الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

الإسلاميون المستقلون و مستقبل علاقاتهم مع غيرهم


حينما اندلعت الثورة المصرية – و حين أقول ثورة فأنا أعني 25 يناير بالطبع – كان الإسلاميون أحد أركان المشهد مع غيرهم من أبناء الشعب, آمن بذلك من آمن و أنكر ذلك من أنكر.
بعد تنحي مبارك, اختلفت المواقف تبعًا لتغير الوضع السياسي...التزمت نسبة كبيرة من الإسلاميين الحزبيين بقرارات و مواقف قياداتهم و أحزابهم و جماعاتهم في السير في المسار السياسي و الإصلاحي بكل ما شاب هذا المسار من عوار, في حين إنحاز آخرون مع إخوانهم من الإسلاميين المستقلين إلى مسار الحل الثوري, و لم يتخلفوا عن أي من الجولات الكبرى مع العسكر سواء في محمد محمود أو مجلس الوزراء أو العباسية..و كان تحركهم مبنيًا على قناعاتهم و فهمهم للإسلام الذي هو أكبر من رؤية أي حزب أو جماعة. و كان عدم تقيدهم بقيود الحزبية و بفهم و رؤية شيوخ معينين للدين محررًا لهم من الالتزام إلا بالمباديء.
لا أحب أن أصف هؤلاء بأنهم (الإسلاميون الثوريون) لأني أرفض مصطلح الإسلام الثوري من الأساس, لأن الإسلام في أصله يحوي مباديء الثورة و عدم الخنوع و السكوت على الظلم..الإسلام هو دينٌ سيد الشهداء فيه بعد حمزة هو رجلٌ خرج إلى إمامٍ جائر فأمره و نهاه, فقتله.
من هذه الرؤية و الفهم للإسلام, و من مبدأ الاستعلاء و رفض الظلم و الخنوع, و من مبدأ نصرة المظلوم, كان تحرك هذا النفر من الإسلاميين...و في إطار الهدف المشترك و هو إنجاح هذه الثورة, كانت أكتافهم في أكتاف (إخوانهم) من التيارات الأخرى غير الإسلامية.
كانت فترة حكم مرسي فترة صعبة على الجميع, كانت فترة مليئة بالأحداث الملتبسة بجوار الأخطاء الواضحة التي لا يزال نفرٌ من الإخوان لا يرونها حتى اليوم...و عندما وصلنا لنهاية المشهد في 30 يونيو, كان الشقاق الكبير.
بشكل شخصي, كنت أرى أن وجود مرسي – أو استمرار سياسته بغض النظر عن وجود شخصه – هو أمرٌ مضر بالبلد و بالدعوة في الوقت ذاته, لكن النقطة هي في كيفية خروجه من المشهد, فإن كان وجوده خطأ, فإن إصلاح هذا الخطأ لا يكون بخطأ أكبر منه...بل بكارثة.
لا يزال بيننا مغفلون حتى اليوم يتكلمون عن 30 يونيو على أساس أنها ثورة شعبية, و في الوقت نفسه فقد وجدنا أن رفاق الأمس قد صار عديدٌ منهم في معسكر الإنقلاب و في صف العسكر الذين كنا ننهتف ضدهم فيما مضى, في حين اختار آخرون أن يعيشوا في أجواء يوتوبية حالمين باليوم الذي سيقودون فيه جماهير (الشعب) عما قريب ليتخلصوا فيه من العسكر بعد أن يقضي العسكر على الإخوان و الإسلاميين جميعاً...أما أحسنهم حالًا فقد اختار الصمت.
خرج البعض حاملًا الشعار السخيف (يسقط كل من خان..عسكر فلول إخوان) متحدثين عن تيار ثالث, و لكن حتى التيار الثالث هذا ولد في حالة استقطاب حاد فصار عندنا (التيار الثالث) و (الميدان الثالث) لعدم قبول البعض أن يقف في مربع واحد مع شباب حركة أحرار الموصومين في نظرهم بأنهم إسلاميون, في حين يحاول هؤلاء أن يدرءوا عن أنفسهم (الشبهة) بالمبالغة في ترديد الهتاف السخيف السابق المساوي بين الجميع في نفس درجة الجرم. و في النهاية فيبدو أن رفاق الأمس قد انخفضوا بسقف أحلامهم و عادوا حتى لما قبل 2010, في حين يشغل آخرون أنفسهم بالحديث عن (معركة الدستور) في حين أننا نعيش في (اللا دولة) و نُحكم بشريعة الغاب!
كان الاستقطاب في أشده في الوقت السابق و التالي مباشرةً للإنقلاب, و كانت المشاعر السلبية في أوجها...انقطعت العديد من العلاقات و تحطمت أواصر الصداقة السابقة بين رفاق الأمس, أو صارت على شعرة في أحسن الأحوال....ربما هدأت النفوس قليلاً بمرور الوقت, لكن التجربة قد تركت قناعة لدى الكثيرين: أن ما حدث بالأمس لن يتكرر, و أن هذه الأكتاف لن تنضم في مظاهرة واحدة مرةً أخرى.
الحقيقة أن هذا البلد يحتاج تيار ثالث إسلامي, و تيار ثالث بشرطة أو سمه تيارًا رابعًا أو ما شئت من غير الإسلاميين...هذه التيارات مكونة في الأساس من النخبة الشبابية داخل الإسلاميين و غيرهم, و التي تؤمن بالحل الثوري, و في الوقت ذاته تؤمن أن المشكلة الأساسية ليست في شخص الحاكم أو أيديولوجيته, بقدر ما هي في النظام نفسه..نظام الدولة الحديثة المهيمنة على أقدار من يعيش فيها, الدولة التي تسحق مواطنيها و تتعامل معهم على أساس كونهم أدوات و أرقام فحسب. يؤمن جميع هؤلاء الشباب أنه لا خلاص إلا بتفكيك هذه الدولة, و أن هذا التفكيك يحتاج معارك و جولات متتالية من احتلال المساحات التي تسيطر عليها الدولة, بالإضافة إلى إنهاكها و كسر قيودها. هذا النظام يحتاج إلى تكتيك حرب العصابات, و أعني التكتيك فقط لا الحرب نفسها, بمعنى هجمات صغيرة كثيرة متفرقة بأشكال متنوعة في أماكن مختلفة بشكل ينهكه و يعريه أمام شعبه, و هو التكتيك المعروف باسم (الكلب و البرغوث).
 بشكل مختصر: الحلول واحدة و المسار واحد, لكن كل منهم سيسير في مسار منفصل...مساران متوازيان يؤديان لنفس الهدف, و يكون الخلاف التالي هو مرجعية و حدود النظام المنشود بعد التخلص من النظام القائم.
ما يبغيه الطرفان من قيم مجردة مثل الحق و العدل و المساواة و الحرية هي أهداف مشتركة, لكن المرجعية هي التي تعيد تعريف هذه المصطلحات, و هي التي تؤطرها و تضع حدودها.
في الوقت الحالي, يبدو مسار الإسلاميين المستقلين متقاطعًا مع مسار الإخوان, و المسألة في نظر العديد من رفاق الأمس مختزلة في كون السبب هو المرجعية النهائية المشتركة, متغافلين عن كون المعركة الحالية أكبر من مجرد خلاف أيديولوجي, و أكبر من أن تختزل في مرسي أو جماعة الإخوان كلها, و أننا في حرب مع النظام الذي ثرنا عليه في يناير لكن بشكل أعنف و أكثر دموية بشكل لا يُقارن مع أي مواجهات سابقة. و لا يعنينا هنا أن نذكر هؤلاء بما هو بدهي لكل من يدعي إتساقًا مع الشعارات التي يرفعها – أو كان يرفعها – لكن نعود و نتكلم عن أن المسار الحالي المتقاطع مع الإخوان لن يكون كذلك بالضرورة إلى النهاية.
فالواقع أن الإنقلاب و ما تبعه و تكشف قيادات الجماعة أمام قواعدها قد أحدث هزة كبيرة داخل الجماعة, هذه الهزة و إن كانت قد غيرت مفاهيم العديد من شباب الجماعة و سببت مراجعات فكرية لدى الكثيرين, لكنها من جهة أخرى قد قامت برد فعل معاكس تماماً لدى البقية, فما زالنا نقابل كثيرين داخل صفوف الجماعة و مؤيديها ممن لا يتكلم سوى عن المؤامرة التي حدثت, متناسيًا الأخطاء و الخطايا بل و الحمق الذي كان بدوره مؤامرة أخرى لكن مؤامرة داخلية أوصلتنا في النهاية للمشهد الراهن. و إن كان هناك من يشعر بالأنفة لأن يعترف بأخطاء الماضي, فليس مطلوبًا منك يا سيدي أن تعترف, لكن المطلوب على الأقل أن تدرك, لأن إدراك هذه الأخطاء و فهم هذه الحقيقة هو السبيل الوحيد لمنع تكرارها.
و لهذا أقول أن المسار المتقاطع حالياً مع جماعة الإخوان لن يكون بالضرورة مسارًا واحدًا للنهاية, لأنه ليس من الواضح هل سينتصر التيار الذي قام بالمراجعات و أدرك أخطاء الماضي, أم التيار الثاني الغارق حتى أذنيه في نظرية المؤامرة. لكن المؤكد هو أن الخارطة الإسلامية قد أعيد تشكيلها و ترتيبها بشكلٍ كبير, و بالأخص داخل جماعة الإخوان. يكفي التغير الكبير في النظرة تجاه الديمقراطية, ففي حين كان هناك من يكفر بمبادئها و يؤمن بآلياتها فقط, كان هناك من يؤمن بكليهما..أما الآن, فلا آليات و لا مباديء.
و في حين يتذبذب الجميع بين التيارات سواء التقليدية أو ثالث أو رابع, يقف تيار آخر بهدوء على جنب يمسك ببندقيته و ينظر لكل العبث الدائر على الساحة, و يعرف أن قلوبًا عديدة قد صارت معلقة به, و لا يمنعها إلا محاذير شرعية و تورع عن الدماء و عن سفك دم من لا يزالون يؤمنون بكونهم (مسلمين), رغم أنهم يومًا عن يومٍ يثبتون لنا بعدهم عن هذا الاسم, لنكون شعبًا و هم شعب بحق.
و ما زالت اللوحة تُرسم, و ما زالت القصة لم تنته بعد.

الخميس، 28 فبراير 2013

بين مفهوم الجهاد, و الجيوش النظامية الحديثة




هذه خواطر دارت بذهني أثناء حضور محاضرة لأخٍ عزيز تطرق في ثناياها لمسألة الجيوش النظامية, و ضرب مثلاً بالإنكشارية في الدولة العثمانية و كيف كان فساد افرادها قد استفحل حتى اضطر الخليفة محمود الثاني للتخلص منهم بأن جمعهم في ميدان و ضربهم بالمدافع. ثم بدأ تكوين جيش نظامي حديث على الأساليب الغربية.
الفكرة التي أريد أن أسلط عليها الضوء, و التي يجب أن تكون واضحة لكل من يسمع الأطروحات المنتقدة لفكرة الدولة القومية الحديثة في صورها االمختلفة و بالأخص الجيش...أن هناك إختلاف بين فكرتي الجيش النظامي, و الجيش الحديث.
فكرة الجيش النظامي بمعني وجود قوات ثابتة تكون مهمتها الدائمة هي حماية البلاد و الدفاع عنها و كذلك الغزو في حالات الإمبراطوريات المتوسعة في مقابل رواتب ثابتة, هذه فكرة موجودة منذ عهود الإمبراطوريات و الحضارات القديمة بالأساس.
عندما ظهر الإسلام, لم يكن لدى العرب – الذين كانوا يعيشون حياة قبلية – جيوشاً نظامية, و حينما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج للغزو كان المؤمنون يُستنفرون للجهاد معه, ثم يعودون بعد هذا لأعمالهم و حياتهم العادية.
بعد إنتقال الرسول للرفيق الأعلى, و توسع حركة الفتوحات الإسلامية..تضاعف حجم الدولة الإسلامية, و في الوقت نفسه تغير نظام الحكم. لم تعد خلافة راشدة و إنما تحول الأمر إلى ملك عضود. و عند هذا بدأ وجود قوات نظامية.
أحسب أنه حتى لو كان نظام الحكم قد استمر كخلافة راشدة, فإن إتساع الدولة كان يقتضي وجود قوات نظامية مرابطة بإنتظام و إستمرار على الثغور, و لم يكن الإعتماد ليكون فقط على المتطوعة و الإستنفار...لكن من جهة أخرى فإن مرحلة الخلافة الراشدة قد ولت و ولى معها المجتمع المتأثر بها..و جاء عهدٌ جديد بأساليب جديدة كان لها تأثيرٌ سلبي على المجتمع...فجعل من وجود القوات النظامية ضرورة, و لكن ليس للرباط فقط بل لحماية نظام الحكم أيضاً, و ربما لا نفتري عليهم لو قلنا أن هذا هو الدافع الأول..فهذا الجيش النظامي هو جيش الخليفة أولاً قبل أن يكون جيش المسلمين.
عندما كانت الدولة ما زالت في طور قوتها, كان جيش الخليفة يخرج للغزو و يخرج معه آلاف المتطوعة ممن يبتغون شرف الجهاد في سبيل الله...و حينما دارت الأمور و أخذ الصليبيون ثم التتار يقتطعون من بلادنا, كانت الأمة تُستنفر, و يخرج جيش السلطان و معه المجاهدون يبتغون إحدى الحسنيين.
إذا سلطنا الضوء على النخبة العسكرية الممثلة في جيش الخليفة, أو جيش السلطان, سنجد أن هذه النخب تمر بمراحل تكاد تكون واحدة..فالخليفة يبدأ بتشكيل جيش يدين له بالولاء و يربي أفراده على الجندية و الجهاد و الفداء..ثم يمر الزمن و تنحرف عقيدة هذا الجيش و يسبب المشاكل للحاكم و تكون النهاية إما بالقضاء على الحاكم نفسه, أو أن تُستبدل بهذه النخبة العسكرية نخبةٌ أخرى تدين بالولاء للحاكم...ثم هلم جرا.
أنظر للترك الذين استكثر المعتصم العباسي من إلحاقهم بجيشه كيف استفحل نفوذهم حتى صاروا يلعبون بالخلفاء بعد عدة عقود. و أنظر للمماليك كيف استكثر الأيوبيون في مصر من شرائهم و اعتمدوا عليهم بشكلٍ كلي حتى آلت إليهم الأمور في النهاية...و أنظر إلى الإنكشارية كيف بدأوا..ثم إلى اين صاروا.
الإنكشارية ربما كانوا من أهم و أوضح الأمثلة..هؤلاء كانوا يتم تربيتهم على الجندية منذ الصبا, و يخضعون لتدريبات بدنية و عسكرية و روحية في الوقت ذاته, بحيث يتشبعون بروح الجهاد...لكن من الواضح أن الإهتمام بالجانب الروحي كان في طور إتساع الدولة العثمانية, و وقت أن كانت ترفع راية الجهاد, لكن حينما ألقت هذه الراية جانباً و انحرف طريقها صار هذا نسخة أخرى من (جيش الخليفة), و بالتالي كان من الطبيعي أن ينتهي هذه النهاية.
و هنا يتضح بشكلٍ جلي أن العامل الأساسي هو العامل الروحي و الفكري..أو بكلماتٍ أخرى, عقيدة الفرد المقاتل..هذه العقيدة هي التي تميز بين كون المرء مجاهداً, أو محارباً. و لا أقول أن معنى هذا أن كل من كانوا ضمن الجيوش النظامية على مدى تاريخ الإسلام ليسوا بمجاهدين..الأمر منوطٌ بنواياهم و عقيدتهم, فمن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا هو مجاهدٌ سواء كان زيه رسمياً أم لا, أما من يقاتل لأن هذه وظيفته, فلن يعدو أن يكون جندياً في جيش الخليفة.
نأتي للحظة تاريخية فارقة و هي التحديث الذي جرى لمصر و العالم العربي, هذا التحديث الذي جعل بلداً كمصر إنهزمت قواته النظامية أمام الحملة الفرنسية لكن لم يمنع هذا المجتمع من أن يقاوم المحتل و يثخن فيه, ثم انسحبت قواته النظامية أمام الإنجليز في حملة فريزر فنكل الشعب بالقوات الغازية في رشيد...ثم هُزِم الجيش النظامي (الحديث) في موقعة التل الكبير عام 1882, فصارت مصر محتلة سبعون عاماً.
ما زال مناط الأمر هنا متعلقٌ بالعقيدة, لا أريد الدخول في كلام عن الدولة الحديثة لأني بشكل شخصي مللت المصطلح و سماعه :) , لكن لو تناولنا أثر التحديث على الجيش و علاقة المجتمع بالجندية و الجهاد ستجد أن الأثر كان في غاية السلبية.
فتكوين الجيش الحديث صارت العقيدة فيه هي الإنضباط و الأوامر فقط, لا يعني هذا أن الإنضباط لم يكن موجوداً في الجيوش النظامية القديمة فالإنضباط أحد أعمدة الجندية من الأساس, لكن الجيوش الحديثة يتم فيها تحطيم الفرد و إعادة قولبته و تشكيله من جديد ليصبح أشبه بإنسان آلي. و في الوقت ذاته فقد تم تدجين المجتمع و جعل حمل السلاح مقتصراً على جيش الحاكم فقط, و لم يعد الدفاع عن الأمة مسئولية الجميع..لذا كان من الطبيعي أن تقع الأمة فريسة سهلة للإحتلال دون مقاومة تذكر.
إن الجهاد في سبيل الله هو أحد أهم الأركان التي تثبت لهذه الأمة عقيدتها, و كان من الطبيعي أن يكون هم أعداؤنا هو قلب مفهوم المسلمين تجاه هذه الفريضة لتصبح مرادفاً للإرهاب في أذهان الكثيرين, و في الوقت نفسه فإن العقيدة القتالية للجيوش في الدول المسلمة – و لا أقول إسلامية- لا علاقة لها بالجهاد, و إن كانت أحاديث (خير أجناد الأرض) أو (فإنهم في رباطٍ إلى يوم القيامة) تصح أصلاً, فإنها لا تنطبق برأيي على جيش المكرونة الذي عندنا.
و لو ألقينا نظرة على أقرب أرض للجهاد منا و هي سوريا, فإني أجزم أن أداء المجاهدين المتطوعين يختلف بشكلٍ كبير عن أداء قوات الجيش الحر التي كانت من قبل جزءاً من الجيش النظامي...إن حق هؤلاء جميعاً فوق رأسي و هم خيرٌ مني فهم من المجاهدين و أنا من القاعدين, لكني أقول أن التأثير السلبي على الفرد داخل الجيوش الحديثة عميق جداً, لدرجة تستدعي جهداً من الفرد و درجة من اليقظة و الوعي لكي يصبح مجاهداً بدلاً من جندي في جيش الحاكم.
مرةً أخرى, الأمر كله مناطه القلب و النية و العقيدة, سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة, و الرجل يقاتل حمية, و الرجل يقاتل رياءً.أيهم في سبيل الله, فأجاب رسول الله: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
لا ندعو لتفكيك الجيوش الحديثة في بلاد المسلمين و العودة لنظام المتطوعة و الإستنفار, هذا عبثٌ و ضياعٌ للأمة في عالمٍ صارت فيه أمةٌ قادرةٌ على إبادة أمةٍ أخرى بضغطة زر. لكن المطلوب هو تصحيح عقيدة الفرد المقاتل و كذلك عقيدة الفرد العادي. نحن في مجتمع مدجن يؤدي فيه كثيرٌ من الشباب خدمتهم العسكرية دون أن يحملوا بندقية, فما بالك بمن لم يؤدها أساساً. و نحن مجتمع قد نسى مفهوم الجهاد و أنه مسئولية الأمة كلها و ليس قاصراً على من يحمل السلاح..و يحتاج أن يتذكر هذا.
يشعر المرء بالعار و هو يكتب هذا الكلام و هو من القاعدين عن الجهاد, لكن هذا تذكيرٌ لي قبل أن يكون لكم و لا يعلم المرء ماذا يكسب غداً.سلوا الله لنا و لكم الإخلاص و القبول و أن ييسر لنا سبل الجهاد في سبيله في الميدان الذي يرتضيه لنا.
ملحوظة: سيكون من المفيد لقارىء المقال أن يطلع على كتابي (و دخلت الخيل الأزهر) لمحمد جلال كشك, و (كل رجال الباشا) لخالد فهمي, و نسأل الله أن ينفعنا جميعاً بما يعلمنا

السبت، 23 فبراير 2013

خواطر عن الحرب في الإسلام



في قضايا عدة يتم توجيه الإتهامات للإسلام, و يكون رد فعل المسلمين هو تقديم إعتذارات و تبريرات. لكن منطق هذه الإعتذارات يكون منطلقاً إما من موضع الجهل, أو في الأغلب من موضع الإستضعاف و الهزيمة النفسية.و في هذا المقال نناقش أحد أهم هذه القضايا و التي يكثر فيها الكلام..و هي الحرب في الإسلام.
فكل فترة يخرج علينا من يتبرم بمصطلح (الفتوحات الإسلامية) و لا يرى فيها إلا صورة من صور الإستعمار, و ربما كان أقرب مثال هو السجال الذي حدث في إحياء ذكرى سقوط الأندلس في يناير الماضي.
مشكلة من يعتنقون هذا الطرح أنهم يحسبون حساباتهم بمقاييس العصر الحالي, و برؤية ليبرالية غربية. و المفارقة أن أغلب من يرد عليهم يكاد ينطلق من نفس المنطلقات, و يرد بنفس الرؤية و الحسابات!!
يتم إتهام الفاتحين المسلمين بأنهم غزاة إستعماريين غزوا بلاد غيرهم و اغتصبوا خيراتها, فيكون الرد عليهم هو نفي التهمة بالمقارنة بين سلوك الإستعمار الأوروبي في البلاد التي إحتلها و سلوط الفاتحين المسلمين في البلاد التي فتحوها. و في سياق آخر يتم عرض و تسويق الحروب الإسلامية على أساس أنها كانت حروب دفاعية تهدف لحماية الدين في بدايته من الإمبراطوريتين الفارسية و البيزنطية و اللتان كانتا تهدفان للقضاء على الدعوة بعد أن إستشعروا خطرها إثر إنضواء كافة القبائل العربية تحت دينٍ واحد. و يتم تسويق الحروب كذلك على أنها حروب تحريرية هدفت لتحرير الشعوب المضطهدة التي كانت ترزح تحت نير الإمبراطوريتين سالفتي الذكر.
في نفس السياق نجد من يعرض الموضوع من وجهة نظر عرقية, و يعرض صلات القربى بين العرب و بين المصريين مثلاً, ثم العرب و البربر. و كأن هذا مبررٌ لطرد الروم الأوروبيين ليحلوا مكانهم!!
و مشكلة هذا الطرح أنه ينزلق لفكرة القومية و القطرية التي لا يعرفها الإسلام أساساً...فالعرب الأوائل لم يحاربوا الفرس لأنهم فرس, أو الروم لأنهم روم, أو البربر لأنهم بربر...إلخ. و لم ينظروا للجهاد على أنه سبيلٌ لتحقيق الوحدة العربية و لا ترسيخ القومية العربية مثلاً, بل لم يعرضوا أنفسهم في الأساس على أنهم عرب و إنما هم مسلمون أولاً و أخيراً .و إنما حاربوا لنشر دين الله, و لتكون كلمة الله هي العليا. أما مسألة الحروب الدفاعية فهي هدف إستراتيجي أولي و ليس منتهى الغاية, و أما تحرير الشعوب المقهورة من الفرس و الروم و غيرهم فهو نتيجة للفتح...و ليس سبباً له كذلك.
الحرب في الإسلام تقتضي أن يقوم المسلمون قبلها بدعوة غيرهم للإسلام و عرضه عليهم, فإن قبلوه صاروا إخواناً لنا في الدين و يبقوا على حالهم و يحكموا أنفسهم بأنفسهم بمقتضى شريعة الإسلام, فإن أبوا الإسلام فليدفعوا الجزية و على المسلمين حمايتهم من أعدائهم, فإن أبوا فهي الحرب. و إذا أتم الله للمسلمين النصر إنضوت هذه الأرض تحت لواء دولة الإسلام و حكمت بشريعته. و من شاء أن يعتنق الإسلام فأهلاً و مرحباً و إلا فعليه الجزية و له ما لنا و عليه ما علينا. و الغاية من كل هذا هي نشر الدين و أن تُحكم الأرض بمقتضى شريعة الله, و لعل رد ربعي بن عامر على رستم يلخص المسألة كلها (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ؛ ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام) 
و ربما لولا إنحراف المسلمين عن الدين الحنيف و تحول الأمر من خلافة إلى ملكٍ عضوضٍ سرى فيه الوهن و نخر فيه السوس, ربما لاستمر الجهاد و لاستمرت حركة الفتوحات الإسلامية و لسادت الشريعة أغلب أقطار الأرض...لكن الله قد قضى بالإستبدال لكل من أوتي نعمته ثم جحدها و نسيها.
هذا بإختصار هو مفهوم الحرب في الإسلام, ليقبله من يقبله, و ليرفضه من يرفضه..لكننا لسنا مطالبين أن نشكل رؤانا و قراءتنا للأمور حسب الرؤى الغربية و لا الأفكار القومية و بالتالي نقدم إعتذارات و تبريرات لكل من ألقى علينا حجراً. و ليس هناك معنى للحكم على تاريخنا بأفكار الواقع المعاصر و خصوصاً أن فكر هذا الواقع مشكلٌ برؤى الغالب المسيطر. و ليس هناك سبيل لأن تكون محايداً في قراءتك للأمور..لا تستطيع أن تكون محايداً طالما أنك رجلٌ حرٌ و صاحب رأي, و الحياد لا يكون إلا في قضية ليس لك بها علمٌ أو مصلحة...فإذا إنتفى الجهل و ظهرت المصلحة فلا حياد...و لكن ينبغي عليك أن تكون موضوعياً و منصفاً.
و الإنصاف يقتضي منا أن نعيد قراءتنا و دراستنا للتاريخ كله, و نقيم كل الحروب في تاريخ الإسلام, فما كان منها في سبيل الله و التزم بأخلاقيات الحروب التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي فتوحات و جهاد, و ما كان صراعاً على ملكٍ زائل, أو غدراً بقومٍ بيننا و بينهم ميثاق..فليس بذلك.
بكل بساطة..لدينا أصولٌ نحتكم إليها كي نحدد نظرتنا للأمور...هذه الأصول هي كتاب الله و سنة نبيه المصطفى, لا الآراء و لا الأهواء...و يقاس الالتزام أو الإنحراف بمدي القرب أو البعد من هذه الأصول.
و من حق الأسباني النصراني أن يرى لنفسه الحق في طرد المسلمين من الأندلس و أن يسمي حروبه حروب الإسترداد و هذا حق دينه عليه, و من واجبي كمسلم أن أدافع عن ديني و عن الأرض التي تُحكم بشريعة ربي, و هذا حق ديني علي.
ربما تبدو الحروب المعاصرة أنها حروب قوميات و مصالح في المقام الأول, لكن سيظل الدين هو أساس و جوهر الصراعات و المحرك لها حتى لو كانت الرؤوس المحركة علمانية أو حتى ملحدة...و في الأوقات التي تتعايش فيها الأديان سلمياً, فإنها ستظل تتصارع فكرياً..و كل منها يأخذ مساحات من الآخر إما على الأرض, أو في عقول و قلوب سكان الأرض..و سيبقى التدافع و الصراع بين الحق و الباطل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و حتى لا يبقى بيتٌ على هذه الأرض إلا بلغه هذا الدين..بعز عزيزٍ أو بذل ذليل...فكونوا أعزة يرحمني و يرحمكم الله.
---------------------------
تم نشر المقال بموقع يقظة فكر 

الخميس، 13 سبتمبر 2012

صورتنا في عيونهم!



قصة متكررة: يقوم بعض المتطرفين برسم صور أو عمل فيلم مسىء للإسلام و لرسول الله صلى الله عليه و سلم. تصمت الجهات الرسمية في البلاد المسلمة – و لا أقول إسلامية – في حين تبدو في الأفق ملامح تذمر شعبي يزداد كلما اتسعت رقعة من عندهم فكرة عن الموضوع أصلاً لأن الإعلام يتجاهله في الأغلب..تستشعر المؤسسات الدينية الرسمية الحرج – في بلادنا الأزهر و دار الإفتاء – فتقوم بإصدار بيان تنديد و شجب. تسمع و تقرأ الردود المقترحة على مثل هذه الإساءات فتجد أن أغلبها يتحدث كلاماً مطاطاً عن أن أفضل رد هو تجاهل هذه الأعمال و أن تعرض الإسلام على الغرب ليدركوا سماحته و رقيه و لتتبدل الصورة المغلوطة في أذهانهم عنه. و إذا إنقشع الغبار عن لا شىء يُخمد الموضوع و يُنسى فلا أنت قد رددت و أخذت موقفاً, و لا أنت قد عرضت عليهم إسلامك لتصحح الصورة كما كنت تزعم..ثم تنتشر دعوات لمقاطعة المنتجات الأجنبية لا تلبث أن تفتر بعد شهر على الأكثر حين ينسى الناس ما جرى و كأنه لم يكن.
تأتي لحظة لا يصبر فيها الناس على تخاذل المواقف الرسمية فيخرجون بأنفسهم لإبداء إعتراضهم. تغمر الناس الحماسة – و لا لومٌ عليهم – غضباً لنبيهم و لدينهم. ربما تتطور الأمور فتحدث إعتداءات على سفارات أجنبية. و في هذه اللحظة نجد أصواتاً بيننا تكلمنا عن نهي الإسلام عن التعدي على الممتلكات, و تكلمنا عن سماحة الإسلام, و تكلمنا عن وقوعنا في الفخ...إلخ. و عند هذه اللحظة ربما يخرج رد فعل رسمي لا يتجاوز أيضاً الشجب و الإدانة, و الغرض منه غالباً إمتصاص الغضب الشعبي.
نعم هي قصة متكررة بنفس الترتيب تقريباً في كل مرة. أبدأ الحديث عن مصر: هذه المرة توجه الشباب الغاضب لنبيه إلى السفارة الأمريكية ليتظاهر أمامها في حضور أتباع لأحزاب و تيارات إسلامية. تصادف أن هذا اليوم هو ذكرى الحادي عشر من سبتمبر الذي يبدو أنه من الواجب على كل العالم أن يشارك فيه الأمريكيين حدادهم على ضحاياهم. قام بعض الشباب بإنزال العلم الأمريكي و حرقه و رفع راية التوحيد مكانها. و هكذا بدأت الأصوات المعتادة تعلق على ما حدث. كان الكلام المعتاد عن تسامح الإسلام و أن الرد يجب ألا يكون هكذا و عن عدم جواز التعدي على السفارات بالإضافة لأمرٍ لطيفٍ جداً (صورتنا في عيونهم).
نعم (صورتنا في عيونهم) , فيبدو أن بعض – و لا أقول كل – من إهتم لمدى تأثير ما جرى على صورتنا في عيونهم قد إستاء جداً من الرسالة السلبية التي ستصل للأمريكان لدى رؤيتهم (علم تنظيم القاعدة) – الذي لا يدري المتكلمون بالمناسبة أنه راية رسول الله قبل أن يكون علم القاعدة – أعلى مبنى سفارتهم, و يا للهول فهذا يحدث في ذكرى 11 سبتمبر. هذا دليلٌ على أن العرب يشمتون فيما حدث لأمريكا و أنهم مؤيدون لتنظيم القاعدة و في الوقت ذاته فإن التيارات الظلامية الإرهابية قد إستولت على الحكم في مصر!!
بينما كنت أستمع لبعض من يردد هذا الكلام من بني ديني و وطني شاهدت قدراً أحد المسئولين الأمريكيين و هو يرد في إحدى القنوات الإخبارية على تساؤل للمذيعة عن (الصورة) التي يراها الشعب الأمريكي للحدث. أخذ الرجل يتكلم بمنتهى الصلف مردداً نفس الكلام تقريباً, ثم سئل عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الأمريكية ضد منتجي الفيلم و ضد القس المتطرف تيري جونز. كان رده هو أن الحكومة الأمريكية و إن كانت ترفض توجهاته إلا أن أمريكا بلدٌ حر, و الرجل له الحق في التعبير عن رأيه.
و هنا يعن لي أن أسأل بعض الأسئلة:
-          لماذا يكون للمتطرفين في الغرب الحق في التعبير عن هرائهم مهماً كان في هذا إهانةً لمقدساتنا و لا يكون لنا الحق في التعبير عن رأينا؟
-          لماذا لا يرى بعض المسلمين في دينهم غير جزئية (التسامح) التي يُفسرونها بشكلٍ خاطيء يفقده معناه من الأساس؟
-          لماذا يختزل بعض الناس الأمر في كونه مؤامرة لتخريب العلاقة بين المسلمين و الغرب؟
-          لماذا نهتم من الأساس (بصورتنا في عيونهم) و لا يهتمون هم (بصورتهم في عيوننا)؟
هناك من بين أفراد نخبتنا من يعادي التوجه الإسلامي من الأساس و في اللحظة التي يحب فيها أن يستخدم ديباجات دينية فإنه يكلمك عن سماحة الإسلام, و للأسف يلتقط الخيط بعض المحسوبين على الإسلاميين و يحاولون إمساك العصا من المنتصف و يكملون الكلام بنفس النغمة...عفواً يا سادة, الإسلام ليس تسامحاً فقط..الإسلام دينٌ كامل متكامل يحوي التسامح في الأوقات التي تستأهله, و يحوي العزة و القوة في مواطنه..و الظلم هو وضع الأمر في غير موضعه و أنتم حينما تطالبون بالتسامح في موطن العزة فقد ظلمتم دينكم و أنفسكم. لا تسقطوا ضعفكم على الدين. أين إستعلاء المؤمن بإيمانه؟
كيف يهون أمر ديننا علينا حتى ننحرف عن القضية الأصلية و ننشغل بصورتنا في عيونهم و كيف نصلحها ممن أفسدها؟ و ماذا عن صورتهم هم في أعيننا؟ أمةٌ ترتع و تعيث في بلادنا فساداً منذ عقود, تساند الأنظمة المستبدة التي رزحنا تحت نيرها. تساند إسرائيل التي تحتل أرضنا و تقتل إخوتنا و تنتهك حدودنا. تحتل بلدين مسلمين و تتسبب في قتل الألوف من المسلمين. تمتص خيرات بلادنا و تُدير بلادنا في فلكها و تتحكم بإقتصادنا. أمةٌ تفعل كل هذا بنا ماذا تعولون عليها؟
يا سادة..بل يا عبيد فلستم سادة..إعلموا أن طريقنا لا يتقاطع مع هؤلاء و لن نلتقي معهم أبداً..لا تبذلوا جهداً في إرضائهم و إسترضائهم فهم لن يرضوا عنا حتى نصبح مثلهم و نتبع ملتهم, و حتى لو فعلنا هذا سنظل في مرتبةٍ أدنى.
و يا من تتكلمون عن نظرية المؤامرة, تذكروا أن من ذهبوا للسفارة الإسرائيلية عملوا لإنزال العلم الصهيوني و رفع علم فلسطين و مصر مكانه. و من ذهبوا للسفارة السورية كانوا يسعون لرفع علم الجيس السوري الحر أعلاها. إنزال العلم ليس بالضرورة مؤامرة و لا أراه أكثر من حماس من بعض المشاركين في المظاهرة و لا ألومهم عليه, بل و لا أجرؤ أن ألومَ أحداً على غضبته لنبيه بالطريقة التي يراها طالما أنه لم يسفك دماً أو يُخرب منشأة. و لا لوم على من تحرك برأسه لأنه لم يجد قيادةً مسئولة توجهه و تبادر بالتحرك قبله.
لا يعنيني أن يكون ما جرى يصب في خانة مرشح اليمين الأمريكي في مقابل أوباما. و كأن أوباما هذا حمامة السلام. أياً كان من يحكم أمريكا فالوجوه تتغير و الأساليب ربما تتغير و لكن السياسة واحدة..و هي ليست معنا.
و بالنسبة لما حدث في ليبيا...فلا أوافق عما حدث من قتلٍ للقنصل الأمريكي بالطبع. و لكن الحق أقول لكم أن كل الدماء التي سالت في فلسطين و أقغانستان و العراق و غيرها بسبب الأمريكان قد أصابتني بتلد الحس فليس لدي ذرة تعاطف للخسارة البشرية للأمريكان و إن كنت لا أقرها (في هذا الموضع).
أتمنى ألا ننسى الجرم الأساسي الذي هو أصل المشكلة و نشغل أنفسنا بالتساؤل عن صورتنا في عيونهم!! لا تقلقوا فصورتنا لن تتغير لأنها نفس الصورة التي ينقلها لهم إعلامهم المتحيز الموالي للصهاينة. و سياستهم لن تتغير لأنها عين السياسة القائمة على المصالح..و الشىء الوحيد الذي يمكن أن يجعل لنا كرامة هو أن نكون أقوياء لنا إرادة مستقلة و لا ندور في فلكهم..لكن أنى هذا و نحن نبدأ الطريق بالإقتراض منهم؟
و الآن أيها المشغول بصورتك أمام السادة الأمريكان...هلا شغلت بالك بكيف نضمن ألا يتكرر ما حدث مرة أخرى؟
و لله الأمر من قبل و من بعد....و عذراً يا رسول الله.
 ----------------------------------------------------
تم نشر المقال بموقع رابطة النهضة و الإصلاح

الخميس، 6 سبتمبر 2012

مشاهد من الثورة المصرية-4-الأربعاء الدامي و جمعة الرحيل


أعود مرة أخرى بعد إنقطاع لمتابعة سرد شهادتي عن الثورة في الإسكندرية..ربما كان الكسل و ضيق الوقت هو ما منعني من الإنتظام في الكتابة لكن ما حفزني للعودة هو ما رأيته من تزييف للتاريخ الذي شهدناه و عشناه بل و شاركنا في صنعه من العديد من الأطراف..و لذا أدعو الكل لتدوين شهاداته للتاريخ و لكي يقرأه أبناؤنا, فربما لا يدرسون في مدارسهم التاريخ الحقيقي..و ها هنا أستمر في كتابة شهادتي و ربما في النهاية أعلق بتعليقات عامة على المواقف المختلفة للقوى السياسية كي يكون واضحاً الدور الحقيقي لكلٍ منها.
لقراءة الأجزاء السابقة اضغط هنا
-----------------------------------------------------------

في يوم الأربعاء 2 فبراير الذي عُرَف لاحقاً بإسم (موقعة الجمل) ذهبت كالعادة إلى جامع القائد إبراهيم قبل صلاة الظهر لأفاجأ لأول مرة منذ بدأت الثورة بوجودة مظاهرة مؤيدة لمبارك. قام هؤلاء المؤيدون بمسح العبارات التي كتبها الثوار على عربات الأمن المركزي و التي كانت تلعن و تسخر من مبارك و أركان نظامه. كان المنظر مستفزاً لأعلى درجة و الأكثر إستفزازاً هو رؤية كاميرا التليفزيون و هي تركز التصوير عليهم من مسافة قريبة حتى لا يبدو غيرهم في الكادر.
وقف هؤلاء عند حديقة الخالدين و وقف الثوار على أعتاب الجامع. أخذنا نعلي من قوة هتافنا و اتصلت برفاقي كي يسارعوا بالمجيء ليزداد عددنا لأن الأعداد كانت قليلة عقب مليونية الثلاثاء و عقب خطاب مبارك المخادع. بعد الصلاة وقفت مع عدد من الشباب نفصل بين الجانبين لحدوث عدد من المشادات الكلامية كادت أن تتطور لتشابك بالأيدي. كان خطاب مبارك قد أثار بحق قدراً كبيراً من البلبلة و الفرقة بين الناس و لم يكن كل من نزل في المظاهرة المؤيدة لمبارك هم من المأجورين و المنتفعين التابعين للحزب الوطني بل كان بينهم مواطنين عاديين تأثروا بالخطاب و أرادوا أن تنتهي المظاهرات و تعود الحياة لطبيعتها ظانين أن مبارك سيفي بوعده و يرحل بعد ستة أشهر!
وجدت إمرأة تجلس على الأرض هي و إبنتها بين الفريقين و تصيح أنها ليست مع هؤلاء و لا مع هؤلاء...كان هذا موقف الكثير من المصريين في هذا الوقت..الجلوس في مقعد المتفرجين إلى أن يروا إلام ستصير الأمور...و قد ظل هؤلاء على حالهم طوال الفترة التي تلت التنحي و هم من أسميناهم بحزب الكنبة. و الحقيقة أن حزب الكنبة هذا ربما كان من  وجهة نظري لا يقل في الجرم عن أعداء الثورة لأنه في أوقات الصراع بين الحق و الباطل يكون الحياد السلبي جريمة. و ليتهم كانوا يكتفون بالحياد السلبي بل كانوا يسلقونا بألسنةٍ حدادٍ..فلا منهم و لا كفاية شرهم كما يقول المثل.
بعد الصلاة بقليل زادت أعدادنا و بلغنا ما يقارب الثلاثة آلاف في حين لم يجاوز أبناء مبارك الألف...آثروا الإنسحاب و مشوا في مسيرة على البحر و لا أعلم إلى أي داهية قد ذهبوا بعدها...أما نحن فقد سرنا مخترقين طريق قنال السويس وصولاً إلى باب شرقي ثم دخلنا محرم بك في شارع الرصافة و بعدها سرنا في طريق ضيق موازي لطريق قنال السويس...كان عددنا قد زاد خلال المسيرة لكن الروح المعنوية لم تكن عالية فقد كانت روح الإحباط سائدة بسبب ردود أفعال بقية الناس...هناك من كان يسبنا من البلكونات..الواقفين على مداخل الشوارع من اللجان الشعبية كانوا يدفعونا بعيداً عنهم و هم يصرخون بوجوهنا..ما زلت أذكر النظرة التي على وجوههم في اليوم السابق في المليونية..كان التعبير على وجوهم هو: أنا أقف هذه الوقفة بسببك أنت!!..أما اليوم فقد تحول الأمر من تعبير صامت إلى تصريح عنيف.
في هذا اليوم أيضاً رأيت لأول مرة مدرعات تابعة للأمن المركزي تخترق طريق قنال السويس..لم أكن منذ جمعة الغضب قد رأيت إلا مدرعات محترقة....و ضاعف هذا من الإحساس بالقلق.
كان الإخوان يقودون المسيرة بسيارة بيك أب تحمل مكبرات صوت و خلفها أوتوبيس تابع لنقابة الأطباء لعمل أي إسعافات لمن يحتاج ذلك في المسيرة.. سمعنا من مكبر الصوت أن المسيرة عندما تصل إلى كوبري محرم بك ستلف من تحته لتسير في طريق قنال السويس عائدة إلى شارع ابي قير...سمعت أحد أبناء المنطقة يصرخ فينا: لو رجالة إبقوا إنزلوا قنال السويس..حنجيب القزايز دلوقتي و نرمي عليكم.
و لأننا رجال أكملنا في طريقنا وسط الشتائم و التهديدات و الإحتكاكات من اللجان الشعبية..في هذا الوقت جاءني إتصال من والدتي تخبرني فيه أن ميدان التحرير قد تم مهاجمته بالخيل و الجمال...بعدها بقليل جاءني إتصال من أختي تعتذر لي فيه عما قالته بالأمس عندما خُدِعت بخطاب مبارك...كانت موقعة الجمل هي التي أزالت الغشاوة الوقتية التي سببها الخطاب عن أعين الملايين و جعلتهم يدركون أنه مخطيءٌ من ظن يوماً أن للثعلبِ دينا...و الحمد لله الذي أوقع مبارك و أعوانه في شر أعمالهم و جعل تدبيرهم تدميرهم..و رحم الله من استشهدوا في هذا اليوم دفاعاً عن الميدان.
اتصلت بشقيق زوجتي الذي كان في الميدان وقتها لأطمئن عليه و علمت منه أنهم قد صدوا هجوم الخيل و أسروا بعضها...كان يكلمني بمعنوياتٍ مرتفعة إثر النجاح في صد الهجمة, فبشرت من حولي في المسيرة و طمأنتهم أن الميدان ما زال في أيدينا بحمد الله.
من خلال الهاتف تواصلت مع بعض الأصدقاء الذين علمت أنهم في مسيرات أخرى إنطلقت بعد مسيرتنا من القائد إبراهيم و ستتجه مثلنا إلى سيدي جابر فحمدت الله على ذلك.
وصلت مسيرتنا إلى ميدان أحمد زويل و منه إلي شارع أبي قير...اقتربنا من مقر شرطة النجدة الذي ضحكت بالأمس حينما وجدت أن شباباً قد غادروا المسيرة و جروا بسرعة (ليفكوا زنقتهم) على أعتابها...و حقاً لم تكن المنشآت الشرطية تستحق أقل من هذا..أما اليوم فقد وجدنا أن فئران الشرطة قد غادرت جحورها  و شاهدنا عدداً من المخبرين و الأمناء يقفون أعلى المبنى و ينظرون إلينا بسخرية و إستهانة ثم أخذوا نصيبهم من السباب و الهتافات.
خلال المسيرة كان واضحاً أن هناك من كان يسعى لإثارة المشاكل و التفرقة لكن المشاركين كانوا أوعى من أن ينزلقوا إلى هذا.
تلقيت إتصالاً من القاهرة من زميل في العمل من محبي مبارك..كان يقول لي: ماذا تفعلون حتى الآن ارجعوا لبيوتكم فالأعداد بميدان مصطفى محمود لا تُحصى...كان ما منعنى من شتمه هو أني ظننته أحداً آخر لم أعهد منه إلا كل إحترام و لهذا تعجبت من مقاله لكني رددت عليه أنا لن نعود إلا عندما نحقق هدفنا و يرحل مبارك.
عندما وصلت لمنزلي في نهاية اليوم شاهدت على التليفزيون إستكمال الهجوم على التحرير بالمولوتوف و الحجارة و الرصاص فيما يقف الجيش سلبياً بين الفريقين. كانت هذه اللحظات من أسوأ ما مررت به في حياتي من إحساسٍ بالعجز و الغيظ و الحرقة...و رحم الله كل من أستشهدوا في هذا اليوم دفاعاً عن الميدان..و جزى الله كل من ساهم في الدفاع عنه...و للتاريخ فقد شهد الجميع – العدو قبل الصديق – بدور الإخوان المسلمين البطولي في الدفاع عن الميدان في هذا اليوم إلى أن نكص المجرمون على أعقابهم.
---------------------------------------------------------------

تمت الدعوة لمليونية جديدة ليوم الجمعة 4 فبراير التي سُميت تفاؤلاً(جمعة الرحيل)..لم تشهد المدينة أي مسيرة مؤيدة لمبارك إلا التي جرت يوم الأربعاء الدامي و لابد أن أحداث هذا اليوم قد رفعت الغشاوة عن أعين كل من خُدِع بكلام مبارك فشارك في هذه المسيرة العبثية أو تكاسل و تقاعس عن إستكمال المشاركة في الثورة, كانت الأعداد غفيرة عند القائد إبراهيم و إستمعنا لخطبة الشيخ المحلاوي الذي إنتظم منذ هذا اليوم في أداء الخطبة بعد إنقطاع طويل عن مسجده. بعد الصلاة إتجهت المسيرة إلى المنشية ثم عادت للجامع مرة أخرى لتنطلق في دفعات تجاه ميدان محطة سيدي جابر الذي كان ملتقى المسيرات القادمة من الغرب و الشرق...لم نعلم أننا سنضطر بعد أشهرٍ قليلة إلى ترحيل المكان قليلاً ليصبح عند المنطقة الشمالية في سيدي جابر الشيخ.
في القاهرة كانت الأعداد غفيرة أيضاً و كانت مليونية حقيقية تعبر عن إستمرار الرفض لمبارك و عصابته مهما كانت الوعود و الإجراءات التي اتخذها...كان النظام القاتل يتورط معنا أكثر فأكثر و لم يكن من المجدي له تغيير الوجوه المقيتة المحيطة به ليبرز بدلاً منها عمر سليمان و أحمد شفيق و كل منهما يكذب مثلما يتنفس. كنا ننتظر في نهاية اليوم أن يخرج علينا مبارك الوغد بخطابٍ جديد يعلن فيه تنحيه لكن هذا لم يحدث...و إحتاج الأمر إلى أسبوعٍ كاملٍ آخر..و سماه الثوار: أسبوع الصمود.

الجمعة، 6 يوليو 2012

متى يدرك مرسي اللحظة الفارقة ؟


لا أظن أن أحداً من الثوار ينظر بإطمئنان و رضا لأداء الرئيس حتى الآن. و إذا أعربت عن قلقك و توجسك رُميت بأنك تشاؤمي و نكدي و متعجل. تتساءل بعض التساؤلات فيقال لك: الرجل لم يحلف اليمين بعد و لم يتسلم الرئاسة رسمياً. يقسم الرجل بدل المرة ثلاثاً إحداهما معطوبة لا نرضى عنها ثم ننظر للأقوال و الأفعال و نعرب عن قلقنا من بعضها و إمتعاضنا من أخرى فيقال لك مرة أخرى: انتظر و أعطه فرصة.
لا يطلب المرء من مرسي أن يحل مشاكل مصر كلها وحده و في أسبوعٍ واحد, لكن كل المطلوب منه أن يعي اللحظة التي نعيشها و يرتب أولوياته :الأهم فالمهم. و عنده العديد من القضايا التي لا تحتمل الإنتظار و لكن تقتضي الحزم و الحسم الفوري.
ماذا ينتظر مرسي و الإعلام الذي أقنع ملايين من هذا الشعب خلال الإنتخابات أن الإخوان قتلة و من أركان النظام السابق و هم المسئولين عن موقعة الجمل هو نفس الإعلام الموجود حالياً و ما زال يبث سمومه و يهاجم مرسي نفسه و يخوف الناس من الإسلاميين بالباطل و ينشر الإشاعات الكاذبة؟ هل تخشى أن يقال عنك أنك ضد حرية التعبير و الإعلام؟ هل لأجل هذا تترك الكلاب تعوي و تسمح بالكذب و الخداع؟ ألا تعي أن الزن على الودان أمر من السحر و ما أسهل أن ينقلب من يصفقون لك اليوم إلى لاعنين لك غداً بكثير من الدجل الإعلامي المصاحب لممارسات تدعمه من تدبير أمن الدولة على أرض الواقع؟
ماذا ينتظر مرسي في قضية حل البرلمان و الإعلان الدستوري المكمل و مجلس الدفاع الوطني؟ الكرة صارت في ملعبك أنت؟ فلتقل تهاني الجبالي و أمثالها ما يشاءون لكن أنت صاحب الشرعية التي تستمدها منا و هي أعلى من مجلس المخلوع الذي خرج بهذا الإعلان الدستوري المعيب. ماذا تنتظر لكي تلغيه؟ و هل ستدعو الشعب لإستفتاء على مسألة حل البرلمان إذا جاء حكم المحكمة المرتقب على غير ما نريد أم ستمشي في مسارهم و تدعو لإنتخابات جديدة لنبقى بلا برلمان لنهاية العام الذي لا ندري هل سينتهي و أنت معنا أصلاً أم لا؟!
ألا تدري يا مرسي أن كل يومٍ يمر تخبو فيه الجذوة أكثر و يثقل الناس و يقل الأنصار؟ ألا تدري أن الدائرة ستضيق و لن تجد حولك في النهاية إلا الإخوان فقط؟ ألا تدري أن من يراك زاهداً في صلاحياتك لن يتعب نفسه في الصراخ من أجل إنتزاعها من العسكر؟
ألا تدري أنك تستفز كل ثائر حينما نجدك تبالغ في تكريم العسكر؟ ألا تدري أنك تحرق دمنا حينما نراك تكرم سلطان و عبد المعز؟ ماذا ستفعل بعد هذا؟ هل ستكرم بجاتو بالمرة؟
ماذا تنتظر يا رئيس البلاد كي تعلن أسماء نوابك و وزراءك؟ كنت أتوقع أن تكون قد حددت خياراتك من قبل إعلان النتيجة أصلاً؟ ماذا تنتظر؟ أتراك راضياً عن أداء الجنزوري و ستتركه لنا في نهاية المطاف؟
هل يستقيم عندما تُدعى لممارسة حقك بالعفو عن الأسرى في سجون العسكر أن تشكل لجنة لدراسة شئونهم من ثلاثة خصوم للثورة؟ ثم بعدها بيومين يخرج لنا رئيس هيئة القضاء العسكري لسانه و يخبرنا أنه لم يصله تكليف بهذا الأمر.
ألم تتعلم درساً مما جرى لعصام شرف؟ ألم تتعلم مما حدث في مجلس الشعب؟ ألم تعِ الأسباب التي جعلتكم تخسرون نصف مؤيديكم في الجولة الأولى للرئاسة؟ هل نسيت أننا إنتخبناك في الإعادة لأنك من تبقى أمام شفيق؟ هل كنت صادقاً حين قلت بلسانك في التحرير أن الثورة مستمرة و أننا سنكمل المشوار؟ أي مشوارٍ تعني؟
يا رئيس البلاد لا يمكنك أن ترضي جميع الناس, هذا ضربٌ من الخيال. كيف ترضي من يحب الثورة و من يتبرم بها و من يسعى للقضاء عليها في آنٍ واحد؟ إعلم أنك كلما أرضيتَ فئةً أسخطت عليك الأخرى و في النهاية لن يرضى عليك أحد.
إن أغلظنا لك في القول فهذا لخوفنا على هذا البلد, التطهير هو واجب الوقت يا رئيس البلاد. و هناك من القضايا ما يفسد بالتسويف و التأجيل. و هناك رؤوسٌ إن لم تُقطع ستهدم كل ما تبني أولاً بأول..هذا إن تركت لك الفرصة لتبني.
الإصلاح في موطن الثورة هو وأدٌ للثورة....لن نسأم أن نذكرك أن هناك من القضايا ما لا يجدي معه إلا الحل الثوري..و هناك من القضايا ما لا يصلح معه إلا الإصلاح التدريجي طويل الأمد..فميز هذه عن تلك.
يا رئيس البلاد ليست المراهم هي العلاج في موطن البتر...و ليس السكوت حكمة و تأن في موطن الفعل و الكلام.
يا رئيس البلاد: أدرك اللحظة الفارقة..و لا تضيع نفسك و تضيعنا معك. كن على قدر المسئولية التي تحملتها.
هداك الله و إيانا لما فيه سواء السبيل...و الله غالبٌ على أمره.
 ------------------------------------------------
تم نشر المقال بموقع رابطة النهضة و الإصلاح

الأربعاء، 4 يوليو 2012

ذكر ما جرى في جمهورية موزستان


جلس الرئيس المنتخب حديثاً على مقعده الوثير بعد يومٍ حافل بالأحداث..فقد بدأه بأداء اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا, ثم عرج على قاعة المؤتمرات ليلقي كلمة أمام نخبة الدولة, ثم حضر احتفالاً أقامه له جنرالات القوات المسلحة إحتفالاً بتسليم السلطة. أخذ يلعب بقدميه في كروانة الماء بالملح و هو يستعيد أحداث اليوم لحظة بلحظة ثم تنهد ليتذكر عندما كان في المعتقل قبل هذا اليوم بعامٍ كامل, ثم خرج منه عقب الإنتفاضة الشعبية التي قامت على الديكتاتور (الزمباوي العنتيل) الذي كاد يورث حكم البلاد لنجله (حبظلم بظاظا) و لكنه اضطر للتنحي بعد أن إنقلب عليه الجنرالات بقيادة المارشال(كزلك).
أخيراً جاءت فرصة لموزستان لكي تتحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية و تتميز عن بقية جمهوريات الموز التي تنتمي إليها..جاءت فرصة لموزستان لكى تستعيد دورها الرائد كدرة جمهوريات أمريكا الجنوبية بعد سلسلة من الإنقلابات العسكرية و الحكم الديكتاتوري العسكري. إبتسم بإرتياح و ثقة و هو يتذكر كم كان حكيماً هو و حزبه حين تجنب الصدام مع الجنرالات طوال هذه الفترة فجنب حزبه الكثير من الويلات. أخذ يفكر في أولويات المرحلة المقبلة و ضرورة التحرك بحذر حتى لا يقع في أخطاء تثير عليه من حوله, إنه يريد أن يرضي الجميع و ألا يغضب أحداً. يريد أن يرضي أغلبية الشعب المتلهف لنيل كل ما حرمه منه النظام السابق, و يريد أن يرضي أنصاره و بالأخص حلفاؤه الذين وقفوا بجواره في الإنتخابات حينما وجدوا أنه الوحيد الذي تبقى أمام (الصف الصناعي) رئيس وزراء النظام السابق. و يريد أن يرضي أهالي ضحايا الإنتفاضة سواء من ماتوا أو أصيبوا أو دخلوا السجون. و يريد كذلك أن يرضي معارضيه و حتى من اختار أن يصوت ضده. و يريد أن يرضي النخبة الفاسدة للمجتمع و التي ورثها كما هي عن النظام السابق. و يريد أن يكون الجنرالات كذلك راضيين!! أغمض عينيه و نام من الإرهاق البدني و الفكري على هذا الوضع.
كان ما يشغل باله طوال الأيام المقبلة هو إرضاء هذه المجموعات المختلفة, قابل وفداً من أمهات الشهداء. قابل وفداً من الإعلاميين و الصحفيين. قابل مجموعات من النخبة الفاسدة. أخذ يراقب من بعيد المارشال كزلك و جنرالاته و هم يتصرفون و كأنهم دولة داخل الدولة فقرر ألا يستفزهم و أن يؤجل الصدام معهم إلى وقتٍ لاحق. شعر أنه بحاجة إلى كسب رجال القضاء بشكل أكبر و أن كلمات المجاملة و المديح الزائد بحقهم لا تكفي فانتهز فرصة وصول إثنان من قياداتهم لسن التعاقد و قرر منحهم الأوسمة تقديراً لهما رغم رائحة فسادهما التي تزكم الأنوف. و عندما وجد إمتعاضاّ من هذا القرار من كثير من حلفائه السابقين هز كتفيه بإستهانة محدثاً نفسه: إنهم لا يفهمون في السياسة و أساليب التكتيك. و أخذ يفكر في التكريم المرتقب الذي يجب أن يعده للمارشال كزلك و جنرالاته.
وصلته رسائل عاجلة من بعض حلفائه تطالبه بالحزم و الحسم و تحذره من التسويف و خطورة ذلك عليه شخصياً قبل أي أحدٍ آخر و لكنه وجد من الناحية الأخرى بعض أنصاره ينصحونه بالتروي و عدم اللجوء للصدام طالما أنه يمكنه أن يحل الأمور كلها بالإصلاح التدريجي إلى أن يصل إلى....التمكين.
في المساء فتح التلفاز و تنقل بين القنوات إلى أن وصل لقناة (الحقيقة) التي صب صاحبها (تلفيق عفاشة) عليه و على حزبه هجوماً ضارياَ قبل و أثناء و حتى بعد الإنتخابات. إبتسم في هدوء و هو يتذكر تحذير من حوله له بضرورة ردع هؤلاء و أمثاله حتى يكفوا عن تسميم عقول الناس و لكنه قرر أن يتركهم حتى لا يغضب منه أهل الإعلام و يتهمونه بوقوفه أمام حرية الإعلام و التعبير.
لم يجد برنامج تلفيق عفاشة هذه الليلة, و لكن وجد فيلماً مصرياً إسمه (أيام السادات) مدبلجاً باللغة الموزستانية. شعر أن ظروفه قريبة من ظروف السادات و أنه يجب أن يفعل مثله و يسايس من حوله إلى أن تقوم العصابة في النهاية بالغباء السياسي و يقدموا إستقالاتهم جميعاً و ساعتها يعطي الأمر : تقدر تتحرك يا ليثي.
إستراح لهذا السيناريو و قرر أن يستمر في سياسته بأن يرضي الجميع و ألا يصطدم بأحد لا سيما الثعلب الكبير كزلك. ضاق صدره بالمظاهرات المستمرة أمام قصره ليل نهار من كل من لديه مشكلة في البلد و كأنه تحول من رئيس دولة لرئيس حي. لماذا لا يصبرون ؟ إني لم أتول الرئاسة إلا من يومين...من أسبوعين..من شهرين.
بعد ثلاثة أشهر من السياسة و التكتكة و المشاهدة المستمرة لفيلم أيام السادات قبل النوم. و مع السكوت على ما يتم بثه من سموم في الإعلام و الصحف. و بعد الكثير من الأزمات التي تنفجر كل يومين منغصة على الناس حياتهم. فوجىء الرئيس بالمارشال كزلك يدخل عليه مكتبه بدون موعد مسبق و بصحبته رئيس الأركان (زومبي) و قائد الحرس الجمهوري و رئيس المحكمة الدستورية. قام الرئيس مرحباً بهم بحفاوته المعهودة المبالغ فيها كالمعتاد و إستغرق في هذا لدرجة أنه لم يلحظ عدم تقديمهم التحية العسكرية له. ردوا عليه بإبتسامات صفراء مقتضبة ثم تقدم كزلك ليأخذ مقعده على كرسي الرئيس نفسه.
ذهل الرئيس و قال: ماذا تفعل؟
رد كزلك ببرود:أنفذ إرادة الشعب.
-         لكني الرئيس المنتخب من الشعب...أنا إرادة الشعب
-         لم تعد كذلك...ألم تستمع للنبأ العاجل الذي أذيع في الأخبار في منتصف الليل؟
-         أي نبـأ؟ (تذكر أنه في هذا الوقت كان مستمتعاً بالفرجة على أيام السادات)
-         قرر رئيس المحكمة الدستورية بطلان الإنتخابات التي أوصلتك للرئاسة حسب الفقرة السادسة من البند الثاني من المادة الأولى للإعلان الدستوري المكمل للإعلان الدستوري المكمل للإعلان الدستوري الأول.
-         ما هذا؟ أنا الرئيس المنتخب و أنا تمثيل لإرادة الشعب. ستمتلىء الميادين بجموع الشعب الرافضة لهذا الإنقلاب.سيمتلىء الميدان بأنصاري و حلفائي.
-         (ضاحكاً بإستهزاء) حلفاؤك يأسوا منك, و أنصارك لن يستطيعوا معنا شيئاً لوحدهم هذا غير أننا قبل أن نأتيك قد حددنا إقامة قيادات حزبك و أظنهم سيكونون (عاقلين) مثلك و لن يحاولوا الصدام.
-         (ملتفتاً لرئيس المحكمة الدستورية) أهذا جزائي على تقديري للقضاة و إحترامي لأحكام الدستور و القانون؟
-         (رئيس المحكمة متشاغلاً بالنظر لجهة أخرى) القانون فوق الجميع, و كما احترمت القانون في البداية يجب أن تحترمه في النهاية.
-         (الرئيس بيأس) إرادة الشعب أعلى من القانون.
-         (كزلك بضجر) تريد إرادة الشعب.حسناً جئنا ببعض الشعب أمام القصر يهتف ضدك و التليفزيون يصورهم الآن ليرى العالم كله كيف أن شعبك كله لا يريدك. و نحن كقوات مسلحة ننفذ إرادة الشعب في الخارج و الداخل.
-         (الرئيس مستغيثاً بقائد الحرس الجمهوري) ألن تتحرك يا ليثي.
-         (قائد الحرس الجمهوري) منذ ثلاثة أشهر و أنا أكرر لك كل يوم أن إسمي ليس الليثي... إسمي هو عبد السميع كزلك...إبن المارشال كزلك, و الآن هيا بنا.
أمسك عبد السميع و زومبي بالرئيس و ساقوه بالقوة لخارج الحجرة مشيعاً بضحكات كزلك. لوهلة شعر الرئيس كأنه مر بهذا الموقف من قبل (ديجافو) ثم تذكر أنه شاهد صورة لرئيس مصري قديم إسمه محمد نجيب في نفس الوضع.
بعد ستة أشهر في زنزانة في معتقل تم بناؤه حديثاً جلس الرئيس و هو يقرأ صفحة من جريدة تحمل صفحتها الأولى صورة المارشال كزلك الذي قبل رئاسة الجمهورية نزولاً على إرادة الشعب. و صورة لتشكيل وزاري عرف فيه رئيس المحكمة الدستورية وزيراً للعدل و تلفيق عفاشة وزيراً للإعلام. تذكر أنه قرأ عن إستشهاد و أسر كثير من الشباب الذين حاولوا الإعتراض و التظاهر على ما جرى. أخذ يراجع نفسه ليعرف فيم أخطأ..لقد حاول إرضاء الجميع فلماذا لم يرض أحد؟ و قرر أن ينتظر و يأخذ الأمور بالسياسة و الحكمة و الحنكة و التكتكة فلماذا آلت الأمور إلى الفشل؟ لماذا إنقلب من كانوا سعداء به و بخطاباته إلى لاعنين له في أقل من ثلاثة أشهر؟
لم يدر بخلده أنه أخطأ حين لم يأخذ بنصيحة من حوله بضرورة التطهير العاجل و التخلص من الرؤوس الفاسدة في الإعلام و القضاء و الشرطة و الأهم من هذا: في الجيش. لم يستوعب أن السرطان إذا لم تحتوه و تقضِ عليه في البداية سيتوغل و يتغول و ينتشر إلى أن يقضي على الجسد كله. لم يدرك اللحظة الفارقة و يعي أن هناك قضايا لا يصلح معها إلا الحل الثوري الحازم و القاطع, و هناك قضايا أخرى طويلة الأمد هي التي يصلح معها الإصلاح التدريجي. و أن الإصلاح في موطن الثورة هو قضاء على الثورة.
لم يصل إلى تفسير سوى أن هذا هو قضاء الله و قدره, و أخذ يردد بصوت خفيض: العمل عمل ربنا..الإنسان دعيف...الإنسان دعيف.
إذا كنت قد تضايقت من هذه القصة و اعتبرتها تهكماً لا يليق على مرسي فأرجو أن توفر غضبك و شتيمتك و توجهها لمن يستحق. لا أحد منا يريد أن نصل لنهاية هذه القصة لكن الجواب يبدو من عنوانه و إذا كانت هذه هي البدايات فلا تستغربوا أن نصير لما صارت إليه موزستان. ربنا يهديه و يهدينا.
-----------------------------------------------------------------------------------
تم نشر المقال في موقع رصد


الخميس، 28 يونيو 2012

رسالة إلى الوالي

هذه مجموعة من الرسائل القصيرة أتمنى أن تصل للرئيس المنتخب أعانه الله و أعاننا على المضي بهذا البلد للأمام

بعد التحية و السلام،

أتمنى أن تنتهى من عملية تحديد فريقك الرئاسي و رئيس الوزراء و أعضاء الحكومة في أقرب وقت .. تثار مشكلة سخيفة بخصوص أداءك اليمين الذي أرى أنه مسألة شكلية فشرعيتك الأساسية تأتي من الملايين التي انتخبتك و أوصلتك لمقعدك في الأساس, لكن درءاً لأي صداع فأعتقد أنه من أفضل الإقتراحات التي طُرحت في الفترة الأخيرة أن تحلف اليمين أمام مجلس الشورى في حضور أعضاء المحكمة الدستورية. و سيكون للقسم رمزية أعمق لو خرجت بعدها إلى التحرير و حلفت أمام حشود الشعب هناك.

لو كنت مكانك فإن ما سأفعله في ثاني يوم من تسلمي السلطة رسمياً هو إصدار قرار بإلغاء الإعلان الدستوري المكبل حيث أنه لا شرعية للمجلس العسكري و لا حق له في التشريع من الأساس حتى يشرع أو يسحب التشريع .. المجلس العسكري أدار المرحلة الإنتقالية بناءً على تكليف المخلوع له و عليهم الآن أن يتبعوا تكليفاتك أنت, أما أنت فصاحب الشرعية من الشعب الذي سيلتف وراءك لو وجد منك هذه الخطوة. و بالمناسبة, تذكر أنك قد صرت فعلياً رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسلمك السلطة.

و طالما أن هناك حكم محكمة منتظر بخصوص البرلمان في 10 يوليو فأقترح أن تصدر قراراً بالدعوة لإستفتاء عام للشعب بقبول أو رفض قرار حل البرلمان في حال إستمر الوضع على ما هو عليه.

تذكر أن المعتصمين في التحرير و المتظاهرين في المحافظات تحت الشمس الحارقة قد تملك أنت إراحتهم من هذا العناء بجرة قلم .. نعم ستواجه حرباً ربما لن تكون علنية من المجلس العسكري و سيخوضها بالوكالة عنه في العلن – و للأسف – العديد من أفراد النخبة من كتاب و صحفيين و إعلاميين و يصدعوا أدمغتنا بمدى دستورية قرارك و أنك ستتحول لديكتاتور يتولى كل السلطات في غياب دستور و برلمان و يتناسون أن المجلس العسكري ظل يحكمنا لعام و نصف بهذه الصورة. لا تشغل بالك بكل هذه الترهات و امضِ في طريق الحق بقوة بلا مهادنات و لا مساومات, و حين يلمس الشعب فيك القوة و الصلابة في الحق سيلتف وراءك.

إياك أن تنسى و أنت تنام في فراشك كل ليلة أن هناك ألوفاً ينامون على البورش .. لا تنس معتقلي العباسية و مجلس الوزراء و كل من تم اعتقاله سياسياً خلال الثورة...لا تنس ضباط 8 أبريل و من بعدهم. اصدر قراراً جمهورياً بالعفو عن هؤلاء.

أراك تسعى لإرسال رسائل طمأنينة إلى مختلف أركان الدولة، هذا حسن، لكن لا تسمح أبداً بأن يستمر الوضع المعوج للمجلس العسكري الذي سيستمر في التصرف كأنه كيان مستقل.

إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ .. فإن فسادَ الرأي أن تترددا .. لا تسوف و لا تؤجل القضايا الحاسمة فإنك كلما تأخرت و أجلت لن تجد الزخم الشعبي المتنوع القادر على مساندتك في الشارع .. أنت محتاج لهذا الدعم بقوة و خصوصاً في المرحلة الأولى إلى أن تنتزع صلاحياتك بشكلٍ كامل..نعم فالصلاحيات و السلطة لا تُسَلَم و إنما تُنتَزَع...و ما نيلُ المطالبِ بالتمني..و صدقني أنك إذا أجلت المعارك و المواجهات الحاسمة لن تجد أحداً يساندك في الشارع سوى الإخوان فقط في نهاية المطاف.

إعلم أن كافة أجهزة الدولة تحاربك حرباً قذرة سواء في الإعلام المأجور أو بنشر الأكاذيب و إشاعة الرعب لدى الناس .. قرأت أن رجلاً تحرش بفتاة مسيحية قائلاً لها أنها ستجبر غداً على النقاب و لما صرخت و تجمع عليه الناس وجدوا أنه أمين شرطة. قف بحزم و أوئد أي فتنة في مهدها و لا تستهن و لا تتهاون.فمعظم النار من مستصغر الشرر.

استعد لكثير من المشاكل المفتعلة من قبيل أزمات البنزين و السولار و ربما الخبز و ربما مشاكل خارجية أيضاً. أركان الدولة لا زالت تدار بأيدي أتباع النظام السابق و كلما تأخرت في التطهير إنفجرت المشاكل.

لو علمت الآمال التي يعلقها عليك ملايين البسطاء ما نمت الليل. هناك كثيرون يحلمون أن تتحسن أحوالهم للأفضل في يومٍ و ليلة و هو ما لا تملكه أنت و لا غيرك...كن صادقاً و شفافاً معهم و لا تعدهم إلا بما تملك .. ثم ابذل قصارى جهدك لتحقيق ما وعدت.

إحذر أن تتحول لنموذج عصام شرف الذي حمله الناس على أعناقهم ثم لعنوه بعدها ببضعة شهور. شعبنا عاطفي و سهل التأثير عليه و لو وقعت في الشراك التي سينصبها أعداؤك لك فسينقلب عليك شعبك.

ليكن في علمك أني لم أنتخبك إلا لأنك من تبقى أمام شفيق، و أني لم أكن أتصور أني سأصوت لك يوماً و لكن من أجل الصالح العام اخترتك..و لأجل الصالح العام سأستمر في دعمك طالما أحسنت السيرة و لم تحد عن طريق الثورة. أسأل الله أن يهديك لبطانة الخير و يبعد عندك مستشاري السوء...و إياك ثم إياك أن تنكث بأيٍ من وعودك...و أعانك الله على ما أنت مقبلٌ عليه, و أنا متفائل خيراً بإذن الله...الله أكبر و الثورة ستنتصر في النهاية سواء بك أو من غيرك فكن على قدر المسئولية أمام الله..و أمام شعبك..و أمام التاريخ.

--------------------------------------------------
تم نشر المقال بموقع رصد