الأربعاء، 22 يوليو 2009

إستراتيجية الإستعمار و التحرير-ج2

النظرية العامة فى الإستراتيجية العالمية

ناقش حمدان بعد هذا ما اعتبره (النظرية العامة فى الإستراتيجية العالمية) من منطلق أن إستراتيجية الإستعمار و صراع القوى تتكرر عبر التاريخ, و فهم و دراسة هذا السلوك المتكرر يؤدى بنا إلى حسن قراءة الواقع مع إمكانية التنبؤ بالمستقبل.و فى حين تنبأ راتزل بأن النصر النهائى سيكون لقوة البر بفضل تفوق مواردها, ذهب ميهان إلى أن قوة البحر ستنتصر بسبب مرونتها و حريتها فى الحركة.

شرع حمدان بعد هذا فى عرض رؤية الجغرافى الكبير ماكيندر,Mackinder الذى نظر للعالم القديم ككتلة قارية واحدة متصلة سماه (الجزيرة العالمية) تضم أغلب سكان العالم, أما القارات الأخرى-العالم الجديد-فكأنها أقمار تدور فى فلك الجزيرة العالمية, و الكل يقع فى المحيط العالمى.

نظر ماكيندر للجزيرة العالمية, فوجد أن لها قلباً يمثل نواة العالم القديم سماه الهارتلاند Heartland, أو منطقة الإرتكاز Pivot area, و الذى كان المصدر لكل فائض بشرى تمثل فى موجات الغزو التى انطلقت من أواسط آسيا مثل الهون و المغول و غيرهم (قوة بر أساسية).

مقابل ذلك, يوجد نطاق ساحلى محيطى يغلف الجزيرة العالمية على شكل هلال متصل هو الهلال الخارجى أو الجزرى يضم بريطانيا و كندا و أمريكا و جنوب أفريقيا و أستراليا و اليابان (أساس قوة بحر و إستعمار بحرى).

بين الكتلتين يوجد هلال داخلى يضم ألمانيا و النمسا و تركيا و الهند و الصين, و هو منطقة أمفيبية بينية سماها الهلال الداخلى أو منطقة الإرتطام, لأنها نطاق الصراع بين الكتلتين الأوليتين.

و بهذا يدرس ماكيندر الصراع العالمى التاريخى بين هذه القوى و يحاول تطبيقه على الحاضر, فيرى أن تحالف الهلال الداخلى مع الهارتلاند-بالإتفاق أو الغزو-سيمكن الهارتلاند من تجنيد موارده القارية الضخمة لبناء الأساطيل البحرية, و بالتالى السيطرة على الهلال الخارجى, و على هذا الأساس وضع تلك المعادلة الثلاثية:

من يحكم شرق أوروبا يسيطر على الهارتلاند

من يحكم الهارتلاند يسيطر على الجزيرة العالمية

من يحكم الجزيرة العالمية يسيطر على العالم

و يدلل على ذلك بالحربين العالميتين الأولى و الثانية, و التى انتهت بسيطرة الإتحاد السوفيتى على ألمانيا و شرق أوروبا لتصبح أكبر قوة برية على الأرض, و تنبأ بأنها ستسيطر على الجزيرة العالمية فالعالم( ربما لم يخطر ببال أحد وقتئذ أن الإتحاد السوفيتى سينهار من الداخل أيديولوجياً).

و قد تلا عرض هذه النظرية عرض نقد لها من قبل مفكرين آخرين, لكن النقد لم يتجاوز كونه تعديلاً فى حدود الهارتلاند و الهلال الجزرى على أقصى تقدير, و قد عرض حمدان نفسه تعديلات جزئية على النظرية موضحاً أنها بهذا تحقق معادلة جغرافية سليمة تلخص كل التاريخ السياسى و الإستراتيجى, و تستوعب كل تفاصيله و تتفق معه حتى نهاية الحرب العالمية الثانية, أما بعدها فقد حدثت إنقلابات خطيرة لابد من تحليلها أولاً ثم نرى إنعكاساتها على النظرية, و هو ما سنعود له لاحقاً.

----------------------------------------------

عالمنا المعاصر:جغرافيا التحرير

و كأنا بهذا الفصل نتكلم أخيراً عن الشق الثانى من عنوان الكتاب:إستراتيجية التحرير, ففى هذا الفصل تحدث حمدان عن ثورة التحرير التى سرت فى العالم شرقاً و غرباً للتحرر من قيود الإستعمار.

تحدث أولاً عن تصنيف تاريخى للقوى الإستعمارية, فهناك: 1-القوى العتيقة:و هى التى بدأت الإستعمار من عصر الكشوف الجغرافية و كونت إمبراطوريات تضخمت ثم أصبحت حفريات مثل أسبانيا و البرتغال.

2-القوى العتيدة:أحدث من العتيقة دخولاً فى الإستعمار لكنها أخطر دول أوروبا توحيداً و تصنيعاً و قوة, لذا كانت أكبر قوى إستعمارية ظهرت و استمرت و تمثلها بريطانيا و فرنسا.

3-القوى الوليدة:أصبحت دولاً موحدة فى مرحلة متأخرة, و لما دخلت مجال الإستعمار لم تجد إلا الفتات, و لكنها فقدته على أية حال مع الحرب العالمية مثل: ألمانيا, إيطاليا,اليابان.

4-القوى الجديدة:آخر القوى ظهوراً, و لم تمارس الإستعمار بشكله التقليدى, بل تنكر صلتها بالإستعمار أساساً, و لكنها تمارسه إما إقتصادياً أو أيديولوجياً, مثال الولايات المتحدة و الإتحاد السوفيتى.

تتبع حمدان بعدها موجة التحرير الذى هدم فى عقدين ما بناه الإستعمار فى خمسة قرون, فبدأ بالموجة الآسيوية التى كان أبرزها إستقلال الهند بعد سنوات من مقاومة غاندى السلمية, مروراً بحروب العصابات التى أخرجت فرنسا إلى الأبد من الهند الصينية.

عرض بعدها موجة التحرير فى عالمنا العربى, و برغم حصول دول الشام على إستقلالها السياسى فى الأربعينيات, لكن الموجة الحقيقية بدأت مع جلاء الإنجليز عن مصر بعد حرب عصابات مكثفة فى منطقة القناة فى الخمسينيات تلاها تأميم القناة, ثم كان للثورة دورها فى دعم حركات التحرر فى بقية العالم العربى-أبرزها دعم ثورة الجزائر-ناهيك عن دعم حركة التحرير فى أفريقيا و التى مثلت الموجة التحريرة الثالثة التى تكلم عنها حمدان.

لم يترك حمدان هذه النقطة دون أن يدرس مغزى التحرير بهذه الصورة و هذا التتابع, و كيف حدث ما حدث فى فترة زمنية-عشرون عاماً-لا تُذكر فى عمر الأمم.

قد يبدو من التتابع التاريخى أن موجة التحرير فى العالم العربى كانت رد فعل لحركة التحرير الآسيوية, لكن الواقع أن ثورة مثل ثورة 1919 فى مصر كان لها صدى بعيد فى آسيا و كانت وحياً لحركات التحرر هناك, عدا كون مصر مستقلة-شكلياً-منذ العشرينيات, و العراق منذ الثلاثينيات.أى أن التحرير فى العالم العربى إن تأخر ظاهرياً عن آسيا فهو أسبق واقعياً.

و الحق أن سقوط العالم العربى فى ربقة الإستعمار قد تأخر نوعياً برغم قربه من أوروبا, و ذلك لتقدم شعوبه حضارياً عن بقية العالم الثالث, و تأخر كذلك فى تحريره بسبب تشبث الغرب به(كموقع استراتيجى و شريان للمواصلات الإستعمارية).

ثم يتساءل:لم تعاصرت حركات التحرير فى العالم عموماً؟فيبدأ بكونه روح العصر, و هى عدوى تنتقل و تسرى سريان النار فى الهشيم, و أشبه هذا بأنه إن كان سقوط دولنا فى قبضة الإستعمار أشبه بسلسلة الدومينو, فحركة التحرير كانت متسلسلة دومينو عكسية بعد أن أفاقت الشعوب و تخلت عن هزيمتها النفسية و الحضارية و إستعادت روح الحياة و الحرية.

هذا إلى جانب مفارقة طريفة, فالإستعمار ليستغل مستعمراته يحتاج إلى تمدينها و تحديثها لكى يستطيع إستغلاها إقتصادياً, و مع الإحتكاك الحضارى يتحول الإنهيار النفسى و الإنبهار لدى المغلوب إلى شعور بالإحتقار و الندية, فلا تلبث الهوة الحضارية أن تضيق فتصرخ الشعوب طالبةً حريتها.

أضف إلى هذا الصراعات الداخلية و الحروب العالمية التى تورطت فيها القوى الإستعمارية فخرجت منها أكثر ضعفاً.و يبقى أهم عامل هو المقاومة و الكفاح الشعبى المسلح الذى يعتبر بلا شك أهم عامل لإستعادة الأرض, لذا نتفاءل أنه طالما وجدت مقاومة فالتحرير آت, و يذكر حمدان أن الإستعمار الصهيونى(محكوم عليه بحتمية التاريخ أنه قد ولد ليموت).

و فى وقت كتابة هذا الكتاب كانت موجة التحرير ما زالت مستمرة, و ما زال للإستعمار جيوبه فى أفريقيا و آسيا, و لكن فيما بعد تحررت معظم هذه المناطق, و تبقى لنا :فلسطين.

---------------------------------------------------

الإنقلاب النووى

لا شك أن موازين القوة قد تغيرت بشكل صارخ مع إكتشاف قوة الذرة, فدولة صغيرة تمتلك سلاحاً نووياً هى أقوى من دولة أكبر تفتقر لهذا السلاح,و مع إزدياد عدد الدول أعضاء النادى النووى يزداد القلق من دنو العالم و الحضارة من النهاية و التى قد تأتى فى شكل ومضة يضيع بعدها كل شىء.

و يمكن إجمالاً أن نورد عبارة حمدان(أن الدول الغير ذرية فقط هى التى سيكون عليها أن تفكر بصيغ الإستراتيجية القديمة) و لم لا؟ فظهور الغواصات النووية و الصواريخ العابرة للقارات جعل البعد أو القرب من مواقع العدو أمر سيان.

غير أن الموقع الإستراتيجى تظل له أهمية وقت السلم, أى أننا إن تكلمنا عن نسخ العصر النووى للموقع الجغرافى فإن هذا ينطبق على الإستراتيجية العسكرية فقط.

و لإن كان حمدان قد تكلم بعد ذلك عن التوازن النووى بين القوتين العظميين آنذاك و الوصول لعدم التخوف بشكل كبير من نشوء حرب شاملة, إلا أن حمدان قد توفى قبل أن يشهد إتجاهاً من الدول الكبرى لتفكيك أجزاء من ترسانتها النووية, لكن مع هذا يظل الخطر قائماً-بل أشد من ذى قبل-فأعضاء النادى النووى قد زادوا, و بينهم دول مثل إسرائيل لها ترسانة غير قابلة للنقد فى حين أن هذه التكنولوجيا محرمة على المسلمين, أما هؤلاء الذين يدعون تفكيك أسلحتهم فماذا يفيد أن تفكك أسلحة يمكنها تدمير الأرض مائة مرة و تحتفظ بأسلحة تمرها عشر مرات؟ الدمار سيكون مرة واحدة على أية حال.

نعود لنتكلم عن نظرية ماكيندر بعد وصولنا للعصر النووى, فبإختصار تتحول النظرية من الجغرافيا السياسية الحية لتستقر فى متحف الجغرافيا التاريخية حسبما عبر حمدان, فما من قوة بر و قوة بحر فالكل سواء, هناك فقط قوى نووية و قوى تقليدية.

و هنا أعود لتساؤل دار بذهنى و أنا أقرأ تفصيل نظرية ماكيندر:هل من جدوى لمثل هذه النظريات بعد ظهور سلاح الجو و الصواريخ العابرة للقارات و القوة النووية, ناهيك عن الحروب البيولوجية و الإلكترونية؟

بكلمات أخرى:هل مع كل ما سبق سنصف الصراع على أنه صراع بين قوى بر و بحر؟

الحقيقة أننى أعتقد أنه مهما تطور العلم فإن هناك ثوابت, و قد تفر من أى شىء لكن هل تستطيع أن تفر من الجغرافيا مثلا؟

و قد دلل حمدان على هذا بتطبيق النظرية على العصر الحديث, ففى وجه الكتلة الشرقية و الإتحاد السوفيتى نجد تكتلاً من أمريكا و أوروبا الغربية-ظهر الإتحاد الأوروبى فيما بعد-مع حلفاء تقليديين محسوبين على الغرب سياسياً و لو لم يكونوا فى الغرب جغرافياً:مثل استراليا, جنوب أفريقيا, و إسرائيل.

ذلك مع وجود منطقة إرتطام تصارع فيها السياسات و الأيديولوجيات فى العالم الثالث و بالأخص الشرق الأوسط و منطقتنا العربية.بإختصار يمكننا أن نقول: قد تتغير الأسلحة و الدول و لكن أنماط الصراع ستبقى, و نضيف تساؤلاً:ما يدرينا أن العالم لن ينتكس علمياً و حضارياً و يعود مرغماً إلى أنماط الصراع القديم:جيوش برية غازية و أساطيل إستعمارية؟!

--------------------------------------------------

إستراتيجية عدم الإنحياز, و ما بعد عدم الإنحياز

فى عرض حمدان لعدم الإنحياز, بدأ بعرض ألاعيب الإستعمار الذى حاول ربط الدول المتحررة حديثاً لتدور فى فلكه سياسياً و إقتصادياً و ثقافياً و إن حصلت على إستقلالها, و تمثل هذا فى محاولة دمج دول العالم الثالث فى سلسلة أحلاف موجهة أساساً ضد قوى أخرى.

و يبرز حمدان كتلة عدم الإنحياز كقوة ثالثة تعادل القوتين العظميين, و من منظور الجغرافيا السياسية كقوى بينية بين الكتلتين الشرقية و الغربية, على أن نظرة جمال حمدان-إبن الثورة-لحركة عدم الإنحياز و سياسة الحياد الإيجابى هى نظرة إنسان متحمس و مؤيد لها فى مواجهة الإمبريالية العالمية.

و الحقيقة أننى شخصياً منذ صغرى كنت أعجب لكوننا محسوبين على دول عدم الإنحياز, فى حين أن معظم هذه الدول من جهة التطبيق كانت تتعاون بصورة كبيرة مع أحد القوتين:مصر مع الإتحاد السوفيتى فى مقابل كون إسرائيل مع أمريكا, و الهند مع الإتحاد السوفيتى فى مقابل باكستان مع أمريكا....الخ, فأين الحياد إذاً؟

و هنا يحاول حمدان تبرير هذا فى فصله(ما بعد عدم الإنحياز)حيث يناقش التطبيق الفعلى لتلك السياسة, نجد فى النهاية أن حمدان نفسه(ينحاز)للكتلة الشرقية فى مواجهة الإمبريالية الغربية الرأسمالية, من منطلق(أن هناك وحدة كفاح أساسية و مصيرية بين دول الثورة الإشتراكية و دول التحرير الوطنية, و الصراع النهائى إذاً هو بين الثورية العالمية من جانب و الإمبريالية العالمية من الجانب الآخر)لذا يدعو إلى (إيجاد صيغة عملية للترابط و التنسيق بينهما فى وجه الخطر المشترك)مع إعتراف حمدان أن القرن العشرين هو القرن الأمريكى بإمتياز.

لكن من الأهمية بمكان أن نبرز هنا المعادلة الثلاثية التى يرى حمدان أنها تختزل أساسيات الصراع المستقبلى:

-مصير الإمبريالية العالمية يتوقف على مصير العالم الثالث.

-مصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربى.

-مصير العالم العربى يتوقف على مصير فلسطين/إسرائيل.

فالعالم الثالث هو نقطة الإرتكاز بين القوتين, و العالم العربى طليعته الحرجة و الصراع مع إسرائيل هو أبرز صور صراعه مع الإمبريالية, لذا يرى حمدان أن(مصير إسرائيل سيحدد فى النهاية مصير الإمبريالية العالمية , و يوم تزول إسرائيلةسوف تكون بداية النهاية للإمبريالية)و أن(الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية و الإستعمار).

و من ثم يخلص إلى أن القطبين النهائيين فى الصراع بين الإمبريالية و العالم الثالث هما أمريكا و مصر, و كل منهما يلخص زعامة مجموعته, مما يفسر تركيز العدوانية الأمريكية على مصر(تذكر أن هذا الكتاب من الستينيات).

و ينتهى إلى أن الصمود و المقاومة هما الحل فى نهاية المطاف لحسم هذا الصراع, و هو ما نتفق معه, و بشدة.

---------------------------------------------------

تعقيب

حين نقرأ الفصلين الأخيرين من الكتاب قد يرغب القارىء فى إعادة طرح الرؤية تجاه مبادىء عدم الإنحياز من جديد, نعود لنذكر أن هذا الكتاب قد كُتب فى أواخر الستينيات, فى عصر اعتبره حمدان ثلاثى الأقطاب بإضافة قوة عدم الإنحياز بجوار الإتحاد السوفيتى و الولايات المتحدة, لكننا شهدنا سقوط الإتحاد السوفيتى و تفرد أمريكا بالقوة لعقد كامل إلى أن لمسنا تراجعاً فى توحد القطب و بروزاً لكتل أخرى, بعضها على إستحياء, و بعضها يمشى بخطى حثيثة كعودة روسيا بوتين.

لكن على أية حال, فإن عدم الإنحياز ليس له أى معنى حالياً, و لم يكن له-من وجهة نظرى-أى معنى فى الماضى, كان الأجدر أن تُسمى كتلة الدول هذه بكتلة الدول الداعمة للتحرر الوطنى مثلاً, بحيث يكون لها دور مساعد فى تحرير بقية العالم الثالث-مثلما فعلت مصر-لكن التطبيق العملى وضح أن أياً من هذه الدول منفردة لم تكن من القوة بحيث تقاوم إغراء الإرتماء فى أحضان قطب فى مواجهة القطب الآخر.فهى نظرية فاشلة من وجهة نظرى, و أبسط شىء أن الإنسان لا يستطيع أن يزعم أنه حيادى و موضوعى إلا فى أمر لا يخصه, بكلمات أخرى, قد أقبل مصطلح(الحياد السلبى), أما (ألحياد الإيجابى) فهو الإنحياز فى نهاية المطاف:لجانب أو لمبدأ أو لأيديولوجية أو لدولة.

أما ما يؤسف له بحق فهو خروج مصر من الإطار الذى تصوره حمدان كقطب مواجه للولايات المتحدة فى صراعها مع العالم الثالث-كقوة تحريرة فى مواجهة الإمبريالية-بعد أن تم تحييد مصر و تدجينها إن صح الوصف, و لقد ناقش حمدان فكرة العزلة السياسية و وضح أهميتها المرحلية للدول فى مرحلة البناء أو إعادة ترتيب البيت الداخلى, و مثل ذلك بعزلو الولايات المتحدة فى طور تكوينها ثم خروجها إلى العالم مع الحرب الأولى لتتخذ موقعاً لم تغادره حتى اليوم, و لقد كنا نأمل أن تكون كامب دايفيد-التى يجب النظر لها كهدنة لا كمعاخدة سلام لا حرب بعدها-أن تكون فرصة لترتيب البيت الداخلى نبنى فيها بلدنا و نستعد لما هو قادم, لكن مرة أخرى نجد أن التطبيق قد إتخذ مساراً آخر, ليس بالضرورة لظروفٍ قهرية, لكن للأسف لإقتران الظروف بما يمكن أن نلخصه فى كلمات مثل:الغباء, التخاذل, الجبن, القصور, و ..و الخيانة.

و مرة أخرى نؤكد أنه لاسبيل لإستعادة الأرض إلا بإعادة بناء الدولة و إعادة بناء العنصر البشرى, و حينها سيستطيع هذا العنصر إستعادة دوره و القيام بواجبه فى الصمود و المقاومة وصولاً للتحرير الشامل الذى نبغيه.

و بعد هذه السطور الكثيرة قد يتساءل القارىء:و لم هذا العرض المطول للكتاب؟و الحق أنه كتاب ثرى جداً-من وجهة نظرى-و لا أريد لمن يقرأ هذين المقالين أن يعتبرهما تلخيصاً يغنى عن قراءة النص الكامل, بل على العكس, فلم تكن الأسطر السابقة إلا محاولة من كاتب هذه السطور لعرض ملخص ما استوعبه من الكتاب مع التعقيب على عدد من نقاطه فى ثنايا المقال, و كل قارىء قد يخرج برؤى و إستنتاجات و تطبيقات أفضل و أعمق.

قد نرى أن الكتاب بحاجة للتحديث كل فترة, و هى مهمة المهتمين بالإستراتيجية و الجغرافيا السياسية, لكن يظل الكتاب يحوى بين دفتيه نظريات قد يتغير بعضها بحكم التطور العلمى و تغير الزمن, و قد يظل بعضها ثابتاً, لكن الإنسان فى النهاية لن يستطيع الهرب من الجغرافيا و التاريخ إلا فى حالة واحدة:عندما يدمرهما بحماقته.

هناك تعليقان (2):

فتحى الحصرى يقول...

شكرا على العرض القيم للكتاب الذى القى الضوء وربط بين الماضى والحاضر فى حيده ورؤيا عميقه لاستشراف آفاق المستقبل

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

لا شكر على واجب أخى الفاضل
شكراً لزيارتك و تشريفك صفحتى