الاثنين، 14 يوليو 2008

العامل الحفاز

قبل أن تنخدع بالعنوان, فليس هذا المقال حصة فى الكيمياء, و لكن لأن الكيمياء ما هى إلا علم ملىء بالأسرار التى قد تعبر بطريقة فلسفية عن بعض نواحى حياتنا, و لأن حياتنا نفسها ليست الا سلسلة من المعادلات و التفاعلات, كان من الطبيعى أن أستخدم هذا المصطلح الكيميائى.
لا أعتقد أنى بحاجة لشرح ماهية العامل الحفاز الكيميائى, و لا تقل لى أنك لا تدرى لأنك كنت فى القسم الأدبى-الا لو كنت أدبى فى 2 اعدادى فهذا شىء آخر-المهم, العامل الحفاز فى الكيمياء هو مادة تضاف الى عناصر التفاعل لكى تزيد من سرعة التفاعل ذاته, لكنها لا تتأثر بذاتها, حيث يمكن استعادتها فى نهاية التفاعل.
و من البشر من يمكن اعتبارهم عوامل حفازة بدورهم, من البشر من له تأثير على غيره, بحيث يبث فيه طاقة ايجابية و منشطة, و يجعله يتقدم للأمام بدوره, لكنه فى الوقت ذاته يبقى على حاله, و لا يتقدم بدوره.
من البشر من تستطيع أن تلجأ اليه كلما احتجت الى نصيحة, أو الى مستشار حكيم, لكن اذا نظرت لحاله وجدت أنه يحمل حكمة يفيد بها غيره و لم يفد بها نفسه.
من البشر من يعتبر دوره فى الحياة أن يكون ناصحاً أميناً, و مرشداً و موجهاً, لكنه مع ذلك لا يمشى للأمام مع من يرشدهم و يوجههم و يسدى اليهم النصائح!!
و هنا يتبادر للذهن سؤال, هل هناك خلل فى هذه النوعية من الناس؟ أم هل هؤلاء من الذين قد ينطبق عليهم قول الله تعالى ((يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون,كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))؟
بداية يجب أن نوضح أن هذا الصنف الذميم من الناس ليس المقصود فى هذا المقال, فنحن هنا لا نتكلم عن المنافقين و لا الكاذبين, لا نتكلم عن الذين يظهرون أمام الناس و هم يلبسون ثياب التقى و يأمرونهم بالمعروف و لا يفعلونه, أو ينهونهم عن المنكر و لا ينتهون عنه.
لكن أريد أن ألفت النظر لتوجيهات نبوية, فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الدين النصيحة, كما قال لنا : لا تحقرن من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجه طليق.
نعم, لا تحقرن من المعروف شيئاً, كلمة بسيطة منك, أو نصيحة صغيرة اذا خرجت من قلبك بإخلاص و صدق, قد تترك فى نفس متلقيها أثراً لا ينمحى, بل قد تغير حياته الى الأبد, و مثل الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة اصلها ثابت و فرعها فى السماء.
صديق لى ركب مرة مع سائق تاكسى و تجاذبا أطراف الحديث, و تطرقا الى مسألة الفتن التى يزخر بها زمننا, فقال صديقى:فى هذا الزمن نحتاج أن نلزم هذا الدعاء النبوى:اللهم يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلوبنا على دينك.
مرت الأيام, و قدراً ركب صديقى مع نفس السائق, و تذكره, فقال له السائق:هل تذكر حديثنا؟ لقد علمتنى دعاءً أسأل الله أن يجعله فى ميزان حسناتك, و ما زلت أدعو به من يوم لقيتك, و أحسست بمعناه عندما ركب معى زبون غير مسلم و أخذ يستدرجنى فى الحديث و يلقى لى بعض الشبهات,فتعوذت بالله و لزمت هذا الدعاء أكثر, فجزاك الله خيرا!!!
الغريب أن صديقى هذا لم يكن مواظباً بدوره على هذا الدعاء, لكنه فى حواره مع الرجل ألقى هذه البذرة, و لاقت بفضل الله تربة تنمو بها.
و من هنا أصل لسؤال هام: هل يجوز أن ننصح الناس بأشياء من الخير, و نحن لا نفعلها؟
فى رأيى أن هذا كله متعلق بالنية, يعنى يوجد بالتأكيد فارق كبير جدا بين من يدعو الناس للخير رياءً و سمعة, و كى يظهر أمام الناس غير ما يبطن, و بين من يدعوهم الى الخير و هو ينوى صادقاً أن يفعله عما قريب.
نعم, فربما يدفعك دينك و إيمانك الى بذل النصح لإنسان فى موقف يحتاج النصيحة, لكن يدخل لك الشيطان من مدخل أنه لا ينبغى لك أن تنصح غيرك قبل أن تلتزم أنت, و فى النهاية لا تنل أى من الحسنيين:فلا أنت أسديت لأخيك النصيحة فكسبت ثوابه, و لا أنت التزمت بها بدورك.
اذا وقفت فى مثل هذا الموقف, فكن ايجابياً و لا تتردد, و إن سخر منك أحد لأنه يرى أنك لست مؤهلاً لأن تعظ غيرك و أنت نفسك بحاجة للوعظ ,فلا يكن هذا دافعاً لك الى السلبية, بل اجعل من هذا دافعاً داخلياً لك لكى تحسن من نفسك, و تلتزم بما تدعو غيرك لفعله, لأن هذا موقف أخلاقى قبل كل شىء: لا تنه عن خلق و تأتى مثله........عارٌ عليك إن فعلت عظيمُ
كى يزيد احترامك لنفسك لابد أن تلتزم بما تدفع غيرك لفعله, و ان لم تكن فعلته بعد و لكن لديك النية الصادقة لذلك فى القريب العاجل فانصح و لكن لا تسوف و تنتظر هذا القريب العاجل الى الأبد, فأنت لا تعلم متى يحين الأجل.
الخلاصة: حاول أن تتخلص من دور العامل الحفاز, كن شريكاً فى التفاعل, و لا تتوانى عن اصلاح نفسك بالتوازى مع اصلاح الآخرين, أما اذا كنت سلبياً, فلن تصلح نفسك, و لن تصلح الآخرين, أو على الأقل ستصلح الآخرين و تدفعهم الى الأمام ثم لن تجد أحداً تدفعه لأن الجميع قد سبقوك و أنت واقف فى مكانك, و هذا تذكرة لنفسى قبل أن يكون تذكرة لأى أحد.
و الله من وراء القصد.

هناك 6 تعليقات:

شــــمـس الديـن يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة

الموضوع اللي حضرتك بتتكلم عليه ان فيه بعض الناس بتكتفي بدور المتفرج في مسرح الحياة دون المشاركة فيها ... يمكن دا بيرجع انهم بيكونوا ليهم وجة نظر خاصة في التعامل مع العالم الخارجي

بس علي فكرة فيه قاعدة فقهية سمعتها ان اتيان المنكر لا يمنعك من النهي عنه ... ليه ؟ اولا لان الانسان خطاء , و لان الواحد المفروض انه مش يجاهر بالمعصية و حتي لو ربنا ابتلاه بيها لازم يتواري خجلا و مش يشجع عليها

لكن الانسان المنافق المحترف التظاهر بشئ و ابطان شئ اخر دا افبح انوع الناس علي الاطلاق و لا مجال للمقارنة بينه و بين الانسان الجيد و لكنه قد يذل في معصية ما و لكنه ليست من صميم طبعة

لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض , فالتواصي بالحق بين الناس كويس و ممكن الواحد يلعب الادوار كلها , ممكن في مرة يقول كلمه لا يلقي لها بالا و تكون عميقة التأثير في نفس انسان اخر ... وممكن انت تتأثر بكلمة شخص ما و تغير حياتك

هو الامر اننا تحاول باستمرار اننا نساعد بعض اننا ننهض مش مجرد حد يبقي ناصح و حد متلقي النصيحة

المقالة بتعالج مبدأ جميل علي فكرة :)
خالص التحية

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

جزاكى الله خيرا أختى الفاضلة,و الحقيقة أن الشيطان إن لم يقدر على أن يوقعنا فى الخطأ و يجعلنا نكتسب سيئات, فغنه من جانب آخر يحاول منعنا من فعل الخير و بالتالى من اكتساب الحسنات و نيل الثواب, و خدعه و أساليبه و تلبيساته كثيرة, و العياذ بالله.
لذا نحتاج أن نشارك فى الاصلاح قدر استطاعتنا, و أن نغير حياة من حولنا للأفضل, لكن فى الوقت ذاته علينا ألا ننسى ذاتنا, ربما يكون هذا وجه آخر لصورة الاصلاح بالتوازى.
جزاكى الله خيرا, و خالص تحياتى :)

باسم يقول...


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اخى الكريم محمد
بارك الله فيك بكل خير
نعم اخى المسلم الحق هو كما الغيث اينما وقع نفع
و المسلم الحق يجاهد نفسه و كل ما حوله ليخرج من ايطار قوله تعالى
اتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسكم و انتم تتلون الكتاب افلا تعقلون
نسأل الله العفو و العافية لنا جميعا
و ان يرزقنا اسباب طاعته و محبته و العمل بها الى ان نلقاه على خير ما يحب و يرضى لعباده
جزاكم الله كل خير و الى كل خير دائما اخى الحبيب خير تنتفع به و تنفع به كل من حولك

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
أخى الحبيب باسم
بارك الله فيك
نعم صدقت, نحتاج أن نتذكر هذه الآية الكريمة, و تكون نصب أعيننا و نحن ننصح الآخرين
و فى الوقت ذاته لا نجعل الشيطان يخدعنا و يعوقنا عن الخير
جزاك الله خيرا يا باسم على تعليقك و دعائك, ربنا يبارك لى فيك يا أخى

محمد عبد المنعم يقول...

كلام سليم... أنا موافق بالثلث :)

أولا: تعليق على مداخل الشيطان و النفس:
أولا يوقع الإنسان في الشرك
فإن لم ينجح ففي البدع
فإن لم ينجح ففي الكبائر
فإن لم ينجح ففي الصغائر
فإن لم ينجح ففي التوسع في المباحات
فإن لم ينجح ففي الغفلة عن الدعوة و عن ذكره على الدوام
و هكذا...

ثانيا تعليق على أصول الدعوة:
العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرط لصحة الدعوة، أما العمل به فليس شرطا لصحة الدعوة إلا إذا كان تكاسلا أو نفاقا ...إلخ ... فالمطلوب كما ذكرت أنت أخي الكريم هو استرضاء الله بالعلم و العمل و الدعوة في آن واحد.

نسأل الله الإخلاص و القبول

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

أخى الفاضل عبد المنعم
نعم,الشيطان لا ينفك يدخل لنا من أى ثغرة يجدها
و التعامل مع هذا العدو يحتاج ليقظة دائمة منا, و همة عالية
و نسأل الله الإخلاص و القبول, و النجاة من حبائل الشيطان و تدليسه و تلبيسه
جزاك الله خيرا يا أخى, نورت المدونة