الأحد، 28 ديسمبر 2008

غزة


ليس الوقت مناسباً للخطب و الكلمات المنمقة و العبارات الحماسية فقد شبعنا منها,كل منكم يرى الواقع الأسود الذى تعيش فيه الأمة, نعم الأمة كلها تعيشه و ليس أخواننا فى غزة وحدهم فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم, و المسلمون كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى.
هل الدموع و الآهات و الأسف و الحسرات تكفى؟ بالقطع لا, نحتاج لحلول عملية لكى نساعد أخوتنا
ماذا نفعل إذا؟
أسهل شىء هو الجهاد بالمال, أخوتنا فى حاجة لكل قرش نستطيع أن ندعمهم به, يحتاجون للغذاء و الدواء و الوقود, فمن يستطيع أن يوصل لهم من أموال الزكاة و الصدقات فليفعل, و فى مصر تستطيع المساهمة عن طريق لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء و إتحاد الأطباء العرب.
لا تكتف بمالك فقط, شجع من حولك و ابدأ بأهل بيتك, ثم أقاربك و أصدقائك و معارفك, و لا تتوانى فى هذا.
فى الوقت ذاته, اعلم إنك ستقابل فى رحلتك هذه نفراً من ثلاثة: الأول مؤمن بما تؤمن به و يتحرك بإيجابية مثلك, و الثانى محبَط و يائس, و هذا يجب عليك أن تشد من أزره و تعينه لكى يكون إيجابياً مثلك, و أخبره أننا فى حرب دائمة مع عدونا و أن هذه إحدى الجولات و لكن النتيجة النهائية معروفة لنا حسب الوعد الإلهى, أما النفر الثالث فسيكون الطرف الأصعب , ستقابل من هو ناقم على أخوتنا فى غزة و هو يختزلهم جميعاً فى حركة حماس, و لسلن حاله يقول ما تكرره الصحف الرسمية و أبواق النظام, بأن حماس تستحق هذا لخروجها على (الشرعية), فلهذا النفر من الناس نقول لهم: أفيقوا, ليس الآن وقت السفسطة و الجدال و إلقاء اللوم على الآخر, المركب تغرق و الصاروخ لا يفرق بين شرطة حماس و بين الأطفال الرضع, كل من يموت هم مسلمون و بشر فى المقام الأول.
و أرجو أن يراجع كل منا نفسه فى هذه الظروف الحالكة التى تمر بها أمتنا, كلما تسلط العدو علينا فلنتذكر أننا فرطنا فى حقوق أنفسنا بتفريطنا فى أداء حق الله, فليراقب كل منا نفسه و يحصى الذنوب و الأخطاء التى يفعلها, آن الأوان لنكف عن المعاصى و نعود إلى الصراط القويم, كل من هو بعيد عن الله فليسع للقرب منه بأداء الطاعات و البعد عن المعاصى و الزلات, فلنصل الفجر, و لنلزم الدعاء, و لنتقن العمل, و لنشد من أزر بعضنا.
نحن فى حرب مستمرة, يجب أن نعى هذا جيدا, انسوا أوهام السلام و المعاهدة فنحن لسنا فى حالة هدنة حتى بل فى حرب و لكن بصور مختلفة حسب ظروف كل بلد, و الخطر ليس بعيداً عنا بأى حال من الأحوال.

((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))

الجمعة، 14 نوفمبر 2008

عودة طائر مهاجر



حينما بدأت بعون الله فى التدوين فى هذه المساحة, كان هذا فى ربيع هذا العام 2008, و كنت ما أزال أعمل خارج مصر.

و لعل المقال الماضى-فى ذكرى النصر-هو أول مقال أكتبه و أنا متواجد فى مصر فى أجازتى السنوية, لكنى أكتب هذه التدوينة الآن لأعلن لجميع أصدقائى و أخوتى فى الله أننى أكتبها من مصر أيضاً, و أننى بعون الله قد اتخذت قراراً بعدم العودة, و بإنهاء فترة الإغتراب التى امتدت لما يزيد على العامين و بضعة أشهر.

كان لكل من يعرف هذا القرار من أهلى و أصدقائى و معارفى رد فعل تجاهه, فمن مرحب بهذا القرار و مهنىء به و مشجع عليه, إلى من يستغربه كل الاستغراب, بل و يستهجنه كما توحى نظراته و إن لم ينطق بها لسانه.

لكن فى النهاية هذا قرار شخصى له أسباب عديدة و نابع من قناعات شخصية من الطبيعى أن تختلف من شخص لآخر, و قد أعاننى الله لإتخاذه بعد إستخارة و تفكير و الله المستعان.

و الحمد لله قد وفقنى الله لعمل هنا فى مصر, ليس فى مدينتى الحبيبة الإسكندرية, و لكن بالنسبة لى أى مكان داخل وطنى هو أفضل من الإغتراب و البعد عن الأهل.

فى المستقبل بإذن الله أنوى أن أكتب عن تجربة الغربة من منظورى الشخصى, و ليعذرنى أصدقائى و أخوتى لعدم قدرتى فى الفترة الماضية-و الفترة المقبلة-من متابعة كتاباتهم الجميلة و التعليق على رؤاهم و ذلك لعدم تمكنى حالياً من الدخول على النت إلا فى يوم الأجازة الذى أقضيه مع أهلى بالإسكندرية.

و إن كنت فى التعريف بنفسى فى هذه المدونة قد عبرت عن نفسى بأنى(شاب مسلم مصرى مغترب), فالآن يحق لى أن أمحو كلمة مغترب هذه, و لله الحمد و المنة.

و جل ما أرجوه من أخوتى و أصدقائى هو الدعاء لى بالتوفيق و السداد و الثبات فى هذه الخطوة, و فى الخطوات المقبلة بإذن الله.

و جزاكم الله كل الخير.

الاثنين، 6 أكتوبر 2008

فى ذكرى النصر


النصر الذى أكتب عنه اليوم هو نصر السادس من أكتوبر.
ليس غرض المقال بالطبع هو عرض كلام مكرر عن هذا اليوم, و لا كتابة موضوع انشاء من الذين تعودنا عليهم فى المدرسة فى مثل هذا اليوم من كل عام.
لكن بعد مرور 35 عاما على هذه الحرب,نجد أن تفاعل الناس مع ذكراها قد اختلف نوعا ما عن ذى قبل,و هو ما أحب أن أناقشه.
ففى ظل كل الظروف المساعدة على الاكتئاب و الاحباط, نجد أياماً معدودة خلال السنة نشعر فيها ببعض الانتعاش, لما فيها من روحانيات-كرمضان و العيدين-أو لما فيها من ذكريات طيبة –كعيد تحرير سيناء,و كهذا اليوم.
لكن ماذا نفعل عندما نجد أنه حتى فى الأيام القليلة التى نحاول أن نتنسم فيها ذكرى عز أو لحظة فرح, نجد من بيننا من يخرج علينا لينكر علينا حتى هذا الشعور, نجد من يردد كلام أعدائنا بأن نصرنا هذا كان مجرد(دعاية و أكذوبة), و أن العكس هو الصحيح, أن اسرائيل هى التى انتصرت؟!!!
نجد من يسفه مجهودات قواتنا المسلحة فى فترة الحرب, و يمسح كل الخطط و الجهود و العرق و الدم, ليردد كلاماً ليس له نتيجة الا مزيد من الاحباط, مع نشر لروح انهزامية, تلك الروح التى سيكون أعداؤنا أسعد الناس اذا انتشرت و سادت.
أقول لمن يفعل هذا:اتق الله فينا, لا تجعل السوداوية التى تملأك تنسحب على ماضينا لتنفى عنه أى إيجابيات, و تعمى عن رؤية الجمال و العزة و النصر و لا ترى إلا القبح و الانكسارات و الهزائم.
اتق الله فإن تزييف التاريخ هو تزييف لوعى الأجيال القادمة, و قتل للأمل فى نفوسها, فأحياناً عندما يشتد الكرب, و يعظم الخطب, و نجد الدنيا مظلمة حولنا, نحتاج لأن ننظر للوراء, لنقتبس من أنوار من سبقونا, و نتنسم ريح العزة و القوة, و نتعلم من دروس الماضى, نتعلم ممن سبقونا كيف صاروا الى ما صاروا عليه سلباً أو ايجابا, و العاقل من يوظف هذا توظيفاً ايجابيا و لا يركن الى النوم فى الماضى, بل يلتمس منه الدروس و العبر لكى يتقدم الى الأمام.

و إن كنا نرى الكثير من المنافقين يسرفون فى نسبة هذا النصر لرأس النظام الحاكم, فليس معنى هذا أن نسفه النصر ذاته, فالنصر نصر الأمة و ليس من حق أى فرد أن يدعيه لنفسه.
النصر لا ينسب فقط لهؤلاء الذين خططوا و قادوا, بل قبل هؤلاء من حملوا أرواحهم على أكفهم و عبروا و قاتلوا و قُتلوا و استشه\وا فى سبيل الله, و كذلك كل من ساعد فى الدعم و ساهم فى تحقيق النصر.

إن ما نتعلمه من حرب أكتوبر هو أنه كما أن للهزيمة أسباباً و مقدمات تؤدى لحدوثها, فالنصر كذلك أيضاً, و صدق الله عز و جل القائل فى كتابه: ((و أعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم))
فإذا كان رباط الخيل هو القوة المادية المتمثلة فى السلاح و العتاد, فإن القوة المذكورة فى الآية الكريمة كما أفهمها هى القوة الداخلية النابعة من الإيمان, قوة القلب و الروح التى تحرك الجبال و تدك الحصون, و لابد من تواجد الإثنين لكى يتحقق النصر لنا.

إن الهزيمة النفسية يا أخوتى قد تكون أمضى و أشد من الهزيمة المادية, الهزيمة النفسية تعنى التشبع باليأس و الاحباط, و الظن بأنه لا سبيل للتقدم أو إحراز أى نصر, مما يعنى الاستسلام و الموت البطىء.

و لكى يتكرر هذا النصر, فلابد من وجود أسبابه, و صدق الله عز و جل فى قوله((إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم))

كلنا يعرف الآية و يعرف ماذا يعنى أن ننصر الله,لكننا كثيرا ما نغفل و ننسى, بل و نتكاسل و نترك أنفسنا تصاب بالوهن.

الذى يظن أن الحرب إنتهت هو على جانب كبير من السذاجة و الغفلة, الجولات السابقة بيننا و بين العدو هى معارك لكن الحرب مستمرة, و لكى تنتصر الأمة فى النهاية يجب ألا تتخلى عن روح الجندية, يجب ألا تتخلى عن الرباط, أن يكون كل منا مرابطاً فى موقعه, يستطيع أن يسد ثغرته, حتى يكون جاهزاً عندما يحتاجه الوطن.

و جدير بالذكر أن الشخص الذى لا يستطيع القيام لصلاة الفجر, و لا يتحرى الإتقان فى عمله, و لا يلتزم بوعده و مواعيده, هو شخص يفتقر الى تلك الروح, و هذه تذكرة لى و لكم على السواء.

---------------------------

أتعرض الآن لجانب آخر متعلق بحرب أكتوبر, و هو أحداث هذه الحرب و تاريخها الحقيقى.

منذ فترة قريبة كنت أتكلم مع صديق لى عن أحد الكتب التى تسرد أحداث هذه الحرب, فقال لى صديقى:أريد أن أقرأ كتاباً يسرد أحداث الحرب و وقائعها كلها كما حدثت بالضبط!

قلت له:يا صديقى لن تجد أبداً مثل هذا الكتاب.

نظر لى مستغرباً فأوضحت له قائلاً:لن تجد كل الحقيقة مجتمعة فى كتاب واحد, فمن يكتب ربما تكون معلوماته ناقصة لأنه قد رأى أو نقل الجزء الذى يعرفه فقط من الحقيقة, و ربما يكون ما يكتبه تحت تأثير الهوى أو الرؤية الشخصية, و ربما تكون بقية الحقيقة قد دفنت مع أصحابها و ذهبت معهم الى قبورهم, و ليس هذا مقتصراً على حرب أكتوبر فقط, بل تستطيع تطبيقه على أى حادثة تاريخية.

لذا ستحتاج الى أن تقرأ العديد من الكتب, و الدراسات, و المقالات, و مذكرات القادة الذين شاركوا فى الحرب, و أن تطلع على الرأى و الرأى الآخر سواء من كتاباتنا أو كتابات العدو, و فى النهاية ستكون سعيد الحظ اذا وصلت الى 90% من الحقيقة.

و الى الذين لا يعرفون إلا الرواية الرسمية للحرب, و التى سأطلق عليها إصطلاحاً رواية الرئيس السادات, فأحب أن ألفت نظرهم الى رواية أخرى لها اعتبارها و هى رواية الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى فترة الحرب, و تلك الرواية تصطدم مع رواية الرئيس السادات فى عدة نقاط و خصوصاً فى قضية الثغرة,لا أدعوكم بالطبع لتكذيب كل كلام الرئيس السادات, و لا تصديق كل كلام الفريق الشاذلى,لكن القراءة لوجهات النظر المختلفة تسهم فى توضيح الحقيقة إذا ما أعمل الإنسان منا عقله, لذا أدعوكم لقراءتها لكى تكتمل الصورة.كما أدعوكم لزيارة موقع المؤرخ لما يحويه من دراسات و مقالات ممتعة عن هذه الحرب.
ربما قد نتفق أو نختلف حول بعض القرارات السياسية التى أثرت سلباً فى مسار الحرب, لكننا لابد أن نتفق جميعاً على أن المقاتل المصرى الذى عبر القناة و دك خط بارليف و وقف بسلاحه الخفيف أمام الدبابات الحديثة, قد حقق بتوفيق الله و فضله معجزة تسجل بحروف من نور فى سجل الحروب الحديثة, شهد بهذا الأعداء قبل الأصدقاء.


و فى النهاية أقول لكم كل سنة و أنتم طيبين, و كل سنة و أنت طيبة يا مصر.

الخميس، 18 سبتمبر 2008

بدر



فى رمضان, تمر علينا ذكريات عدة انتصارات, ربما كان آخرها تاريخياً هو نصر العاشر من رمضان, لكن سبق هذا أيام عز أخرى, منها على سبيل المثال عين جالوت, و فتح عمورية, و فتح مكة.

لكن أعظم ذكرى, هى ذكرى أول نصر عسكرى فى الإسلام, ذكرى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان, يوم انتصر الحق على الباطل, يوم انتصر الاسلام على الشرك.

إنه يوم بدر

و لا أكتب هنا لأسرد وقائع هذا اليوم بالطبع, فمن منا لا يعرفه

لكن جالت بذهنى بعض الخواطر عن بدر, أول انتصاراتنا, النصر الذى كان تحت راية رسول الله صلى الله عليه و سلم.

فى مثل هذا اليوم, منذ 1428 عاما, قُتِلَ أبو جهل

لم يمت فى فراشه, و لم يقع صريعا لمرض أو وباء.

لكنه قتل بأيدينا, قتله اثنان من شباب المسلمين.

كان فرعون هذه الأمة, كان أشد أعداء الإسلام, كم آذى حبيبنا صلى الله عليه و سلم, و كم آذى صحابته الكرام.

كم لاقى المسلمون منه العنت و الشدة, كم عذب من المسلمين, بل و قتل منهم.

لكن ماذا كانت نهايته؟

قُتلَ الطاغية,بأيدينا

نهاية هذا الفرعون لا تختلف عن نهاية أى فرعون على مر العصور

كل ذهب الى مزبلة التاريخ

إنها فقط مسألة وقت قبل أن تسير الأمور فى الإتجاه السليم, مسألة وقت إلى أن يتجمع جنود الحق فيزيلوا الشرك و الظلم و الطغيان.

حدث هذا من قبل, فلم لا يتكرر؟

إن التغيير سنة كونية يا أخوتى, و التاريخ حافل بمئات الشواهد و الأمثلة.

الأوضاع المقلوبة لا تستمر الى الأبد, و كل ليل و له آخر, و كل أبى جهل و له نهاية و مصير محتم.
و يكفى أن الله وعدنا, و من أصدق من الله قيلا
(( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون))
إذا فمتى يتحقق هذا؟ و ماذا نفعل ليتحقق هذا؟
هل أقول لكم أن كل ما نحتاجه هو أن نصبح كجيل بدر؟

حسنا, سيخرج على الكثير من المثبطين للهمم, و يقولون:أنى لنا أن نصير كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

حسنا,أنتم تنسون أنهم رجال, و نحن رجال, و حسبنا أن نسير على هداهم و هدى الذى اتبعوه ما استطعنا.

لكن إذا استعدنا الروح التى كانت سبباً فى كل يوم عز شهده الإسلام من بعد,سواء فى رمضان أو غير رمضان

اذا استعدنا روح اليمامة, واليرموك, و الزلاقة, و حطين, و عين جالوت, و القسطنطينية, و ما العاشر من رمضان منا ببعيد.

اذا استعدنا هذه الروح, فالتغيير ساعتها على بعد خطوات قليلة.

نحن فى حرب و رباط الى يوم الدين, و طالما أن لأبى جهل أبناء و أحفاد يسيرون على نهجه, و يحيون سيرته و عمله, فلكى يستقيم الحال, يجب أن يكون لمحمد أبناء كذلك, ينشرون النور, و يزيحون الشرك و الظلم و الطغيان.

فهل أنت منهم؟


الأحد، 31 أغسطس 2008

اللهم تقبل منا رمضان


أسأل الله فى هذا الشهر الكريم أن يتقبل منا الصيام و القيام و صالح الأعمال,و لا تنسونى من الدعاء يا أخوتى,فأخوكم بأمس الحاجة اليه,يا رب استجب,يا رب اغفر لنا و حقق لنا آمالنا يا رب

الأربعاء، 13 أغسطس 2008

عن الانتماء أتحدث



من فترة طويلة و أنا أريد أن أكتب عن هذا المعنى الهام الذى أصبحنا نفتقده بشكل كبير بين شبابنا فى الوقت الحاضر
عن الإنتماء أتحدث
و لعل الكثير منكم قد طالع مقال الصحافى الشهير الأستاذ مجدى الجلاد بعنوان:قضية أمن قومى
فى هذا المقال, قص علينا كاتبه قصة جلوسه مع 3 شباب خريجين, قصوا عليه واقعهم الأليم الممزق بين البطالة و العمل بوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم و فى الوقت ذاته لا يجدون من وراءها ما يحفظ كرامتهم أو يسد رمقهم.
و كانت الشىء المحزن هو هذا السؤال الذى طرحه أحدهم: إذا هاجمتنا إسرائيل و إحتلت سيناء مرة أخرى,هل ستذهبون للقتال؟
فكانت الإجابة من الشابين الآخرين بالنفى!!
و ملخص أسباب الأول: أن المرء يدافع عن أرض وطن يشعر دائماً أنه وطنه.. أرض يؤمن من الداخل أنها أرضه.. بلد يمنحه الدفء والأمن والأمان.. حكومة تحقق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع .
و قال الثانى:عايز أسألك: إزاي الواحد منا يخاف علي وطن يأكل أبناءه.. وطن خطفه ١٠٠ شخص، وأصبحوا يمتلكون ثرواته، فكيف نحارب نحن لتحرير أرضه، بينما الوطن وطنهم والأرض أرضهم.. ليذهبوا هم للدفاع عن الأرض، وليتركونا نحن في العيشة الهباب.
و هنا قد ينقسم الناس الى فريقين, فريق يؤيد كلام الشابين على طول الخط, بل و يزيد عليه و يقص علينا من وقائع الفساد و طبائع الإستبداد ما يجعل الدنيا كلها ظلاماً فى أعيننا, و خلاصة رأى هذا الفريق أنه:ليس هناك من فائدة, فلنترك هذا البلد و نرحل!!!
أما الفريق الثانى, فسيسارع إلى إبداء الإندهاش الشديد من الرأى الأول, و ربما سيتهم هؤلاء الشباب-بل و الجيل بأكمله-بضعف الإنتماء, إتهام سريع دون مراعاة الأسباب التى أدت لهذا البلاء, و بعض أفراد هذا الفريق يكون رد فعلهم على الجهة الأخرى تماماً من الفريق الأول, فيسعى إلى تجميل الصورة و يتحدث كأن كل شىء تمام و الحياة لونها(بمبى), و أن الشباب كسول و متعجل و غير صبور....الخ.
و طبيعى أن يكون رد الفعل هذا مصحوباً برد فعل مقابل أكثر تطرفاً من الفريق الأول, فتخيل أنك فى قمة غضبك و سخطك لم تجد من يسعى لإمتصاص هذا الغضب و مناقشة الأمور بعقلانية, بل على العكس تجد من يهاجمك و يتهمك بأنك أنت السبب؟!!و هكذا ندخل فى دوامة لا آخر لها.
و لذا أعلن أنى لست مع الطرف الأول و لا الطرف الثانى على الإطلاق, و إذا جاز لى ذلك فإنى فى منزلة بين المنزلتين.
و طبيعى و أنا أنتمى لهذا الجيل من الشباب أن أكون متفهماً لوجهة نظرهم مهما اختلفت معها, و لأن الوضع لم يعد يقتصر على الشباب فقط, بل إننا نسمع هذه النغمة من شرائح عمرية مختلفة بدءاً من الأطفال!!وصولاً إلى كبار السن.
لأن الوضع صار هكذا, فعندها يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهماً:
كيف أستطيع أن أغرس الإنتماء فى قلب شاب, و هو لا يجد عملاً محترماً يستطيع به أن يصرف على نفسه, بله أن يفتح بيتاً؟
كيف أستطيع أن أتكلم مع شاب عن حب الوطن و هو لم يجد من الوطن نفسه حباً متبادلاً؟
كيف أستطيع أن أتكلم مع شاب عن مصر, و هو لا يعرف من هى مصر أساساً؟
نعم,ألا تدركون أن هذا قد يكون أحد جوانب المشكلة, أننا لا نعرف ما هى مصر, و لا قيمة مصر؟
لا تتعجبوا, فمصر التى نعيش فيها ليست هى مصر التى كانت و التى يجب أن تكون.
مصر ليست الفساد, مصر ليست الزحام و التلوث, مصر ليست البطالة, و مصر ليست القذارة.
مصر ليست الفقر, مصر ليست الجهل, مصر ليست الهزيمة, مصر ليست اليأس و الاحباط.
مصر ليست العبارة, مصر ليست أجريوم, مصر ليست هايدلينا, و مصر ليست بنك القاهرة.
إذا أردت أن أعدد صور الفساد و الخزى فى عصرنا هذا سأملأ سطوراً كثيرة, لكن ليس هذا هو ما أريد.
أريد أن نعى جيداً ما هى مصر
و إذا لمسنا حقيقة الوطن العظيم الذى ننتمى اليه, و إذا عرفنا قيمته, ربما ساعتها سنشعر بالإنتماء اليه, بالرغم من كل الظروف و السلبيات الموجودة.
ليس دور هذا المقال أن يسرد جوانب العظمة فى مصر و تاريخها
لكنى أريد أن أناقش معكم فكرة معينة
إننا كمسلمين نرى بوضوح مدى المهانة و الهوان التى وصل اليها حالنا, فالأمم قد تكالبت علينا, و بلادنا ترزح تحت دكتاتوريات لا ترقب فينا إلاً و لا ذمة, و بلادنا ما زالت أسيرة لقوى الاستعمار الغربى, بعضها بالأسلوب الكلاسيكى للإستعمار كما هو حادث فى أفغانستان و العراق, و البقية أسيرة للاستعمار الإقتصادى و الغزو الثقافى.
و السؤال هنا: فى ظل كل هذا الهوان والضعف, هل يكون الحل هو أن نترك الإسلام؟!!
هل يجوز ألا نشعر بالإنتماء لهذا الدين العظيم, و نفكر بدلاً من ذلك فى أديان و مذاهب الأمم الأخرى المتغلبة علينا؟
بالطبع لا, و بالقطع ألف لا.
العيب ليس فى هذا الدين, و لكن العيب فى الكثير من المنتمين اليه.
و ما وصل حالنا لهذا الا لأننا ابتغينا العزة فى غير ديننا,فأذلنا الله, و حدنا عن طريق النور, فكان من الطبيعى أن نتخبط فى الظلمات.
لكن مع كل هذا, فإن بوادر الصحوة التى بدأت من سنوات, و التى تتسع أفقياً رغم الضغوط الداخلية و الخارجية, تعطى الأمل, بل الكثير من الأمل, و تجعلنا نوقن أن المستقبل لهذا الدين.
نعود لموضوعنا, الإنتماء لمصر
و اسمحوا لى أن أقيس على المبدأ السابق, و خلاصة قولى هنا هى أن العيب ليس فى هذا البلد, العيب ليس فى مصر, و لكن فى بعض المحسوبين على هذا الوطن, و هو منهم براء.
إننا نشعر بالكثير من السخط على هؤلاء الذين اختطفوا الوطن منا, و سرقوا ثرواتنا, و بددوا أموالنا, و باعوا أرضنا.
لكننا لضعفنا-أو بالأحرى لأننا نظن أننا ضعفاء-و نرى أننا غير قادرين على هؤلاء, فإننا نختزل الوطن فيهم, و نصب جام غضبنا عليه.
لكن مصر العظيمة أكبر و أعظم من أن تختزل فى صورة شخص أو عصابة.
مصر هى الوطن الذى ولدنا فيه, و ولد فيه آباؤنا, شئنا أم أبينا.
مصر هى الأرض التى حملت لواء الدفاع عن الاسلام فى عصور مختلفه, و كان لأبنائها شرف الانتصار على الصليبيين و التتار فى غير موقعة, حفظوا بها الاسلام و دياره.

مصر هى البلد الذى أنقذ الشرق الأوسط من المجاعة فى زمن يوسف عليه السلام, و أنقذ الجزيرة العربية فى عام الرمادة.

مصر هى البلد التى كان لها شرف كسوة الكعبة المشرفة كل عام.

مصر هى بلد الأزهر الذى حفظ الإسلام بعلمائه, و الذى خرج أشهر المقرئين, حتى قيل إن القرآن نزل فى مكة, و تلى فى مصر.

مصر هى البلد الذى احتضن الآلاف عبر العصور, و وجدوا فيه الأمن و الأمان.
أعلم جيداً أن هذا التاريخ المجيد لن يوفر شقة لشاب يريد الزواج, أو يوجد فرصة عمل لعاطل.
لكن الذى أدعو اليه, ألا تجعلنا الظروف السيئة نكره بلدنا, نكره مصر و نتبرأ من الانتماء اليها.
و لو كانت الظروف السيئة مبرراً لكى يتخلى الإنسان عن وطنه و يبغضه, لكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه كل الحق فى أن يكرهوا مكة.
نعم, لقد ذاقوا فيها صنوف العذاب و الاضطهاد و الإهانة, و حاول المشركون قتل رسول الله, و مع هذا فإنه فى أول طريق الهجرة نظر اليها و قال أنها أحب البلاد اليه, و لولا أن أهلها أخرجوه منها ما خرج.
و كم من أمة مرت بظروف سيئة و صعبة, فما كانت النتيجة أن تخلى أبناء هذه الأمم عن أوطانهم أو تبرأوا منها, و ليس هناك من داع أن أتكلم عن تواريخ أمم أخرى, فتاريخنا نفسه شاهد على هذا.
عصر الانحطاط الذى نعيش فيه ليس بأول عصر تمر به مصر, الأمم عموماً تمر بدورات من الازدهار و الانحطاط, انه منحنى طبيعى يمكن تطبيقه على كل شىء, بما فيه الإنسان نفسه, و الأمم بدورها تشهد أيام عز تكون فيها فى القمة, و أدوار إنحطاط تكون فيها فى القاع.
لكن عندما تصل الأمة لأدنى مستوياتها, يبرز نفر من الناس, تملأ نفوسهم الرغبة فى التغيير, و كلهم إيمان و تفاؤل و ثقة بأن دوام الحال من المحال,فتلك سنة الحياة.
هؤلاء النفر المصلحون يعملون على الصعود بالمنحنى الى أعلى, يعملون على إعادة تصحيح الأوضاع, و النهوض بالأمة و إعادتها الى دورها الطبيعى.
فى عصر الفراعنة دخلنا فى دور إنحطاط إنتهى بغزو الهكسوس لبلادنا, حتى حرر أحمس البلاد منهم.
و فى عهد الدولة الإسلامية, إحتل الصليبيون أجزاء من أرضنا, فكان لصلاح الدين شرف إعادة بيت المقدس لنا.
ثم جاء عصر انحطاط آخر غزا فيه التتار بلادنا, حتى قيض الله لهم قطز و بيبرس.
و جاء عصر إنحطاط إنتهى بدولة حديثة أسسها محمد على باشا.
و الأمثلة كثيرة جداً, لأنها دورات من قبيل الحتمية التاريخية, و لو خلت الأمم من النفر المصلحين المجددين, لماتت تلك الأمم و انقرضت الى الأبد.
هذا ما يريده أعداؤنا لمصر, فهل نحقق لهم ما يريدون؟
إننا إذ ندافع عن مصر, فإننا ندافع عن أرضنا, عن أهلنا, عن أنفسنا, و عن أبنائنا, و لسنا ندافع عن نفر من المنتفعين و الفاسدين.

إننا ندافع عن بعض القيم الجميلة الموجودة فى شعبنا, ندافع عن الشهامة و الرجولة و الجدعنة, حتى لو كانت هذه القيم فى إنحسار فإنها لم تنقرض و لن تنقرض بإذن الله.
و واجب على كل من يحمل فى قلبه ذرة من التفاؤل و الأمل, أن يبث روح الأمل فى قلوب اليائسين, و ألا يستسلم لدعاوى اليأس و الإحباط و الإنهزامية, و أن يدرك مدى المسئولية الملقاة على عاتقه, لأنه لو استسلم هو للإحباط و تركك نفسه يقع فى براثن اليأس, فمن سيقف فى وجه هذا الطوفان, و ينتشل الشباب من بحار الإحباط؟

ربما سيعتبر الكثير هذا الكلام من قبيل الخطابة و الإنشاء, و أنه غير واقعى, لذا ألخص النتيجة التى أريد أن نصل اليها هنا:

نعم نحن فى عصر نمر فيه بظروف غاية فى السوء, و الذى لا يرى هذا فهو أعمى, و لا عجب أن يسعى الكثير من الشباب الى السفر لتحسين الحالة الإقتصادية, و أنا نفسى أحد هؤلاء, لكن ليس معنى كل هذا أن نكره وطننا, و أن نختزل كل الظروف السيئة و كل الفاسدين و المفسدين فى صورة الوطن, مصر أعظم من أن تختزل فى أى صورة, فلنعرف قيمة مصر جيداً, أعداؤنا عرفوا قيمتها فحاولوا غزوها عبر العصور و ما زالوا يضربونها بمعاولهم ليخربوها, فلا نكن عوناً لهم و نتركها لهم لقمة سائغة.

و يا ريت تقرأوا قصيدة على اسم مصر لصلاح جاهين

و قصيدة قالولى بتحب مصر قلت مش عارف لتميم البرغوثى

يمكن الشعر يكون له أثر أحسن من الكلام الناشف

السبت، 2 أغسطس 2008

الوقوع فى إسار التاريخ


ليس السؤال المطروح هو:هل ممكن أن يقع الإنسان أسيراً لتاريخه؟
بل السؤال الحقيقى هو:هل يمكن ألا يقع أسيراً لهذا التاريخ؟
بدايةً, لا شك أنك تتفق معى أن هناك عوامل متعددة تساهم فى تكوين شخصية الإنسان,منها أسلوب التربية و التنشئة,و منها الظروف المحيطة, و منها كذلك الطبيعة و الجغرافيا و التاريخ, و هذه العوامل الأخيرة تشكل العوامل النفسية المشتركة بين أبناء الشعب الواحد.و لكى تتضح الفكرة فلابد من طرح أمثلة بالطبع:
أبدأ بالحديث عن دول الغرب, فالغربيين و إن كانت الثقافة السائدة فيهم هى الديمقراطية و الليبرالية و تقديس حرية التعبير, إلا أنه عند التطبيق المباشر, تجد شريحة واسعة تنسى كل هذه المبادىء, و يتجلى هذا أكثر ما يتجلى عند تعامل الإنسان الغربى مع الإسلام.
نعم, فالمواطن الأوروبى العادى أسير لتاريخ طويل من الصراع بين النصارى و المسلمين, بدأ بطرد الروم من الشام و مصر و شمال أفريقيا,ثم الحروب مع الدولة البيزنطية فى عهود الأمويين و العباسيين, ثم الحروب الصليبية, ثم الصراع مع الدولة العثمانية التى هزت عروش أوروبا.
حتى الآن, و رغم سهولة الحصول على المعلومات, و رغم تعدد وسائل الاتصال, إلا أن المواطن الغربى العادى يشعر بخوف و قلق من الإسلام, و ليس عنده إلا صورة مختزلة و مشوهة عنه, نفس الصورة التى كانت تُثَبَت فى عقول المقاتلين الصليبيين قبل أن يذهبوا لغزو بلادنا, و رسخت هذه الصورة عبر العصور و ظلت فى عقول الغربيين, و لا يغير هذه الصورة الا التعامل المباشر مع مسلمين حقيقيين يمثلون روح الإسلام الحقة.
و قد يبدو غريباً للبعض أن يرى أن بعض الملحدين و اللادينيين فى الغرب-و الذين يفترض أن يكونوا معادين للأديان كلها-نجد عداوة هؤلاء للإسلام تفوق عداوتهم لأى دين آخر, و هذا راجع أيضاً للوقوع فى إسار تاريخهم, إنهم يحملون نفس النظرة الصليبية فى العقل الباطن, و لو لم يؤمنوا بالدين من الأساس, لكنه تاريخهم و ثقافتهم التى نشأوا فيها.

أضرب مثلاً آخر بأخوتنا الشيعة, فالشيعة قد توقف التاريخ عندهم عند العاشر من محرم سنة 61 هجرية, يوم كربلاء الذى إستشهد فيه سيدنا الحسين رضى الله عنه, و من تقاعسهم عن نصرته فى هذا اليوم فإنهم عدوا أنفسهم عبر العصور مسئولين عن هذه النتيجة, فتجدهم فى هذا اليوم يلطمون و يضربون أنفسهم بالآلات الحادة,تعبير لا معنى له عن الحزن لن يعيد الحسين و لن يغير التاريخ, و فى الوقت ذاته تجدهم يستخدمون مفردات مثل:الثأر الثأر!!!
الثأر مِن مَن؟ للأسف الثأر الذى يتكلمون عنه هو منى و منك و من كل من يعتنق مذهب أهل السنة, لأننا بنظرهم أتباع يزيد و جنوده الذين قتلوا الحسين, و الذين يتحملون وزر ما حدث لأهل البيت, و الذين يجب أن يتحملوا (مظلومية) الشيعة عبر العصور.
و بهذه النظرة الاختزالية للتاريخ تستطيع أن تفهم تصرفات الكثير من أخوتنا الشيعة, سواء فى عصرنا هذا أو عبر العصور المختلفة, و لن يتغير الحال طالما ظلوا واقعين فى إسار نفس هذه اللحظة.

المثل الثالث أضربه بشعبنا المصرى, فشعبنا أسير لتاريخ يمتد الى آلاف السنين, و لا أرانى مبالغاً إذا قلت أنه قلما نجد لشعب تاريخ يفخر به مثل شعبنا.
لكن تعاطينا مع هذا التاريخ يخرج أحياناً فى صورة إيجابية, و أحياناً أخرى فى صور شديدة السلبية.
الصورة السلبية هى عندما نقول أننا أحفاد الفراعنة, و نتكلم عن حضارة السبع آلاف سنة, و نغرق فى الإشادة بماضى أعظم منا, و لا نحاول أن نستلهم منه العبر, و لا أن نتعلم من أجدادنا, و لا أن نسعى لأن نصل لبعض ما وصلوا اليه.
أما الصورة الايجابية, فهى عندما يتغلغل هذا التاريخ فى الجينات, باعثاً فى النفس روحاً تجعل الإنسان المصرى واثقاً من نفسه فى أى مكان يذهب اليه, و فى أى عمل يعمل فيه, حتى إذا ما عُرِضَ عليه أداء عمل صعب و تشكك أحد من قدرته على أدائه رد بكل ثقة قائلاً:عيب عليك,دحنا مصريين.
نعم,فالمصرى يستند بظهره الى تاريخ مجيد, و من يستند الى الهرم ليس كمن يستند الى كوخ من القش, فإذا تعاطى المصرى مع هذا التاريخ بإيجابية, و كان دافعاً له للأمام ليقوم بدوره بأعمال عظيمة, فقد استفاد من تاريخه, أما إذا ركن اليه, و عاش فى ظلاله, فقد وقع حينئذٍ فى إساره.

هنا يجب أن نتساءل:و ما العمل إذاً؟كيف نستطيع ألا نقع أسرى للتاريخ؟
الإجابة:إننا لن نستطيع ذلك, إلا إذا نسينا أو تناسينا التاريخ, و هو ما لا نستطيعه, و ما لا يجب أن نفكر فيه من الأساس, فأمةٌ بلا تاريخ هى بكل بساطة أمة بلا هوية.
الحل برأيى هو التوازن, نعم, يجب أن يكون الإنسان متوازناً عندما يتعاطى مع التاريخ, سواء تاريخه أو تواريخ الآخرين.
يجب أن نتخلص من القراءة الاختزالية للتاريخ, و يجب ألا يكون تحديد مواقفنا تجاه الآخرين مبنياً بالأساس على قراءة أحداث تاريخية معينة, و هنا يجب أن أطرح أمثلة معكوسة للأمثلة الأولى كى تتضح الفكرة أكثر:
المثل الأول هو فى التعامل مع الغرب, إذا وقعنا فى إسار التاريخ, حينها سنرفض كل ما يأتينا من الغرب, فلم نر منه عبر تاريخنا إلا الإستعمار و القتل و النهب و نشر القيم الرديئة...الخ
لكن النظرة المتوازنة للأمور يجب أن تدفعنا الى عدم رفض الغرب ككل, و لا وضع كل الغربيين فى قالب واحد, فالغرب ليس شراً خالصاً, و كما أنه ملىء بالقيم الرديئة و الثقافات الفاسدة, فبه أيضاً التطور و العلم و كثير من الأشياء التى نستطيع أن نتعلمها, فنحن كبشر لا نستطيع أن نعيش فى جزر منعزلة, لقد خلقنا الله أمما مختلفة (لنتعارف), و هذا هو التكامل الإنسانى بين البشر, فكل منا فى حاجة للآخر.
يعنى دولة مثل فرنسا مثلاً, دولة أوروبية متقدمة فى مجالات عدة, ترى من بنى جلدتنا من يغرق فى الإعجاب بها لدرجة التقديس, و يصفها بمنارة الحرية و شعاع الثقافة و الفن.
لكننا فى الوقت ذاته يجب ألا ننسى أن فرنسا هذه كانت المصدر الرئيس لحشد المتطوعين فى الجيوش الصليبية(لاحظ أن لفظة الفرنجة مشتقة من كلمة الفرنك أى الشعب الفرنسى),و لا يجب أن ننسى فى الوقت ذاته ما فعلوه فى بلادنا و دخولهم الأزهر بخيولهم, أو ما فعلوه فى الجزائر و فى كافة البلاد التى استعمروها.
كل هذا لا يمنع الاستفادة من العلوم و الآداب, و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدت, و قد كان للبعثات التى أرسلها محمد على دوراً مهماً فى بناء الدولة المصرية الحديثة.
من 10 سنوات,احتفل بعض مثقفينا و على رأسهم وزير الثقافة بمرور 200 عام على قدوم الحملة الفرنسية, مشيدين بدورها (التنويرى)و أنها أدخلت المطبعة لمصر, و صدق من قال:ما قيمة المطبعة يجرها المدفع!! حقاً هذا هو الوجه الآخر للعملة, فكما أرفض الوقوع فى إسار التاريخ, أرفض كذلك نسيانه بالكلية, أو على الأقل إختزاله.

حسناً, و ماذا عن الشيعة؟ هل نضعهم جميعاً فى خانة العداء, و نقع أسرى للتاريخ مثلهم؟ أم يجب أن يكون عندنا نوع من التوازن فى الرؤية و تقدير لمصالح الأمة العليا؟
هل نتخذ موقفاً سياسياً معادياً لحزب الله فى لبنان حتى لو كانت حربه مع إسرائيل؟و هل نفرح لو ضرب الأمريكان إيران و ننسى أن هذه دولة تؤمن بأنه لا إله إلا الله؟
لا أقول أن ننسى التاريخ, لكن لا تجعله عقبة فى تعاملك معهم, تعامل بشكل عادى, و لكن كن على حذر, تذكر أن من هؤلاء خرج ابن العلقمى الذى باع بغداد للتتار, و منهم الصفويين الذين تحالفوا مع النصارى لضرب الدولة العثمانية, و منهم من يتعاون مع الأمريكان فى العراق حالياً.
الخلاصة:عندما تتعامل مع الآخر,كن متوازناً, لا تنس التاريخ و كأن شيئاً لم يكن, فما تم بالأمس قد يحدث اليوم أو غداً, لكن فى الوقت ذاته, لا تدع هذا التاريخ عائقاً يمنك من التواصل مع الآخرين, و الإستفادة منهم.
لا تدر وجهك بعيداً و ترفض الآخر ككل, و لا تنس نفسك و ماضيك فتقبله ككل, خذ منه ما ينفعك, و ميز الذى يضرك و اطرحه بعيداً, تعامل بطريقة طبيعية, و لكن بعقل, و حذر.

الاثنين، 21 يوليو 2008

العرب و مصر:فتح أم غزو؟

لم أكن أتصور أنى سأكتب عن هذا الموضوع, لأنه من البديهيات بنظرى, و عادة ما أجد هذه الشبهة تتصدر بعض كتابات المستشرقين, مخالفين بها ما أثبته التاريخ, و مخالفين بها أى روح موضوعية.
لكن وجدت أن هذا الموضوع قد طُرح بالصدفة على أحد المجموعات البريدية, و قام أخ فاضل بالإعتراض على وصف مصر بالدولة(العربية), و تساءل عن سبب الغاء هوية مصر و تاريخها من أجل عدة آلاف من العرب قاموا بغزو مصر بقوة السلاح من 1400 سنة؟!!!
و عندما تفضل بعض الأخوة بالرد, وجدت الأخ الفاضل قد صرح قائلاً أنه: يحلو للبعض أن يسمى الغزو فتحاً. هذا غير الكلام عن عنصرية العرب.
و لهذا أود أن ألفت نظر الأخ الفاضل-و غيره ممن يتبنى هذا الرأى الى الحقائق التالية:
*إن الإختلاف حول لفظ الفتح أو الغزو يتوقف على الجانب الذى نقف فيه, لكن إذا مررنا بالأحاديث النبوية التى تكلمت عن مصر, و اخترنا منها هذا الحديث:((إنكم ستفتتحون مصر, و هى أرض يسمى فيها القيراط, فإذا فتحتموها فأحسنوا الى أهلها, فإن لهم ذمة و رحما, أو قال: ذمة و صهرا)) صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم, و الحديث وارد بصحيح مسلم.
و بما أن الأخ السائل اسمه (محمد), فأحببت أن أذكره بهذا الحديث, فليس لفظ الفتح لعباً بالألفاظ من أحد.
*المنصفين من المستشرقين قد استخدموا نفس المصطلح-الفتح-فى وصفهم لدخول العرب لمصر, و يمكن مراجعة بعض الكتب الشهيرة فى هذا المجال مثل: (فتح العرب لمصر)للدكتور ألفرد بتلر, و( الدعوة الى الاسلام )لتوماس أرنولد, و (حضارة العرب) لجوستاف لوبون, و غيرهم.
و الغريب أن المنصفين من كتاب الغرب لم يتجنوا على الفتح العربى بمثل ما نتجنى نحن عليه, و اذا قارنا بين سلوك العرب فى مصر, و سلوك أى غازى, يتضح الفرق, و التاريخ يشهد.
*المشكلة ليست فى الألفاظ-فتح أو غزو- بقدر ما هى مشكلة فى المفهوم, فوصف الفتح بأنه عربى هو وصف مبتسر, بل و عنصرى, فالعرب الفاتحين فى هذا الوقت لم يكونوا ينظرون لأنفسهم على أنهم عرب يحاربون قوميات أخرى, بل على أنهم مسلمون يحملون رسالة الى بقية الأمم, و مسئولية هى:إخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد.
*عند التحدث عن العرب الفاتحين هؤلاء, هل ننسى أنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم, هل ننسى أن منهم عمرو بن العاص و عبادة بن الصامت و الزبير بن العوام و أبى الدرداء و غيرهم؟
إن بعض المستشرقين المغرضين يصرون على الوصف العنصرى(الفتح العربى), ليكون هذا مقدمة لشىء أبعد و هو الطعن فى الفاتحين, ثم نتبعهم بحسن نية و ننسى أننا بهذا نطعن فى صحابة الرسول الكريم, الذين حملوا الينا الرسالة, و من اسلم منا فإن إسلامه فى موازين حسنات هؤلاء.
إن مصر قد تعرضت خلال تاريخها الطويل الى الاحتلال من قوى و حضارات مختلفة, غزانا الهكسوس, و الآشوريين, و النوبيين و الليبيين, و الفرس,ثم الاغريق, و بعدهم الرومان.
مع كل هؤلاء, لم يتغير لسان مصر, و لم يعتنق المصريون أديان الغرباء, بل إن من الغرباء من عبد آلهة المصريين, مثل البطالمة.
الديانة المسيحية دخلت مصر و اعتنقها المصريون قبل أن تصبح ديناً سائداً للإمبراطورية الرومانية, و حتى بعد ذلك لاقى المصريون منهم أقسى صنوف الاضطهاد بسبب اختلاف المذهب, و لم يغير المصريون مذهبهم.
حتى أتى المسلمون, و حررونا من ظلم الرومان, و أعادوا العدل الى الأرض, و رأينا ذلك, فاعتنق منا الإسلام من اعتنق, و ظل بقيتنا على دينه الى يومنا هذا.
و صارت مصر عربية الهوية فى نهاية المطاف, قبلت مصر الإسلام مصحوباً بالعروبة, التى هى هوية أكثر منها بجنس.
إذا ماذا يجدى الآن إثارة تساؤلات مثل هذه؟ ألا ينبغى ألا ننساق وراء دعوات الانسلاخ من الهوية, و نميز الغرض الحقيقى منها؟
ألا يجب أن نعقل أن الأمر أبعد من مجرد الطعن فى جنس الفاتحين, لكنه تمهدة للطعن فى عقيدتهم؟
إنى بالطبع لا أتهم الأخ السائل بهذا, فإنى أحسبه على خير, و لكنى أرى أنه بحسن نية يردد أقوال المغرضين من المستشرقين و أعوانهم.
و تبقى فى النهاية مقولة:عنصرية العرب, و القومية العربية.
فلا يخفى عنكم أن دعاوى القومية فى العصر الحديث قد نشأت فى أوروبا و نمت خصوصا فى القرن التاسع عشر, و إستوردناها كمثيلاتها من الأفكار الغريبة على مجتمعاتنا, و التى ليس لها جذور فى تربتنا.
و هكذا وجدنا من يقومون بما أسموه(الثورة العربية الكبرى) ضد الأتراك و الحكم العثمانى, و ليس بخاف عنكم دور الاستعمار الغربى فى إذكاء هذه الروح العرقية لهزيمة دولة الخلافة.
ثم وجدنا من يرفع راية القومية العربية ظنا منهم أنها السبيل الوحيد لضم صفوف العرب, ناسين أن الرسول الأكرم لم يوحد قبائل العرب تحت راية العروبة, و لكن تحت راية لا اله الا الله.
و هكذا, فإن الطعن فى دعاوى القومية نفسها,و التى لم تحقق ما أرادت, لا يجب أن ينسحب بالطعن فى العرب أنفسهم, و ننسى أن الله إصطفى منهم خير البرية.
و إذا كان سلوك بعض العرب فى عصرنا هذا متسماً بالعنصرية, فهذه من الخيبة العربية المعاصرة, التى هى إحدى صور تراجعنا فى كافة المجالات, و بعدنا عن روح الدين, فلا يجب أن نؤاخذ الكل بذنب البعض, و ليس الإنسلاخ من العروبة هو الحل, و على من يطرحون هذا الحل أن يقدموا الينا البديل, و لا أظننا سنجده.
إننا كمصريين لا يجب أن نكون ممزقين بين الوطنية المصرية, و القومية العربية, و الهوية الإسلامية, فهناك أولويات يجب أن نعيها, يجب أن نعى من نحن حقاً, و لكن لهذا حديث آخر.

------------------------------------------------------------------------------
تحديث
بعد كتابة هذا المقال, قرأت مقالين للأستاذ فهمى هويدى يتناولان نفس الموضوع, رداً على محاضرة ألقاها أسقف قبطى يعتبر أحد القيادات الكنسية فى مصر, و تناول فى محاضرته مسألة الفتح الاسلامى بنفس الفكر و الأسلوب المغرض, مما يضع دليلاً عملياً على وجود مخطط وراء طرح هذه الافتراءات, و كذلك نرى بوضوح من يقف وراءها.
أنصح بقراءة هذين المقالين القيمين: طعنة للجماعة الوطنية , العيش المشترك له شروط
و أختم برأيٍ قد قرأته منذ زمن للشيخ محمد الغزالى رحمه الله
يقول الشيخ:((جاءت المسيحية لمصر و انتشرت,فاعتنقها من اعتنقها, و بقى من بقى على الوثنية, و لم يقل عاقل و لا مجنون لمن تنصر إنك قد فقدت وطنك بتنصرك!!
ثم جاء الإسلام, فأسلم من اسلم, و بقى من بقى على نصرانيته, فلماذا يريدون أن نفقد وطننا بإسلامنا؟؟!!))