لعل الشعور المشترك بين أغلب المؤمنين بالحل
الثورى تجاه الإسلاميين عموماً – و الإخوان خصوصاً – هو السخط. هذا السخط نتيجة
لتكرار المواقف المهادنة للعسكر فى أوقات لا ينفع فيها غير الحسم و إقتناص اللحظة
الفارقة (أبرز مثال أحداث محمد محمود), و هذا السخط أيضاً نتيجة لتكرار الإتهامات
لمخالفيهم بأنهم عملاء و مخربين يسعون لهدم مؤسسات الدولة ....إلخ إلخ. أضف إلى
ذلك أداء نوابهم فى ما يسمى (برلمان الثورة)!!
و قبل أن يبادرنى أحد شبابهم و يقول لى
(موتوا بغيظكم) فاعلموا أن كاتب هذه السطور يعد نفسه من الإسلاميين, و ستظل هذه
مرجعيته التى لن يبدلها بإذن الله ما دام حيا. لكن الإسلام كما يفهمه فيه قوةٌو
عزةٌ و إستعلاء, لا خوارٌ و هوانٌ و إنبطاح.
قلت من قبل أن أحد أهم أسباب الإحباط الذى
يعم كثيرٌ من المؤمنين بالثورة هو بسبب مواقف الإسلاميين و أداء البرلمان. و كنا
فى أواخر كبريات مظاهراتنا ننادى بتسليم السلطة لهذا البرلمان و لم نكن ننادى
بالإنقلاب عليه بل كنا نرى أن الميدان هو الحارس لهذا البرلمان و سلاحه فى الشارع
و وسيلة ضغطه لإستكمال و تحقيق مطالب الثورة, لكن البرلمان كان بمثابة لجام للثورة
و كابحاً لها. و تناوب العسكر و الحكومة و البرمان شد هذا اللجام حتى أوشكت الثورة
على الإختناق.
و الآن نجد أن جماعة الإخوان قد خرجت علينا
أخيراً ببيانٍ يعترفون فيه بإبتزازات العسكر لهم بحل البرلمان و يسردون فيه تقاعس
العسكر و حكومتهم فى إسترداد الأموال أو محاكمة الفاسدين و القتلة. أضف إلى هذا
الأزمات المفتعلة المتتالية و آخرها أزمة السولار.
و بطبيعة الحال فإن الإخوان ليسوا أطفالاً
سُذجاً حتى نظن أنهم كانوا يحتاجون لكل هذا الوقت حتى يدركوا سوء نية العسكر. هم
يدركون هذا من البداية و نحن لا ندرى عدد المرات التى اجتمعوا فيها سوياً للإتفاق
و التنسيق فى صفقاتٍ متبادلة رأوا فيها أن هذه هى السياسة (كفن الممكن) بينما نسوا
أننا فى ثورة إستطاعت أن تحقق المستحيل. و ليس كلامى من باب العاطفة و الخيال كما
أن مواقفهم لم تكن أبداً من باب الواقعية و الحكمة.
إن إبتزازات العسكر و تهديداتهم لكم لم تبدأ بالأمس أيها الإخوان, و هذه الخطوة
التى اتخذتموها متأخراً جداً من مصارحة الشعب و الإنحياز له ضد العدو الأول للثورة
كان من الأجدر بكم أن تتخذوها فى وقتٍ مبكرٍ جداً. قبل أن تفقدوا ثقة المؤمنين
بالحل الثوري, و قبل أن يفقد الزخم الثوري قوته من الأساس. أما شعبنا ذو النفس
القصير و الذاكرة السمكية فلا تنتظروا منه سنداً لكم, و لا تنتظروا منه أكثر مما
يمكنه فعله.
ظللتم تعللون مهادنتكم للعسكر بخوفكم من
سيناريو 54, و لكن مواقفكم أدت فى النهاية لأن نصل بالفعل لأقرب نقطة من تحقيق هذا
السيناريو. فأنتم تقريباً وحدكم بعد أن فقدتم ثقة و أحترام الكثيرين.
أيها الإسلاميون, ظننتم المعركة أولاً و
أخيراً هى معركة مع العلمانيين. و جعلتم من العلمانيين بعبعاً و هم لا يمثلون
خطراً حقيقياً أمامكم إن أحسنتم إحتواءهم. و تناسيتم أن المشكلة الأكبر مع العسكر.
و من خلفه الغرب الذى يحركهم. و ما ثورتنا عليه إلا لرفضنا أن نظل فى دائرة الخضوع
و التبعية.
و الآن ماذا نفعل معكم؟
كلامى الآن موجه لرفاقى من الذين ظلوا مؤمنين
بإستمرار الحل الثوري. أيها الثوار, من الصعب أن نقول الآن عفا الله عما سلف, و أن
ننسى الماضى. لكن من أجل مصر علينا أن نتناساه...مؤقتاً.
ربما يرى الكثير منكم أن الإخوان خونة و لا
يهمهم إلا مصالحهم الشخصية, لكنى أشهدكم أنى عرفت فيهم رجالاً على درجة عالية من
النقاء و الإخلاص و الوطنية, و هم لا يرضون بما تقوم به قيادتهم. و فى هؤلاء نأمل,
و عليهم نعول. و جماعة الإخوان ليست عصابة من اللصوص, لكنهم حسبوا أنهم إجتهدوا
فأخطأوا الإجتهاد..بشكل شنيع.
من أجل مصر على كل منا أن يتحمل رفيقه, و
نكمل سوياً...فالأيام المقبلة قد تشهد تطوراتٌ تستدعى هذا.
أما أنتم يا قادة الإخوان, فقد سئمنا بالونات
الإختبار و ألعاب القط و الفار. سئمنا الموائمات و كذلك المناورات. إذا ظننتم أن
بيانكم الأخير هذا مناورة فبئس القوم أنتم. هذه خطوة لا رجوع عنها. و لا ينفع
بعدها الرجوع أو الإكتفاء بالكلام.
و يا
شباب الإخوان, لا تكونوا ببغاوات تبرر كل ما تقوم به قيادتكم حتى لو فعلت الشىء
اليوم و نقيضه غدا. و تذكروا أن حسن البنا دعا لدعوة لا لعصبية.
معركتنا الحالية هى الدستور و الرئيس. لا
يجوز السماح بوجود أوضاع خاصة فى الدستور للعسكر الذين يريدونها باكستان أخرى. و
ليس معقولاً أن نزيح مبارك من كرسيه ليجلس بعده إحدى صنائعه كواجهة للعسكر يحكمون
من ورائه.
أيها الإخوان, إستقيموا يرحمكم الله و كونوا
رجالاً على قدر هذه اللحظة. لا تضيعوها كما ضيعتم فرصاٌ أخرى من قبل.
و لله الأمر من قبل و من بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق