السبت، 23 فبراير 2013

خواطر عن الحرب في الإسلام



في قضايا عدة يتم توجيه الإتهامات للإسلام, و يكون رد فعل المسلمين هو تقديم إعتذارات و تبريرات. لكن منطق هذه الإعتذارات يكون منطلقاً إما من موضع الجهل, أو في الأغلب من موضع الإستضعاف و الهزيمة النفسية.و في هذا المقال نناقش أحد أهم هذه القضايا و التي يكثر فيها الكلام..و هي الحرب في الإسلام.
فكل فترة يخرج علينا من يتبرم بمصطلح (الفتوحات الإسلامية) و لا يرى فيها إلا صورة من صور الإستعمار, و ربما كان أقرب مثال هو السجال الذي حدث في إحياء ذكرى سقوط الأندلس في يناير الماضي.
مشكلة من يعتنقون هذا الطرح أنهم يحسبون حساباتهم بمقاييس العصر الحالي, و برؤية ليبرالية غربية. و المفارقة أن أغلب من يرد عليهم يكاد ينطلق من نفس المنطلقات, و يرد بنفس الرؤية و الحسابات!!
يتم إتهام الفاتحين المسلمين بأنهم غزاة إستعماريين غزوا بلاد غيرهم و اغتصبوا خيراتها, فيكون الرد عليهم هو نفي التهمة بالمقارنة بين سلوك الإستعمار الأوروبي في البلاد التي إحتلها و سلوط الفاتحين المسلمين في البلاد التي فتحوها. و في سياق آخر يتم عرض و تسويق الحروب الإسلامية على أساس أنها كانت حروب دفاعية تهدف لحماية الدين في بدايته من الإمبراطوريتين الفارسية و البيزنطية و اللتان كانتا تهدفان للقضاء على الدعوة بعد أن إستشعروا خطرها إثر إنضواء كافة القبائل العربية تحت دينٍ واحد. و يتم تسويق الحروب كذلك على أنها حروب تحريرية هدفت لتحرير الشعوب المضطهدة التي كانت ترزح تحت نير الإمبراطوريتين سالفتي الذكر.
في نفس السياق نجد من يعرض الموضوع من وجهة نظر عرقية, و يعرض صلات القربى بين العرب و بين المصريين مثلاً, ثم العرب و البربر. و كأن هذا مبررٌ لطرد الروم الأوروبيين ليحلوا مكانهم!!
و مشكلة هذا الطرح أنه ينزلق لفكرة القومية و القطرية التي لا يعرفها الإسلام أساساً...فالعرب الأوائل لم يحاربوا الفرس لأنهم فرس, أو الروم لأنهم روم, أو البربر لأنهم بربر...إلخ. و لم ينظروا للجهاد على أنه سبيلٌ لتحقيق الوحدة العربية و لا ترسيخ القومية العربية مثلاً, بل لم يعرضوا أنفسهم في الأساس على أنهم عرب و إنما هم مسلمون أولاً و أخيراً .و إنما حاربوا لنشر دين الله, و لتكون كلمة الله هي العليا. أما مسألة الحروب الدفاعية فهي هدف إستراتيجي أولي و ليس منتهى الغاية, و أما تحرير الشعوب المقهورة من الفرس و الروم و غيرهم فهو نتيجة للفتح...و ليس سبباً له كذلك.
الحرب في الإسلام تقتضي أن يقوم المسلمون قبلها بدعوة غيرهم للإسلام و عرضه عليهم, فإن قبلوه صاروا إخواناً لنا في الدين و يبقوا على حالهم و يحكموا أنفسهم بأنفسهم بمقتضى شريعة الإسلام, فإن أبوا الإسلام فليدفعوا الجزية و على المسلمين حمايتهم من أعدائهم, فإن أبوا فهي الحرب. و إذا أتم الله للمسلمين النصر إنضوت هذه الأرض تحت لواء دولة الإسلام و حكمت بشريعته. و من شاء أن يعتنق الإسلام فأهلاً و مرحباً و إلا فعليه الجزية و له ما لنا و عليه ما علينا. و الغاية من كل هذا هي نشر الدين و أن تُحكم الأرض بمقتضى شريعة الله, و لعل رد ربعي بن عامر على رستم يلخص المسألة كلها (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ؛ ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام) 
و ربما لولا إنحراف المسلمين عن الدين الحنيف و تحول الأمر من خلافة إلى ملكٍ عضوضٍ سرى فيه الوهن و نخر فيه السوس, ربما لاستمر الجهاد و لاستمرت حركة الفتوحات الإسلامية و لسادت الشريعة أغلب أقطار الأرض...لكن الله قد قضى بالإستبدال لكل من أوتي نعمته ثم جحدها و نسيها.
هذا بإختصار هو مفهوم الحرب في الإسلام, ليقبله من يقبله, و ليرفضه من يرفضه..لكننا لسنا مطالبين أن نشكل رؤانا و قراءتنا للأمور حسب الرؤى الغربية و لا الأفكار القومية و بالتالي نقدم إعتذارات و تبريرات لكل من ألقى علينا حجراً. و ليس هناك معنى للحكم على تاريخنا بأفكار الواقع المعاصر و خصوصاً أن فكر هذا الواقع مشكلٌ برؤى الغالب المسيطر. و ليس هناك سبيل لأن تكون محايداً في قراءتك للأمور..لا تستطيع أن تكون محايداً طالما أنك رجلٌ حرٌ و صاحب رأي, و الحياد لا يكون إلا في قضية ليس لك بها علمٌ أو مصلحة...فإذا إنتفى الجهل و ظهرت المصلحة فلا حياد...و لكن ينبغي عليك أن تكون موضوعياً و منصفاً.
و الإنصاف يقتضي منا أن نعيد قراءتنا و دراستنا للتاريخ كله, و نقيم كل الحروب في تاريخ الإسلام, فما كان منها في سبيل الله و التزم بأخلاقيات الحروب التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي فتوحات و جهاد, و ما كان صراعاً على ملكٍ زائل, أو غدراً بقومٍ بيننا و بينهم ميثاق..فليس بذلك.
بكل بساطة..لدينا أصولٌ نحتكم إليها كي نحدد نظرتنا للأمور...هذه الأصول هي كتاب الله و سنة نبيه المصطفى, لا الآراء و لا الأهواء...و يقاس الالتزام أو الإنحراف بمدي القرب أو البعد من هذه الأصول.
و من حق الأسباني النصراني أن يرى لنفسه الحق في طرد المسلمين من الأندلس و أن يسمي حروبه حروب الإسترداد و هذا حق دينه عليه, و من واجبي كمسلم أن أدافع عن ديني و عن الأرض التي تُحكم بشريعة ربي, و هذا حق ديني علي.
ربما تبدو الحروب المعاصرة أنها حروب قوميات و مصالح في المقام الأول, لكن سيظل الدين هو أساس و جوهر الصراعات و المحرك لها حتى لو كانت الرؤوس المحركة علمانية أو حتى ملحدة...و في الأوقات التي تتعايش فيها الأديان سلمياً, فإنها ستظل تتصارع فكرياً..و كل منها يأخذ مساحات من الآخر إما على الأرض, أو في عقول و قلوب سكان الأرض..و سيبقى التدافع و الصراع بين الحق و الباطل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و حتى لا يبقى بيتٌ على هذه الأرض إلا بلغه هذا الدين..بعز عزيزٍ أو بذل ذليل...فكونوا أعزة يرحمني و يرحمكم الله.
---------------------------
تم نشر المقال بموقع يقظة فكر 

ليست هناك تعليقات: