الجمعة، 10 سبتمبر 2010

القِرَدَة




منذ أيام قليلة بدأت أقرأ و أسمع عن لافتات التأييد لجمال مبارك التى بدأت تنتشر ببطء فى الإسكندرية بعد أن إنتقلت العدوى إليها من القاهرة و محافظات أخرى, و ظل الأمر مجرد سماع حتى رأيت أول لافتة بأم عينى بجوار مبنى المحافظة فى شارع فؤاد.

هل تعرفون هذا الشعور؟ عندما يكون هناك أمر ترفضه و لا تريد أن تراه يحدث لك أو أمامك, و رغم أن كل الشواهد تشير إلى أنه سيحدث, إلا أن عقلك الباطن يظل يرفضه و لا يصدق حدوثه, حتى تستيقظ فى يوم و تراه رأى العين.

منذ سنوات و نحن نرى عجلة التوريث تجرى, و قد زاد تسارعها فى الآونة الأخيرة, حتى بتنا نرى صور نجل الرئيس بكل بجاحة فى الشوارع من (أرزقية)و(مصلحجية)و منافقين و أوصاف أخرى يعف قلمى عن سطرها هنا.

عندما رأيت لافتة التأييد هذه, شعرت بالدموع تتحرك فى عينى.

هل سيكون هذا مصيرنا؟ هل سيكون هذا مآل مصر؟

هل نحن غنم تساق؟ و عبيد تسلم من نخاس إلى سراق؟

هل يصبح رأس دولتنا شخصاً-و لا أقول رجلاً-يؤمن بأن الإكتفاء الذاتى من المحاصيل و منها القمح أمر غير عملى؟

هل يصبح رئيس بلادى شخصاً تربى فى أحضان نظام مهادن موالى مطاطى خنوع مستسلم, و يؤمن أن العيش بذل هو أفضل سبيل للحفاظ على البلاد, و عرش البلاد؟

هل يحكم الشعب شخصٌ مولود و فى فمه ملعقة ذهب, لم يقف فى طابور, و لم يتعلق بأوتوبيس, و لم يعانِ فى مصلحة حكومية؟ و أنى له أن يشعر بما يشعر به المواطن العادى؟

هل يكون حاكم البلاد المقبل أحد أفراد شلة منتفعين و نهابين من كبار رجال الأعمال, أزكمت رائحة فسادهم الأنوف, و أهلكوا البلاد و العباد بالسرقة و الإحتكار؟

هل تكون المزية الوحيدة لرئيسنا المقبل, أنه إبن الرئيس الحالى؟

إن اللحظة التى رأيت فيها هذا اللافتة قد إستدعت إلى ذاكرتى هذا الحديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم فى رؤيا رآها فقال: إني أريت في منامي كأن بنى الحكم بن أبي العاص-يعنى بنى أمية- ينزون على منبرى كما تنزو القردة. صدق رسول الله.

فهاهو عرش مصر و كل منبر فيها و قد علته القردة.

لنبدأ بالكتابة, و لنضرب مثلاً بجريدة الأهرام.الأهرام التى كان يكتب فيها هيكل و إحسان عبد القدوس و نجيب محفوظ و عبد الوهاب مطاوع صار يكتب فيها أسامة سرايا و تامر حسنى!

و أين المسرح الذى كان يعلوه يوسف وهبى و زكى طليمات و الريحانى من الذى نراه الآن؟

و هل ما تمتعت عيوننا برؤيته من فن محمود سعيد و محمود مختار و صلاح طاهر و حسين بيكار يقارن بإنتاج (الوزير الفنان) فاروق حسنى؟

و أين الأصوات القديمة الجميلة القوية و التى كانت تتغنى بأشعار شوقى و حافظ و أبى فراس, و أغانى بيرم و جاهين؟

و إذا تكلمنا عن السياسة و أهل السياسة فليس هناك أى مجال للمقارنة, فنحن بين وزراء فاشلين و بعضهم متورط فى الفساد و بيع أراض الدولة بثمن بخس و الإهمال فى الحفاظ على الآثار و التحف و التأخر فى الإعلام و التدهور فى التعليم و الفشل فى الرياضة. هذا غير قمع الحريات و إنتهاك حقوق الإنسان و شفط جيوب الشعب و إفساد علاقات مصر بجيرانها و الإرتماء فى أحضان العدو و بيع الغاز له و الإنتكاس فى الدور العالمى و الإقليمى.

و نحن بين رؤساء أحزاب ضعاف لا يستطيعون الإتفاق فيما بينهم و الوقوف صفاً واحداً أمام الطغيان, و هم فى يوم ضد الحكومة و فى أيام معها من أجل المصالح.

و فى النهاية نرى جمال يريد أن يجلس على العرش الذى جلس عليه مينا و تحتمس و رمسيس و صلاح الدين و بيبرس و محمد على و عبد الناصر, فأين أنت من كل هؤلاء يا هذا؟

حقاً, إنه عصر القردة بإمتياز, و القردة تنزو على عرش مصر و منابرها.

لكن دوام الحال من المحال, و عجلة التغيير التى دارت لا يمكن أن تتوقف عن الدوران, لأن التغيير سنة كونية.

لا أعلم متى ستنقشع الغمة, و لا كيف ستنقشع, لكنى أعلم أنها ستنقشع.

لا أعلم ماذا سأفعل, لكنى أعلم جيداً ما الذى لن أفعله بعون الله.

لن أكون سلبياً محبطاً يائساً.

لن أتوقف عن دعم أى جهد يصب فى خانة التغيير.

لن أتوقف عن توعية من حولى و بث الأمل و روح الإيجابية فى نفوسهم.

لن أشارك فى مسرحيات هزلية تعطى شرعية لنظام أرفض وجوده, و لن أشارك فى الإنتخابات طالما خلت من النزاهة.

لن أقبل بأن تعتلى القِرَدَة عرش بلادى.

و تلك الأيام نداولها بين الناس, فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون, و حسبنا الله و نعم الوكيل.

هناك تعليق واحد:

أبو عمر يقول...

أيا كان مرشح الجزب الوطنى ، جمال أو غيره ، فهو سيكون مجرد إفراز مخاطى للوبى صهيونى انتهك حقوق المصريين كثيرا.

التغيير بالحوار لن يحدث ، لأن المثقفين قلة مغلوبة على أمرها و باقى الشعب فى غيبوبة.
أفضل السيناريوهات أن تدخل مصر خلال شهور مرحلة الفوضى و الاعتصامات و الإضراب المدنى ، ثم يكون البقاء للأقوى فى الاتجاهات المطروحة.
واجب المثقفين التوعية لغيرهم بأهمية التغيير و آلياته و توحيد جهودهم.
و ربنا يستر ع البلد دى