الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

الإسلاميون المستقلون و مستقبل علاقاتهم مع غيرهم


حينما اندلعت الثورة المصرية – و حين أقول ثورة فأنا أعني 25 يناير بالطبع – كان الإسلاميون أحد أركان المشهد مع غيرهم من أبناء الشعب, آمن بذلك من آمن و أنكر ذلك من أنكر.
بعد تنحي مبارك, اختلفت المواقف تبعًا لتغير الوضع السياسي...التزمت نسبة كبيرة من الإسلاميين الحزبيين بقرارات و مواقف قياداتهم و أحزابهم و جماعاتهم في السير في المسار السياسي و الإصلاحي بكل ما شاب هذا المسار من عوار, في حين إنحاز آخرون مع إخوانهم من الإسلاميين المستقلين إلى مسار الحل الثوري, و لم يتخلفوا عن أي من الجولات الكبرى مع العسكر سواء في محمد محمود أو مجلس الوزراء أو العباسية..و كان تحركهم مبنيًا على قناعاتهم و فهمهم للإسلام الذي هو أكبر من رؤية أي حزب أو جماعة. و كان عدم تقيدهم بقيود الحزبية و بفهم و رؤية شيوخ معينين للدين محررًا لهم من الالتزام إلا بالمباديء.
لا أحب أن أصف هؤلاء بأنهم (الإسلاميون الثوريون) لأني أرفض مصطلح الإسلام الثوري من الأساس, لأن الإسلام في أصله يحوي مباديء الثورة و عدم الخنوع و السكوت على الظلم..الإسلام هو دينٌ سيد الشهداء فيه بعد حمزة هو رجلٌ خرج إلى إمامٍ جائر فأمره و نهاه, فقتله.
من هذه الرؤية و الفهم للإسلام, و من مبدأ الاستعلاء و رفض الظلم و الخنوع, و من مبدأ نصرة المظلوم, كان تحرك هذا النفر من الإسلاميين...و في إطار الهدف المشترك و هو إنجاح هذه الثورة, كانت أكتافهم في أكتاف (إخوانهم) من التيارات الأخرى غير الإسلامية.
كانت فترة حكم مرسي فترة صعبة على الجميع, كانت فترة مليئة بالأحداث الملتبسة بجوار الأخطاء الواضحة التي لا يزال نفرٌ من الإخوان لا يرونها حتى اليوم...و عندما وصلنا لنهاية المشهد في 30 يونيو, كان الشقاق الكبير.
بشكل شخصي, كنت أرى أن وجود مرسي – أو استمرار سياسته بغض النظر عن وجود شخصه – هو أمرٌ مضر بالبلد و بالدعوة في الوقت ذاته, لكن النقطة هي في كيفية خروجه من المشهد, فإن كان وجوده خطأ, فإن إصلاح هذا الخطأ لا يكون بخطأ أكبر منه...بل بكارثة.
لا يزال بيننا مغفلون حتى اليوم يتكلمون عن 30 يونيو على أساس أنها ثورة شعبية, و في الوقت نفسه فقد وجدنا أن رفاق الأمس قد صار عديدٌ منهم في معسكر الإنقلاب و في صف العسكر الذين كنا ننهتف ضدهم فيما مضى, في حين اختار آخرون أن يعيشوا في أجواء يوتوبية حالمين باليوم الذي سيقودون فيه جماهير (الشعب) عما قريب ليتخلصوا فيه من العسكر بعد أن يقضي العسكر على الإخوان و الإسلاميين جميعاً...أما أحسنهم حالًا فقد اختار الصمت.
خرج البعض حاملًا الشعار السخيف (يسقط كل من خان..عسكر فلول إخوان) متحدثين عن تيار ثالث, و لكن حتى التيار الثالث هذا ولد في حالة استقطاب حاد فصار عندنا (التيار الثالث) و (الميدان الثالث) لعدم قبول البعض أن يقف في مربع واحد مع شباب حركة أحرار الموصومين في نظرهم بأنهم إسلاميون, في حين يحاول هؤلاء أن يدرءوا عن أنفسهم (الشبهة) بالمبالغة في ترديد الهتاف السخيف السابق المساوي بين الجميع في نفس درجة الجرم. و في النهاية فيبدو أن رفاق الأمس قد انخفضوا بسقف أحلامهم و عادوا حتى لما قبل 2010, في حين يشغل آخرون أنفسهم بالحديث عن (معركة الدستور) في حين أننا نعيش في (اللا دولة) و نُحكم بشريعة الغاب!
كان الاستقطاب في أشده في الوقت السابق و التالي مباشرةً للإنقلاب, و كانت المشاعر السلبية في أوجها...انقطعت العديد من العلاقات و تحطمت أواصر الصداقة السابقة بين رفاق الأمس, أو صارت على شعرة في أحسن الأحوال....ربما هدأت النفوس قليلاً بمرور الوقت, لكن التجربة قد تركت قناعة لدى الكثيرين: أن ما حدث بالأمس لن يتكرر, و أن هذه الأكتاف لن تنضم في مظاهرة واحدة مرةً أخرى.
الحقيقة أن هذا البلد يحتاج تيار ثالث إسلامي, و تيار ثالث بشرطة أو سمه تيارًا رابعًا أو ما شئت من غير الإسلاميين...هذه التيارات مكونة في الأساس من النخبة الشبابية داخل الإسلاميين و غيرهم, و التي تؤمن بالحل الثوري, و في الوقت ذاته تؤمن أن المشكلة الأساسية ليست في شخص الحاكم أو أيديولوجيته, بقدر ما هي في النظام نفسه..نظام الدولة الحديثة المهيمنة على أقدار من يعيش فيها, الدولة التي تسحق مواطنيها و تتعامل معهم على أساس كونهم أدوات و أرقام فحسب. يؤمن جميع هؤلاء الشباب أنه لا خلاص إلا بتفكيك هذه الدولة, و أن هذا التفكيك يحتاج معارك و جولات متتالية من احتلال المساحات التي تسيطر عليها الدولة, بالإضافة إلى إنهاكها و كسر قيودها. هذا النظام يحتاج إلى تكتيك حرب العصابات, و أعني التكتيك فقط لا الحرب نفسها, بمعنى هجمات صغيرة كثيرة متفرقة بأشكال متنوعة في أماكن مختلفة بشكل ينهكه و يعريه أمام شعبه, و هو التكتيك المعروف باسم (الكلب و البرغوث).
 بشكل مختصر: الحلول واحدة و المسار واحد, لكن كل منهم سيسير في مسار منفصل...مساران متوازيان يؤديان لنفس الهدف, و يكون الخلاف التالي هو مرجعية و حدود النظام المنشود بعد التخلص من النظام القائم.
ما يبغيه الطرفان من قيم مجردة مثل الحق و العدل و المساواة و الحرية هي أهداف مشتركة, لكن المرجعية هي التي تعيد تعريف هذه المصطلحات, و هي التي تؤطرها و تضع حدودها.
في الوقت الحالي, يبدو مسار الإسلاميين المستقلين متقاطعًا مع مسار الإخوان, و المسألة في نظر العديد من رفاق الأمس مختزلة في كون السبب هو المرجعية النهائية المشتركة, متغافلين عن كون المعركة الحالية أكبر من مجرد خلاف أيديولوجي, و أكبر من أن تختزل في مرسي أو جماعة الإخوان كلها, و أننا في حرب مع النظام الذي ثرنا عليه في يناير لكن بشكل أعنف و أكثر دموية بشكل لا يُقارن مع أي مواجهات سابقة. و لا يعنينا هنا أن نذكر هؤلاء بما هو بدهي لكل من يدعي إتساقًا مع الشعارات التي يرفعها – أو كان يرفعها – لكن نعود و نتكلم عن أن المسار الحالي المتقاطع مع الإخوان لن يكون كذلك بالضرورة إلى النهاية.
فالواقع أن الإنقلاب و ما تبعه و تكشف قيادات الجماعة أمام قواعدها قد أحدث هزة كبيرة داخل الجماعة, هذه الهزة و إن كانت قد غيرت مفاهيم العديد من شباب الجماعة و سببت مراجعات فكرية لدى الكثيرين, لكنها من جهة أخرى قد قامت برد فعل معاكس تماماً لدى البقية, فما زالنا نقابل كثيرين داخل صفوف الجماعة و مؤيديها ممن لا يتكلم سوى عن المؤامرة التي حدثت, متناسيًا الأخطاء و الخطايا بل و الحمق الذي كان بدوره مؤامرة أخرى لكن مؤامرة داخلية أوصلتنا في النهاية للمشهد الراهن. و إن كان هناك من يشعر بالأنفة لأن يعترف بأخطاء الماضي, فليس مطلوبًا منك يا سيدي أن تعترف, لكن المطلوب على الأقل أن تدرك, لأن إدراك هذه الأخطاء و فهم هذه الحقيقة هو السبيل الوحيد لمنع تكرارها.
و لهذا أقول أن المسار المتقاطع حالياً مع جماعة الإخوان لن يكون بالضرورة مسارًا واحدًا للنهاية, لأنه ليس من الواضح هل سينتصر التيار الذي قام بالمراجعات و أدرك أخطاء الماضي, أم التيار الثاني الغارق حتى أذنيه في نظرية المؤامرة. لكن المؤكد هو أن الخارطة الإسلامية قد أعيد تشكيلها و ترتيبها بشكلٍ كبير, و بالأخص داخل جماعة الإخوان. يكفي التغير الكبير في النظرة تجاه الديمقراطية, ففي حين كان هناك من يكفر بمبادئها و يؤمن بآلياتها فقط, كان هناك من يؤمن بكليهما..أما الآن, فلا آليات و لا مباديء.
و في حين يتذبذب الجميع بين التيارات سواء التقليدية أو ثالث أو رابع, يقف تيار آخر بهدوء على جنب يمسك ببندقيته و ينظر لكل العبث الدائر على الساحة, و يعرف أن قلوبًا عديدة قد صارت معلقة به, و لا يمنعها إلا محاذير شرعية و تورع عن الدماء و عن سفك دم من لا يزالون يؤمنون بكونهم (مسلمين), رغم أنهم يومًا عن يومٍ يثبتون لنا بعدهم عن هذا الاسم, لنكون شعبًا و هم شعب بحق.
و ما زالت اللوحة تُرسم, و ما زالت القصة لم تنته بعد.

الخميس، 28 فبراير 2013

بين مفهوم الجهاد, و الجيوش النظامية الحديثة




هذه خواطر دارت بذهني أثناء حضور محاضرة لأخٍ عزيز تطرق في ثناياها لمسألة الجيوش النظامية, و ضرب مثلاً بالإنكشارية في الدولة العثمانية و كيف كان فساد افرادها قد استفحل حتى اضطر الخليفة محمود الثاني للتخلص منهم بأن جمعهم في ميدان و ضربهم بالمدافع. ثم بدأ تكوين جيش نظامي حديث على الأساليب الغربية.
الفكرة التي أريد أن أسلط عليها الضوء, و التي يجب أن تكون واضحة لكل من يسمع الأطروحات المنتقدة لفكرة الدولة القومية الحديثة في صورها االمختلفة و بالأخص الجيش...أن هناك إختلاف بين فكرتي الجيش النظامي, و الجيش الحديث.
فكرة الجيش النظامي بمعني وجود قوات ثابتة تكون مهمتها الدائمة هي حماية البلاد و الدفاع عنها و كذلك الغزو في حالات الإمبراطوريات المتوسعة في مقابل رواتب ثابتة, هذه فكرة موجودة منذ عهود الإمبراطوريات و الحضارات القديمة بالأساس.
عندما ظهر الإسلام, لم يكن لدى العرب – الذين كانوا يعيشون حياة قبلية – جيوشاً نظامية, و حينما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج للغزو كان المؤمنون يُستنفرون للجهاد معه, ثم يعودون بعد هذا لأعمالهم و حياتهم العادية.
بعد إنتقال الرسول للرفيق الأعلى, و توسع حركة الفتوحات الإسلامية..تضاعف حجم الدولة الإسلامية, و في الوقت نفسه تغير نظام الحكم. لم تعد خلافة راشدة و إنما تحول الأمر إلى ملك عضود. و عند هذا بدأ وجود قوات نظامية.
أحسب أنه حتى لو كان نظام الحكم قد استمر كخلافة راشدة, فإن إتساع الدولة كان يقتضي وجود قوات نظامية مرابطة بإنتظام و إستمرار على الثغور, و لم يكن الإعتماد ليكون فقط على المتطوعة و الإستنفار...لكن من جهة أخرى فإن مرحلة الخلافة الراشدة قد ولت و ولى معها المجتمع المتأثر بها..و جاء عهدٌ جديد بأساليب جديدة كان لها تأثيرٌ سلبي على المجتمع...فجعل من وجود القوات النظامية ضرورة, و لكن ليس للرباط فقط بل لحماية نظام الحكم أيضاً, و ربما لا نفتري عليهم لو قلنا أن هذا هو الدافع الأول..فهذا الجيش النظامي هو جيش الخليفة أولاً قبل أن يكون جيش المسلمين.
عندما كانت الدولة ما زالت في طور قوتها, كان جيش الخليفة يخرج للغزو و يخرج معه آلاف المتطوعة ممن يبتغون شرف الجهاد في سبيل الله...و حينما دارت الأمور و أخذ الصليبيون ثم التتار يقتطعون من بلادنا, كانت الأمة تُستنفر, و يخرج جيش السلطان و معه المجاهدون يبتغون إحدى الحسنيين.
إذا سلطنا الضوء على النخبة العسكرية الممثلة في جيش الخليفة, أو جيش السلطان, سنجد أن هذه النخب تمر بمراحل تكاد تكون واحدة..فالخليفة يبدأ بتشكيل جيش يدين له بالولاء و يربي أفراده على الجندية و الجهاد و الفداء..ثم يمر الزمن و تنحرف عقيدة هذا الجيش و يسبب المشاكل للحاكم و تكون النهاية إما بالقضاء على الحاكم نفسه, أو أن تُستبدل بهذه النخبة العسكرية نخبةٌ أخرى تدين بالولاء للحاكم...ثم هلم جرا.
أنظر للترك الذين استكثر المعتصم العباسي من إلحاقهم بجيشه كيف استفحل نفوذهم حتى صاروا يلعبون بالخلفاء بعد عدة عقود. و أنظر للمماليك كيف استكثر الأيوبيون في مصر من شرائهم و اعتمدوا عليهم بشكلٍ كلي حتى آلت إليهم الأمور في النهاية...و أنظر إلى الإنكشارية كيف بدأوا..ثم إلى اين صاروا.
الإنكشارية ربما كانوا من أهم و أوضح الأمثلة..هؤلاء كانوا يتم تربيتهم على الجندية منذ الصبا, و يخضعون لتدريبات بدنية و عسكرية و روحية في الوقت ذاته, بحيث يتشبعون بروح الجهاد...لكن من الواضح أن الإهتمام بالجانب الروحي كان في طور إتساع الدولة العثمانية, و وقت أن كانت ترفع راية الجهاد, لكن حينما ألقت هذه الراية جانباً و انحرف طريقها صار هذا نسخة أخرى من (جيش الخليفة), و بالتالي كان من الطبيعي أن ينتهي هذه النهاية.
و هنا يتضح بشكلٍ جلي أن العامل الأساسي هو العامل الروحي و الفكري..أو بكلماتٍ أخرى, عقيدة الفرد المقاتل..هذه العقيدة هي التي تميز بين كون المرء مجاهداً, أو محارباً. و لا أقول أن معنى هذا أن كل من كانوا ضمن الجيوش النظامية على مدى تاريخ الإسلام ليسوا بمجاهدين..الأمر منوطٌ بنواياهم و عقيدتهم, فمن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا هو مجاهدٌ سواء كان زيه رسمياً أم لا, أما من يقاتل لأن هذه وظيفته, فلن يعدو أن يكون جندياً في جيش الخليفة.
نأتي للحظة تاريخية فارقة و هي التحديث الذي جرى لمصر و العالم العربي, هذا التحديث الذي جعل بلداً كمصر إنهزمت قواته النظامية أمام الحملة الفرنسية لكن لم يمنع هذا المجتمع من أن يقاوم المحتل و يثخن فيه, ثم انسحبت قواته النظامية أمام الإنجليز في حملة فريزر فنكل الشعب بالقوات الغازية في رشيد...ثم هُزِم الجيش النظامي (الحديث) في موقعة التل الكبير عام 1882, فصارت مصر محتلة سبعون عاماً.
ما زال مناط الأمر هنا متعلقٌ بالعقيدة, لا أريد الدخول في كلام عن الدولة الحديثة لأني بشكل شخصي مللت المصطلح و سماعه :) , لكن لو تناولنا أثر التحديث على الجيش و علاقة المجتمع بالجندية و الجهاد ستجد أن الأثر كان في غاية السلبية.
فتكوين الجيش الحديث صارت العقيدة فيه هي الإنضباط و الأوامر فقط, لا يعني هذا أن الإنضباط لم يكن موجوداً في الجيوش النظامية القديمة فالإنضباط أحد أعمدة الجندية من الأساس, لكن الجيوش الحديثة يتم فيها تحطيم الفرد و إعادة قولبته و تشكيله من جديد ليصبح أشبه بإنسان آلي. و في الوقت ذاته فقد تم تدجين المجتمع و جعل حمل السلاح مقتصراً على جيش الحاكم فقط, و لم يعد الدفاع عن الأمة مسئولية الجميع..لذا كان من الطبيعي أن تقع الأمة فريسة سهلة للإحتلال دون مقاومة تذكر.
إن الجهاد في سبيل الله هو أحد أهم الأركان التي تثبت لهذه الأمة عقيدتها, و كان من الطبيعي أن يكون هم أعداؤنا هو قلب مفهوم المسلمين تجاه هذه الفريضة لتصبح مرادفاً للإرهاب في أذهان الكثيرين, و في الوقت نفسه فإن العقيدة القتالية للجيوش في الدول المسلمة – و لا أقول إسلامية- لا علاقة لها بالجهاد, و إن كانت أحاديث (خير أجناد الأرض) أو (فإنهم في رباطٍ إلى يوم القيامة) تصح أصلاً, فإنها لا تنطبق برأيي على جيش المكرونة الذي عندنا.
و لو ألقينا نظرة على أقرب أرض للجهاد منا و هي سوريا, فإني أجزم أن أداء المجاهدين المتطوعين يختلف بشكلٍ كبير عن أداء قوات الجيش الحر التي كانت من قبل جزءاً من الجيش النظامي...إن حق هؤلاء جميعاً فوق رأسي و هم خيرٌ مني فهم من المجاهدين و أنا من القاعدين, لكني أقول أن التأثير السلبي على الفرد داخل الجيوش الحديثة عميق جداً, لدرجة تستدعي جهداً من الفرد و درجة من اليقظة و الوعي لكي يصبح مجاهداً بدلاً من جندي في جيش الحاكم.
مرةً أخرى, الأمر كله مناطه القلب و النية و العقيدة, سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة, و الرجل يقاتل حمية, و الرجل يقاتل رياءً.أيهم في سبيل الله, فأجاب رسول الله: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
لا ندعو لتفكيك الجيوش الحديثة في بلاد المسلمين و العودة لنظام المتطوعة و الإستنفار, هذا عبثٌ و ضياعٌ للأمة في عالمٍ صارت فيه أمةٌ قادرةٌ على إبادة أمةٍ أخرى بضغطة زر. لكن المطلوب هو تصحيح عقيدة الفرد المقاتل و كذلك عقيدة الفرد العادي. نحن في مجتمع مدجن يؤدي فيه كثيرٌ من الشباب خدمتهم العسكرية دون أن يحملوا بندقية, فما بالك بمن لم يؤدها أساساً. و نحن مجتمع قد نسى مفهوم الجهاد و أنه مسئولية الأمة كلها و ليس قاصراً على من يحمل السلاح..و يحتاج أن يتذكر هذا.
يشعر المرء بالعار و هو يكتب هذا الكلام و هو من القاعدين عن الجهاد, لكن هذا تذكيرٌ لي قبل أن يكون لكم و لا يعلم المرء ماذا يكسب غداً.سلوا الله لنا و لكم الإخلاص و القبول و أن ييسر لنا سبل الجهاد في سبيله في الميدان الذي يرتضيه لنا.
ملحوظة: سيكون من المفيد لقارىء المقال أن يطلع على كتابي (و دخلت الخيل الأزهر) لمحمد جلال كشك, و (كل رجال الباشا) لخالد فهمي, و نسأل الله أن ينفعنا جميعاً بما يعلمنا

السبت، 23 فبراير 2013

خواطر عن الحرب في الإسلام



في قضايا عدة يتم توجيه الإتهامات للإسلام, و يكون رد فعل المسلمين هو تقديم إعتذارات و تبريرات. لكن منطق هذه الإعتذارات يكون منطلقاً إما من موضع الجهل, أو في الأغلب من موضع الإستضعاف و الهزيمة النفسية.و في هذا المقال نناقش أحد أهم هذه القضايا و التي يكثر فيها الكلام..و هي الحرب في الإسلام.
فكل فترة يخرج علينا من يتبرم بمصطلح (الفتوحات الإسلامية) و لا يرى فيها إلا صورة من صور الإستعمار, و ربما كان أقرب مثال هو السجال الذي حدث في إحياء ذكرى سقوط الأندلس في يناير الماضي.
مشكلة من يعتنقون هذا الطرح أنهم يحسبون حساباتهم بمقاييس العصر الحالي, و برؤية ليبرالية غربية. و المفارقة أن أغلب من يرد عليهم يكاد ينطلق من نفس المنطلقات, و يرد بنفس الرؤية و الحسابات!!
يتم إتهام الفاتحين المسلمين بأنهم غزاة إستعماريين غزوا بلاد غيرهم و اغتصبوا خيراتها, فيكون الرد عليهم هو نفي التهمة بالمقارنة بين سلوك الإستعمار الأوروبي في البلاد التي إحتلها و سلوط الفاتحين المسلمين في البلاد التي فتحوها. و في سياق آخر يتم عرض و تسويق الحروب الإسلامية على أساس أنها كانت حروب دفاعية تهدف لحماية الدين في بدايته من الإمبراطوريتين الفارسية و البيزنطية و اللتان كانتا تهدفان للقضاء على الدعوة بعد أن إستشعروا خطرها إثر إنضواء كافة القبائل العربية تحت دينٍ واحد. و يتم تسويق الحروب كذلك على أنها حروب تحريرية هدفت لتحرير الشعوب المضطهدة التي كانت ترزح تحت نير الإمبراطوريتين سالفتي الذكر.
في نفس السياق نجد من يعرض الموضوع من وجهة نظر عرقية, و يعرض صلات القربى بين العرب و بين المصريين مثلاً, ثم العرب و البربر. و كأن هذا مبررٌ لطرد الروم الأوروبيين ليحلوا مكانهم!!
و مشكلة هذا الطرح أنه ينزلق لفكرة القومية و القطرية التي لا يعرفها الإسلام أساساً...فالعرب الأوائل لم يحاربوا الفرس لأنهم فرس, أو الروم لأنهم روم, أو البربر لأنهم بربر...إلخ. و لم ينظروا للجهاد على أنه سبيلٌ لتحقيق الوحدة العربية و لا ترسيخ القومية العربية مثلاً, بل لم يعرضوا أنفسهم في الأساس على أنهم عرب و إنما هم مسلمون أولاً و أخيراً .و إنما حاربوا لنشر دين الله, و لتكون كلمة الله هي العليا. أما مسألة الحروب الدفاعية فهي هدف إستراتيجي أولي و ليس منتهى الغاية, و أما تحرير الشعوب المقهورة من الفرس و الروم و غيرهم فهو نتيجة للفتح...و ليس سبباً له كذلك.
الحرب في الإسلام تقتضي أن يقوم المسلمون قبلها بدعوة غيرهم للإسلام و عرضه عليهم, فإن قبلوه صاروا إخواناً لنا في الدين و يبقوا على حالهم و يحكموا أنفسهم بأنفسهم بمقتضى شريعة الإسلام, فإن أبوا الإسلام فليدفعوا الجزية و على المسلمين حمايتهم من أعدائهم, فإن أبوا فهي الحرب. و إذا أتم الله للمسلمين النصر إنضوت هذه الأرض تحت لواء دولة الإسلام و حكمت بشريعته. و من شاء أن يعتنق الإسلام فأهلاً و مرحباً و إلا فعليه الجزية و له ما لنا و عليه ما علينا. و الغاية من كل هذا هي نشر الدين و أن تُحكم الأرض بمقتضى شريعة الله, و لعل رد ربعي بن عامر على رستم يلخص المسألة كلها (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ؛ ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام) 
و ربما لولا إنحراف المسلمين عن الدين الحنيف و تحول الأمر من خلافة إلى ملكٍ عضوضٍ سرى فيه الوهن و نخر فيه السوس, ربما لاستمر الجهاد و لاستمرت حركة الفتوحات الإسلامية و لسادت الشريعة أغلب أقطار الأرض...لكن الله قد قضى بالإستبدال لكل من أوتي نعمته ثم جحدها و نسيها.
هذا بإختصار هو مفهوم الحرب في الإسلام, ليقبله من يقبله, و ليرفضه من يرفضه..لكننا لسنا مطالبين أن نشكل رؤانا و قراءتنا للأمور حسب الرؤى الغربية و لا الأفكار القومية و بالتالي نقدم إعتذارات و تبريرات لكل من ألقى علينا حجراً. و ليس هناك معنى للحكم على تاريخنا بأفكار الواقع المعاصر و خصوصاً أن فكر هذا الواقع مشكلٌ برؤى الغالب المسيطر. و ليس هناك سبيل لأن تكون محايداً في قراءتك للأمور..لا تستطيع أن تكون محايداً طالما أنك رجلٌ حرٌ و صاحب رأي, و الحياد لا يكون إلا في قضية ليس لك بها علمٌ أو مصلحة...فإذا إنتفى الجهل و ظهرت المصلحة فلا حياد...و لكن ينبغي عليك أن تكون موضوعياً و منصفاً.
و الإنصاف يقتضي منا أن نعيد قراءتنا و دراستنا للتاريخ كله, و نقيم كل الحروب في تاريخ الإسلام, فما كان منها في سبيل الله و التزم بأخلاقيات الحروب التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي فتوحات و جهاد, و ما كان صراعاً على ملكٍ زائل, أو غدراً بقومٍ بيننا و بينهم ميثاق..فليس بذلك.
بكل بساطة..لدينا أصولٌ نحتكم إليها كي نحدد نظرتنا للأمور...هذه الأصول هي كتاب الله و سنة نبيه المصطفى, لا الآراء و لا الأهواء...و يقاس الالتزام أو الإنحراف بمدي القرب أو البعد من هذه الأصول.
و من حق الأسباني النصراني أن يرى لنفسه الحق في طرد المسلمين من الأندلس و أن يسمي حروبه حروب الإسترداد و هذا حق دينه عليه, و من واجبي كمسلم أن أدافع عن ديني و عن الأرض التي تُحكم بشريعة ربي, و هذا حق ديني علي.
ربما تبدو الحروب المعاصرة أنها حروب قوميات و مصالح في المقام الأول, لكن سيظل الدين هو أساس و جوهر الصراعات و المحرك لها حتى لو كانت الرؤوس المحركة علمانية أو حتى ملحدة...و في الأوقات التي تتعايش فيها الأديان سلمياً, فإنها ستظل تتصارع فكرياً..و كل منها يأخذ مساحات من الآخر إما على الأرض, أو في عقول و قلوب سكان الأرض..و سيبقى التدافع و الصراع بين الحق و الباطل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و حتى لا يبقى بيتٌ على هذه الأرض إلا بلغه هذا الدين..بعز عزيزٍ أو بذل ذليل...فكونوا أعزة يرحمني و يرحمكم الله.
---------------------------
تم نشر المقال بموقع يقظة فكر