار و الثقافات الخاطئة ترتبط ببعضها البعض بسلسلة بشعة, كما أن الفكر السليم و الثقافات النيرة ترتبط ببعضها بحبل متين.
قد أختلف معك فى نواحٍ عدة, لكن هل هذا يعنى أن كل ما يخرج منى هو خطأ بالتبعية, هذا إذا بلغ بك الغرور حدً يجعلك تظن أنك قد احتكرت الحقيقة لنفسك أنت و كل من يرى رايك؟
يا من تضع لمن أمامك تصنيفاً, و ثم بناءً على هذا التصنيف تحدد موقفك منه, من أنت لتحكم على البشر من مجرد مقابلة, و من أنت لتحكم على بطلان تفكير غيرك بالكامل لأنه يختلف عنك فى الرأى, أو المذهب, أو الإنتماء السياسى, أو حتى الدين؟
قد يكون 99% مما اقوله خطأ, لكن لا يوجد إنسان كل ما يصدر منه شر أو خطأ, كما أنه لا يوجد بالتبعية إنسان كل ما يصدر منه خير أو صواب, لسنا إما ملائكة أو شياطين, و لسنا بيضاً أو سوداً, فبين هذين اللونين مساحات متسعة و درجات متنوعة من اللون الرمادى.
إذا كان تصنيفك لى دافعاً لك لكى تضعنى فى إطار ترفض به كل ما يصدر منى, فليسامحك الله, و ليهدنى و إياك.
كل شىء فى الدنيا يندرج تحت تصنيف معين, طالما أن هذا الشىء كائن و موجود و محدد, و الإنسان الذى لا نستطيع أن نصنفه هو إما إنسان غامض لدرجة لا تستطيع معها تحديد توجهه, أو إنسان متميع ليس له مبدأ أو هدف محدد.
من أجل هذا ضع لى أى تصنيف تشاء, قل عنى أنى إسلامى أو علمانى, قل عنى أنى سلفى أو إخوانى أو صوفى, قل عنى أنى يسارى أو يمينى, لكن عندما تضع لى هذا التصنيف, لا تضع على علامة(إكس) و ترفض بالتبعية كل ما يصدر منى.
نصيحة لكل من يمتلك قلماً يضع به علامة صح او خطأ على غيره, أنظر لنفسك أولاً, و عندها ستعلم أنه ليس هناك من خير خالص أو شر مطلق, و قد تمتلك الحق فى أن تصنف نفسك, أو أن تظن أن غيرك يندرج تحت تصنيف معين, لكنك لا تمتلك ابدأ الحق أن تنفى عنه صفة الإيمان, أو العقل, أو الفكر لمجرد أنه يعتنق رأياً, أو مذهباً, أو ديناً لا يتماشى و ما تراه حضرتك.
هناك تعليقان (2):
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً الحمد لله على سلامتك ..
بخصوص موضوعك المطروح هو جيد ويدعوا لكثير من التفكير وقد يكون هذا التفكير أشبه بمعادله حسابيه أو قضيه قانونيه ويجب عليك العدل فيها بين كل الأطراف .. بدايةً يا أخي الفاضل أنت انتقدت الشباب الملتزم وخصوصاً السلفيين كما ذكرت في هذا الجزء
(( فمن أمثلة التصنيف المذموم الذى هو موضوع هذا المقال, هو ما يقوم به عدد من الشباب الملتزم, و خصوصاً الأخوة المنتمين للتيار السلفى, من تصنيف كل من يقابلهم حسب الانتماء السياسى, و المذهبى, و العقائدى, و الدينى. ))
كيف أفهم هذا التخصيص الصادر منك..؟.. لما لم تتوقع أن هناك من سيقول لك .. من أنت حتى تنتقدني بالخصوص .. هذه غلطه محسوبه عليك :)
أخي الفاضل أصبت كبد الحقيقه حين قلت إن لا يوجد إنسان كل ما يصدر منه شر أو خطأ .. ومع هذا لابأس في التعرف على أفكار الغير لأننا مجبرون على التعامل مع كل التوجهات فهذه هي الحياة .. لم أعتقد في يومٍ من الأيام أن الحياه يجب أن يكون تفكير أهلها كما أحب .. فهناك من أتفق معه وهناك من أختلف معه وكما ذكرت انت التعميم في كل الأحوال خطأ .. ومع هذا أصر على معرفة كل من يقابلني لأحدد توجهه وهذا ليس بغرض قبولي أو رفضي له إنما لكي أتعرف على فكره ويتعرف على فكري وربما يكون أحدنا مخطيء ويصوب الأخر .
بالمناسبه أنا لست ملتحي وهذا ليس مجاهره بالعصيان ولكن لتتضح لك صورتي ولكي لاتذهب بعيداً.
أرجو أن تتقبل تعليقي هذا .. وأتمنى لك التوفيق
في أمان الله
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
الله يسلمك يا أخى العزيز على
قبل أن أقول أى شىء, فطبعاً أتقبل تعليقك يا أخى, بارك الله فيك و أعزك.
لكن اسمح لى يا أخى,ربما أكون قد بدأت بإنتقاد لجوء بعض الملتزمين للتصنيف, لكن المقال تكلم أيضاً عن وقوع العلمانيين ايضا فى هذا المنزلق, فإنى لا أقصد أن أنتقد تيار أو إتجاه بالخصوص,و إنما أنتقد مسلك معين يقع فيه أناس من خلفيات و مرجعيات مختلفة.و الحقيقة أن كلامك هذا جعلنى أفكر أنه كان بالأجدر بى أن أطرح عددا أكلر من الأمثلة,بدلا من 2 فقط, لكن يعلم الله صدق نيتى و أنى لا أقصد التهجم و تركيز الانتقاد على تيار بعينه.
و من جهة أخرى,فإنى أتفق معك بالطبع فى أهمية معرفة فكر الغير, فعندما نتكلم مع غيرنا نحتاج أحيانا لمعرفة خلفياته للتعرف على شخصه أكثر و معرفته بشكل أعمق, و لكن لا يلزم أن يكون الإختلاف فى المرجعية دافعا للمرء لتصنيف الآخر بشكل سلبى و وضعه فى معسكر الأعداء و رفض كل ما يأتى به,و هذا هو لب المقال.
بارك الله فيك أخى,, و جزيت كل الخير
إرسال تعليق