الأحد، 25 يناير 2009

الصبر



يُحكى أن رجلاً أتى عنترة و سأله:كيف تهزم أعدائك؟
قال عنترة:بالصبر
قال له الرجل:بل تهزمهم بالقوة
فرد عنترة :بل بالصبر, و إذا أردت أن تتحدانى فى القوة, فضع إصبعك فى فمى و سأضغط عليه بضرسى, و إفعل معى المثل حتى نرى من الأقوى.
وضع كل منهم إصبعه تحت ضرس الآخر و بدأ كلاهما فى الضغط إلى أن رأى عنترة علامات الألم على وجه الرجل ثم خرجت منه آهه فتح فيها فمه فأخرج عنترة إصبعه ثم زاد من الضغط على إصبع الرجل حتى قطعه.
قال للرجل:لقد كنت أتألم أكثر منك, لكن ما جعلنى أنتصر هو أنى صبرت لحظة أطول منك.
فقال له الرجل:و لم قطعت إصبعى؟
فأجاب عنترة:حتى لا تنسى هذا الدرس.
ألأ
أحاول أن أكتب عن أحد المعانى المهمة التى أفتقدها-و أزعم أن الكثير مثلى يفتقدها-ألا و هو الصبر.
لكن ما معنى الصبر؟
هل الصبر هو مجرد قوة التحمل و الوقوف بصلابة فى وجه أى موقف صعب ؟
أم أن الصبر هو الجلوس و الإستكانة و عدم إتخاذ أى خطوة إنتظاراً لأن تمر العاصفة بسلام؟
إن الموقف الأول موقف قاصر, و الموقف الثانى هو السلبية فى حد ذاتها.
فقوة التحمل و الجلد تحتاج إلى ركن ركين كى تستحق أن يطلق عليها صبرا
هذا الركن الركين هو اليقين بالله, و حسن الظن به, و التوكل عليه حق توكله.
الإيمان بأنه القوى و نحن الضعفاء بين يديه, و أنه الغنى و نحن الفقراء إليه.
هذه هى القوة الحقيقية, فنحن لسنا اقوياء فى حد ذاتنا, و لكننا فى حال قوتنا نستمد القوة من اللجوء إلى ملك الملوك القوى المتين, من الله جل جلاله و عظم سلطانه.
و فى الوقت ذاته, فإن مصمصة الشفاه, و الجلوس بلا حراك, و إنتظار أن تتغير الأمور من تلقاء نفسها ليس صبراً على الإطلاق, و الذى يقنع نفسه بهذا هو إنسان ضعيف و سلبى و واهم, هو إنسان لا يعى الفارق بين التوكل و التواكل.
و القاعدة الإلهية تقول ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))
إذا وقعت فى مشكلة أو أصابك بلاء, ففكر فى الأسباب التى أدت بك لهذا و حاول أن تغيرها ما استطعت.
إذا كان سببه تقصير منك, فإجبر تقصيرك, و ادع الله أن يعينك على هذا.
و إن كان سببه معصية تقوم بها, فكف عنها, و تب الى الله و استغفره و ادع الله أن يعينك على ألا تعود.
و إن كان سببه ظروف خارجة عن إرادتك, ففكر فى كيفية حل مشكلتك بالإمكانيات المتاحة, و ادع الله أن يفرج عنك.
فى كل أحوالك الزم الدعاء, الزم الركن الركين و الحصن المتين, فليس لك من أمرك شىء أيها العبد الضعيف, بل ((الأمر كله لله))
و فى أحلك الظروف تذكر قول الإمام الشافعى:
و لرب ضائقة يضيق بها الفتى .........ذرعاً,و عند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ..........فُرِجَت و كنت أظنها لا تُفرَجُ
نعم يا عزيزى, دوام الحال من المحال, فقط خذ بالأسباب حتى يتغير حالك, و فى خلال ذلك, الزم الصبر ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)), و اصحب ذلك بالدعاء((و إذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى و ليؤمنوا بى لعلهم يرشدون)), و التقوى ((و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب)), و الإستغفار((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا,يرسل السماء عليكم مدرارا, و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم جناتٍ و يجعل لكم أنهاراً)).
الصبر مرتبط بالأمل و التفاؤل, و متناسب عكسياً مع اليأس و القنوط((إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون))
الصبر ليس صبرا إن كنت متعجلا(و لكنكم قوم تعجلون)
و ليس صبرا إن كنت عاصيا, فلا يعقل أن تنتظر العون من الله و أنت معرض عنه.
الصبر هو الثبات, سواء أمام المصيبة, أو أمام العدو.
الصبر هو الطاعة.
الصبر هو اليقين.
الصبر هو الخضوع.
الصبر هو التوكل.
الصبر هو الأمل فى الله.
الصبر هو حسن الظن بالله.
هل نستغرب بعد هذا حينما نسمع أن(الصبر نصف الإيمان)؟
إذا ألمت بك مصيبة فإياك ثم إياك أن تقول : لم يا رب؟إنى لم افعل ما يستوجب هذا البلاء, فإن هذا كله من وساوس الشيطان, فأمر المؤمن كله خير, إن أصابته سراء شكر, و إن أصابته ضراء صبر. فالصبر هو مقياس إيمانك الحقيقى يا أخى.
إن إيمانك الحقيقى بالله يجب أن يترجم ترجمة حقيقية فى مثل هذه المواقف, لأن الإبتلاء فى اللغة معناه الإختبار, فإذا كنت فى إبتلاء, فلربما كان هذا إختبارٌ من الله لقوة إيمانك, و تعاطيك مع الأمور فى هذه الحالة هو السبيل لنجاحك فى الإختبار, و لكى تنجح فلابد من أن ترضى بقضاء الله, و تصبر و تحتسب, و ما يدريك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.و تذكر أن المؤمن مبتلى.
و قد تحدث لك أشياء غير مفهومة, و تجد أن ما ترغب فيه لم يتحقق لك, فعندها تذكر أن لربك فى كل شىء حكمة, و أننا بعقولنا القاصرة لا ندرك هذه الحكمة, و أنت لا تعلم الخير و الأنسب لك, فلربما ليس مقدراً لك ما تتمناه على الإطلاق, و لربما كان مقدراً لك و لكن بعد حين, فإصبر و توكل على الله و ابذل جهدك و داوم على الاستخارة و الله يقدر لك ما فيه الخير.((و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون))
و عندما تجد نفسك فى موقف صعب و تظن أنه ليس فى الكون من يعانى ما تعانيه, فتذكر نعم الله الكثيرة عليك, و تذكر أنك ما زلت افضل حالاً من الكثير من الناس, فاحمد الله على كل حال, و قل (اللهم أجرنى فى مصيبتى و اخلفنى خيراً منها)و اسأل الله أن يثبتك و يلهمك الصبر و السلوان.
اصبر إذا واجهت مشكلة, و إذا قابلت عدواً, و إذا فارقت حبيباً
اصبر و احتسب و توكل, و اعمل و اجتهد و لا تتواكل
اصبر و قلبك عامر بالإيمان بالله, و لا تركن إلى السلبية و توهم نفسك بأنك صابر.
الشعب الذى يصبر على الظلم و العسف و لا ينتفض لنيل حقوقه ليس شعباً صابراً, و لكنه شعب سلبى.
و الشعب الذى يقاوم رغم ضعف إمكاناته, و يسعى لكى ينال حقوقه, هو شعب صابر أبى.
و لنقرأ سوياً بعض ما ورد فى الصبر من الذكر الحكيم و السنة المطهرة:
((و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا اليه راجعون))
((إن الله مع الصابرين))
((يأيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون))
(صبراً آل ياسر, فإن موعدكم الجنة)
(إنما الصبر عند المصيبة الأولى)
((فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون))
((و العصر .إن الإنسان لفى خسر.إلا الذين آمنوا و عملوا الصاالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر))
أعتقد أنى لو أكملت هذا المقال بسرد بقية الآيات و الأحاديث التى ورد فيها لفظ الصبر, و تكلمت عن فضله, لكان هذا أبلغ البيان.
و سورة العصر قد قال عنها الإمام الشافعى: لو لم ينزل من القرآن إلا هذه السورة لكفت, لأنه أدرك هذا المعنى الهام, فكلنا فى خُسر إلا المؤمنين الذين يعملون الصالحات, و يتواصون بالحق و الخير و الفلاح, و كذلك يتواصون بالصبر فيثبت بعضهم بعضا, و يشد بعضهم أزر بعض, و هو ما نحتاج أن نفعله دوماً يا أخوتى.
هذا المقال تذكرة لى قبل أن يكون تذكرة لأى قارىء كريم, و هو كذلك تذكرة لشخص عزيز على جداً شاء القدر أن يمر معى بنفس الظروف التى نحتاج فيها لإلتماس الصبر أكثر من أى شىء.
و إنى أسأل الله أن يجزى كل أخ دعا لى و هون على و شد من أزرى و ثبتنى بكلمة أو بدعوة أو بتذكرة, فجزاكم الله خيراً أجمعين.
و الذى أطلبه من كل من تصله كلماتى أن يدعو لى بظهر الغيب أن يقضى الله حاجتى و يفرج كربتى و أن يجعلنى و إياكم من الصابرين.اللهم آمين.
يا رب
يا رب
يا رب.