الاثنين، 6 فبراير 2012

قلب المؤمن...و لسانه


ربما يبدو هذا المقال لأول وهلة خارج سياق الأحداث الجارية بكل ما تحمله من غضب و دماء و ثورة, لكن فى الحقيقة أن كل الأمور متشابكة.

أبدأ كلامى عن القلب بذكر حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ((إنما الأعمال بالنيات, و إنما لكل إمرىءٍ ما نوى)).

أزعم أن أغلب من شارك فى التظاهرات يوم 25-1-2011 قد شارك بنية إبراء الذمة تجاه هذا الوطن, و إعلان الرفض القوى لممارسات الداخلية و التوريث...صحيح أننا لم نتوقع حجم المشاركة و لا أننا بدأنا ثورة..لكن أعتقد أن إخلاص النية تجاه هذا الوطن إلى جانب تمادى المخلوع و نظامه فى الظلم كان لهما أكبر دورٍ فى النجاح.

فى يوم جمعة الغضب 28-1 أزعم أن أغلب من نزل قد خرج من بيته بنية أنه قد لا يعود إليه مرة أخرى – خصوصاً بعدما رأينا جميعاً ما حدث فى السويس – لكن حب الوطن و الحرية و الكرامة جعل هذه النية تنتصر على الخوف و السكون....و بفضل الله كان النصر.

بعد تنحى المخلوع حدث تشتت فى قلوبنا و نوايانا...منا من بهرت الأضواء بصره و سره أن يجد نفسه ضيفاً على محطات التليفزيون و تقوم الصحف بإجراء الحوارات معه..صار منا من يتسابق للظهور أمام الكاميرا أنى وجدها...صار بيننا من إنشغل بمصلحة حزبه أو جماعته و قدمها على المصلحة العامة...و صار بيننا من إستمر فى إيمانه بالثورة و أصر على إستكمالها....و ربما تماثلت الغاية النهائية لدى معظم هذه الطوائف  و لكن تباينت الأساليب...لكنى أزعم أن ما إشتركنا فيه غالباً هو أن قلوبنا قد نست الله!!

نعم...لقد زين الشيطان لنا عملنا فصار لسان حالنا ((إنما أوتيته على علمٍ منى))...فرحنا بإسقاطنا النظام و نسينا أن الله هو الذى آتاه الملك ثم نزعه منه...لقد شاء الله أن يكون جيلنا هو الجيل الذى يصنع هذه المعجزة و أن تتم على أيادينا, لكنها ما كانت لتتم إلا لأن الله قد ربط على قلوبنا و ثبتنا و أعاننا و أغشى أعين الظالم و أعوانه حتى أوقعه فى غيه.

إذا لجأنا إلى الله و سألناه العون و الرحمة و أكملنا جهادنا فستكون النتيجة كبدرٍ بإذن الله.

إذا فرحنا بكثرة أعدادنا فى المظاهرات دون أن تكون هذه الأعداد على نفس النية الأولى, فستكون النتيجة كحنين.

أما إذا ظننا أننا إنتصرنا و سارعنا إلى قسمة الغنائم, فستكون النتيجة كأُحد....و أحسبنا نعيش فى ظلالها منذ شهور.

لن ننتصر فى ثورتنا هذه طالما ظلت الآمال معلقة بغير الله...و طالما ظلت القلوب ممتلئة بالبغض و الحسد و الحقد بين فصائل الثوار بعضها البعض. و أُشهد الله أنى لا أحمل فى قلبى كرهاً لأى فصيل مهما كان خلافى الأيديولوجى معه و أقصى مشاعرى تجاه المتجاوزين منهم هى الرثاء لكنى لا أستطيع أن أبغض أى من رفاق الميدان و نحن كتفاً بكتف فى نفس المعركة..و إنى أختزن بغضى كله لمبارك و بطانته و أركان نظامه و المجلس العسكرى.

اللهم طهر قلوبنا من الرياء و النفاق و اجعل أعمالنا كلها خالصةً لوجهك الكريم و لا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا.

الجزء الثانى من المقال متعلقٌ باللسان.

فلقد راعنى ما أصابنى و أصاب غيرى – ممن يسمون أنفسهم أو بالأحرى يدعون أنهم إسلاميون – من فحشٍ فى القول و ميل للبذاءة فى التعبير عما يجرى. و يكأن المرء منا قد نسى قول رسول الله ((ليس المؤمن بطعانٍ و لا لعانٍ و لا فاحشٍ و لا بذىء)).

شخصياً لا أحب التصنيف و لا أن يسألنى أحدٌ عن مرجعيتى و إتجاهى, و أعتبر أن مثل هذه الأسئلة ليست من الذكاء فى شىء.فيمكنك تحديد هذا بعد حوار قصير بدون اللجوء لسؤال مباشر.ما علينا المهم أنه عندما كان يُوجه إلى هذا السؤال المباشر كنت أجيب:إتجاهى إسلامى....ثم صرت أقول:أحاول أن أكون إسلامياً...و مؤخراً صرت ألتزم الصمت.

نعم, فبأى حقٍ أدعى نسباً إلى ما يحضنى على مكارم الأخلاق و أنا لا ألتزم بها. و بأى عين أصف نفسى بهذه الصفة و أنا أسب هذا, و أعيب فى ذاك, و ألعن هذا من وراء ظهره.

كنت أتعلل بكثرة الضغوط الواقعة على المرء سواء فى الشأن الخاص – و خصوصاً العمل – أو الشأن العام. و فى أيامنا هذه نقرأ و نسمع و نرى من التصريحات و المواقف و الأفعال ما لا يستطيع فيه الحليم أن يحافظ على حلمه, و لا المهذب أن يمسك لسانه.

لكنى وجدت أنى و عدداً كبيراً ممن أعرف نغوص فى هذا الوحل أكثر و أكثر و فى النهاية فإن النتيجة سلبية, فالمحصلة هى أنك تكسب ذنوباً و تخسر نفسك و إحترام من حولك, بل و جعلتهم يتحاشون الكلام معك حتى لا ينالهم شىءٌ من القذارة التى تخرج من فمك. هذا غير أن السباب لا يعدو كونه تفريغ لشحنة سلبية فى غير مكانها. السباب ليس قوة بل هو ضعف و تحويل لمسار الغضب و تفريغ له. فكر فى نفسك بعد إنتهائك من فعلك هذا هل تغير من الأمر شىء؟ ستجد أنك قد هدأت قليلاً لكن هل تركت أثراً؟

طوال العام المنصرم رأيت من تقلبات القوى السياسية العجب العجاب, ثم وصلت لقناعة أن (كله محصل بعضه), لذلك لم أعد أغضب ممن لا يستحقون عناء الغضب, و لم أعد أستغرب من أى شىء.لم أعد أٌكذب أى نبأٍ و إن بدا غير معقول, و لم أعد أصدق الخبر إلا إذا رأيته بعينى أو سمعته من ثقة.كل شىء وارد الحدوث و غير وارد فى الوقت ذاته.

من أجل هذا أخذت على نفسى عهداً مؤخراً ألا أقع فى منزلق السب مرة أخرى....لا شىء يستدعى هذا...و لتبق أى شحنة سلبية بداخلى تجاه كل من يمس الثورة بسوء و لتخرج فى وقتها المناسب و مكانها المناسب و بالصورة المناسبة.و فى الوقت ذاته سأفكر فى مصطلحات أخرى لبعض الأوصاف السيئة, فعندما أفكر فى الجبن و سفول الهمة و تقديم المصلحة الضيقة على المصلحة العامة فستقفز إلى ذهنى صورة مكتب الإرشاد و بهذا يمكن أن أذكر إسم (مكتب الإرشاد) ليكون كنايةً عن هذه الصفات...و يمكن أيضاً أن أستخدم إسم (النخبة العلمانية) ليحل محل الأول فلا إختلاف بينهما بنظرى وغاية ما فى الأمر أنه تبديلٌ لأدوار و كل منهما يتبادل الجلوس على حجر العسكر.و إذا ذكرت الكذب قفزت إلى ذهنى عدد من الصور (ماسبيرو..وزراء الداخلية..إسماعيل عتمان..ممدوح شاهين..عادل عمارة ..المجلس العسكرى كله بإختصار).و إذا فكرت فى الدياثة قفزت إلى ذهنى صور مجموعة من الكتاب و الصحفيين و الإعلاميين الذين لاكوا فى أعراض ست البنات فتاة التحرير و سبوا كل فتاة تشارك فى المظاهرات. و إذا فكرت فى الإجرام و القتل و الدم قفزت إلى ذهنى صورة المجلس العسكرى.أما إذا تذكرت كلمة كلاب إقترن الأمر لدى بصورة الداخلية, و لربما قاضتنى الكلاب فى هذا الوصف..فعلى الأقل الكلاب لا تعض أصحابها.

و لست محتاجاً أن أقول أن ما سبق ذكره لا يعد من قبيل السب بل هى مجرد أوصاف....مخففة.
و عسى أن يكون ما سطرته مانعاً لى و لغيرى من الوقوع مرة أخرى فى هذا المنزلق, و شاهداً على أمام أصدقائى ممن سيقرأ كلامى فيذكرنى إذا رأى منى نكوصاً حتى لا أكون ممن يقولون ما لا يفعلون. 

أسأل الله أن يطهر ألسنتنا و يجعلها رطبةً بذكره...و أن يهدينا إلى سواء السبيل...و أن يتم لنا ثورتنا على خير.

و فى النهاية أختم بخير ختام

يسقط يسقط حكم العسكر
-------------------------------------------
تم نشر المقال فى شبكة رصد