الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

سفول الهمة و علاقتنا بإسرائيل

تمر على الأمم لحظات فارقة إن أحسنت إقتناصها دفعتها خطوات للأمام, و إن تقاعست و تخاذلت ظلت فى مكانها, إن لم ترجع إلى الوراء أصلاً.و اللحظة التى تعيشها مصر حالياً لحظة فارقة فى علاقتها بإسرائيل...إن شاءت.

إن مناط الأمر بأى تغيير يتعلق بعدة عوامل أولها إرادة التغيير قبل أى شىء, و متى توفرت هذه الإرادة, و متى علت الهمة, سيحدث التغيير بتوفيق من الله..و كان هذا هو سبب نجاح الثورة فى بدايتها.

و من جهة أخرى فإن سفول الهمة و غياب الإرادة و الرؤية كان السبب الرئيس لتراجع دور مصر و تأثيرها.و المفترض أن الثورة جاءت بعدة أهداف منها تعديل هذه الأوضاع الغير طبيعية التى لا تتناسب مع مصر و قيمتها و تاريخها.و التى لا ذنب لمصر فيها سوى أن من حكمها فى الآونة الأخيرة لا يستحق الإنتساب إليها, بله الجلوس على عرشها.

و إذا كان الناس على دين ملوكهم, فإن الحاكم إذا علت همته و قويت عزيمته بث هذه الروح فى نفوس أبناء شعبه و قادهم إلى الفلاح, أما إذا كان جباناً متخاذلاً بث فيهم ثقافة الهزيمة و الضعف و التخاذل, إلا من رحم ربى.

و ثقافة الهزيمة هى التى كات يتم الترويج لها بقوة خلال العقود الماضية.صار نصر أكتوبر هو الأيقونة التى نفتخر بها مع الإصرار بأنها آخر الحروب.تم الإلحاح على فكرة التأثير السلبى للحروب على التنمية-و هو أمر حقيقى-لكن فى الوقت نفسه فإن النظام الحاكم لا هو دفع بالبلاد إلى طريق التنمية مستغلاً (السلام) بيننا و بين إسرائيل, و لا هو حاربها.

تم الترويج لمعاهدة كامب دايفيد بصفتها كتاباً مقدساً و إلتزاماً على مصر التى يجب أن تحترم المواثيق و المعاهدات الدولية.مع أن أى معاهدة يجب أن تكون ملزمة للطرفين, فى حين أن مصر تقوم بأكثر من إلتزاماتها و تقوم إسرائيل بالخرق من جانبها.

تم الترويج لفكرة أن مصر أولاً, و أن العرب يريدون حرباً حتى آخر جندى مصرى, و تم تحويل أصابع الإتهام من إسرائيل إلى الفلسطينيين. و هكذا صارت إسرائيل هى الصديق و حماس هى العدو الذى يهدد الأمن القومى المصرى!!!

تم الترويج لفكرة أن مصر لن تحارب من أجل غيرها.أُختزل الأمن القومى داخل الحدود الجغرافية لمصر فى حين أن الحدود الإستراتيجية أوسع بكثير.

بلغت مصر من الضعف مبلغاً جعل عدداً من المصريين ينقلب من التعاطف مع الفلسطينيين و الغضب من أجلهم إلى الغضب عليهم।هل تتفهمون هذه الأزمة النفسية: ترى أخاً لك يتعرض للعدوان و أنت عاجز عن تقديم العون له فبدلاً من أن تترك ضميرك يتعذب لتقاعسك عن نصرته تلقى عليه جام غضبك لأنه تسبب فى إزعاج و إقلاق ضميرك...ثم يموت ضميرك بطبيعة الحال!!

من دخل الجيش من المصريين خرج منه و هو موقن أن الجيش ما هو إلا نوع من (التهريج المنظم).كان هذا طبيعياً بعد سنوات من الإفساد وقتل روح الإبداع و التطوير داخل الجيش و إعادة إرساء مبدأ (الولاء قبل الكفاءة).و فى ظل الفجوة الكبيرة و التى تتسع يوماً بعد يوم بين قدراتنا و قدرات العدو زاد الإحباط و صار أشبه باليقين لدى الكثيرين أننا يجب أن نتجنب أى حرب بيننا و بين إسرائيل لأنه فى حال حدوث هذه الحرب سيتم (فشخنا).و خصوصاً مع سيطرة الأمريكان على تسليحنا.

من شاهد فيلم (ليلة سقوط بغداد) فليتذكر مشهداً فى بدايات الفيلم حينما توجه بعض أبطال الفيلم لعسكرى متقاعد يستفسرون منه إن كانت مصر تمتلك سلاحاً للردع تدافع به عن نفسها فكان يراوغ فى الإجابة ثم أجاب أن لدينا سلاح الإيمان.و الواقع أن هذا هو السلاح الأهم الذى يمتلكه من تبقى من شرفاء رجالنا فى قواتنا المسلحة, لكنه لا يكفى لوحده, فإن كان الإيمان هو القوة التى جاءت فى قوله تعالى(و أعدوا), فإن الله تلى ذلك (برباط الخيل).

الخلاصة أن المتابع لتعليقات لأعداد من المصريين الآن يرى فيها إستمراراً لروح التخاذل التى كان يجب أن تخمد بعد الثورة.يرى هلعاً و خوفاً من أى خطوة يمكن أن تغضب إسرائيل. و يرى حتى فى خطوة مثل إستدعاء السفير مبرراً للخوف من الحرب.و تذكروا موجة التخويف من أن إسرائيل ستجتاح سيناء بسبب إنشغال الجيش بأمور الوطن الداخلية.و الحقيقة أن مسألة الحرب مع إسرائيل و التخويف منها هى فزاعة النظام الحاكم للداخل, مثلما أن الإسلاميون هم فزاعة النظام للخارج.

يا كل من يقول مصر أولاً, و لن نحارب من أجل غيرنا.سنخاطبكم على قدر عقولكم و نقول لكم لا تثوروا من أجل غزة, فما لكم قد خرست ألسنتكم و قد سال الدم المصرى و تم إنتهاك السيادة المصرية و إخترق الإسرائيليون حدودنا و قتلوا أبناءنا بدمٍ بارد؟

أخذتم تقارنون بين رد الفعل فى عهد مبارك على مقتل أى جندى مصرى بواسطة الإسرائيليين.و فرحتم أن إسرائيل قدمت (أسفها) على ما حدث و وعدت بإجراء تحقيق (لما تفضى)!!!

يا سادة فى عهد مبارك لم يكن يحدث أى شىء, فهل يجوز المقارنة بالصفر؟

يجب أن نقارن بما يجب أن يكون, لا بما هو أقل من الكينونة ذاتها.و الرضا بالفتات و القليل هو من سفول الهمة و ضعف الإرادة التى لا تطمح إلى أبعد مما يلقى إليها و لا ترى فى الإمكان أحسن مما كان.

إن الأسف, و حتى الإعتذار لا يكفى حتى فى حالة القتل الخطأ.و خصوصاً أن هذه ليست أول مرة.فما بالكم بالقتل العمد و إنتهاك السيادة و إختراق الحدود؟ و للأسف يتم التعتيم و الردم على هذه الحقيقة من قبل ولاة الأمر للإستمرار فى الموقف المتخاذل حتى مع كشف حقيقة ما جرى.وأرجو قراءة هذه الشهادة و نشرها على أوسع نطاق.

لا نطالب بشعارات جوفاء و لا عنتريات فارغة لا تقدر وضع البلد الداخلى أو الخارجى.لا نطالب بطبيعة الحال بإعلان الحرب الآن و لا لاحقاً.أقل شىء هو أن يتناسب رد الفعل مع الفعل ذاته.ما نطالب به هو حفظ الكرامة و السيادة المصرية و أن يكون الرد المصرى على قدر المصيبة التى حدثت, لو أننا نؤمن حقاً بقيمة الدماء الزكية التى سالت.

لماذا الإصرار على هذا التقديس المبالغ فيه لكامب دايفيد فى حين أن إسرائيل تخرقها بإستمرار؟إذا كانت كامب دايفيد تقسم سيناء لثلاث مناطق آخرها ممنوع فيه تواجد الجيش المصرى, فإنها تلزم إسرائيل بمنطقة عازلة من جهتها هى أيضاً.فهل تلتزم إسرائيل بهذا؟

كنت أتمنى أن تنتهز الحكومة الفرصة بتنشر قوات من الجيش فى المنطقة ج طالما أن إسرائيل تعيرنا بعدم قدرتنا على السيطرة على أمن سيناء.و لا يتم سحب هذه القوات و لا تستطيع إسرائيل الإحتجاج بمخالفة هذا للمعاهدة لأنها سبق و خرقتها أكثر من مرة, و إذا جرت مفاوضات نجريها من موقع قوة.

كنت أتمنى أن يتم إعلام السفير الإسرائيلى بأنه شخص غير مرغوب فيه, و أن يتم سحب السفير المصرى من تل أبيب و الإعلان بأنه لن يعود إلى أن تعتذر إسرائيل رسمياً و تقوم بتعويض أسر الشهداء بل و محاكمة القتلة المسئولين عن دمائهم। أم أن سليمان خاطر و غيره هم المكتوب عليهم فقط أن يُحاكموا و يضيع مستقبلهم؟!!

كنت أتمنى أن يكون رد الفعل الرسمى على قدر رد الفعل الشعبى.فى أى بلد يستمد النظام قوته من الحراك الشعبى الداخلى الذى يبدو واضحاً كم هو رافض لوجود الكيان الصهيونى.

كنت أتمنى أن تكون هناك خطوات جدية فى تعليق أنشطة التطبيع الرسمى.

كنت أتمنى أن يتوقف تصدير الغاز و أن يتم تفعيل الحكم القضائى الذى أصدره أحد وزراء الحكومة الحالية حينما كان قاضياً.و مع هذا يتم تجاهل الأمر كليةً.

مصر...يا لها من بلد...لو أن من يحكمها رجال.

عموماً فإن التجربة أثبتت أن الأمور لا تتغير عندما نرى إجماع الشعب خلف عبارة(الشعب يريد).

ما نستطيع فعله كأفراد حالياً هو الإصرار على مطلب طرد السفير و عدم التسويف فى التحقيق الذى يجب أن تقوم مصر بعمله لا أن تنتظر هذا الإنتظار المهين لإسرائيل حتى تقوم به, و لن تقوم به.

و فى الوقت ذاته الإصرار على مطالبنا الداخلية من الإسراع بالإنتقال إلى حكومة مدنية منتخبة ذات صلاحيات, لأننا يوماً بعد يوم نرى محاولات لترسيخ فكرة الحكم العسكرى, مع ثبوت فشله فى الوقت ذاته.

و نأمل أن يكون ولاة أمورنا فى الفترة المقبلة من أصحاب الهمم العالية و الإرادة الحرة...و تباً للتبعية و الجبن و الخوار و سفول الهمة ।

---------------------------------------------------------------------------------

على الهامش:قصيدة أنا يا إسرائيل

يـا اسرائيل أنا مش حـكومة ومش نظـام
ومنيش لسان حافظ كلام ومنيش رئيس
ومنيش ملك حوليه بوليس يضرب سلام

أنا كلمة يمكن عمرهـا عمر البـشر بعـام بعـام
يا اسرائيل أنا ابني مات لما مات معنى السلام
واترمــى وسط الحطــام لما صــابو سهـم غـادر
سهم مفلوت الزمــام..
يــا اســرائيل مبؤلش أبـدا دا حـــرام
لكن بؤول إنو الي مات صاحي بمكانه
في بيت لحم في الخليـل في لبنان
واقف هناك لو تسمعوه ..تسمعــوه
بيؤول محال..
هتهون علينا خضرة أو بحر ورمال
هتهون علينا خضرة أو بحر ورمال
عارفة أنا أبأى مين
أبأى كلمـة كـل عـصر
اسمـي ايه وبكل فخر
اسمـي أعظـم اسـم
اسمي مصر ..

هناك تعليقان (2):

حسن مدني يقول...

أخي الحبيب

يحلو للكثيرين المقارنة بين رد الفعل التركي، ورد الفعل المصري حالياً.
مع إغفال تقدير الوضع الداخلي، وعلى رأسه أن تركيا لديها حكومة منتخبة، واقتصاد مستقر. وليس لمصر لا حكومة منتخبة ولا اقتصاد مستقر.

نحن لا نختلف في العداء للكيان الإسرائيلي. وأتفق معك في النقاط التي أثرتها.

ولكن، كان تصوري لإدارة الموضوع كالتالي:
أولا، نشر القوات العسكرية في المنطقة ج، بحجة (معلنة) حفظ الأمن على الحدود. لإبطال هذا الشرط في الاتفاقية، وإبطال الذريعة الإسرائيلية للتدخل. مع إعطاء القوات أوامر صريحة بالتصدي لأي اختراق للحدود الدولي. التصدي أقصد إطلاق النار مباشرة.
ثم بعد ذلك الإصرار على تقديم اعتذار رسمي، وإجراء تحقيق سريع، مع تقديم ضمانات بعدم تكرار ذلك.
مع استخدام ورقة سحب السفير، أو إغلاق السفارة - من كلا الطرفين، كورقة ضغط إضافية. (لعدم حرق المراحل، وتجنب الوصول إلى تصعيد أكبر من طاقة مصر الحالية).

إذا لم يستجب الكيان الإسرائيلي للمطالب المصرية (الاعتذار والتحقيق السريع والضمانات). يمكن عندها سحب السفير، أو طرد سفير العدو على أرضنا. إلى آخر هذه الإجراءات.
وتصبح فكرة مراجعة الاتفاقية خطوة أخيرة في سياق التصعيد الدبلوماسي.

في الوقت نفسه، علينا أن نضغط في اتحاه إجراء انتخابات قريبة، لكي تعود الأمور إلى نصابها. ويعود الجيش لأداء دوره. ويصبح لدي حكومة منتخبة تحظى بالدعم الداخلي اللازم لمواجهة الضغوط الخارجية. في التمويل والسلاح والقمح والضغط الدبلوماسي، ووجود قوات غير محددة في الغرب. وغيرها من أوراق الضغط الخارجية.

كان هذا تصوري العام لإدارة الأزمة (اليوم). ولو كان لدي حكومة منتخبة، لكن أول طلب هو إعادة النظر في الاتفاقية كاملة، وتجميد العلاقات الدلوماسية المباشرة، ومعها اتفاقيات الغاز (التي لا أعمل الوضع القانوني لها، وتداعيات إلغاءها أو إيقافها، وإن كنت أتمنى إلغاؤها اليوم قبل الغد). واتفاقية الكويز. التي من السهل المطالبة والضغط من أجل عدم تجديدها.

تحياتي

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

متفق معك فى كل ما ذكرته أخى العزيز, و لقد ذكرته فى المقال لكنك تفضلت بتفصيله و عرضه بصورة أوضح.و على أية حال لم يكن هناك ما يمنع الحكومة من إنتهاز هذه الفرصة إلا غياب الإرادة الحرة و سفول الهمة فى نفوس لم تتعود إلا على قول:تمام يا فندم.
خالص تحياتى