الاثنين، 28 فبراير 2011

مشاهد من الثورة المصرية-1-يوم 25 يناير:عندما نطق الأبكم





إثر نجاح الشعب التونسى الشقيق فى طرد الطاغية بن على, ظهرت الدعوة إلى الخروج فى مظاهرات سلمية فى مصر مطالبة بعدد من المطالب مثل إقالة وزير الداخلية و إلغاء الطوارىء و وضع حد أدنى للأجور 1200جنيه!!...إلخ.

و كان المصدر الرئيس لهذه الدعوة هو صفحة(كلنا خالد سعيد). و منذ ظهرت هذه الدعوة إلى يوم بداية الثورة تعددت التوجيهات والإرشادات و النصائح الخاصة بهذا اليوم, و وضعت قبل الموعد ببضعة أيام الأماكن التى ستنطلق منها المسيرات و كذلك ساعة التحرك, مع مجموعة من أرقام التليفون لمعرفة أى تعديلات.

قبل الموعد بيومين تم نشر أماكن التجمع بالإسكندرية, فى البداية كان المكان هو جامع القائد إبراهيم, لم يعجبنى الإختيار بسبب سهولة تطويق المكان بالكردونات الأمنية و ذلك من واقع حضور مظاهرة سابقة فى نفس المكان, بخلاف أن العقيد عمر عفيفى كان قد نصح بخروج المظاهرات من المناطق الشعبية المزدحمة حيث لا تستطيع تشكيلات الأمن المركزى المناورة بتشكيلاتها و لا حصار المتظاهرين.

فى ذات الليلة علمت أن سيارات الأمن المركزى تجمعت بجوار الجامع إستعداداً لما سيحدث بعد يومين!!فى اليوم التالى تغير المكان ليصبح ميدان المنشية و ميدان محطة مصر.تعجبت مرة أخرى, و قدرت أن أحد المكانين لابد و أن يتغير فى اللحظات الأخيرة ليصبح أحد الميادين فى شرق المدينة لفتح جبهه هناك لتشتيت الأمن, و هو ما جرى فعلاً حيث تم تغيير المكان قبل الموعد بساعة من محطة مصر إلى ميدان الساعة.

فى يوم 25 يناير إستيقظت و صليت و دعوت الله أن يحفظنا و أن ينزل علينا السكينة, لا أنكر أنه كان بداخلى بعض الخوف بطبيعة الحال لكنى أحسست بأن الله قد من على بالسكينة فعلاً.توجهت إلى موقع عملى ببرج العرب.لم يكن أحد من العاملين بالمشروع ينوى المشاركة إلا مهندس حديث التخرج, أما البقية فتنوعت مواقفهم بين السخرية و تكسير المقاديف, أو الجهل بالأمر أصلاً!!

قمت بالإتصال بالرقم الموضوع على الصفحة للتأكد من الأماكن النهائية, وجدت الهاتف مغلقاً لفترة, و حينما وصلت إليه أخيراً إعتذر بأن التليفون كان (يُشحن)!!و حينما سألت عن الأماكن طلب منى أن أتصل ثانيةً حينما أصل إلى الإسكندرية لأنه لا يعلم بعد!!

إتصلت بعدد من الأصدقاء و وجدت الأمر ضبابياً.بدأت أشعر بالقلق و أن الأمر غير منظم. سعيت للخروج مبكراً من العمل لكى أصل الإسكندرية فى الموعد.تحركت فى الواحدة و الربع تقريباً لأعلم فى طريقى أن تحركاً قد بدأ فى الشرابية, علمت بتغير مكان التجمع فى محطة مصر ليصبح ميدان الساعة.إتصلت بالصديق العزيز هشام علاء الذى كان فى طريقه للمحطة بالفعل فأخبرنى أنه قد عرف و أنه نزل ليعود أدراجه للساعة.إتصل بى صديق آخر يخبرنى أنه فى المنشية و قررت التوجه إلى هناك لأنها الأقرب.

الساعة الثانية و الربع:

وصلت المنشية لأقابل صديقى على الكورنيش أمام الجندى المجهول مع 3 من الرفاق الثائرين.نظرت حولى فوجدت على سور الكورنيش مجموعات صغيرة من الشباب كأنها كلها تنتظر شيئاً ما.إنتظرنا قليلاً ثم توجهنا إلى ميدان المنشية لنمر فى طريقنا بعربات الأمن المركزى.دخلنا فى الجزيرة التى بوسط الميدان لنجد مجموعات قليلة متفرقة من الشباب, و ضباط أمن الدولة و المخبرين.

إتصل بى هشام ليسألنى عن الوضع فأخبرته أنه لا شىء بعد, و كان الوضع فى الساعة مماثلاً.لم تكن الأعداد مشجعة على أى تحرك.تجمع حوالى 40 فى حلقة و توسطنا مناضل فى الأربعينيات من عمره-شوهد بعدها بيومين فى ميدان التحرير-بدأ فى ترديد النشيد الوطنى و أخذنا فى ترديده.بدأ آخرون فى الإنضمام و تحركت قوات الأمن لتنتشر أمام الجزيرة لمنعنا من النزول إلى الشارع.لم يطل هذا الوضع إلا دقيقتين فقد هتف هاتف أن إجروا إلى الجهة الأخرى فجرينا و نزلنا الشارع.رأيت شباب ينطلق إلينا و ينضم لنا من شوارع جانبية و كأنما إنشقت الأرض عنهم.حاول الأمن تطويقنا لكن كلما لمحنا محاولة للتطويق عدونا لنتقدم المظاهرة لكى نمنع أى كردون من التشكل أو حصارنا من أى شارع جانبى, لا أعلم كيف تحول الأربعون إلى ألفين فى خمس دقائق, ثم ألوف فيما بعد.

كلما عدوت و شعرت بثقل الحذاء السيفتى فى رجلى تذكرت نصيحة العقيد عمر عفيفى بإرتداء حذاء خفيف(كوتشى), لكن روح عامة جعلت كل المشاركين يتحركون بخفة و يتحركون سوياً بدون قائد أو منظم, إنها روح الثورة و إنها عناية الله.

كان الهتاف الغالب هو الهدف المشترك لنا جميعاً:يسقط يسقط حسنى مبارك.تقدمنا فى شوارع المنشية من شارع إلى شارع و كلما تقدمنا كلما زاد عددنا.حاول الأمن فرض كردون علينا قبل محطة الرمل و تم كسره بكل سهولة.كنت أشد جندى الأمن من ذراعه و كأنه يلين فى يدى.وصلنا إلى شارع فؤاد و توجهنا صوب المحافظة, هناك وجدنا مدير الأمن و مدير المرور و عدد من ضباط أمن الدولة.توقفنا قليلاً أمام مبنى المحافظة و علت الهتافات و حاول مدير الأمن تهدئتنا و إيهامنا بأنه سيتركنا نفعل ما نريد شريطة أن نفسح الطريق للمرور و نقف على الرصيف.من المؤكد أن أعدادنا كانت أكبر مما توقعوا و أن الأمور قد فلتت منهم حتى الآن.تحركت المظاهرة صوب محطة الرمل لتخترق شارع البطالسة ثم السلطان حسين وصولاً إلى صفية زغلول.حينما وصلنا إلى محطة الرمل وجدنا لافتات تأييد جمال مبارك التى تعلوها فجن جنوننا, صعد عدد من الشباب أعلى المحطة ليسقطوا و يمزقوا كل الصور.فى هذه اللحظة كبرت و من حولى و أنا أرى صور الفاسد إبن الطاغية الذى أراد أن يرثنا و هى تمزق و تداس بالأقدام, ثم أحسست بيد تجذب ذراعى فنظرت فإذا برجل أبكم يقف بجوارى و وجهه متهلل و هو يدير عينيه بينى و بين صور جمال مبارك و يشير لها و كأنه على وشك أن ينطق و يقول:أنظر ها هنا فقد سقط الطاغية الصغير.

شعرت أن لحظة الحرية قد دنت, و أن الأبكم الذى يقف بجوارى هو مثال للأبكم الكبير الذى قُطع لسانه فأُرغم على السكوت طويلاً.هذا الأبكم هو الشعب المصرى الذى يصرخ الآن مطالباً بحريته.

تباً لك يا مبارك, لقد عم ظلمك البلاد و العباد, حتى كاد الأبكم ينطق ببغضك.




وجدت بعض الشباب يحمل الأخشاب التى تحيط بالصور بنية الدفاع عن أنفسهم ضد أى إعتداء من الأمن, فقمت و عدد من الشباب بأخذ هذه الأخشاب منهم و وضعها بعيداً لأننا فى مسيرة سلمية, و كنا حريصين على سلمية المظاهرة حتى بعد تعرضنا للضرب فى نهاية اليوم.

و الحق أن سلوك أغلب المشاركين كان يعبر عن وعى و تحضر و رقى كامل.كلما إنفلتت أعصاب أحدهم سارع من حوله لتهدئته, كلما هم أحد بتحطيم شىء-عدا صور مبارك-منعه من حوله.كانت روح التعاون سائدة بين الجميع, طوال طريقك تجد من يعرض عليك الماء.كنا نشعر أن يد الله تجمعنا و لا تفرقنا, و سبحان من يسر لهذا الجمع أن يسير بهذا النظام دون قائد.و إلا فما التفسير لكون مظاهرات القاهرة تتجه بدون إتفاق سابق إلى ميدان التحرير من كل الجهات؟و ما الذى جعل مسيرتنا تمشى فى إنسجام كأنها جسد واحد رغم عدم وجود قيادة موحدة؟إن لم تكن إرادة الله فماذا تكون إذاً؟

رفض أغلبنا أن نتحرك جهة البحر-ربما من تجارب سلبية سابقة فى وقفات خالد سعيد-و سرنا بحذاء الترام متجهين إلى القائد إبراهيم.كان الأمن قد غاب عن ناظرنا تماماً و كنا قد جاوزنا الثلاثين ألفا.مررنا بصورتين كبيرتين لمبارك فتم تمزيقهما.أكملنا مسيرتنا و مررنا أمام جمعية الشبان المسيحيين و أشاروا لنا من النوافذ مؤيدين و هتفت الجموع:مسلم....مسيحى, و دعوناهم للنزول لكن لم ينزلوا و الأغلب أن هذا بسبب توجيهات باباهم الذى دعا الأقباط لعدم المشاركة فى التظاهرات, و إن كنت لا أشك أن مسيرتنا كانت تحتوى على مسيحيين.

تقدمنا صوب المكتبة, ثم عبرنا بجوار مستشفى الشاطبى.كان منظر العاملين بالمستشفى و أسر الأطفال المرضى و هم يشيرون لنا مؤيدين مؤثراً جداً.تذكرت رغبة سوزان مبارك فى هدم هذا المستشفى المخصص للغلابة لا لشىء إلا لأنه يحجب الرؤية عن المكتبة للقادم من الشرق!!ألا لعنة الله على الظلم و الظالمين.

دخلنا شارع بورسعيد.المشهد مهيب, صرت لا أرى بداية المظاهرة و لا آخرها.الناس فى بلكوناتهم يهتفون معنا و يلقون لنا بزجاجات المياه و الكل فى حالة معنوية مرتفعة و البعض ينزل و ينضم لمسيرتنا, أعتقد أن العدد قد اقترب من الخمسين ألفا.و سيارات الأمن تمشى وراءنا ببطء بدون أن يستطيعوا فعل شىء مع هذه الحشود بطبيعة الحال.

رأيت بيننا المستشار محمود الخضيرى-أمده الله بالصحة و العافية-و صافحته بحرارة.الشارع كله يهدر بصوت واحد:يسقط يسقط حسنى مبارك.ربما لأول مرة تشهد المدينة مظاهرة بهذا الحجم.كانت معنوياتى فى قمتها و شعرت أنى أتنسم عبير الحرية بحق و شعرت بالطمأنينة الكاملة و أنا وسط أبناء شعبى الأحرار و كلنا يد واحدة و هدف واحد.

نسمع أذان المغرب فتتوقف الهتافات.تُقام الصلاة فنصطف صفوفاً فى الشارع بينما استمر البعض فى السير, و هنا كان أول تفرق فى المسيرة.حين انتهينا من الصلاة وجدنا قوات الأمن تقف وراءنا لأننا قد سددنا الشارع بينما بقية المسيرة قد سبقتنا.تقدمنا لنلحق زملاءنا مع إستمرارنا فى الهتاف.عند ميدان كليوباترا تقريباً وجدت صفين من جنود الأمن المركزى على اليمين و اليسار.فى ظل النشوة التى كنت أشعر بها اتجهت نحوهم و سألت أحدهم:بذمتك مش مبسوطين ؟بوغت الجندى و أجفل لدخولى المفاجىء عليه و ظن أنى سأضربه فعاد للوراء بشكل دفاعى.داعبته بأن ضربته على ذراعه برفق و قلت له:اجمد كدة متبقاش خواف.فضحك و ضحك زملاؤه.كررت سؤالى عليه:بذمتك مش مبسوطين؟ فأجاب إجابة معبرة جداً.

قال:مش عارفين!!!

أكملت فى طريقى جهة سيدى جابر, يبدو أن أغلب المسيرة قد سبقتنا و ووجدت أمامى تكدس من حوالى 3000 شاب نتيجة وقوف صفوف من جنود الأمن المركزى أمامنا لمنعنا من المرور لسيدى جابر-ربما حتى لا نمر أمام المنطقة الشمالية العسكرية-علت الهتافات و رأيت بعض الشباب يهم بقذف الجنود بالحجارة فقمت و بعض الزملاء بمنعهم و أخذ الحجارة منهم.نادى بعض الشباب بالجلوس على الأرض فى شكل إعتصام فى حين حاول آخرين كسر الكردون.بدأ معظمنا فى الجلوس فعلاً.و فجأة وجدت الضابط الكلب الذى لن أنساه ما حييت يضرب بعصاه الغليظة الشباب أمامه و جنوده ينزلون بعصيهم على البقية و لا يتوقفون.سيارات الأمن المركزى و عرباته المصفحة الواقفة وراءنا بالإضافة لضيق الشارع لا يدع لنا مجالاً للمناورة.وجدت نفسى فى كتلة بشرية تتراجع على الرصيف و أنا أجاهد كى لا أسقط فأُدهس.العربات المصفحة تنعب بصوتها المشئوم الذى تطلقه لحظة الهجوم و ظننت أن بقيتهم سيهاجموننا من الخلف.

وجدت الكتلة البشرية متنفساً فى مدخل بين عمارتين فدخلنا فيه نلتقط أنفاسنا و شاهدت بعض الشباب محمولين على الأعناق.بعد قليل خرجت و صديقى و قررنا الالتفات من جهة البحر.عند وصولنا للبحر انضممنا لمظاهرة جمعت الفلول التى كُسرت فى سيدى جابر بالإضافة لآخرين أخذوا فى الإنضمام إليها تدريجياً.أيقنت أن طريق البحر هو الخيار الأمثل لإتساعه و إحتياج الأمن لحشود ضخمة جداً لكى يستطيع السيطرة عليه, فى حين إستغل الأمن الجبان فرصة قلة عددنا و ضيق شارع بورسعيد لضربنا.إستمرت مسيرتنا حتى شارع سوريا و قررنا دخوله لنصل إلى شارع أبى قير لكى يرانا عدد أكبر من المصريين و ينضمون لنا.كان البعض يحيوننا بأبواق سياراتهم, و آخرون يشيرون لنا بعلامة النصر.و وصلت المسيرة لشارع أبى قير حوالى الساعة الثامنة.إضطررت للعودة لمنزلى و أنا لا أشعر بساقى بعد هذا اليوم الطويل.علمت بعد ذلك أن مسيرة أخرى لا تقل عن مسيرتنا كانت قد انطلقت من سيدى بشر و تم كسرها أيضاً فى سيدى جابر. و أن الأمن قد ضرب المتظاهرين فى شارع أبى قير بالقنابل المسيلة للدموع و عند تراجع المتظاهرين إلى الوراء وجدوا جنود الأمن المركزى يركضون عليهم من الجانب الآخر لطحنهم!!!و شهدت المدينة مناوشات متفرقة بقية الليل.

عندما عدت لمنزلى و تابعت الأخبار سعدت لرؤيتى ما حدث فى القاهرة و بقية المحافظات.و تابعت قناة الجزيرة فأحسست بالغيظ لما وجدتهم يذكرون أن الأعداد فى الإسكندرية كانت 20ألف و هو رقم يقل بكثير عن الواقع الذى رأيته, و عزوت هذا لإتفاق بين مبارك و أمير قطر فى زيارته الأخيرة هناك.لكن لدى مطالعتى للعناوين الرئيسية للصحف القومية فى اليوم التالى و منها صحيفة الجمهورية التى ذكرت أن عدد المتظاهرين كان 200 أدركت ساعتها كم ظلمت الجزيرة.

لدى ذهابى للعمل فى اليوم التالى وجدت وجوه الأمس الساخرة تحولت إلى النقيض.الكل يتساءل عما حدث و ما هى الخطوة القادمة.كنت أجيب أن يوم الجمعة لابد و سيشهد مسيرات أقوى.كان أشد ما يغيظنى تمنى البعض (أن يحقق الشعب تغييراً للأفضل بخطوته هذه)و كأنه من شعب آخر و يعيش فى بلد آخر.و كنت أسألهم:و أين مشاركتكم أنتم؟

و شهد يوما 26 و 27 يناير تجمعات محدودة كان يتم قمعها بسرعة و بقسوة, مع تطور الأوضاع فى السويس بشكل متصاعد و سقوط العديد من الشهداء.بدأنا ننتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر.كان من الواضح أن النظام قد أدرك مدى خطورة الأمر هذه المرة فبدأ فى سلسلة إعتقالات مع خطوات لمنع تواصل الثوار ببعضهم فبدأ بمحاولة حجب موقع الفيس بوك بعد أن حجب تويتر تماماً.و لما استطاع الكثير دخول الموقع من طرق بديلة قام بقطع النت تماماً مساء الخميس 27 يناير.و بدا أن يوم الجمعة لن يكون يوماً عادياً.

و بتنا لنصحوا على جمعة الغضب.

الخميس، 24 فبراير 2011

مشاهد من الثورة المصرية-مقدمة


لم أكن أظن أنى سأشهد ثورة وطنى و أكتب هذه السطور.كنت أحاول أن أظل متمسكاً بالتفاؤل مع يقين و إيمان بأن دوام الحال من المحال.لكنى كنت كلما تلفت حولى و رأيت حال وطنى و أهل وطنى و من يحكم وطنى, كلما رأيت أن الطريق ما زال طويلاً.

و لا أظن أن أحداً ممن خرج يوم 25 يناير كان يتخيل أن عدد المشاركين سيكون بهذه الكثرة, و لا أن الأمر يعدو مظاهرات لا نعلم إن كانت ستحقق مطالبها أم لا.ربما كان هذا الظن فى عقول من دعوا للخروج من الأساس, بدليل المطالب و الهتافات الهزيلة المقترحة وقتها مثل:عيش ..حرية...عدالة إجتماعية.

لكن التفسير الوحيد لكل ما حدث هو قول الله تعالى ((و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى))

لقد قدر الله لهذه النبتة أن تكبر و تترعرع و تثمر, و قال لهذه الثورة كونى, فكانت.

نبتت هذه النبتة طوال عقود من العسف و الظلم و القمع و الفساد, و سقت بماء الذل و التعذيب و البغى, و تحولت النبتة لشجرة عظيمة تضم أبناء الوطن الحزين كلهم إلى أن نضجت الثمار فنزلت من تلقاء نفسها كالحجارة وابلاً على رؤوس الظلمة, و الحمد لله رب العالمين.

و ما أحاول كتابته هنا هو المشاهد التى رأيتها بعينى و سمعتها بأذنى-ممن لا أتهم- بمدينتى الإسكندرية منذ اليوم الأول للثورة مروراً بجمعة الغضب و الإنفلات الأمنى و المظاهرات اليومية المنطلقة من جامع القائد إبراهيم, و الفتنة التى أثارها خطاب مبارك الثانى ليقسم المصريين بين ثابت على موقفه و منقلب على الثوار, و ثبات الثوار على موقفهم رغم الضغط النفسى الذى واجهوه من بقية المجتمع إلى أن تخلى الطاغية مبارك عن منصبه.

و أنا أكتب هذه السطور و الثورة لم تنته بعد, ما زال أمامنا الكثير, و ما زالت الثورة معرضة لأخطار داخلية ممثلة فى الثورة المضادة من أذناب النظام و فلول الأجهزة الأمنية, و أخطار خارجية من كل عدو لمصر يخشى أن تستعيد مكانتها من جديد.

أكتب هذه السطور حتى يقرأها من يأتى بعدنا.

أكتب هذه السطور لمن لم يشهد أحداثها.

أكتب هذه السطور و أدعو كل من شارك بنفسه أو بلسانه أو بقلمه أن يكتب ما رآه حتى يكون كل ما كُتب مادة لمن يتصدى لتأريخ هذه الثورة, و حتى تكون الصورة أعم و أشمل.

أكتب هذه السطور علها تساعد أحد أهل الفن فى أن يجد من بعض مشاهدها ما يستحق أن يخلد فى عمل فنى.

و لكن النهاية مفتوحة, لأن السطر الأخير لم يُكتب بعد.