هذا الكتاب هو الأشهر في الكتب المكتوبة بالعربية في موضوعه، ويعرض لنا هذا
الكتاب – كما هو واضحٌ من عنوانه – مبحثاً من أهم المباحث الجدلية التي يحتاج
الإنسان للتعرف عليها لتمييز نوعية الحجج التي يستخدمها الآخرون في النقاش، وفي ظل
امتلاء وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بفيضٍ من الحجج الباطلة، يكون مثل
هذا الكتاب مفيداً للتنبيه على جوانب البطلان، وبالتالي قلب الطاولة على المروجين
لهذا الباطل.
يبدأ الكتاب بتعريف المنطق غير الصوري، وهو: استخدامُ المنطق في تَعرُّف الحجج، وتحليلها وتقييمها، كما
تَرِد في سياقات الحديث العادي ومداولات الحياة اليومية: في المحادثات الشخصية،
والإعلانات،والجدل السياسي والقضائي، وفي شتى ألوان التعليقات التي نصادفها في
الصحف والإذاعة المرئية والمسموعة وشبكة الإنترنت وغير ذلك من وسائل الإعلام.
ومن البديهي أن النقيض لهذا المنطق هو المنطق الصوري، وهو ما سنرى
أشكاله وصوره المختلفة في هذا الكتاب، وينقل لنا الكاتب قول شوبنهاور: (كم يكون رائعًا لو أمكننا أن نُقَيِّض لكلِّ خُدْعةٍ جدلية
اسمًا مختصرًا وبَيِّنَ الملاءمة، بحيث يَتَسنَّى لنا كلَّما ارتَكَبَ أحدٌ هذه
الخدعة المعينة أو تلك أن نُوبِّخَهُ عليها للتو واللحظة.)، كما يقول
شوبنهاور أيضاً: (يتوجب على من يدخل في مناظرة أن
يعرف ما هي حيل الخداع، ذلك أن من المحتم عليه أن يصادفها ويتعامل معها. عليك إذن
أن تلم إلماما جيدًا بالمغالطات المنطقية حتى يتسنى لك أن تتجنب الطرق المسدودة
أثناء الحوار وتتعرف على «النقلات الخاطئة في الجدل»، وأن تُظهر خصمك على الخطأ
الاستدلالي الذي ارتكبه، بل أن تُقيِّض لهذا الخطأ اسمًا؛ لكي يعلم الخَصمُ أنك
تجيد التفكير ، وتفهم حجته ربما أكثر منه، كما أن كشف المغالطة وتسميتها وتحليلها
من شأنه أن يُقصِي الحجة الباطلة من ساحة الجدل إقصاءً نهائياً ولا يكتفي بإضعافها
أو تحجيمها، ذلك أن الخصوم المتمرسين بالجدل والمراء لديهم من الخبرة والمهارة ما
يُمكِّنهم من إنعاش حجتهم الجريحة وإعادة تجنيدها في حلبة الصراع).
وعن أهمية الإلمام بالمنطق غير الصوري، ينقل لنا قول أفلاطون في محاورة
جورجياس: «في جدال حول الغذاء يدور أمام جمهور من الأطفال
فإنَّ الحلواني كفيل بأن يهزم الطبيب، وفي جدال أمام جمهور من الكبار فإن سياسيًّا
تَسَلَّح بالقدرة الخطابية وحِيَلِ الإقناع كفيل بأن يهزم أي مهندس أو عسكري، حتى
لو كان موضوع الجدال هو من تخصص هذين الأخيرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن
دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشَدُّ إقناعًا من أي احتكام إلى العقل.» ثم
يعقب الكاتب قائلاً: (حقا ... ليس بالحق وحدَه
تَكسِبُ جدالًا أو تقهر خصمًا أو تُقنع الناس، من هنا يتبين لنا أهمية دراسة الحجة
كما تَرِدُ في الحياة الحقيقية وتتجسد في اللغة العادية.
ذلك أن الحجة حين تَرِد في الواقع الحي لا تأتي مجردةً
مُصَفَّاة، ولا تَكشفُ صيغتَها المنطقية للمتلقي بسهولةٍ وطواعية؛ إذن لَكان
تمحيصُها أيسرَ عليه بما لا يُحد، إنما تأتي الحجة دائمًا ممتزجةً بلحم اللغة
ودمها، متلفعةً بانفعالات الناس وأعرافِهم، مُؤَرَّبَةً بتضاريس الواقع، وبشئون
الناس وشجونها.
وما تُشَكِّل الصيغةُ المجردةُ للحجة (المقدمات المؤدية
إلى نتائج) إلا لُبٍّا ضئيلًا أو هيكلًا نحيلًا متواريًا وراء طبقةٍ كثيفةٍ من
الاعتبارات الدلالية والتداولية للغة، ومن طبيعة الخصم وأيديولوجيته وسيكولوجيته،
ومن مقام الحديث وسياق الجدل، ومن عواطف جمهور الحاضرين وانتماءاتهم وتحيزاتهم.
ونحن في مجال المنطق غير الصوري إنما يَنصَبُّ جهدُنا
على هذه الطبقة الكثيفة التي تغلف اللب الصوري للحجة، نتلمَّسها ونتناولها
بالتحليل والتفتيت، ونَنْفُذ منها إلى ذلك اللُّبِّ الصوري المفترض. في مجال
المغالطات، على سبيل المثال، يكون عملُنا أشبهَ بأخذ صورة أشعة للحجة المطروحة،
عسانا نَطَّلِع على هيكلها الصوري المطمور، ونُقَدِّرُ نصيبه من الصواب والخطأ،
ويكون معيارُنا في ذلك هو المعيار المنطقي الصوري العتيد: صدق المقدمات وصواب الاستدلال،
وكثيرًا ما تَجْبَهُنا صورة الأشعة بغياب أي لُبٍّ صوري وانعدام أي هيكلٍ منطقي في
الحجة!).
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى عرض صور المغالطات المنطقية صورة صورة، مع شرحها
وضرب الأمثلة عليها، ومع ما في هذه الأمثلة من تقريبٍ للصورة للوصول لفهمٍ أدق،
فإنه قد جانبه التوفيق في عددٍ منها، لأنه من الواضح – ومن المنطقي – أنه جمع مادة
كتابه من عدد من المراجع الأجنبية، فكانت بعض الأمثلة المستخدمة لا تتلاءم مع
ثقافتنا، ومن الواضح أيضاً أنه التزم التفسير العقلي والمادي كتفسير وحيد لكل
الظواهر، في حين أن العقل لا يكفي لتفسير كل ما يحدث لنا أو من حولنا، فقد تستنكر
قول قائل بأن الكارثة الطبيعية الفلانية قد حلت بهؤلاء نتيجة خطاياهم، وتقول أن
هذه الكارثة قد نتجت عن زلزال حرك طبقات الأرض فدمر ما فوقها، وتتناسى أن هذا
الزلزال له مُسبب هو الله، نعم نحن نختلف مع من يتألى على الله ويحكم بكل ثقة بدون
علم، لكننا لا ننكر الغيبيات وخصوصاً إذا ما اقترنت بشواهد لها أمثلة سابقة، ويكون
محل النزاع هو في صحة الاسقاط والاستشهاد وعلاقة السابق باللاحق من عدمه، والله
أعلم.
ونعرض هنا صور المغالطات المنطقية
مع شرحٍ مختصرٍ لها، أغلبه من كلام الكاتب نفسه، وهي كالتالي:
المصادرة على المطلوب: هي حجة دائرية
يفترض فيها المحاور النتيجة التي يريد الوصول إليها كمقدمة ودليل يبني عليه حجته، وبالتالي
فإنها ليست أكثر من تكرار المقدمة بصيغة أخرى، وتضع أمام محاورك ما يُفترض أن
تُثبته أصلاً وكأنه أمرٌ مسلم به.
مغالطة المنشأ: فصواب الفكرة
لا يحدده مَصْدَرُها الذي منه أَتَت بل الدليلُ الذي إليه تستند، بغض النظر عن
مشاعرنا – سلباً أو إيجاباً - تجاه هذا المصدر.
التعميم المتسرع: وغالباً ما
يحدث بالاستقراء الخاطيء الناتج من الاستناد لعينة من كتلة غير متجانسة، فتكون النتيجة غير ممثلة للحقيقة الكلية لهذه
الكتلة.
تجاهل المطلوب (الحَيْد عن المسألة) : في هذه
المغالطة يتجاهل المرءُ الشيءَ الذي يتوجب أن يُبرهن عليه، ويبرهن على شيء آخر، وتتمتع
هذه الحجة المغالِطة بجاذبية خفية، وتكمن قوتها في أن هناك نتيجة تم إثباتها على
نحوٍ صائب، وهذا الصواب هو الذي يَصرف انتباه المستمعين بعيدًا عن المغالَطة.
الرنجة الحمراء: هي حيلةٌ كان
يستخدمها المجرمون الفارون لتضليل كلاب الحراسة التي تتعقبهم، وذلك بسحب سمكة رنجة
حمراء عبر مسار المطاردة، فتجتذب الكلابَ رائحتُها الشديدة عن رائحة الطريدة
الأصلية، وقد استعيرت للتعبير عن كل محاولة لتحويل الانتباه عن المسألة الرئيسية
في الجدل، وذلك بإدخال تفصيلات غير هامة، أو بإلقاء موضوع لافت أو مثير للانفعالات
وإن يكن غيرَ ذي صلة بالموضوع المعْنِي ولا يشبهه إلا شبهًا سطحيٍّا، فيقذف بالخصم
خارج مضمار الحديث.
والفرق بين مغالطة الرنجة الحمراء ومغالطة تجاهل المطلوب هو أنه في مغالطة (تجاهل المطلوب) ثمة صيدٌ تم الظفر به ولكنه غير المطلوب، وثمة نتيجة
محددة تصل إليها الحجة ولكنها غير النتيجة المطلوبة، إنه خطأ في الاستدلال، أما في
مغالطة (الرنجة الحمراء) فإن الحجة تنحرف في
اتجاهٍ مختلف ولا تصل إلى شيء: فهي إما حيودٌ خارج
الموضوع لا إلى موضوع آخر
مثير انفعاليٍّا فحسب، وإما تمويهٌ وسحابة تَعْمِية لا تفضي إلى شيء ذي بال، ليس
هنا استدلال أخطأَ هدفَه، بل خداع للمستمع واستهلاك له وانحراف عن الموضوع برمته
إلى مسألة أخرى.
الحُجَّة الشخصية (الشخصَنة) : هي أن تحاول
تسفيه حجةٍ ما بالقَدح في الشخص الذي يعبر عنها فيبدو كأن العكس قد ثبت، ولها 4
أنواع: القَدح الشخصي(السب) - التعريض ب الظروف
الشخصية - مغالطة « أنت أيضًا » ( تفعل
هذا ) - تسميم البئر، وأنْ تُسمم
بئرًا هو أن تبادِرَ بضربةٍ وقائية ضد خصمك، وتَصِمه بأن لا يُولي الحقيقة أي
اعتبار فيتضمن ذلك أنه مهما يقل فيما بعد فلن يثقَ به أحد.
الاحتكام إلى سُلطة: يقع المرء في
هذه المغالطة عندما يعتقد بصدق قضية أو فكرة لا سند لها إلا سلطة قائلها، قد تكون
الفكرة صائبة بطبيعة الحال، وإنما تكمن المغالطةُ في اعتبارِ السلطة بديلًا عن
البيِّنة، أو اتخاذها بينةً من دون البينة!، ومبدأ الاحتكام إلى سلطة ليس معيباً
إذا كان الغرض منه التماس الخبرة أو العلم من مظانها، ولكنه يصير معيباً في
الحالات التالية: (إذا كان الاحتكام إلى السلطة
غيرضروري - إذا كانت الدعوى غير داخلة في مجال خبرة الشخص الذي يُحتكَم إليه كسلطة
- إذا كان هناك خلاف بين الخبراء في المسألة المعْنِيَّة - إذا كان الخبير متحيزًا
أو تكتنفه شبهة التحيز - إذا كان مجال خبرة ذلك الخبير هو علم زائف أو مبحث معرفي
غير مشروع - إذا كانت الخبرة، أو الفتوى، غير معاصرة - إذا كان الخبير المزعوم
مجهولًا أو غير محدد).
مناشدة الشفقة (استدرار العطف) : لا بأس قَطُّ
باستدرار العطف والشفقة إذا استدعى السياق وخلصَت النية، إنما يكمن الخطأ في أن
تسنِد إلى العطف وظيفةَ البَيِّنة، وأن تأخذ الشفقة مأخذ الحُجة.
الاحتكام إلى عامة الناس: وهي تتضمن
الاحتكام إلى رأي عامة الناس أو الأغلبية على حساب العقل، وافتراض صواب هذا الرأي،
وومحاولة انتزاع التصديق على فكرة معينة بإثارة مشاعر الحشود وعواطفهم بدلاً من
تقديم حجة منطقية، ولها 3 أشكال أساسية:
1-
عربة
الفرقة الموسيقية: وتتمثل في
ميلنا الغريزي للانضواء مع الحشد.
2-
التأسي
بالنخبة: تتمثل في الاقتداء بالصفوة المختارة بدلاً من عامة
الناس.
3-
التلويح
بالعَلَم أو التذرع بالوطنية: وتتضمن اللعب
على مشاعر الوطنية لدى الناس، وأفضل مقولة معبرة عنها هي مقولة صموئيل جونسون "الوطنية هي آخر ملاجئ الأوغاد".
وإن كان بالتاريخ أمثلة كثيرة بها فساد رأي الأغلبية، فإن ذلك لا يعني
الاستهانة برأي الأغلبية بشكلٍ مطلق، والعبرة بالدليل العقلي والمنطقي الذي يستند
إليه الرأي.
الاحتكام إلى القوة (منطق العصا، اللجوء إلى التهديد) : تعني هذه
المغالطة اللجوء إلى التهديد والوعيد من أجل إثبات دعوى لا تتصل منطقيًّا بانفعال
الخشية والرعب الذي تهيب به، تقبع في صميم هذه المغالطة فكرة القوة تصنع الحق might makes right وهي مغالطة لأن التهديد يعمل على مستوى دافعي مغاير
لمستوى القناعة الفكرية، بوسعك أن تفرض السلوك القويم بالقوة، ولكن ليس بوسع أحد
قط أن يفرض الرأي العقلي بالقوة، وإن ألف سيف مُصْلَتٍ على رقبتك لن تنهض لك دليلا
على أن اثنين واثنين تساوي خمسة مثلاً. قد تشتري رقبتك بالطبع وتُسَلِّم للمأفونين
بأنها لكذلك، ولكن الانصياع لا يعني الاقتناع.
الاحتكام إلى النتائج:
ويتضمين تصديق أو تكذيب الخبر بناءً على حبنا أو كرهنا للنتائج المترتبة
على صحته، ولا يوصف هذا إلا أنه هروبٌ من الواقع.
الألفاظ الملقمة: الألفاظ المشحونة (المفَخَّخَة) : حين تكون
اللفظة محملة بمتضمنات انفعالية وتقويمية زائدة، بالإضافة إلى معناها المباشر،
يقال لها لفظة مُلقَمة loaded word
أو مشحونة، فالكلمة الملقمة مثل البندقية الملقمة بالذخيرة، والمعنى
الانفعالي أو التقويمي هو الرصاصة، حين أستعمل لفظة «
بهيمة» بدلًا من «حيوان»، ولفظة «رشوة» بدلاً من «حافز»
... إلخ، فأنا عندئذ أستخدم ألفاظا ملقمة تفعل فعلا آخر غير مجرد رصد الحالة
الموضوعية: إنها تحكم وتقوم وتحرّض وتُوعز، واستخدام النعوت بهذه الطريقة يُصادر
على المطلوب لأنه يوجه المستمع نفسياً وعقلياً لمراد المتكلم.
المنحدر الزلِق (أنف الجَمَل) : تعني مغالطة
المنحدر الزلق أن فعلًا ما، ضئيلًا أو تافهًا بحد ذاته، سوف يجر وراءه سلسلةً
محتومة من العواقب تُؤدي في نهاية المطاف إلى نتيجة كارثية، كل حدث في هذه السلسلة
هو نتيجة ضرورية لما قبله وسبب للحدث الذي يليه، وهذه المغالطة غالباً ما تفترض
نتيجة نهائية افتراضية مضخمة جداً كذريعة لعدم السماح بالفعل الأول من الأساس.
الإحراج الزائف (القسمة الثنائية الزائفة) : يقعُ المرء
في هذه المغالطة عندما يبني حجتَه على افتراضِ أن هناك خيارين فقط أو نتيجتين
ممكنتين لا أكثر، بينما هناك خيارات أو نتائج أخرى، إنه يغلق عالَمَ البدائل الممكنة
أو الاحتمالات الخاصة بموقفٍ ما، مبقيًا على خيارين اثنين لا ثالث لهما، أحدُهما واضحُ
البطلان والثاني هو رأيُه دامَ فضلُه. مثل: إما أن تكون معنا أو ضدنا.
السبب الزائف (أخْذُ ما ليس بعلةٍ عِلةً) : وتتضمن الربط
الوهمي بين أمرين قد لا يكون أحدهما مرتبطاً بالآخر من الأساس، فقد تكون العلاقة
علاقة (معية) مردها الصدفة البحتة، أو الارتباط بمسبب ثالث يؤثر على
الحدثين، ومن الفوائد اللطيفة في هذا الفصل ما دونه الكاتب في الهامش من أن جرى
الاتفاق على أن تُترجم كلمة Cause إلى (علة) بمعنى
سبب طبيعي، وتُترجم كلمة reason إلى (سبب) بمعنى
سبب عقلي.
السؤال المشحون (المركَّب) : هو تكنيك
يعمد إلى دس (فروض مسبقة) غير مبرَّرة وغير داخلة في التزامات الخصم، داخل سؤال
واحد، بحيث إنَّ أي جواب مباشر يعطيه المجِيب يوقعه في الاعتراف بهذه الفروض،
والمثال التقليدي على المغالطة (هل توقَّفت عن ضرب
زوجتك؟) فأيٍّا ما كان الجواب، نعم أو لا، فإن المجيب
يعترف بالفرض المسبق وهو أنه كان في وقتٍ ما يضرب زوجته.
التفكيرالتشبيهي (الأنالوجي الزائف) : يقع المرء في
هذه المغالطة عندما يعقد مقارنةً بين أمرين ليس بينهما وجهٌ للمقارنة، أو أمرين
بينهما مجرد تشابه سطحي وليس بينهما وجه شبه يتصل بالشأن المعْنِيِّ الذي تريد
الحجة أن تُثبتَه.
ومن النقاط المهمة المرتبطة بهذه المغالطة، هو استخدام التشبيهات
والاستعارات البلاغية غير ذات الصلة لإقناع الناس، مثل أن تقول: النظام الجمهوري
هو نظام زائف ومدمر لأ الملك هو رأس الدولة، ولو فصلت الرأس عن الجسد، سيموت الجسد
كله.
مهاجمة رجلٍ من القش: هي تلك
المغالطة العتيدة التي يعمد فيها المرء إلى مهاجمة نظرية أخرى غير حصينة بدلا من
نظرية الخصم الحقيقية، وذلك تحت تعمية من تشابه الأسماء أو عن طريق إفقار دم
النظرية الأصلية وتغيير خصائصها ببترها عن سياقها الحقيقي أو بإزاحتها إلى ركن قصي
متطرف، ويشبه هذا الجهد العقلي العقيم، سواء حسنت النية أو ساءت، أن يكون رميًا
لخصم من القش بدلًا من الخصم الحقيقي، أو قصفًا لكتيبة هيكلية بدلا من قصف الكتيبة
الحقيقية، إنه لأيسر كثيرًا أن تنازل رجلًا «دمية» من
أن تُنازل رجلاً حقيقياً.
تتم مغالطة رجل القش بأن يَجْبُل المحاورة حجةً هشةً سهلة المنال غير حجة الخصم
الحقيقية وينسبها إلى الخصم، ثم يُعمِل فيها مَعاوِل الهدم والتقويض، فيضفي انطباعًا
زائفًا بأنه نجح في التفنيد، ويعلن انتصاره على خصمه، قد يتم ذلك عن عمدٍ فيكون
حيلةً قذرةً وينم على الخبث وسوء النية والافتقار إلى الأمانة في الجدل، وقد يتم عن
غير عمد فينم على الغفلة أو الجهل ويكون، في كل الأحوال، مضيعةً للوقت وإهدارًا للجهد
في معركة وهمية غير ذات صلة وتُرَّهةٍ خارجة عن الموضوع!
وربما كانت المغالطات السابقة هي أشهر المغالطات وأكثرها استخداماً في الحجاج
والمناظرات، ولكن نجد مغالطات أخرى ذكرها الكاتب، وننقل أهمها هنا باختصار:
مغالطة التَّشييء: هي أن تنسب
وجوداً حقيقيٍّا للتصورات العقلية أو البناءات الذهنية، وكأنها تجسيدٌ لأمورٍ
معنوية اعتبارية لا يمكن تجسيدها.
انحياز التأييد (التأييد دون التفنيد) : هو الانحياز
المعرفي تجاه تأييد الفرضية محل الدراسة بدلاً من تفنيدها، و يُعرَّف انحياز
التأييد أيضاً بأنه ظاهرة تتميز بميل صانعي القرار إلى ملاحظة الأدلة المؤيدة
لدعاواهم والاحتفاء بها والتماسها بهمةٍ، بينما يميلون إلى تجاهل الأدلة التي قد
تنال من الدعاوى، وإلى التقاعس عن طلبها والبحث عنها، وهو بهذا انحياز انتقائي.
إغفال المقَيِّدات : وتتضمن إغفال
المقيدات أو المحدِّدات أو الشروط التي ينطوي عليها التعميم، واستخدام القاعدة ذات
الاستثناءات المقبولة على أنها قانون مطلق، مثل أن تقول: (سيارة الإسعاف التي عبرت
الآن تستحق مخالفة لأنها كسرت الإشارة الحمراء).
مغالطات الالتباس : وتتضمن
استخدام العبارات أو المفردات المشتركة وتفسيرها بشكلٍ خطأ دون الرجوع للسياق، أو
اللعب بالألفاظ بشكل مخادع (كما يفعل العرافون).
مغالطة التركيب والتقسيم : هي مغالطة
إضفاء صفات الجزء على الكل أو العكس.
إثبات التالي : تُرتكَب هذه
الأغلوطة في كلِّ حالة نعتقد فيها أن نظرية ما صحيحة لأن نتائجها التي لا بُدَّ أن توجد
إذا كانت صحيحة هي نتائج موجودة، فنظن أن تحققها في أرض الواقع هو برهان لصحة
النظرية، كأن تقول مثلاً: إذا كان النظام الجمهوري صالحاً لمصر لبقي فيها مدة
طويلة، وطالما أنه بقي في مصر لمدة طويلة، إذاً فهو صالح لمصر.
ذَنْبٌ بالتداعي : يقع المرء في
هذه المغالطة حين يذهب إلى أن رأيًا ما هو باطلٌ بالضرورة بالنظر إلى معتنقيه، أو
أن دعوى معينة هي كاذبةٌ لا لشيءٍ إلا لأن أناسًا يبغَضُهم يقبلونها ويأخذون بها،
فيعمد إلى رفض الدعوى؛ لأنها مرتبطة في ذهنه بما لا يحب.
الاحتكام إلى الجهل : تتضمن أن
شيئًا ما هو حق بالضرورة ما دام أحدٌ لم يبرهن على أنه باطل، والعكس، مثل قصة جحا
ومن سأله عن عدد شعر رأسه.
مغالطة سرير بروكرست : وهي تتضمن
أية نزعة إلى فرض القوالب على الأشياء أو ليِّ الحقائق وتشويه المعطيات وتلفيق
البيانات لكي تنسجم قسرًا مع مخططٍ ذهني مسبق.
مغالطة المقامر : وهي تتضمن
التوقع الخاطيء للشخص لنتيجة ما بدعوى أن نفس الحدث تكرر بنفس الصورة عدة مرات من
قبل، في حين أن الحدث له عدة احتمالات، لا يلزم بالضرورة أن تتكرر كل مرة.
المظهر فوق الجوهر : يقع المرء في
هذه المغالطة عندما يولي أهمية زائدة للأسلوب الذي تم به عرضُ حُجةٍ ما، بينما
يهمِّش، أو يتغافل، مضمونَ الحجة ومحتواها.
الاحتكام إلى القديم (الاحتكام إلى التقاليد) : وهذه
المغالطة تجعل من عُمر الفكرة معيارًا لصوابها، ومن مجرد قِدَمها دليلًا على صحتها،
وأصدق مثال له ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أمُّةٍ وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾.
النبوءة المحقِّقة لذاتها : وتعني افتراض
فرضية معينة على شكل معلومة أو نبوءة، فتتحقق بسبب تأثر السامعين لها.
الخطأ المقولي (خلط المقولات،خلط الأوراق) : ويتضمن أن
تقرن أشياء من تصنيفات مختلفة لا يجوز عقلًا أن تجتمع.
وبهذا ينتهي هذا الملخص لأهم أفكار الكتاب، ويبقى أن نذكر أنه من المفيد أن
يكتمل منظور القاريء بالقراءة في نفس الموضوع ولكن من منظور أقرب لتراثنا، ومن
الكتب المفيدة في ذلك كتاب (الحجاج والمغالطة) لرشيد الراضي، وكذلك كتاب (أصول الخطأ في الشبهات المثارة ضد الإسلام وثوابته) لأحمد
بن يوسف السيد، والكتاب الأخير كتاب صغير الحجم مفيد في موضوعه، ويجمع بين تسليط
الضوء على مفاهيم المغالطات المنطقية، وربطها بالحوار مع مثيري الشبهات ضد
الإسلام.
وفي النهاية أحب أن أضيف أن القراءة في هذا المبحث، وإن كانت هامة لكي
ينتبه المرء للخدع التي يلجأ إليها المغالطون في عرض القضايا ومناقشتها، فإن البعض
– من جهة أخرى – قد يتخذونه ككتيب للإرشادات، أو دستوراً للعمل!
هناك تعليق واحد:
تلخيص بديع جزاك الله خيرا.
اخوك خالد فريد سلام
إرسال تعليق