الأحد، 1 مايو 2011

حرب المصطلحات

تحديث: تم نشر هذا المقال بموقع يقظة فكر بتاريخ 23 مايو2011

-------------------------------------------------------------------------


إنها حربٌ مجالها الصحف و المجلات و المناظرات و الفضاء الإلكترونى.حربٌ لا غالب فيها و لا مغلوب لأنها حربٌ وهمية.حربٌ تُستنزف فيها الأعصاب و تضيع الطاقات و الأوقات و يبقى بقية الشعب المسكين متفرجاً على هذا الهذر الذى لا يعنيه و لا يشغله.لكن هل سيظل صامتاً طويلاً؟

إنها الحرب الفكرية بين التيار الإسلامى و التيار العلمانى فى مصر.

يتخندق أتباع كل طرف داخل خنادق فكرية لا يرون منها الطرف الآخر, و بين الخندقين جبال من دخان و أوهام إذا نفخت فيها صارت هباءً منثوراً.

هذه الجبال هى مذاهب فكرية و مصطلحات و شعارات رنانة يسبب الجهل بمعانيها الحقيقية كثيراً من سوء الفهم, و يقوم الإختزال ببقية الدور.

نسمع تحذيرات من الدولة الدينية, و مطالبات بدولة مدنية.نجد بعدها تحذيرات من الدولة المدنية بدورها.و ذلك كله بسبب الفهم المغلوط للمصطلحين.

نجد هجوماً شرساً فى الإعلام على الإسلاميين ينال منه السلفيون نصيب الأسد, و فى المقابل تكفيراً للعلمانيين.علماً بأن من علم هؤلاء و هؤلاء لم يكن ليتصرف هكذا.لكنه الجهل و التدليس و الإختزال.

نجد جدلاً حول مصطلحات الليبرالية و الإشتراكية و الحل الإسلامى.و فى الوقت ذاته عدم توضيح آليات كل تيار و حلوله العملية للمشاكل التى يواجهها الوطن.و تظل الأمور فى أطر الخطب و التنظير المجرد.


و حتى نخرج من هذه الخنادق, أرى أن نضع فى إعتبارنا الآتى:

1-كل من حباه الله علماً و فكراً و قدرة على توصيل المعلومة لا يكتم هذا العلم بل يسعى لنشره من أى منبر حسب دائرة تأثيره.هذا واجب الوقت.

2-لابد من الخروج من فكرتى الإختزال و تعميم الأحكام.فمثلاً, يقع الإسلاميون و العلمانيون فى خطأ كبير حينما يختزلون الشريعة فى إطار تطبيق الحدود فقط و ينسون أنها أوسع و أشمل من هذا.و يقع فى خطأ شنيع من يعمم التطرف على طائفة بسبب غلو بعض أفرادها, أو من يكفر فريقاً بسبب شطط بعض المنتمين له. و أرجو قراءة هذا المقال القديم عن ثقافة الإختزال.

3-على من يعرض فكرة الحرص على عرضها بوضوح مع توضيح علاقة الفكرة بالواقع.اللعب على الوتر العاطفى قد يكون فعالاً لكن لفترة قصيرة.و حين أجد مشروعاً فكرياً جيداً له تطبيق عملى و جاهز للتطبيق سأضع مشروعك على أقرب رف.

4-من يسعى للمعرفة عليه أن يحسن إنتقاء المصدر, فليس من الممكن الحصول على رأى موضوعى عن الإخوان المسلمين من د.رفعت السعيد مثلاً.و فى الوقت ذاته يحاول تنويع المصادر حتى لا يكون أسيراً لوجهة نظر واحدة.و بعد هذا لك الخيار فالله أعطاك عقلاً و منحك حرية الإرادة.

5-ليس من المقبول قولبة الناس فى قوالب جامدة و تصنيفهم تصنيفات تجعلك تقبل من هؤلاء كل ما يقولون أو ترفض من هؤلاء كل ما يصدر عنهم, إفتح عقلك لكل الأفكار و من جديد إترك لعقلك الحكم.و أرجو قراءة هذا المقال عن ثقافة التصنيف.

6-لا يوجد شىء إسمه إنسان محايد.الإنسان قد يكون له موقف حيادى سلبى فقط فى قضية لا تخصه أو يجهل تفاصيلها لكن فور معرفته للتفاصيل ينحاز لرأى معين.لا يمكنك أن تكون حيادياً و لكن يمكنك-بل يجب عليك-أن تكون موضوعياً.

7-حوار النخب و المثقفين جميل و جيد, و لكن ماذا عن الغالبية العظمى من الشعب؟لا يمكن الإستمرار فى سياسة الإنعزال و الإستعلاء و التعامل بطريقة فوقية و النظر للناس على أنهم غنم.أفيقوا يا سادة.

8-إذا كنت تعتبر نفسك مقاتلاً فى معركة, فتعلم أن تقاتل بشرف.التدليس ينسف مصداقيتك قبل أن يشوه صورة منافسك.و فى بلادنا التى ما زالت تعانى من داء الإختزالية فإن الصورة السلبية قد تصيب تيارك بأكمله و لا تقتصر عليك وحدك.فليس من المقبول نشر الأخبار الكاذبة و الإشاعات للتخويف من السلفيين.و كذلك ليس مقبولاً إيهام الناس أن الدولة المدنية معناها إباحة الزنا و الخمر و المساواة فى الميراث ...إلخ!!!!

9-ليس من المعقول التركيز على المصطلحات دون قراءة آليات هذه المصطلحات, فمثلاً:ليس معقولاً أن نرى من يرفض كلمة الديمقراطية بسبب رفضه لتعريف المصطلح بدعوى أنها حكم الشعب للشعب فى حين أن الحاكمية لله عز و جل.و لو فهمنا آليات الديمقراطية سنرى أين ستوصلنا فى النهاية.

10-لابد أن نتذكر أن هناك سنن كونية منها التدرج.لا يمكن إصلاح كل شىء حالاً و فى نفس الوقت, لا يمكن المطالبة بإصلاح كل شىء الآن.هناك ما يعرف بفقه الموازنات و فقه الأولويات.و بالترتيب الصحيح للأولويات نمشى فى الطريق السليم لتحقيق الغاية الكبرى.

11-كل تيار فيه جانب متشدد و جانب وسطى.الجانب المتشدد هو الذى يثير ضوضاء أعلى رغم أنه قد يكون الأقل عدداً.لا يمكن أن نترك الساحة للمتشددين فى الجانب الدينى أو العلمانى ليقررا مستقبل الوطن.هذه مسئولية التيارات الوسطية المعتدلة داخل كل تيار.و على العاقل التمييز و معرفة مع من يتحاور و من يتهم.

12-الناظر لأهم ما تدعو إليه الإشتراكية مثلاً و هو مبدأ العدالة الإجتماعية.و إلى أهم ما تدعو له الليبرالية من التأكيد على الحريات و حقوق و المساواة و المواطنة سيجد أن كل هذه عوامل مشتركة بين هذين المذهبين و بين الإسلام.الإسلام ملىء بالنصوص و المواقف التى تؤكد هذه المبادىء و أكثر.و هذه مساحات مشتركة يجب أن تربط بين أتباع هذه التيارات و يمكن لكل تيار أن يعرض آلياته العملية لتحقيق هذه الشعارات و المبادىء, و التجربة وحدها هى التى ستثبت نجاح أى مشروع.

لا يتبادر لذهن أحد أنى بهذا الكلام أنفى الخلاف بين الفريقين أو أبسطه.لابالطبع, هناك خلاف جذرى لأن المرجعية مختلفة و نقطة الإنطلاق ليست واحدة.و لكن هل النظر يكون لنقطة البداية فقط أم للغاية التى يريد كل فريق أن نصل إليها؟و هل إذا لاحظنا أن الطرق تتقاطع من حين لآخر, ألا يدل هذا على وجود عوامل مشتركة و أرضية تمكن من عمل مجتمعى موحد كى نصل جميعاً للغاية المنشودة؟

إن نقطة الإنطلاق الخطأ و السير فى طريق خطأ لن يوصلنى للغاية التى أريدها مهما كان نبل هذه الغاية, فما العمل؟هل نساعد بعضنا البعض على السير فى طريق ممهد مشترك نواصل فيه العمل سوياً لبناء الوطن.أم يسير كل منا منفرداً بل و يحاول بعضنا قطع الطريق على الآخر؟

بعد إزالة غبار جبال الأوهام سنجد أن الأرضية المشتركة التى يمكن العمل عليها كبيرة.و حين نكتشف كبر هذه المساحة سيكون هذا دافعاً لنا للهدوء و الحوار بطريقة أكثر عقلانية و أكثر وداً.إن كثرة الروابط بينى و بينك تشجعنى أكثر على أن أتقبل كلامك, طالما أنى أجد منك فى المقابل أذناً مصغية و عقلاً متفتحاً قابلاً للنقد البناء.

دعونا نبنى سوياً, و دعونا من السفسطة و الجدل البيزنطى و الغلو فى التنظير و السخرية و التريقة على خلق الله.إما هذا أو فلتبقوا فى أبراجكم العاجية تصارعون الطواحين و تقذفون بعضكم البعض بالمصطلحات.أقول إبقوا فلن أبقى ساعتها معكم.


هناك 3 تعليقات:

ma 3lina يقول...

السلام عليكم

أول من أسس لحرب المصطلحات هو من سمى شجرة المعصية بشجرة الخلد للتلبيس على آدم واهله وإخراجهم من جنة الله إلى الأرض ليشقى .. واستمر هذا اسلوب تلاميذه مع ابناء آدم إلى يومنا هذا

جزاك الله خيرا ولك تحياتي

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

جزانا الله و إياكم.
فتح الله عليك يا أخى.خاطرة جميلة بحق.خالص تحياتى لمرورك الكريم :)

معتـز عبد الرحمن يقول...

رائع يا محمد ، عشان تعرف إن عقلك سابق عقلي بشهرين :)