الاثنين، 6 أكتوبر 2008

فى ذكرى النصر


النصر الذى أكتب عنه اليوم هو نصر السادس من أكتوبر.
ليس غرض المقال بالطبع هو عرض كلام مكرر عن هذا اليوم, و لا كتابة موضوع انشاء من الذين تعودنا عليهم فى المدرسة فى مثل هذا اليوم من كل عام.
لكن بعد مرور 35 عاما على هذه الحرب,نجد أن تفاعل الناس مع ذكراها قد اختلف نوعا ما عن ذى قبل,و هو ما أحب أن أناقشه.
ففى ظل كل الظروف المساعدة على الاكتئاب و الاحباط, نجد أياماً معدودة خلال السنة نشعر فيها ببعض الانتعاش, لما فيها من روحانيات-كرمضان و العيدين-أو لما فيها من ذكريات طيبة –كعيد تحرير سيناء,و كهذا اليوم.
لكن ماذا نفعل عندما نجد أنه حتى فى الأيام القليلة التى نحاول أن نتنسم فيها ذكرى عز أو لحظة فرح, نجد من بيننا من يخرج علينا لينكر علينا حتى هذا الشعور, نجد من يردد كلام أعدائنا بأن نصرنا هذا كان مجرد(دعاية و أكذوبة), و أن العكس هو الصحيح, أن اسرائيل هى التى انتصرت؟!!!
نجد من يسفه مجهودات قواتنا المسلحة فى فترة الحرب, و يمسح كل الخطط و الجهود و العرق و الدم, ليردد كلاماً ليس له نتيجة الا مزيد من الاحباط, مع نشر لروح انهزامية, تلك الروح التى سيكون أعداؤنا أسعد الناس اذا انتشرت و سادت.
أقول لمن يفعل هذا:اتق الله فينا, لا تجعل السوداوية التى تملأك تنسحب على ماضينا لتنفى عنه أى إيجابيات, و تعمى عن رؤية الجمال و العزة و النصر و لا ترى إلا القبح و الانكسارات و الهزائم.
اتق الله فإن تزييف التاريخ هو تزييف لوعى الأجيال القادمة, و قتل للأمل فى نفوسها, فأحياناً عندما يشتد الكرب, و يعظم الخطب, و نجد الدنيا مظلمة حولنا, نحتاج لأن ننظر للوراء, لنقتبس من أنوار من سبقونا, و نتنسم ريح العزة و القوة, و نتعلم من دروس الماضى, نتعلم ممن سبقونا كيف صاروا الى ما صاروا عليه سلباً أو ايجابا, و العاقل من يوظف هذا توظيفاً ايجابيا و لا يركن الى النوم فى الماضى, بل يلتمس منه الدروس و العبر لكى يتقدم الى الأمام.

و إن كنا نرى الكثير من المنافقين يسرفون فى نسبة هذا النصر لرأس النظام الحاكم, فليس معنى هذا أن نسفه النصر ذاته, فالنصر نصر الأمة و ليس من حق أى فرد أن يدعيه لنفسه.
النصر لا ينسب فقط لهؤلاء الذين خططوا و قادوا, بل قبل هؤلاء من حملوا أرواحهم على أكفهم و عبروا و قاتلوا و قُتلوا و استشه\وا فى سبيل الله, و كذلك كل من ساعد فى الدعم و ساهم فى تحقيق النصر.

إن ما نتعلمه من حرب أكتوبر هو أنه كما أن للهزيمة أسباباً و مقدمات تؤدى لحدوثها, فالنصر كذلك أيضاً, و صدق الله عز و جل القائل فى كتابه: ((و أعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم))
فإذا كان رباط الخيل هو القوة المادية المتمثلة فى السلاح و العتاد, فإن القوة المذكورة فى الآية الكريمة كما أفهمها هى القوة الداخلية النابعة من الإيمان, قوة القلب و الروح التى تحرك الجبال و تدك الحصون, و لابد من تواجد الإثنين لكى يتحقق النصر لنا.

إن الهزيمة النفسية يا أخوتى قد تكون أمضى و أشد من الهزيمة المادية, الهزيمة النفسية تعنى التشبع باليأس و الاحباط, و الظن بأنه لا سبيل للتقدم أو إحراز أى نصر, مما يعنى الاستسلام و الموت البطىء.

و لكى يتكرر هذا النصر, فلابد من وجود أسبابه, و صدق الله عز و جل فى قوله((إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم))

كلنا يعرف الآية و يعرف ماذا يعنى أن ننصر الله,لكننا كثيرا ما نغفل و ننسى, بل و نتكاسل و نترك أنفسنا تصاب بالوهن.

الذى يظن أن الحرب إنتهت هو على جانب كبير من السذاجة و الغفلة, الجولات السابقة بيننا و بين العدو هى معارك لكن الحرب مستمرة, و لكى تنتصر الأمة فى النهاية يجب ألا تتخلى عن روح الجندية, يجب ألا تتخلى عن الرباط, أن يكون كل منا مرابطاً فى موقعه, يستطيع أن يسد ثغرته, حتى يكون جاهزاً عندما يحتاجه الوطن.

و جدير بالذكر أن الشخص الذى لا يستطيع القيام لصلاة الفجر, و لا يتحرى الإتقان فى عمله, و لا يلتزم بوعده و مواعيده, هو شخص يفتقر الى تلك الروح, و هذه تذكرة لى و لكم على السواء.

---------------------------

أتعرض الآن لجانب آخر متعلق بحرب أكتوبر, و هو أحداث هذه الحرب و تاريخها الحقيقى.

منذ فترة قريبة كنت أتكلم مع صديق لى عن أحد الكتب التى تسرد أحداث هذه الحرب, فقال لى صديقى:أريد أن أقرأ كتاباً يسرد أحداث الحرب و وقائعها كلها كما حدثت بالضبط!

قلت له:يا صديقى لن تجد أبداً مثل هذا الكتاب.

نظر لى مستغرباً فأوضحت له قائلاً:لن تجد كل الحقيقة مجتمعة فى كتاب واحد, فمن يكتب ربما تكون معلوماته ناقصة لأنه قد رأى أو نقل الجزء الذى يعرفه فقط من الحقيقة, و ربما يكون ما يكتبه تحت تأثير الهوى أو الرؤية الشخصية, و ربما تكون بقية الحقيقة قد دفنت مع أصحابها و ذهبت معهم الى قبورهم, و ليس هذا مقتصراً على حرب أكتوبر فقط, بل تستطيع تطبيقه على أى حادثة تاريخية.

لذا ستحتاج الى أن تقرأ العديد من الكتب, و الدراسات, و المقالات, و مذكرات القادة الذين شاركوا فى الحرب, و أن تطلع على الرأى و الرأى الآخر سواء من كتاباتنا أو كتابات العدو, و فى النهاية ستكون سعيد الحظ اذا وصلت الى 90% من الحقيقة.

و الى الذين لا يعرفون إلا الرواية الرسمية للحرب, و التى سأطلق عليها إصطلاحاً رواية الرئيس السادات, فأحب أن ألفت نظرهم الى رواية أخرى لها اعتبارها و هى رواية الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى فترة الحرب, و تلك الرواية تصطدم مع رواية الرئيس السادات فى عدة نقاط و خصوصاً فى قضية الثغرة,لا أدعوكم بالطبع لتكذيب كل كلام الرئيس السادات, و لا تصديق كل كلام الفريق الشاذلى,لكن القراءة لوجهات النظر المختلفة تسهم فى توضيح الحقيقة إذا ما أعمل الإنسان منا عقله, لذا أدعوكم لقراءتها لكى تكتمل الصورة.كما أدعوكم لزيارة موقع المؤرخ لما يحويه من دراسات و مقالات ممتعة عن هذه الحرب.
ربما قد نتفق أو نختلف حول بعض القرارات السياسية التى أثرت سلباً فى مسار الحرب, لكننا لابد أن نتفق جميعاً على أن المقاتل المصرى الذى عبر القناة و دك خط بارليف و وقف بسلاحه الخفيف أمام الدبابات الحديثة, قد حقق بتوفيق الله و فضله معجزة تسجل بحروف من نور فى سجل الحروب الحديثة, شهد بهذا الأعداء قبل الأصدقاء.


و فى النهاية أقول لكم كل سنة و أنتم طيبين, و كل سنة و أنت طيبة يا مصر.