الخميس، 20 يناير 2011

(678) و الفن الذى نحتاجه

فى ظل التردي الأخلاقي الرهيب الذى نراه فى السينما و التلفاز, أو نسمعه فيما يصدر من أغان, أو حتى نقرأه فى صورة كتب و مقالات, فإن المرء لا يسعه إزاء هذا الطوفان من التفاهات و العهر إلا أن يدعم أى مجهود راقٍ و جاد بما يقدر عليه من وسائل مادية أو معنوية أو كليهما إن أمكن.

منذ أعوام مضت أنتج نفرٌ من المسلمين بالولايات المتحدة فيلم كارتون إسمه(محمد خاتم الرسل)يحكى قصة سيد الخلق صلى الله عليه و سلم.عندما عُرِضَ هذا الفيلم فى مصر, قررت و أحد أعز أصدقائى أن ندخله-رغم ضعفه الفنى مقارنةً بأفلام هوليوود بالطبع-و ذلك بنية دعم الفيلم و الفكرة.

بعد هذا قام المخرج الأمريكى مايكل مور بعمل الفيلم الوثائقى(فهرنهايت 911)الذى يعرض حال أمريكا منذ تولى بوش الرئاسة, مروراً بهجمات 11 سبتمبر, ثم حرب أفغانستان و إحتلال العراق.و الفيلم ينتقد الحرب و السياسة الإستعمارية الأمريكية و سياسة بوش بوجه عام.و فيلم كهذا كان لابد من دخوله أيضاً دعماً للفكرة, و تشجيعاً لعارضى الأفلام فى مصر على الإستمرار فى عرض هذه النماذج من الأفلام الجادة.

و الفيلم الذى نتكلم عنه اليوم (678) فكرة و إخراج شاب مصري (محمد دياب), و بطولة مجموعة من المثلين الذين أبدعوا فى تمثيل أدوارهم.الفيلم يعرض لقضية التحرش الجنسي, و هو مستوحى من قصص حقيقية أشهرها قصة (نهى رشدي)التى كانت أول من تمسكت بحقها و رفعت قضية ضد السافل الذي تحرش بها.

لا أحتاج أن أكون ناقداً فنياً لأتكلم عن الفيلم من الناحية الفنية, فالقصة لا غبار عليها بالطبع لأنها قصة جادة هادفة تناقش قضية هامة.و الإخراج جيد جداً و أكثر ما أعجبنى المشهد الذى جمع أبطال القصص الثلاث فى إطار واحد دون إرتباط بين هذه القصص, و كذلك حرص المخرج على أن يفهم المشاهد أن فعل تحرش ما قد تم دون أن يتم تحرش فعلاً, و ذلك بحرفية إخراجية من خلال لقطات سريعة مع بعض الخدع.أما التمثيل فقد أجادت الفتيات فى تشخيص أدوارهن و توضيح كيف تأثرت حيواتهن بما تعرضن له.و أجاد ماجد الكدوانى فى تشخيص دور ضابط المباحث المتعاطف مع القضية, و الذى تبقى يداه مكبلتان بسبب عدم قيام أى ضحية بتقديم بلاغ.

عرض الفيلم كيف تسبب فعل التحرش المتكرر فى تدمير حياة اللواتى تعرضن لهذه الجريمة, على تنوع خلفياتهم و أوضاعهم الإجتماعية.كما عرض سلبية المجتمع تجاه هذا الفعل سواء من الإناث اللواتى يتعرضن للتحرش و مع هذا يلتزمن الصمت.أو من الذكور-و لا أقول الرجال-الذين لا يحركون ساكناً إزاء هذا الفعل.

و العجيب أن نجد فى مجتمعنا من يبرر سكوته و سلبيته إزاء هذا الفعل المجرم بأن يلقى باللائمة على الضحية بدعوى أنها كانت ترتدى ملابس غير لائقة!!و فات هؤلاء أن المتحرش يتحرك وراء جسد الأنثى أياً كان ما ترتديه, حتى أننا نجد من السفلة من ييتحرش بمنتقبات!! و حتى لو كانت الفتاة ترتدى ملابس تكشف أكثر مما تستر, فإن هذا ليس مبرراً لإنتهاك جسدها و هتك عرضها.

إن فعل التحرش ليس بدنياً فقط, فما يسمى بالمعاكسة هو تحرش لفظى, و حتى النظرة العابثة المتفحصة لجسد الأنثى هى تحرش فى حد ذاتها.و قد دأب الإعلام و الأفلام على التبسيط من هذه الأمور و التهوين من شأنها حتى صارت عادية فى أذهان البعض, و أوضح مثال هو تسمية التحرش اللفظى بإسم(معاكسة), و كأنه شىء بسيط لا جريمة, فى حين أن الأمور يجب أن تسمى بمسمياتها.

و عرض الفيلم فى أحد مشاهده قيام أحد المتحرشين بملاحقة إحدى بطلات الفيلم و هو يغنى أغنية لتامر حسنى مليئة بالإيحاءات قد إنتقدناها من قبل, و ينتهى الأمر بأن يتحول الأمر من تحرش لفظى لتحرش بدنى, و هذا ليس مبالغة فإن تبسيط الإيحاءات المبتذلة فى وسائل الإعلام يبدأ بصدمة بسيطة لدى المتلقى فى البداية ثم يستمرئه ليتحول لشىء عادى, و من ثم ينطلق للمرحلة التالية ليتعود على ما هو أبشع و ينزل دركة بعد دركة.

و المسألة مسألة سلف دين(يا إبن آدم إفعل ما شئت كما تدين تدان).فنظرة أحدهم إلى جسد إمرأتك بطريقة غير لائقة قد سبقتها نظرات منك إلى عورات غيرها. و معاكسة أحدهم لأختك ربما كانت عقاباً لك على معاكستك لأخت شاب آخر.

أما وقوفك لإمرأة فى وسيلة نقل عام لتجلس و تحمى نفسها من الزحام, أو شهامتك فى حماية أخت لك فى الشارع من تحرش أحد السفلة, فلابد أن الله سيحفظ لك هذا و يشكرك عليه فى أهلك. و رحم الله الإمام الشافعي الذى قال:

عِفوا تعفُ نساؤكم فى المحرَمِ........ و تجنبوا ما لا يليقُ بمســـــلمِ

إن الزنا دينٌ إذا أقرضـــــــتهُ......... كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ

و على مستوى أكبر, فدولة تتحرش بأبنائها و مواطنيها لا تلبث أن تتعرض هى بدورها لتحرش-أو تحرشات-من أعدائها, و فى حالة دولنا العربية, فإن الأمر تخطى مرحلة التحرش إلى ما هو أبعد من هذا بكثير.

و قد يبدو غريباً وسط سيل المقالات و الكتابات التى تتكلم عن تونس و مستقبل المنطقة, و عن الإحتجاج يوم 25 يناير القادم أن أكتب هذا المقال. و لكنى أكتب لسببين, أولاهما, أن الفيلم جيد و هادف و يستحق المشاهدة كما بينت من قبل, و ثانيهما, أن هذه النوعية من الأفلام تستحق الدعم و نحتاج المزيد من هذه النوعية, لأنها الأفلام التى نحتاجها فى هذه المرحلة و فى المرحلة القادمة حين تنقشع الغمة و تتحرر الأوطان. فكل التفاهات و الهراء الذى يحدث حولنا هو من إفرازات الأنظمة الفاسدة التى نرزح تحت وطأتها. و يصبح مجهود مثل هذا بصيص أمل لنور قادم من بعيد لغد ننتظره بشوق, و نأمل فى المزيد منه.و لذا علينا أن نعمل لهذا الغد من الآن و نستعد له بما يلزم له, فهو آت آت.

قد يظن بعضكم أنى مبالغ, و قد يرانى البعض حالماً رومانسياً, لكنى لا أتكلم من منطلق التفاؤل المفرط غير الواقعى, بل من منطلق اليقين. اليقين الذى يجب أن يتمسك به كل ساع للحرية و كل مؤمن بالتغيير. و بدون هذا اليقين لن نخطو خطوة واحدة للأمام.

و إن غداً لناظره قريب.


الأربعاء، 5 يناير 2011

خواطر حول أحداث الإسكندرية الأخيرة




لأن السيل قد بلغ الزبى, و لأن ساحة الوطن قد إمتلأت بالأشلاء و الدماء و الدموع و الصياح و حتى النباح, و لأن الفتن و الشائعات و التصرفات الغير مسئولة و الغير معقولة قد صارت السمت العام, من أجل كل هذا يجب أن نتكلم و نبوح بكل ما تجيش به الصدور حتى لو كان مراً.

عفواً.الإسلام ليس مجرد تسامح

لا أظن أن ثمة من يستطيع أن ينكر تسامح المسلمين طوال تاريخهم مع أهل الأديان الأخرى.فالأقليات التى عاشت-و ما زالت تعيش-بين ظهرانى المسلمين هى أسعد الأقليات حظاً فى العالم, و يكفى أن تقارن أحوالهم قبل و بعد مجىء الإسلام, أو أحوالهم فى ديار الإسلام و خارج أرضه مع المخالفين لهم فى الدين أو المذهب, و ليس مجال المقال التدليل على ذلك بأمثلة و أدلة, و يكفى لنا مثال واحد هو وقوف المفتى الأكبر أمام الفكرة التى جالت ببال السلطان سليم حينما فكر بإجبار رعايا الدولة العثمانية من غير المسلمين على الدخول فى الإسلام-ربما رداً على التنصير الإجبارى لمسلمى الأندلس-فرفض المفتى ذلك قائلاً:لا يحل لك هذا, فتراجع السلطان. و يمكن الإطلاع على المزيد فى كتب عدة منها كتاب:التعصب و التسامح بين المسيحية و الإسلام للشيخ محمد الغزالى.

و هذا التسامح الذى نتكلم عنه ليس منة و لا تفضلاً من المسلمين, بل هو حق و واجب عليهم فرضه عليهم دينهم سواء فى القرآن أو فى حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم الذى قال:من آذى ذمياً فقد آذانى, و من آذانى فقد أذى الله.فماذا بعد هذا؟ غير توصيته الخاصة بأهل مصر الذين لهم(نسباً و صهراً).

و من يطالع التاريخ, لا يجد إنحرافاً عن هذا التسامح إلا فى الأوقات التى يحدث فيها إنحراف عن الشرع الحنيف نفسه, سواء من الحكام أو المحكومين, و جدير بالذكر أن إنحراف الحاكم عن الشرع يعنى عموم الظلم, على المسلمين و غير المسلمين على السواء.

لكن هناك من المسلمين من لا يعرف من الإسلام و لا يطبق منه غير التسامح مع أهل الكتاب, و ربما لا يطبق هذا التسامح بنفس القدر مع من يختلف معه من أهل ملته, فيسرف فى هذا (التسامح)حتى يصير شيئاً هلامياً متميعاً لا تنطبق عليه صفات التسامح أصلاً.

فالإسلام دين تسامح, و كرامة فى الوقت نفسه.

و الإسلام دين رحمة, و قوة فى الوقت ذاته.

و الإسلام دين مودة, و عزة فى الوقت نفسه.

إن وجود هذه الصفات سوياً لا يحوى أى تناقض, فأى تناقض بين أن يكون الإنسان رحيماً و قوياً فى آن واحد؟ أو متسامحاً و أبياً شامخاً ذو عزة فى ذات الوقت؟ إن الإسلام دين متكامل, و لكى يكون مكتمل الأركان سليم البنيان لابد أن تتوافر به كل صفاته سوياً, فإذا وُجدت الصفات الأُوَل وحدها دون الصفات الأخيرة, فقد خرجنا بكائن هزيل ضعيف متميع, و هذا ما نراه بشكل كبير الآن.

إن التفجير الإرهابى بكنيسة القديسين بالإسكندرية الذى أودى بحياة عدد من المصريين-أغلبهم مسيحيين و بعضهم مسلمين-قد أغضب المصريين كلهم, و الطبيعى أن يتضامن المسلم مع المسيحى فى هذا المصاب الجلل الذى أصاب الوطن, لكن لماذا نجد من المسلمين من يخاطب المسيحيين بطريقة إعتذارية؟!!

و لماذا نجد إصراراً من قطاعات متعددة من المسيحيين على التصرف مع المسلمين و كأنهم (الجناة المجرمين), و كأن التحقيقات أثبتت أن الجانى مسلم!!

و حتى لو أثبتت التحقيقات أن الجانى مسلم, و أنه تابع لتنظيم ما يدعى الإسلام, فهل يعنى هذا التهجم على الإسلام و المسلمين؟أو على الأقل التعامل معهم بشكل عدائى؟!

و من الجميل أن تظهر روح المحبة بين أفراد الشعب مع إختلاف الدين, و كم سعدت و أنا أرى الدماء المسلمة و هى تجرى فى الشرايين المسيحية لمصابى الحادث, و سريعاً ما تطور الأمر لتجد الكثير من المسلمين على الفيسبوك يعلقون الصلبان, ثم وجدنا دعوات لمشاركة المسيحيين فى إحتفالهم بعيد الميلاد المجيد, و النزول معهم كدروع بشرية لحماية الكنائس, و إنتهى الأمر بأن صارت الدعوة(سنصلى معاً)!!!

و لا أعتقد أنى بحاجة لأن أذكر من يقول هذا بأن الصلاة لدى المسيحيين مشابهة للدعاء عندنا, أما الصلاة عندنا فلها شأن آخر يعلمه جيداً, و الحق هو أن نسمى الأمور بمسمياتها, لا أن نستعير مصطلحات غيرنا-مهما صلحت النية-طالما أن لدينا مصطلحاتنا الخاصة.

و نمر بحادث قد مر به كل الناس تقريباً مرور الكرام.قام شيخ الأزهر فى اليوم التالى للحادث بزيارة الكاتدرائية ليعزى بابا الأقباط, فإذا بالمتظاهرين المسيحيين يرشقون سيارته بالحجارة!!!

و هنا يتبادر للبيب سؤال:ماذا لو إنعكس الوضع و كانت سيارة بابا الأقباط هى التى رُشقت بالحجارة من مسلمين غاضبين, ما رد فعل الأقباط وقتها؟

أليس شيخ الأزهر ممثلاً للأزهر الذى هو من أهم رموز الإسلاميين فى العالم الإسلامى, لا مصر وحدها؟

و الحق أن الرجل, و غيره من المسئولين الذين أصابهم نفس ما أصابه قد التزموا ضبط النفس, و آخر درجات (التسامح), فتفهموا غضب الأقباط, رغم أنه موجه فى غير جهته الصحيحة.

إن التسامح لا يعنى أن نسمى الأمور بغير مسمياتها. لا يعنى أن يخرج كل من هب و دب ليتكلم عن (التطرف الإسلامى)و يتهم المسلمين ضمناً-أو صراحةً-بأنهم وراء الحادث.

التسامح لا يعنى المبالغة فى الإعتذار عن ذنب لم نقترفه, و لا يعنى السكوت على تصرفات خرقاء من بعض المنتسبين للأقباط, الذين بدورهم يجب أن يتبرأوا من تصرفاتهم هذه.

التسامح لا يعنى السكوت على تخريب الممتلكات, و حرق السيارات, و تكسير واجهات المحلات.

من العدو الحقيقى؟

يجب أن يعى المسيحيون أن مشكلتهم ليست مع الإسلام و لا المسلمين.

إن كافة ردود الفعل الحالية تبين بوضوح أن هذه هى الفكرة التى تسيطر عليهم. فما معنى أن يجد المسلمون إعراضاً من زملائهم المسيحيين سواء فى العمل أو الدراسة؟

و ما معنى أن تشير كل أصابع الإتهام إلى المسلمين بوصفهم الجناة و المتهمين الأساسيين؟

و للأسف, فإن ما أسماه البعض(إنتفاضة الأقباط) أمام الدولة هو أمر بالغ الخطورة, لأن كل الشواهد توضح أن هذه(الإنتفاضة) ليست موجهة ضد الحكومة بصفتها حكومة فحسب.

بل بصفتها حكومة(مسلمة) (و ذلك من وجهة نظر الأقباط).

و ليس ذلك بعجيب بعد سنوات طويلة من تغذية المشاعر بحكاوى الإضطهاد, و الغزاة العرب المسلمين.....إلخ, إلى أن نشأت أجيال كاملة على الفكر الإنعزالى الذى لا يشعر بمودة حقيقية تجاه شركائه فى الوطن.

و فى النهاية من المستفيد؟ و هل يمكن أن يتحرر هذا الوطن أو يتقدم إلى الأمام يوماً ما و أبناؤه على هذا الإنقسام؟

إن العدو الحقيقى لنا كمصريين, سواء مسلمين أو مسيحيين, هو النظام المستبد الديكتاتورى, الذى يقمع الجميع, و يضطهد الجميع.

إنها إهانة للإسلام و للمسلمين أن ينظر المسيحيون إلى النظام الحاكم الحالى على أنه نظام مسلم لمجرد أن القائمين عليه يحملون أسماءً مسلمة, و يجب أن يفصل المسيحيون تماماً بين ممارسات هذا النظام و بين الدين.

إن وزارة الداخلية التى تحملونها مسئولية الفشل فى حماية كنائسكم هى نفس الوزارة التى تقمع المظاهرات, و تعتقل الشرفاء, و تعذب الأبرياء, و تشرف على تزوير الإنتخابات.

و قلنا من قبل أن الإضطهاد كان يقع من الحكام حين يحدث إنحراف عن الشرع الحنيف, فيحل محله القهر العنيف, و يعم على المسلمين و غيرهم سواء بسواء.

أما حين تسود شريعة الإسلام و تطبق, فحينها يعيش المسلمون و من سواهم فى أحسن حال.

و غنى عن الذكر أن تطبيق الشريعة لا يختزل فى تطبيق الحدود و القوانين الإسلامية فقط, فهذا إختزال مخل, فأول تطبيقات الشريعة هى حفظ العقل و الدين و النفس و النسل و المال. و تطبيق الشريعة يعنى سيادة العدل و قمع الظلم و ضمان الحرية لكل من يعيش تحت لوائها, و هذا مقدم على تطبيق أى قوانين.

فأتمنى أن يتذكر المسيحيون الصديق من العدو, و أن يفرقوا بين من يمد يده و بين من يرفع هراوته.

ماذا نفعل إذاً؟

لا أدعى أن حل المشاكل بين المسلمين و الأقباط موجود فى كبسولة سحرية فى السطور القليلة التالية, لكنى أكتب رؤوس عناوين لما أرى أنه يجب أن يكون.

إن ما يجب أن يكون- و لا نقول هذا من قبيل الإنشاء و الكلام المجرد- هو أن نفتح هذا الجرح المتقيح و نخرج كل ما به من صديد, مهما عفاته النفوس أو سبب هذا من ألم, فهذا ألم لحظى, خير من أن نظل نعانى من تبعات هذا الجرح على فترات ثم ينتهى بنا الحال إلى بتر الجزء المصاب بدلاً من علاجه.و هذا البتر هو ما سيحدث فى نهاية المطاف طالما ظللنا نتبع سياسة النعام من دفن الرؤوس فى الرمال و ترك المشاكل معلقة, و هى سياسة الحكومة الغبية التى إما تحل المسألة وقتياً بالقمع, أو تحاول إحتوائها بترك الناس تنفس عن غضبها إلى أن يملوا و تفتر عزيمتهم و يخمد الموضوع, و ينسون أن تحت الرماد وميض جمر و يوشك أن يكون له ضرامٌ يحرق البلاد و العباد و يحرقهم قبل أى أحد.

علينا أن نعترف أن عندنا مشاكل فى التعامل مع الآخر, و أننا درجنا على النفاق, فالبعض يدعى المحبة و المودة و لا يلبث أن يسخر من دين الآخر فور أن يعطيه ظهره.

فالمسلم الذى يسخر من طقوس المسيحيين إذا رأى قداس العيد مذاعاً فى التلفاز عنده مشكلة.

و المسيحى الذى إذا وجد الأذان يقطع فيلماً يتابعه فى التلفاز فيقول:ما هذا القرف؟! عنده مشكلة.

كل من يستحل أن يسب دين الآخر, عنده مشكلة.

و كل من يصنف الآخر حسب دينه قبل أن ينظر له على أنه إنسان, عنده مشكلة.

كل من ينظر للآخر نظرة كراهية و حقد لأنه مخالف له فى الدين, فعنده مشكلة.

و الأمثلة كثيرة, لكن لنحل هذه المشاكل يجب أن نفتش عن جذورها, و نعرف لم وصلنا لهذا الدرك.

قبلات الشيخ و القسيس لم تعد تجدى, فحتى هؤلاء لم يعد بمقدورهم إخفاء ما فى الصدور.

و من السهل جداً أن نوزع الأخطاء على الطرفين ليرضى كل منهما, لكننا هنا يجب أن نعترف أن لدى الطرفين كليهما قصور و أخطاء يجب أن يتم علاجها, رضوا بذلك أم أبوا.

على كل طرف بكل بساطة أن يلتزم بتعاليم دينه الأساسية, و هى التى ستقوده بالتبعية إلى حسن معاملة من يختلف معه فى الدين أو حتى فى الرأى.

و على كل طرف أن يتجنب ما يمكن أن يثير حنق الآخر و يغضبه و يمس دينه.

و مرة أخرى ألفت نظر الأقباط أن مشكلتهم ليست مع المسلمين, و لكن مع النظام المستبد الذى يقمعنا جميعاً.و إذا كان لديكم مطالب ترونها عادلة بالنسبة لكم, فليس من التعقل الإستقواء بالخارج, و لا التصريحات المستفزة لعموم المسلمين مثل وصف بعض رؤوسكم للفتح العربى بالغزو, و أن المسلمين ضيوف على أرض مصر.و لا أن تتهموا المسلمين بخطف كل إمرأة مسيحية تعتنق الإسلام, ثم فى النهاية لا تكسبون إلا حنق المسلمين عليكم, و خنوع مؤقت من الدولة الجبانة التى تخشى إغضاب أمريكا. ثم تخسرون المسلمين و لا تكسبون النظام.

كلمة أخيرة

سيخرج على من يتهمنى بالتعصب- و ربما التطرف-رغم أنى سكت ‘ن أشياء كثيرة لم يتسع لها المقال, أو ليس الآن مجال قولها.لكنى لم أفعل أكثر من تسمية الأمور بمسمياتها لأنى أكره هذه الفتنة و كل ما بها من مظاهر للتعصب و التميع و الخنوع و القهر. نحن لا نريد أن نزيد الأمور إشتعالاً و لكن نريد أن ينتهى هذا الأمر على خير و أن يعيش أبناء هذا الوطن فى أمن, و لا نسقط فى هذا المستنقع مرة أخرى.

و ختاماً أهنىء كل المصريين, مسيحيين و مسلمين, بمولد سيدنا المسيح عيسى رسول الله, عليه و على نبينا و حبيبنا و قائدنا و إمامنا و شفيعنا محمد أفضل الصلاة و السلام.

و حفظ الله هذا البلد آمناً مطمئناً, و وقاه شر الفتن, اللهم آمين.