الأربعاء، 4 يوليو 2012

ذكر ما جرى في جمهورية موزستان


جلس الرئيس المنتخب حديثاً على مقعده الوثير بعد يومٍ حافل بالأحداث..فقد بدأه بأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا, ثم عرج على قاعة المؤتمرات ليلقي كلمة أمام نخبة الدولة, ثم حضر احتفالاً أقامه له جنرالات القوات المسلحة إحتفالاً بتسليم السلطة. أخذ يلعب بقدميه في كروانة الماء بالملح و هو يستعيد أحداث اليوم لحظة بلحظة ثم تنهد ليتذكر عندما كان في المعتقل قبل هذا اليوم بعامٍ كامل, ثم خرج منه عقب الإنتفاضة الشعبية التي قامت على الديكتاتور (الزمباوي العنتيل) الذي كاد يورث حكم البلاد لنجله (حبظلم بظاظا) و لكنه اضطر للتنحي بعد أن إنقلب عليه الجنرالات بقيادة المارشال(كزلك).
أخيراً جاءت فرصة لموزستان لكي تتحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية و تتميز عن بقية جمهوريات الموز التي تنتمي إليها..جاءت فرصة لموزستان لكى تستعيد دورها الرائد كدرة جمهوريات أمريكا الجنوبية بعد سلسلة من الإنقلابات العسكرية و الحكم الديكتاتوري العسكري. إبتسم بإرتياح و ثقة و هو يتذكر كم كان حكيماً هو و حزبه حين تجنب الصدام مع الجنرالات طوال هذه الفترة فجنب حزبه الكثير من الويلات. أخذ يفكر في أولويات المرحلة المقبلة و ضرورة التحرك بحذر حتى لا يقع في أخطاء تثير عليه من حوله, إنه يريد أن يرضي الجميع و ألا يغضب أحداً. يريد أن يرضي أغلبية الشعب المتلهف لنيل كل ما حرمه منه النظام السابق, و يريد أن يرضي أنصاره و بالأخص حلفاؤه الذين وقفوا بجواره في الإنتخابات حينما وجدوا أنه الوحيد الذي تبقى أمام (الصف الصناعي) رئيس وزراء النظام السابق. و يريد أن يرضي أهالي ضحايا الإنتفاضة سواء من ماتوا أو أصيبوا أو دخلوا السجون. و يريد كذلك أن يرضي معارضيه و حتى من اختار أن يصوت ضده. و يريد أن يرضي النخبة الفاسدة للمجتمع و التي ورثها كما هي عن النظام السابق. و يريد أن يكون الجنرالات كذلك راضيين!! أغمض عينيه و نام من الإرهاق البدني و الفكري على هذا الوضع.
كان ما يشغل باله طوال الأيام المقبلة هو إرضاء هذه المجموعات المختلفة, قابل وفداً من أمهات الشهداء. قابل وفداً من الإعلاميين و الصحفيين. قابل مجموعات من النخبة الفاسدة. أخذ يراقب من بعيد المارشال كزلك و جنرالاته و هم يتصرفون و كأنهم دولة داخل الدولة فقرر ألا يستفزهم و أن يؤجل الصدام معهم إلى وقتٍ لاحق. شعر أنه بحاجة إلى كسب رجال القضاء بشكل أكبر و أن كلمات المجاملة و المديح الزائد بحقهم لا تكفي فانتهز فرصة وصول إثنان من قياداتهم لسن التعاقد و قرر منحهم الأوسمة تقديراً لهما رغم رائحة فسادهما التي تزكم الأنوف. و عندما وجد إمتعاضاّ من هذا القرار من كثير من حلفائه السابقين هز كتفيه بإستهانة محدثاً نفسه: إنهم لا يفهمون في السياسة و أساليب التكتيك. و أخذ يفكر في التكريم المرتقب الذي يجب أن يعده للمارشال كزلك و جنرالاته.
وصلته رسائل عاجلة من بعض حلفائه تطالبه بالحزم و الحسم و تحذره من التسويف و خطورة ذلك عليه شخصياً قبل أي أحدٍ آخر و لكنه وجد من الناحية الأخرى بعض أنصاره ينصحونه بالتروي و عدم اللجوء للصدام طالما أنه يمكنه أن يحل الأمور كلها بالإصلاح التدريجي إلى أن يصل إلى....التمكين.
في المساء فتح التلفاز و تنقل بين القنوات إلى أن وصل لقناة (الحقيقة) التي صب صاحبها (تلفيق عفاشة) عليه و على حزبه هجوماً ضارياَ قبل و أثناء و حتى بعد الإنتخابات. إبتسم في هدوء و هو يتذكر تحذير من حوله له بضرورة ردع هؤلاء و أمثاله حتى يكفوا عن تسميم عقول الناس و لكنه قرر أن يتركهم حتى لا يغضب منه أهل الإعلام و يتهمونه بوقوفه أمام حرية الإعلام و التعبير.
لم يجد برنامج تلفيق عفاشة هذه الليلة, و لكن وجد فيلماً مصرياً إسمه (أيام السادات) مدبلجاً باللغة الموزستانية. شعر أن ظروفه قريبة من ظروف السادات و أنه يجب أن يفعل مثله و يسايس من حوله إلى أن تقوم العصابة في النهاية بالغباء السياسي و يقدموا إستقالاتهم جميعاً و ساعتها يعطي الأمر : تقدر تتحرك يا ليثي.
إستراح لهذا السيناريو و قرر أن يستمر في سياسته بأن يرضي الجميع و ألا يصطدم بأحد لا سيما الثعلب الكبير كزلك. ضاق صدره بالمظاهرات المستمرة أمام قصره ليل نهار من كل من لديه مشكلة في البلد و كأنه تحول من رئيس دولة لرئيس حي. لماذا لا يصبرون ؟ إني لم أتول الرئاسة إلا من يومين...من أسبوعين..من شهرين.
بعد ثلاثة أشهر من السياسة و التكتكة و المشاهدة المستمرة لفيلم أيام السادات قبل النوم. و مع السكوت على ما يتم بثه من سموم في الإعلام و الصحف. و بعد الكثير من الأزمات التي تنفجر كل يومين منغصة على الناس حياتهم. فوجىء الرئيس بالمارشال كزلك يدخل عليه مكتبه بدون موعد مسبق و بصحبته رئيس الأركان (زومبي) و قائد الحرس الجمهوري و رئيس المحكمة الدستورية. قام الرئيس مرحباً بهم بحفاوته المعهودة المبالغ فيها كالمعتاد و إستغرق في هذا لدرجة أنه لم يلحظ عدم تقديمهم التحية العسكرية له. ردوا عليه بإبتسامات صفراء مقتضبة ثم تقدم كزلك ليأخذ مقعده على كرسي الرئيس نفسه.
ذهل الرئيس و قال: ماذا تفعل؟
رد كزلك ببرود:أنفذ إرادة الشعب.
-         لكني الرئيس المنتخب من الشعب...أنا إرادة الشعب
-         لم تعد كذلك...ألم تستمع للنبأ العاجل الذي أذيع في الأخبار في منتصف الليل؟
-         أي نبـأ؟ (تذكر أنه في هذا الوقت كان مستمتعاً بالفرجة على أيام السادات)
-         قرر رئيس المحكمة الدستورية بطلان الإنتخابات التي أوصلتك للرئاسة حسب الفقرة السادسة من البند الثاني من المادة الأولى للإعلان الدستوري المكمل للإعلان الدستوري المكمل للإعلان الدستوري الأول.
-         ما هذا؟ أنا الرئيس المنتخب و أنا تمثيل لإرادة الشعب. ستمتلىء الميادين بجموع الشعب الرافضة لهذا الإنقلاب.سيمتلىء الميدان بأنصاري و حلفائي.
-         (ضاحكاً بإستهزاء) حلفاؤك يأسوا منك, و أنصارك لن يستطيعوا معنا شيئاً لوحدهم هذا غير أننا قبل أن نأتيك قد حددنا إقامة قيادات حزبك و أظنهم سيكونون (عاقلين) مثلك و لن يحاولوا الصدام.
-         (ملتفتاً لرئيس المحكمة الدستورية) أهذا جزائي على تقديري للقضاة و إحترامي لأحكام الدستور و القانون؟
-         (رئيس المحكمة متشاغلاً بالنظر لجهة أخرى) القانون فوق الجميع, و كما احترمت القانون في البداية يجب أن تحترمه في النهاية.
-         (الرئيس بيأس) إرادة الشعب أعلى من القانون.
-         (كزلك بضجر) تريد إرادة الشعب.حسناً جئنا ببعض الشعب أمام القصر يهتف ضدك و التليفزيون يصورهم الآن ليرى العالم كله كيف أن شعبك كله لا يريدك. و نحن كقوات مسلحة ننفذ إرادة الشعب في الخارج و الداخل.
-         (الرئيس مستغيثاً بقائد الحرس الجمهوري) ألن تتحرك يا ليثي.
-         (قائد الحرس الجمهوري) منذ ثلاثة أشهر و أنا أكرر لك كل يوم أن إسمي ليس الليثي... إسمي هو عبد السميع كزلك...إبن المارشال كزلك, و الآن هيا بنا.
أمسك عبد السميع و زومبي بالرئيس و ساقوه بالقوة لخارج الحجرة مشيعاً بضحكات كزلك. لوهلة شعر الرئيس كأنه مر بهذا الموقف من قبل (ديجافو) ثم تذكر أنه شاهد صورة لرئيس مصري قديم إسمه محمد نجيب في نفس الوضع.
بعد ستة أشهر في زنزانة في معتقل تم بناؤه حديثاً جلس الرئيس و هو يقرأ صفحة من جريدة تحمل صفحتها الأولى صورة المارشال كزلك الذي قبل رئاسة الجمهورية نزولاً على إرادة الشعب. و صورة لتشكيل وزاري عرف فيه رئيس المحكمة الدستورية وزيراً للعدل و تلفيق عفاشة وزيراً للإعلام. تذكر أنه قرأ عن إستشهاد و أسر كثير من الشباب الذين حاولوا الإعتراض و التظاهر على ما جرى. أخذ يراجع نفسه ليعرف فيم أخطأ..لقد حاول إرضاء الجميع فلماذا لم يرض أحد؟ و قرر أن ينتظر و يأخذ الأمور بالسياسة و الحكمة و الحنكة و التكتكة فلماذا آلت الأمور إلى الفشل؟ لماذا إنقلب من كانوا سعداء به و بخطاباته إلى لاعنين له في أقل من ثلاثة أشهر؟
لم يدر بخلده أنه أخطأ حين لم يأخذ بنصيحة من حوله بضرورة التطهير العاجل و التخلص من الرؤوس الفاسدة في الإعلام و القضاء و الشرطة و الأهم من هذا: في الجيش. لم يستوعب أن السرطان إذا لم تحتوه و تقضِ عليه في البداية سيتوغل و يتغول و ينتشر إلى أن يقضي على الجسد كله. لم يدرك اللحظة الفارقة و يعي أن هناك قضايا لا يصلح معها إلا الحل الثوري الحازم و القاطع, و هناك قضايا أخرى طويلة الأمد هي التي يصلح معها الإصلاح التدريجي. و أن الإصلاح في موطن الثورة هو قضاء على الثورة.
لم يصل إلى تفسير سوى أن هذا هو قضاء الله و قدره, و أخذ يردد بصوت خفيض: العمل عمل ربنا..الإنسان دعيف...الإنسان دعيف.
إذا كنت قد تضايقت من هذه القصة و اعتبرتها تهكماً لا يليق على مرسي فأرجو أن توفر غضبك و شتيمتك و توجهها لمن يستحق. لا أحد منا يريد أن نصل لنهاية هذه القصة لكن الجواب يبدو من عنوانه و إذا كانت هذه هي البدايات فلا تستغربوا أن نصير لما صارت إليه موزستان. ربنا يهديه و يهدينا.
-----------------------------------------------------------------------------------
تم نشر المقال في موقع رصد


هناك تعليق واحد: