تحتل هذه المذكرات موقعاً هاماً بين مذكرات القادة العسكريين لموقع صاحبها
الذي تولى منصب قيادة أركان القوات المسلحة منذ عام 1964، وليكون أحد القلائل
الذين استمروا في مواقعهم بعد هزيمة 67، انتهاءً بتوليه وزارة الحربية، التي ظل
فيها إلى أن استقال في مايو 1971، ثم قُبض عليه وحوكم في قضية مراكز القوى.
بدأ فوزي فصول كتابه باستعراض الأوضاع السياسية والعسكرية في السنوات
السابقة على الهزيمة، ويُحمل المشير عامر وجوقته المسؤولية الأكبر عن تردي
الأوضاع، بينما لا ينتقد ولي نعمته عبد الناصر. أما عن مسئوليته الشخصية، فنجده
يؤكد من البداية أنه وجد نفسه بلا صلاحيات فعلية بعد أن استحدث المشير منصب (مدير
الأركان) وألحقه بقيادته، وبعد استحداث قيادة القوات البرية، وحذوها حذو القوات
البحرية والجوية في العيش في جزر منفصلة، ويذكر أنه قرر أن يستغل (وقت فراغه) في
تلبية دعوات الزيارات لدول مختلفة!
من أهم ما عرض من أوجه القصور انشغال الجيش بالأمن على حساب العسكرية، وضعف
مستوى التدريب، واعتبارات الولاء قبل الكفاءة، والأثر السلبي لحرب اليمن..إلخ،
وكلها عوامل مشتركة في شهادات القادة العسكريين لهذه الفترة، لكنه ينفرد هنا بنفي
معلومة تخفيض ميزانية القوات المسلحة في العام السابق للحرب، ويذكر بالأرقام أن
الميزانية كانت رقماً ثابتاً 174 مليون جنيه لمدة ثلاث سنوات على التوالي للأعوام
المالية 1965، 1966، 1967، وفي رأيي أن عرض الأمر بهذه الصورة قد يكون مضللاً،
فالمتوقع أن تزيد الموازنة ولو بشكل طفيف كل عام نتيجة للمتغيرات الاقتصادية على
الأقل، ناهيك عن استيعاب أي مشروعات جديدة، لكن تثبيت الرقم في حد ذاته هو دلالة
على التخفيض، وفي الأغلب أن الموازنة الأصلية قُدمت بأرقامٍ أعلى فكان الرد أنه لن
يمكن تدبير اعتمادات أعلى من العام السابق، فُخفضت لتستمر بنفس الرقم، وما أراه أن
هذا النفي هو جزء من الرسالة التي يريد إيصالها بأن القيادة السياسية ممثلة في عبد
الناصر لم تُقصر في تدبير متطلبات القوات المسلحة، والله أعلم.
ثم بدأ في استعراض الأحداث التي أدت لاندلاع الحرب، ويبدأ بالحديث عن قصة
الحشود المزعومة على حدود سوريا، ويذكر هنا أن وزير الدفاع السوري أبلغ المشير
عامر بحشد العدو 11-13 لواءاً على الحدود، وتتضارب شهادات القادة في هذه النقطة،
ففي حين تُجمع الشهادات على كون الاتحاد السوفييتي أهم مصدر لهذه المعلومة، فإن
بعض الشهادات تذكر أن المعلومة أتت من السوريين أنفسهم أيضاً، بينما بعضها يذكر أن
السوريين كانوا يسألون المصريين عن مصدر هذه المعلومة وأنه لا صحة لها!، والبعض
يذكر أن السوريين كانوا يثيرون قضية الحشود لدفع الأمور لحافة الحرب لمواجهة
الضغوط الداخلية، بينما يصل الفكر التآمري لأبعد من هذا بكثير، ولكن في كل
الأحوال، الثابت أن فوزي أُرسل إلى سوريا للإطلاع على الحقيقة بنفسه ولم يجد أثراً
لهذه الحشود، لكنه استغل الزيارة للترتيب على التنسيق بين الجيشين والتأكيد على أن
يقوم سلاح الجو بضرب العدو إذا بادر العدو بمهاجمة أي من الدولتين، وبالطبع لم
يحدث هذا التنسيق على أرض الواقع، وكان فوزي في موضعٍ سابق قد أشار للقيادة
العربية الموحدة وأنها كانت شعاراً أكثر منها حقيقة مُنفذة.
وفي كل الأحوال عاد فوزي لينقل الصورة لعامر، ومع هذا بدأ حشد الجيش لسيناء،
ويذكر فوزي أنه اتضح له وجود رغبة مشتركة بين عبد الناصر وعامر لانتهاز أي ظرف
دولي أو إقليمي لإلغاء تبعات حرب 1956 من وجود قوات دولية في شرم الشيخ، وعبور سفن
العدو في خليج العقبة، ويذكر أن "عبد الناصر من جانبه كان يرى أن تحقيق
هذا الهدف لا يصل إلى درجة الدخول في صراع مسلح مع العدو، بخلاف ما يهدف إليه
المشير من الزج بالقوات المسلحة في صراع مسلح سريع مع إسرائيل" وهذا
أيضاً في إطار تصوير عبد الناصر في صورة صوت العقل، بينما تصوير عامر في صورة
المندفع بدون تفكير، وكأن قرارات مثل تحريك الجيش إلى سيناء وسحب قوات الأمم
المتحدة كانت قرارات المشير وحده!، ولكن بغض النظر، فإنه من المفهوم والمجمع عليه
وجود تضارب في القيادة، لكن من المفهوم أن يكون على مستوى التفاصيل، لكن ليس في
الأُطر العامة.
تشير أغلب المذكرات إلى ضربة جوية مصرية استباقية كان مقرر لها فجر يوم 27
مايو 1967، ويُفهم من هذه المذكرات أن عبد الناصر لم يكن على علمٍ بها، وأنه أوقظ
من نومه ليلة الهجوم وأخبره السفير السوفييتي بضرورة ضبط النفس وإلغاء هذا الهجوم،
وعليه صدرت الأوامر بذلك، وتوحي هذه الرواية بمدى اختراق العدو والقوى العظمى لنا،
ولكن لا يُتصور عقلاً أن يُقدم عامر على بدء الحرب فعلياً بدون علم عبد الناصر.
أما فوزي في كتابه هذا فيذكر أن اسم العملية أسد، وأن أمر الإلغاء صدر يوم
25 مايو بعد اجتماع القمة العسكري بمكتب المشير والذي حضره عبد الناصر، وفي نهاية
الاجتماع انفرد ناصر بعامر نصف ساعة ليخرج المشير بعدها ويصدر أمراً بإلغاء
الضربة.
ويخصص فوزي فصلاً للحديث عن أمرٍ مجمعٍ عليه في مذكرات جميع القادة وهو
إخفاقات المخابرات الحربية ومعلوماتها الخاطئة فيما يتعلق بقدرات العدو وتمركز قواته
ومدى طيرانه، وكلها أثرت على متخذ القرار، والعجيب أن قائد المخابرات الفريق صادق
ظل في موقعه بعد كل هذا، وبمتابعة تقارير المخابرات اليومية نجد أنها كلها خطأ منذ
اليوم الأول، وأنها تكرر أسطورة الحشود على الجبهة السورية، ثم تتحدث عن حشود
للعدو جهة المحور الجنوبي، وهو ما أدى لاتخاذ قرار نقل أغلب القوات المصرية
لمواجهة هذه الحشود المزعومة، ليبقى المحور الشمالي الذي تم منه الهجوم الفعلي
مخلخلاً وضعيفاً، وكان التقرير الوحيد الصحيح بتاريخ 3 يونيو بعد استطلاع جوي
للجبهة تبين منه عدم وجود حشود بالمحور الجنوبي، ومع هذا لم تغير القيادة وضع
القوات التي كانت قد أُنهكت بالفعل من كثرة التحركات في كل الاتجاهات. وأجب أن
أنقل هنا تقرير المخابرات يوم 2/6/1967 والذي يقول بالنص: "إن إسرائيل لن
تُقدم على عمل عسكري تعرضي، وإن الصلابة العربية الراهنة ستجبر العدو بلا شك على
أن يُقدر العواقب المختلفة المترتبة على اندلاع شرارة الحرب في المنطقة"،
وكما نرى، فإن هذا التقرير لا يعدو كونه كلاماً إنشائياً وخطابياً، بخلاف كونه
عارياً عن الصحة، ومما يثير الأسى تأثيره المدمر على القوات المسلحة، فيذكر فوزي
أن المشير أمر بتوزيعه على جميع القوات حتى مستوى القادة الأدنى، ومن الواضح أن
هذا الأمر زاد من حالة الاسترخاء في صفوف الجيش وإيمانهم بأن الحرب مستبعدة،
والعجيب أنه في نفس اليوم كان الاجتماع الشهير الذي حضره عبد الناصر وأخبر فيه
الحضور أن العدو سيهاجم في الأغلب يوم 5 يونيو، ولم يُبلغ هذا التحذير لأحدٍ خارج
القاعة!
بقى في هذا الفصل أن أشير لطريقة انتقال المعلومة من مركز المعلومات
الأمامي للمخابرات الحربية على الجبهة، فهي تُبلغ لمكتب وزير الحربية شمس بدران
للإطلاع عليها، ثم تُرسل للقوات الأمامية في سيناء، وهو أسلوب عقيم وغير سليم وقت
الحرب ويؤدي لتأخير وصول المعلومة لمن يحتاجها في وقتها.
بعد ذلك انتقل لوصف تفاصيل المعركة، وتحدث عن الإنذار الأول من محطة
مخابرات العريش الذي وصل لمكتب المخابرات بوزارة الحربية ولم يُبلغ في حينه للوزير
لأنه لم يكن موجوداً، والإنذار الثاني هو
الإنذار الشهير من الفريق عبد المنعم رياض (عنب عنب عنب)، ولا نقول أن مجرى
التاريخ كان سيتغير إذا وصلت المعلومات في وقتها، ولكن ربما لم تكن الهزيمة لتكون
بهذا الإذلال، وربما لم يكن سلاحنا الجوي ليتدمر كليةً.
يذكر فوزي أن العدو تدرب لمدة 10 سنوات على خطة ضرب الطيران (الخطة كولمب)!،
وأن طيران العدو هاجم منطلقاً من 5 مطارات رئيسية بكامل قاذفاته (164 طائرة) على
نسقين، وفي حين يذكر الفريق مرتجي أن العدو هاجمنا بكامل قواته الجوية وترك 12
طائرة فقط للدفاع عن إسرائيل، ينفرد الفريق فوزي ليحدد الطائرات الموجودة للدفاع
ويذكر أنها كانت طائرات أمريكية قامت بعمل مظلة جوية فوق الأرض المحتلة، كما يذكر
أن محطة عجلون رصدت طلعات جوية من حاملة الطائرات الأمريكية، وهي معلومات هامة
وتحتاج للتدقيق، وبخلاف ذلك، يُفصل فوزي دور السفينة ليبرتي في التشويش على
اتصالاتنا اللاسلكية، ودورها كذلك في مساعدة وتوجيه طائرات العدو للوصول لأهدافها.
ينفرد فوزي كذلك في مذكراته بجزء من خلفيات قرار الانسحاب، فيذكر أن عامر استدعاه مع رئيس هيئة عمليات
القوات المسلحة بعد ظهر يوم 6 يونيو طالباً إعداد خطة انسحاب في 20 دقيقة! وبدون
مناقشة هرعوا لإعداد الخطة وعادوا إليه ليخبروه بالخطوط العريضة للخطة، والتي
تلخصت بالانسحاب التدريجي للقوات بشكل تبادلي خلال أربعة أيام، فتهكم عليهم المشير
وأخبرهم أنه أصدر أمر الانسحاب بالفعل. ومع وصف عشوائية الانسحاب، ورغم أن هذه
المذكرات كُتبت بعد أكثر من 10 سنوات على هذه الأحداث، فإن فوزي يذكر أنه لا يعلم
لمن أبلغ المشير قرار الانسحاب، ومن الذي بلغه للقادة في سيناء، وهذا أمر مستغرب
أن يكون هذا الحدث الجلل الذي بالقطع خضع أطرافه لمئات الساعات من التحقيقات، وتظل
العديد من أحداثه مجهولة، وستظل مجهولة طالما أننا لا نجد مصدراً لمعلوماتنا سوى
المذكرات، في حين لا يملك مؤرخ أن يطلع على السجلات العسكرية ليكمل الصورة!
لا نجد تفاصيل كثيرة بعد ذلك فيما يخص المعركة في سيناء، والتفاصيل الأكثر
نجدها في مذكرات بقية القادة، ولكن فوزي يدعي – والله أعلم – أن عامر اتخذ قرار
الانسحاب الأول دون أخذ رأي عبد الناصر. ويخبرنا فوزي بأن عامر غادر القيادة إلى
الأبد يوم 8 يونيو وطلب منه أن (ياخد باله من القوات المسلحة)، ثم أخبره شمس بدران
أنه وعامر سيستقيلا وكذلك كل كبار القادة، ليتركوا للقيادة السياسية حرية الحركة
في المرحلة القادمة، وتخبرنا مذكرات قادة آخرين كالفريق مرتجي أن فوزي كان مهتماً
بجمع استقالاتهم لكنه لم يقدم استقالته وأنه كان على تواصل مستمر بسامي شرف بما يوحي
بوضعٍ تآمري، ونجد أن فوزي مر بالأمر في مذكراته بطريقة الاستعباط، فلماذا لم يقدم
استقالته بصفته هو أيضاً من كبار القادة، بل ثاني رتبة في هرم القيادة العسكرية، وكأن
وصية عامر له كتكليف بالبقاء مثلاً!
بعد ذلك يخبرنا عن تكليف ناصر له بمهام القائد العام للقوات المسلحة، ثم
نهاية مرحلة الصراع على السلطة بين ناصر وعامر، والدعم العربي والسوفييتي عقب
الحرب مباشرةً، والتوجيه الاستراتيجي من عبد الناصر أن هدف المرحلة القادمة هو
إعادة بناء القوات المسلحة بحيث تصبح قادرة على استعادة الأرض والوصول لخط الحدود،
مع تحديد فترة 3 سنوات لتحقيق هذا الهدف. وأعتقد أن هذه المرحلة هي المرحلة
الحقيقية التي تستحق الفخر في مسيرة فوزي المهنية، وفي مسيرة كل الرجال الذين
بذلوا الجهد والعرق والدم في سبيل إعادة بناء الجيش، والصمود في وجه العدو
المتغطرس، والإعداد لحرب التحرير، ويستغرق الجزء الذي عرض فيه تفاصيل إعادة بناء
الجيش وبعض أحداث حرب الاستنزاف أكثر من نصف الكتاب، مع وجود بعض التكرار لبعض
الأحداث من حينٍ لآخر.
تكرر في الكتاب الحديث عن الدعم السوفييتي لمصر، ويخبرنا فوزي أن الاتحاد
السوفييتي بدأ جسراً جوياً لتعويض مصر عن خسائرها في الحرب من قبل وقف إطلاق
النار، وأن هذه الأسلحة كانت بلا مقابل!، ثم يتحدث عن تعاونهم أيضاً في توفير
احتياجات القوات المسلحة من الأسلحة المتقدمة وصواريخ سام للدفاع الجوي، ودور
الخبراء والمستشارين الروس، وتواجد الأطقم السوفييتية من الطيران والدفاع الجوي
للدفاع عن العمق لحين إكمال حائط الصواريخ الذي اكتمل الجزء الأساسي منه ونقل
للجيهة قبل سريان هدنة مبادرة روجرز بسويعات، وفوزي في حديثه عن الدعم السوفييتي
ينقل الإحساس للقاريء بعدم وجود أي مشاكل أو صعوبات، وهو ما يتناقض مع رحلات ناصر
المتكررة لهم ومن بعده السادات طلباً للسلاح.
وتكررت في شهادة فوزي الإشارة إلى أن القوات المسلحة في عام 1970 كانت قد
استكملت الاستعدادات التدريبية ولديها السلاح والقوة البشرية الكافية لبدء
العمليات العسكرية وتحرير سيناء بالكامل، وأنه كان من المخطط أن تبدأ الحرب في
نوفمبر 1970 بعد انتهاء سريان الهدنة، ولكن وفاة عبد الناصر أجلت القرار، ويشير
كذلك إلى مشروع الحرب (المناورات) الشاملة المقررة في سبتمبر 1970، والتي نُفذت
فعلياً في مارس 1971، لاختبار قدرة القوات المسلحة على تنفيذ الخطة (جرانيت)،
وكانت نتيجتها إثبات هذه القدرة، وننقل هنا بالنص الفقرة التالية من كتابه:
"إن قياس قدرات قواتنا مع قوات العدو في ذلك الوقت أواخر ۱۹۷۰ وأوائل
۱۹۷۱ كانت لصالح قواتنا عدداً وتسليحاً وكفاءة من قوات العدو في كل أفرع القوات
المسلحة، وإن توقيت معركة التحرير وتنفيذ الخطط الموضوعة والتي تم التدريب عملياً
عليها وهي الخطة جرانيت واستكمالها بالخطة ٢٠٠ الشاملة كان توقيتاً مخططاً وسليمًا .
وتبين لإسرائيل أن ميزان القوى في ذلك الوقت تحول إلى جانب مصر، فبدأت تعزز
قواتها عام ۱۹۷۲ ، ۱۹۷۳ بتسليح أمريكي إضافي خاصة في قواتها الجوية والمدرعة كما
ثبت ذلك في التقارير التي نشرت في أوائل عام ١٩٧٤ عن لجنة الكونجرس الأمريكي والتي
زارت مصر وإسرائيل جاء فيه: (إن القوات الإسرائيلية دعمت بتسليح أمريكي خلال عام
۱۹۷۲، ۱۹۷۳ بمقدار يساوي - ٣٣٪ من قواتها العسكرية عام ۱۹۷۱، وكانت حصيلة المعونة
العسكرية التي تلقتها إسرائيل عام ۱۹۷۲ فقط تساوي ٦٠٠ مليون دولار، وهي قيمة أكبر
مما قدمه الرئيس نيكسون لإسرائيل خلال مدة رئاسته كلها، ومعظمها من طائرات
الفانتوم والسكاي هوك وصواريخ شرياك وتوي وطائرات هليوكوبتر ضد الدبابات وأجهزة
الكترونية متطورة)، وبذا تحول ميزان القوى لصالح إسرائيل ابتداءً من عام ۱۹۷۳،
وهذا دليل آخر يؤكد أن توقيت المعركة مع إسرائيل في أواخر ۱۹۷۰ أو أوائل ۱۹۷۱ كان توقيتاً
سليماً."
والحقيقة أن هذا الكلام ليس مستغرباً من صاحب غرض مثل الفريق فوزي، وهو
يتناقض عقلاً مع حقيقة أن رئيس الأركان الذي عينه شخصياً ثم خلفه كوزير دفاع –
الفريق محمد صادق – كان سبب خلافه الأساسي مع السادات رفضه لفكرة الحرب المحدودة،
وإصراره على عدم بدء أي عمليات حربية قبل حصول مصر على العتاد العسكري اللازم
لذلك، ويتناقض مع استمرار السادات في طلب السلاح من الاتحاد السوفييتي لاستكمال
متطلبات القوات المسلحة، أضف إلى ذلك أنه لو كانت لدينا الإمكانية للتحرير الشامل
منذ 1970، فلم انتظرنا حتى عام 1973، ولم خضنا حرباً محدودة لتحرير شريط بعرض 15
كم شرق القناة، ولم نحرر سيناء بالكامل؟! أضف إلى ذلك أن الفريق الشاذلي في شهادته
ذكر أنه لم يجد عند توليه منصبه خطة تفصيلية لتحرير سيناء.
لهذا أعتقد أن هذا التصريح من فوزي أساسه الغرض لأسبابٍ مفهومة مرتبطة
بالعلاقة مع السادات، ولكن من المستبعد كذلك أن يكون الكلام كله لا أساس له، لذا
فإنه بجانب الحاجة إلى تدقيقه من خلال مراجعة مذكرات بقية قادة حرب أكتوبر 1973،
فإنه من المقبول عقلاً وجود خطة تحرير ذات إطار عام، وهذه الخطة هي التي تتحدد على
أساسها احتياجات القوات المسلحة لإمكانية تنفيذها، ومن المستبعد في الوقت ذاته أن
تكون مصر كانت جاهزة فعلاً للحرب الشاملة في عام 1970، وخصوصاً ونحن لا نرى في هذه
الفترة شواهد عن أي تنسيق مع سوريا أو بقية الدول العربية، ويبدو أن فوزي كان يريد
أيضاً الاثبات أنه كان جاهزاً في الإطار الزمني الذي حدده له عبد الناصر، فكأنه
نفذ الأوامر بدون مناقشة، كما نفذ أمر عامر حينما طلب منه إعداد خطة للانسحاب،
بدون مناقشة كذلك!
وتبقى هذه المذكرات إحدى الوثائق الهامة التي تعرض مرحلة الهزيمة وحرب
الاستنزاف من منظور أحد أهم المسئولين العسكريين في حينها، وعلى ما بها من تفاصيل،
فإنه لا غنى للقاريء وللباحث عن مقارنة شهادة الفريق فوزي بشهادات غيره من القادة،
والانتباه لدور الغرض وحظ النفس في هذه المذكرات، ومن الجدير بالذكر أن فوزي في
الجزء المتعلق بتوليه مسئولية القوات المسلحة كان يعدد الانجازات وينسب أغلبها
لقراراته وتوجيهاته، بعكس وضعه لنفسه في إطار الشاهد والمتفرج في مرحلة الهزيمة،
وحقاً، فالنصر له ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق