نعم..بهدوء...فلا مجال للطم و الندب و تبادل
الإتهامات و التفاخر بالمحافظات التي أسقطت الفلول, و في الوقت نفسه سب المحافظات
التي حظوا فيها بنتائج متقدمة.
انظروا إلى النصف المليء من الكوب..أغلب
الشعب أعطى أصواته للمرشحين المحسوبين على الثورة, و المأساة كمنت في تفتت الأصوات
بينهم, لكن هذا لم يكن ذنبنا كناخبين.
في الوقت نفسه, لم يكن ذنبنا أن تم السماح
لموسى و شفيق بالترشح من البداية...لكننا في معركة لم نختر ميدانها, و إنما
اضطررنا لها..و لا مجال للإستسلام لأن البديل مروع.
ما علينا...الجدل في الماضي صار تحصيل
حاصل...لو لم نخرج بدروس مستفادة و تفادينا الأخطاء إذاً فلا لوم إلا لأنفسنا.
جزء كبير من المسئولية الآن تقع على عاتق
الإخوان..عليهم واجب إحتواء بقية القوى السياسية و الشعب بوجهٍ عام من خلال خطاب
تطميني جامع ليس به ذرة من تكبر أوتعالٍ أو صلف أو غرور. و أراهن على العقلاء من
داخل الجماعة في ضبط الأداء الإخواني في هذه النقطة لأن الإعلام لن يرحمهم, فعليهم
ألا يمدوه بما يُحسب عليهم. و سامح الله الإخوان فقد جعلوا المهمة صعبة علينا.
و جزء كبير أيضاً من المسئولية تتحمله القوى
السياسية.على الجميع أن ينضج و يتجاوز الخلاف الأيديولوجي...المسألة ليست معركة
بين إسلاميين و علمانيين بل ثورة أو لا ثورة.
هناك من يعلن أنه سيقاطع و سيتفرج على اللعبة
بين العسكر و الإخوان من خارج و كأنه يقف على أرض محايدة, و هناك من لا يرى فرقاً
بين الإخوان و الفلول..ما هذا المنطق بالله عليكم؟ قولوا على الإخوان ما تشاءون و
من يتابعني يرى كم هاجمتهم و انتقدتهم و انتقدت أداءهم من قبل, لكني أعلم يقيناً
أن الإخوان ليسوا لصوصاً و ليسوا قتلة..بعكس شفيق.
هناك من يرى أن وصول شفيق للرئاسة أفضل لأنه
يتخيل أن مع شفيق ستحدث ثورة ثانية تطيح به, بينما إذا وصل الإخوان فلن يتركوا
الرئاسة أبداً, بل و سيكفرون كل من يعارضهم!!!
إلى الرفاق الثوريين الذين يرون هذا
الرأى...أفيقوا و تحركوا من خلف الشاشات و اختلطوا بالناس في الشارع...لم تنجح
الثورة بدايةً في إزاحة مبارك إلا عندما تحركت الكتلة الحرجة من الشعب و انتفضت ضد
مبارك و أسقطت شرعيته الزائفة..أما شفيق إذا جاء-لا قدر الله- فستصاحبه شرعية
الصناديق التي أتت به, و سيكون سلاحه لا فقط الجيش الذي هدد بإستخدامه ضد معارضيه,
بل المواطنين الشرفاء الذين صوتوا له, و بقية الشعب الذي سيرى فينا رافضين
للديمقراطية و لخيارات الصناديق.
لا تخاطر بمستقبل مصر بسيناريو تخيلي منبت
الصلة عن الواقع, و تذكر الموقف السلبي للشعب في العباسية.
و المضحك المبكي أن تجد من يقول أن شفيق مرشح
(مدني) و هو أفضل من الدولة الدينية التي سيأتي بها الإخوان!! ماذا نقول لمن يقول
هذا الهراء؟!! هداكم الله...شفيق العسكري هو الذي سيحافظ على مدنية الدولة؟ لا حول
و لا قوة إلا بالله.
أما من يرى أن الإخوان سيكونون أسوأ من شفيق
و أنهم سيكفرون مخالفيهم, فهب أن سفيهاً قد رماك بالكفر لمخالفتك إياه, فهل الحل
أن تنزوي و تبكي و تولول و تقول لقد كفرني؟ لماذا لا تضع إصبعك في عينه و ترد عليه
و تفحمه؟ الحق أبلج و الباطل لجلج و ليس هناك من يحتكر هذا الدين لصالحه.
الإخوان مهما كان سوء أدائهم في الفترة
الأخيرة إلا أننا نقلل من أنفسنا كثيراً إذا ظننا أنهم إذا جاءوا لن يتركوا
أماكنهم و سيستحوذون على كل شىء.
من أتى بالإخوان بدايةً؟ و لماذا تتعاملون مع
الإسلاميين عموماً و كأنهم مخلوقات جاءت من الفضاء الخارجي؟ ألم تأت بهم الصناديق؟
ألم يخترهم الشعب؟
حسناً, راجعوا الآن النتائج في الإنتخابات
الأخيرة, و لأضرب لكم مثلاً بمحافظتي الإسكندرية.
في الإنتخابات البرلمانية حاز الإخوان أغلبية
الأصوات و فاز نوابهم في 3 دوائر من أصل 4, في حين أن أغلب الأصوات في انتخابات
الرئاسة كانت لحمدين صباحي...و كان محمد مرسي مرشح الإخوان في المرتبة الرابعة.
ألا تعطي هذه النتيجة مؤشراً لكم, و للإخوان
أيضاً؟
الناخبون الذين ساءهم أداء الإخوان في الآونة
الأخيرة استطاعوا إزاحة مرشحهم للمرتبة الرابعة في مدينة إسلامية الهوى, فهى معقل
الدعوة السلفية و عاصمة الإخوان حسب ما يقولون.
لو أساء الإخوان الأداء في المستقبل سنقوم
أداؤهم...كونوا على ثقة من هذا و لا تستهينوا بقوتكم...و تذكروا أن الإخوان ليسوا
بقتلة.و مرة أخرى...لا تستهينوا بقوتكم و كونوا على ثقة من قدرتكم على عدم السماح
للإخوان بالإستبداد.
أما شفيق, فهو رجلٌ قد عاد لينتقم, و لا مجال
للمقارنة بين هذا و ذاك...لا مجال للمقارنة على الإطلاق.
لم أكن مؤيداً لمرسي, و لم أكن أحب للإخوان
أن يحوزوا الرئاسة, لكن من جديد لا نملك رفاهية الإختيار...و المسألة ليس بها
هزار, فالطرف الآخر لا يمزح و هو يحشد بكل قوة لأن المسألة مسألة بقاء له أيضاً.
و أرجو أن يراجع المقاطعون أنفسهم, ليس هذا
وقت نخبوية و تعالي و إتخاذ مواقف بطولية في العالم الإفتراضي...و هذه ليست بطولة
من الأساس. و المقاطعة هي تصويت سلبي لصالح شفيق, لأنه مرة أخرى الطرف الثاني لا
يمزح. نحن في حرب مع الدولة العميقة التي تصارع للبقاء.
لا تركنوا لليأس و لا للإحباط..ليس لدينا وقت
لهذا و لا لذاك...علينا أن نكثف من عملنا على الأرض و نوحد الصف. مصر فوق الجميع.
و كما قلنا أكثر من مرة, أن هذه الإنتخابات
ليست نهاية المطاف, و الفكرة أن المسار سيطول قليلاً و ستكون به الكثير من الكثير
من المناوشات و المعارك الجانبية حتى يتم تصحيحه, لكن هذا بأي حال أفضل من قطع
المسار تماماً إذا جاء شفيق. أدركوا اللحظة الفارقة. و بإذن الله لن نرى شفيق يحلف
اليمين, و لن ننتكس للوراء, و لن يعود هذا النظام السابق, و لن نسمح للإخوان
بالتحول لحزب وطني جديد كما يقال عنهم.
و الله غالبٌ على أمره و لكن أكثر الناس لا
يعلمون
و إن غداً لناظره قريب.
------------------------------------تم نشر المقال على موقع رصد