المشهد الأول:
قدم رسول الله المدينة فلما دخلها جاء الانصار برجالها ونسائها فقالوا الينا يا رسول الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار فخرج اليهم رسول الله فقال أتحبونني فقالوا أي والله يا رسول الله فقال وإنا والله أحبكم وانا والله أحبكم وأنا والله أحبكم .
عندما أتذكر هذا المشهد لا يسعنى إلا أن ابتسم و أنا أشعر بمدى حنو سيدنا رسول الله على أطفال المسلمين, و على حبهم الفطرى له, و على حبه الكبير لنا.
لو كنت طفلاً على عهد النبى, بالطبع كنت سأنال من هذا الحب, لكن حسبى أننى كمسلم أحتل مساحة فى قلب رسول الله, و أصابتنى دعوته من قبل أن أولد, حتى و لو لم يرنى.
المشهد الثانى:
أُتى النبي الكريم صَلى الله عليه وسلم بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء". فقال الغلام: لا ، والله لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا. فتلَّه ( أي وضعه ) رسول الله صَلى الله عليه وسلم في يده.
ما الذى دعا الغلام لفعل هذا؟ هل هى أنانية و قلة ذوق؟ بالطبع لا, إنه الحب.
و أنظر لرسول الله الذى إستأذن الغلام و إحترمه و لم ينهره, و أنظر لبلاغة الغلام و كيف عبر عن حبه لشخص النبى.
و كم تأثرت عندما اتصل بى شخص عزيز على ليدعونى على الغداء عنده, اعتذرت بلطف بأنى قد أكون مرتبطاً بموعد آخر, فكان رده:أنت وعدتنى أن تأتى عدة مرات, فإعتذر عن موعدك الاخر, فإنى لن أؤثر بنصيبى منك أحدا!!
المشهد الثالث:
بكي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله الصحابة: ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال: ( اشتقت إلي إخواني ) قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( لا أنتم أصحابي، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ).
نحن قد أتينا بعدك يا رسول الله, وُلدنا مسلمين لآباء مسلمين, فصرنا مسلمين بالوراثة و لكن يعلم الله أنه كلما عرفناك أكثر, أحببناك أكثر, و لقد آمنا بك و لم نرك, فهل نستحق مع كل ما نحن فيه أن نكون أخوانك؟
ربما قد أكون مفرطاً و غير جاد فى حبى, لكن كلامك هذا يعطينى الأمل.
لأنك تحبنا يا رسول الله.
المشهد الرابع:
كانت أمنا عائشة أم المؤمنين تسأل رسول الله:يا رسول الله كيف حبك لي؟ فقال صلى الله عليه وسلم : مثل العقدة في الحبل ٌ فكانت رضي الله عنها تسأله كيف حال العقدة؟ فيجيب هي على حالها.
ما أعظمك يا رسول الله !أهكذا كنت تحب زوجك؟
نعم, فكونك قائداً لأمة لا يتناقض مع كونك زوجاً عطوفاً, و رؤوفاً, و رقيقاً, و محباً لزوجك.
يعلم الله أنى هكذا سأحب امرأتى, فقط سأحتاج أن أكون محمداً, و أن تكون هى عائشة.
المشهد الخامس:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عريفي عنقه السيف وهو يقول( لم تراعوا لم تراعوا)
هذا رسول الله الذى وقف يوم حنين و قد تفرق الناس من حوله ليقول بأعلى صوت:(أنا النبى لا كذب, أنا إبن عبد المطلب), بأبى أنت و أمى يا رسول الله, ما أشجعك, و ما أقواك, إنى بمجرد قراءتى لهذه القصة أشعر بالأمان.
المشهد السادس:
عندما أسر المشركون سيدنا زيد بن الدثنة بعد وقعة الرجيع, سأله أبو سفيان قبل أن يقتلوه: " أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه، وأنك في أهلك، قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ".
المشهد السابع:
و فى صلح الحديبية, وفد عروة بن مسعود من قريش ليتفاوض مع رسول الله, وجعل يُكلِّم النبي- صلى الله عليه وسلم- ويرمق أصحابه، فوالله ما انتخم النبي- صلى الله عليه وسلم- نخامةً إلا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم.. فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره، وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم، وما يحدِّون إليه النظرَ تعظيمًا له.
فرجع عروة إلى أصحابه فقال:" أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا يُعظِّمه أصحابه كما يُعظِّم أصحاب محمدٍ محمدًا، والله ما انتخم نخامةً إلا وقعت في كفِّ رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده.
فرجع عروة إلى أصحابه فقال:" أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا يُعظِّمه أصحابه كما يُعظِّم أصحاب محمدٍ محمدًا، والله ما انتخم نخامةً إلا وقعت في كفِّ رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده.
إن الحب الذى نكنه لرسول الله صلى الله عليه و سلم حب غريب, لن أقول إننا جميعاً نحبه بصدق, فإن المحب لمن يحب مطيع, و لذا فإن محبة الكثير منا له ليست جادة, لكن فى قرارة نفس كل مسلم و لو كان عاصياً, حب رسول الله راسخ.
يكفى أن تقص على أى إنسان سوى بعض المشاهد من حياة رسول الله, فلا يملك إلا أن يعجب به, و يعظمه, و يبجله, و ..و يحبه.
حب رسول الله راسخ فى قلوب جميع المسلمين, الحب الذى يوحدهم, به وحد الله العرب بعد أن كانوا قبائل متفرقة, إختاره الله لكى يوصل لنا الرسالة و يعلمنا الإسلام, إختاره الله و إصطفاه لكى ينقلنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
حب رسول الله المصطفى المختار عامل مشترك بين كل المسلمين على إختلاف ألوانهم و ألسنتهم, إن أنس لا أنس هذا العجوز الماليزى الذى كان يطوف بجوارى حول الكعبة, كنت أدعو ثم بدأت أصلى على رسول الله بصوت مرتفع:صلى الله على محمد, صلى الله عليه و سلم, فإذا به يدير رأسه إلى و هو يبتسم و يردد معى:صلى الله على محمد, صلى الله عليه و سلم.
لا أكتب هذا الكلام بترتيب معين, و لا أريد أن اردد أن حبنا الحقيقى لرسول الله يجب أن يتمثل فى التمسك بسنته و التطبيق العملى لها, فليس منا من لا يعلم هذا فى قرارة نفسه, لكن هذه الأسطر دفقة حب لصاحب الرسالة, و محاولة لإنعاش الحب و إيقاظه فى قلب غافل لاه, ليس حب رسول الله فقط, و لكن الحب بشكل عام, نتعلمه من محمد الرسول, و القائد, و الأب, و الزوج, و الإنسان.
إن حياة رسول الله مليئة بالمشاهد التى نتعلم منها, و التى ترقق قلوبنا و تبث فيها الأمل, و الرحمة, و الإصرار, و الأمل, و الحب.
كلما قسى قلبك, افتح كتاب الله, و اقتبس من نور النبى, اقرأ قليلا فى سيرته لتنتقل إلى عالم آخر, ثم إعمد إلى إيقاظ من حولك, ذكرهم بالقول و بالكتابة, و لا تجعل هذا مقتصراً على يوم الثانى عشر من ربيع الأول من كل عام, فالحب لا يمكن إختزاله فى يوم واحد, الحب الحقيقى يعيش و يدوم.
الحب ليس كلاماً فقط, ربما يكون الكلام أسهل وسيلة للتعبير عنه, لكنه ليس كلاماً فقط.
أحبك يا رسول الله, و حتى لو لم أكن صادقاً فى هذا الحب بتقصيرى, فإنى أعلم أنك تحبنى.
اللهم صل على محمد, و على آله و صحبه أجمعين.
صلى الله على محمد
صلى الله عليه و سلم.
هناك تعليقان (2):
الخلافة والوسطية: (الفكرة التوازنية للعبد في الإسلام):
سبحانه وتعالى ،وهو الذي سمى نفسه العدل، لا يمكن أن يطلب من عبده أمراً ليس في إمكانه وطاقته؛ فهو القائل (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا). فلكي يتمكن الخليفة الذي اختاره من القيام بمهامه لابد وأن يعطيه الحق جل وعلا من القدرات والصفات التي تمكنه من القيام بمهمة الخلافة.
ولعل مما يفسر ذلك الحديث التالي (إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها) للطبراني في الكبير عن أبي عنبة. فالآنية يفاض فيها، والحق سبحانه وتعالى لا يحل في مكان، فلا يحيط به المكان، فلابد وأن ذلك له معنى آخر. فلكي نفهم أكثر نضع قولهs(إن لله لوحاً من زبرجد خضراء تحت العرش كتب فيه أنا الله لا إله إلا الله أنا أرحم الراحمين خلقت بضعة عشر وثلاثمائة خلق، من جاء بواحد منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة)، وهو للبيهقي في الأوسط، مع الحديث سابق الذكر لفهمنا أن المقصود في الحديث هو تجلي أسماء من أسماء الله وصفاته، التي ليست من أسماء الذات، في قلب العبد المؤمن تخلقاً بها، وانعكاسها من القلب على ظاهره سلوكاً. وهذا جائز، بل هو مطلوب من العبد تحقيقه.
فإذا أخذنا معنى التسوية على أنه الاكتمال، فتكون التسوية المذكورة في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) تعني اكتمال تخلق العبد المقصود بالخلافة بالمسموح لمخلوق التخلق به من أسماء الله وصفاته، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) أي أفضت عليه من أسمائي وصفاتي.
وأكثر البشر تخلقاً بما طلبه الله من عباده سيدنا رسول اللهs، الذي (كان خلقه القرآن) فهو الصورة المثلى للعبودية لله وقد مدحه سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة في القرآن بصفة العبد. وهذا واضح من قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
ويمكننا أن نستنبط من هذه الآية ثلاثة أمور:
الأول: أن أمة المسلمين أمة وسط.
الثاني: أنهم الأمة المثلى التي تقاس عليها الأمم.
الثالث: أن الرسولsهو النموذج الأمثل لأمته الذي تقاس عليه الأمة.
نتيجة لذلك يكون هوsالنموذج الأمثل الذي يقاس عليه كل بني آدم بما فيهم الأنبياء (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً).
يتبع
حسن الوكيل
ولكن ما هي الوسطية التي تميزت بها أمة الإسلام ونبيهاsأولاً؟
نحن نعرف أن الإنسان مكون من روح ونفس وجسد وقلب وعقل، وسبحانه وتعالى حين خلق الإنسان في أحسن تقويم جعله في صورة توازنية مثلى، كل له دور وواجب وحق. والمطلوب منا في الرحلة الأرضية (رحلة العودة إلى أحسن تقويم) هو إعطاء كل مكون من هذه المكونات حقه ودوره في حدود نسبته المثلى ولا يتجاوز دوره فيجور على دور غيره مثلاً، أو العكس، أي يضعف دور أحدها حتى لا يمكنه القيام بما هو منوط به؛ فلا نستخدم العقل حين يجب استخدام القلب أو العكس, ولا نطيع الجسد في شهواته على حساب الروح, وفي تعاملاتنا مع الغير يجب أن نعطي كل ذي حق حقه، يقول تعالى (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ {7} أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ {8} وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ {9}).
وسبحانه وتعالى حين وصف نوره وشبهه بالشجرة المباركة وصفها بأنها لا شرقية ولا غربية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)؛ بما يعني أنها لا تميل لطرف من الأطراف بل هي في الوسط الأمثل, فلا تميل للمادية على حساب الروحانية, ولا تميل نحو الروحانية على حساب المادية. وسبحانه وتعالى حين خاطب سيدنا موسى خاطبه من الجانب الغربي (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، فكان الذي أوحاه الله إليه شريعة ظاهرة تنظم أمور التعامل لبني إسرائيل. أما حين وصف الحق سبحانه وتعالى حال السيدة مريم في تعبدها قال أنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً؛ بمعنى أنه لا توجد لها معاملات فلا شريعة, ولكن حال روحي تعبدي فقط (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا).
أما الرسالة الخاتمة ونبيها وأمته فلهم حال آخر يجمع بين الاثنين – حال توازني – لذلك وصفهم سبحانه وتعالى بأنهم أمة وسطاً في حال توازني أمثل متوافق مع كمال نور الله الذي أنزل عليهم.
حسن الوكيل
إرسال تعليق