الاثنين، 30 نوفمبر 2009

إمرأةٌ مطلقة

بعيداً عن حرب داحس و الغبراء الدائرة بين الإعلام الرسمى فى كل من مصر و الجزائر, أقص عليكم هذا الموقف الإنسانى الذى حدث أمامى قدراً, لعلنا نشعر أن فى مجتمعنا من لا يزال يتصرف بنوع من الرقى الذى يجب أن يكون الأساس فى المجتمع المسلم.
بدايةً أعود الى الوراء قرابة العشر سنوات, كنت أرى هذه الزوجة الشابة تأتى الى متجرنا-و لنسميها الزوجة (أ)- كانت تأتى الى متجرنا مع ابنتها الصغيرة (نور) ذات الأعوام الثلاثة لتشترى ما تحتاجه, و كانت تقطن مع زوجها فى نفس العمارة التى يقع بها المتجر, كان يبدو عليها البساطة و الأناقة و الهدوء, و كانت تعمل مدرسة بإحدى مدارس اللغات العريقة.
لم يدم الاستقرار طويلاً فى بيتها, فطلقت من زوجها الشاب, و انتقلت مع نور لتعيش فى بيت والدتها, و بعد فترة ليست بالطويلة تزوج الرجل من سيدة فاضلة أخرى و لنسمها الزوجة (ب), و أنجبت منه طفلاً جميلاً اسمه ياسين.
ظلت (أ) على علاقتها بنا, كانت تأتى كل فترة مع نور لتشترى حاجياتها من عندنا و خصوصاً عند اقتراب بداية العام الدراسى, و كذلك كنا نرى نور تأتى كل فترة لتزور والدها, و أحياناً تأخذ أخاها الأصغر ياسين لتشترى له بعض الحلوى من عندنا.
منذ شهر تقريباً جاءت (أ) مع نور لتشترى لها بعض حاجياتها, و بينما هم عندنا دخلت (ب) مع ياسين, و كان اللقاء, فماذا حدث؟
تهلل وجه كل منهما لرؤية الأخرى, و تعانقتا و سلمت كل على الأخرى بحرارة و كل منهما تسأل الأخرى عن أحوالها, و قبلت (أ) ياسين كما قبلت (ب) نور, و قبل أن تغادر (أ) المكان اتفقت مع (ب) على ضرورة أن تلتقيا قريباً لتخرجا سوياً !!!
شاهدت الموقف و بداخلى شعور من الإعجاب و الإنبساط ممتزج ببعض الدهشة, ثم بدأت أفكر فى أسباب هذه الدهشة, هل هذا الموقف أعجوبة من الأعاجيب؟ هل يجب أن يكون الأساس فى العلاقة فى مثل هذه الأوضاع البغض و الكراهية و الحقد و الحسد؟ لماذا اعتدنا على هذه الصورة السلبية فى مجتمعنا المسلم (و لا أقول الإسلامى, و أعتقد أن الفرق واضح).
عاد أبى الى بثغر باسم, سألنى عن رأيى فيما حدث أمامنا, عبرت له عن إعجابى بوجود أناس يتصرفون بهذا الرقى, أخبرنى بأن (ب) قد أتته يوماً و سألته عن (أ), و قالت له أنها تحب أن تكون العلاقة بينهما طبيعية لكون نور أخت ياسين, لكنها تخشى أن تُقابل بالصدود و الجفاء و أن تكون قد اتخذت منها موقفاً سلبياً, أزال أبى عنها هذه المخاوف لسابق معرفته بأخلاق(أ) و تفكيرها, و شجع (ب) التى اتصلت ب(أ), و أهدتها هدية فى عيد ميلادها, و تبودلت الهدايا و الخروجات و تحولت العلاقة الى ما يشبه الصداقة. :)
و إن كان للوالد دور فى دعم هذه العلاقة و التقريب بينهما, فلم تكن العلاقة لتنجح لولا وجود الإستعداد و النضج و الرقى لدى الزوجتين, و فى الوقت نفسه أعود لأتساءل: لم نر هذه المشاهد فقط فى الأفلام الأجنبية, بينما يبرز اعلامنا الصورة النمطية فى مجتمعنا, دون أن يسعى لعرض ما يجب أن يكون؟ لماذا يكون المعتاد ألا يقع الطلاق-إن وقع-بالحسنى, و أن يكون أساس المشاعر بعد الإنفصال هو الجفاء و الحقد و الكراهية و الحسد؟
رجل و امرأة تحابا فتزوجا, أو تزوجا زواجاً تقليدياً, أو اياً كان, المهم أنهما ارتبطا بالميثاق الغليظ, ثم لم يوفقا لأى سبب من الأسباب, أين الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان؟ و إن ضاقت الدنيا, أليس من المنطقى إن وصلا لطريق مسدود و استنفذا كل السبل لإصلاح ذات البين, أليس من المنطقى ساعتها أن يتفرقا فيغن الله كلا من سعته, و أن يكون فراقهما هذا بالحسنى؟
و إذا تزوج الرجل من أخرى, أو تزوجت المرأة من آخر, و أنجب هذا و أنجبت هذه, فلم قد تنظر المرأة الى زوجة مطلقها و أولاده نظرة البغض و الحسد؟ و يفعل الرجل مثل هذا, ألم تطلقها لأنك لم تعد تستطيع العيش معها, فما بالك و بالها و قد ذهب كل منكما فى طريق, و ما ذنب الزوج الجديد أو الأبناء الجدد؟ هل تغار على مطلقتك؟ أويغار المرء على أحد لا يحبه؟ أم أنها رغبة فقط للتملك و الاستحواذ حتى لو لم تعد من حقك؟
إن ما نتكلم عنه ليس بالمعجزة, و لن تجد النموذج الطيب الذى عرضناه يحدث فقط بين من ينتمون للطبقة الراقية, لأن هذا المصطلح مضلل لدرجة كبيرة, فهو يُعمَم على من يعيشون فى بحبوحة من العيش و يعملون بأفضل الوظائف و يرتاد أبناؤهم أحسن المدارس, لكن الرقى ليس بالمال و بالتعليم فقط, بل هو بالدين و الأخلاق قبل أى شىء, فكثيراً ما ترى من الفقراء يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف, لأن الغنى غنى النفس, و تجدهم على درجة عالية من الرقى و الوعى و الاحترام و الأخلاق, حتى لو لم ينل نصيباً كبيراً من التعليم, بينما تجد أساتذة فى الجامعة لا يتصرفون بربع رقى هؤلاء, رغم أنهم (صفوة) عقول المجتمع بمعاييرنا القاصرة.
إنه الدين و الخلق يا سادة قبل أى شىء, هو من يجعلك راقياً و نظيفاً و محترماً, أو غير ذلك, يعتمد هذا على إمتلاكك لنصيب منه, أو إفتقادك له و لروحه بالكلية.
و ليس الدين صلوات و زكاة و صيام فقط, و لكنها روح تسرى فى المرء و تشكل تفكيره و سلوكه و طريقة تعامله مع ربه و مع الآخرين.
و دمتم بخير.


هناك 10 تعليقات:

نبض قلبى يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
walaa rizk يقول...

ائما ما يشدنى تفكيرى الى تغيير قناعات المجتمع فى الطلاق والزواج وكل ما يتصل بهم

كنت أقول نحن نعقد الامور فالزوجه التى يموت زوجها لابد أن تترهبن بعده حتى وان احتاجت الزواج عاطفيا وفسيولوجيا

حتى وان كانت صغيره فزواجها يعد ازمه اخلاقيه لدى الكثير

ثم نأتى للطلاق لنرى ان المرآه عليها أن تموت أفضل من ان توضع فى مسمى مطلقه

أيدلوجيه غريبه يحيى فيها المجتمع لا أدرى من أين ابتدعها

لكن النموذج الذى عرضت ينم عن فهم ورقى فى العقل
أوصلهم لهذه النتيجه

تعاملا مع سماحه الشريعه أعتقد ذلك فعرفا ان الطلاق شئ اباحه الله ان استحالت العيش

فلما الكراهيه

أعتقد هما الاثنتنان وصلا لمرحله من النضج الفكرى والعقلى والعاطفى سمحت لهما بهذا ولكن ليست كل النساء أمثال أ وب

وآحيانا تلعب طبيعه الذكريات والحنين القديم دورها فتصبح الزوجه الجديده السبب فى الانفصال وآحيانا يكون تمام الواقع هذا
لكن المتأمل هنا ان الانفصال كان أرحم ب أ فرحبت بصداقه ب

تحياتى لنقلك صوره تشرق فى عقلى مساحه ضوء وتفاؤل فى وجود قناعات عكس أيدلوجيات المجتمع الغريبه

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

الأخت الفاضلة عاشقة الأقصى
جزاك الله خيرا على التعليق, و الحقيقة أن وجود نماذج طيبة وسط هذا الزخم من النماذج السيئة لهو أمر يبعث على التفاؤل, و هو ما نحتاج لأن نتمسك به كمسلمين, فالأمل فى الإصلاح يجب ألا يفتر حتى لو كثرت المفاسد.
خالص التحية لمرورك الكريم

حسن مدني يقول...

قصة جميلة فعلا. وأعرف أشباها لها. وهي ما يبنغي أن تكون الأصل والقاعدة..
ولكننا لا ننشر إلا الصور السلبية. حتى صرنا لا ترى غيرها.

كذلك، هناك الكثيرون الذين يودون أن يفعلوا مثل أ و ب. ولكن يخشى كل منهم أن يصده الآخر.. وربما لو أقدم أحدهما على الاتصال بالآخر. لكان شكل الحياة أفضل كثيرا..

تحياتي

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

أخى حسن, بارك الله فيك
الإكثار من ذكر الصور السلبية يرسخ الشعور بالإحباط و يؤدى لرؤية إختزالية مبتسرة خاطئة فيها قدر كبير من التجنى لأنها تعمم النموذج السىء ليشمل المجتمع بأكمله.
و التردد آفة تضيع على المرء فرص عظيمة, تخيل شاباً معجبا بفتاة و يرغب فى التقدم لها و يخشى أن تصده, فيتردد و يتردد الى أن تضيع الفرصة, و ربما لو أقدم لوجد لديها الترحاب و لكان له مستقبل آخر.
طالما توفرت الرغبة المشتركة للخير, فالأمور تسير فى الطريق السليم.
دمت بخير أخى, خالص تحياتى

هامسة يقول...

لدي فقط تحية على هذه التدوينة :)

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

الأخت الفاضلة مها

بارك الله فيك
خالص تحياتى لمرورك الكريم

غير معرف يقول...

تدونة جميلة . اللهم جمـّلنا بخلق الإسلام.

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

اللهم آمين
بارك الله فيك

غير معرف يقول...

يسعدني أن أعلم بوجود أشخاص مثل السيدة أ في العالم :)

شعاع