الأحد، 31 أغسطس 2008

اللهم تقبل منا رمضان


أسأل الله فى هذا الشهر الكريم أن يتقبل منا الصيام و القيام و صالح الأعمال,و لا تنسونى من الدعاء يا أخوتى,فأخوكم بأمس الحاجة اليه,يا رب استجب,يا رب اغفر لنا و حقق لنا آمالنا يا رب

الأربعاء، 13 أغسطس 2008

عن الانتماء أتحدث



من فترة طويلة و أنا أريد أن أكتب عن هذا المعنى الهام الذى أصبحنا نفتقده بشكل كبير بين شبابنا فى الوقت الحاضر
عن الإنتماء أتحدث
و لعل الكثير منكم قد طالع مقال الصحافى الشهير الأستاذ مجدى الجلاد بعنوان:قضية أمن قومى
فى هذا المقال, قص علينا كاتبه قصة جلوسه مع 3 شباب خريجين, قصوا عليه واقعهم الأليم الممزق بين البطالة و العمل بوظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم و فى الوقت ذاته لا يجدون من وراءها ما يحفظ كرامتهم أو يسد رمقهم.
و كانت الشىء المحزن هو هذا السؤال الذى طرحه أحدهم: إذا هاجمتنا إسرائيل و إحتلت سيناء مرة أخرى,هل ستذهبون للقتال؟
فكانت الإجابة من الشابين الآخرين بالنفى!!
و ملخص أسباب الأول: أن المرء يدافع عن أرض وطن يشعر دائماً أنه وطنه.. أرض يؤمن من الداخل أنها أرضه.. بلد يمنحه الدفء والأمن والأمان.. حكومة تحقق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع .
و قال الثانى:عايز أسألك: إزاي الواحد منا يخاف علي وطن يأكل أبناءه.. وطن خطفه ١٠٠ شخص، وأصبحوا يمتلكون ثرواته، فكيف نحارب نحن لتحرير أرضه، بينما الوطن وطنهم والأرض أرضهم.. ليذهبوا هم للدفاع عن الأرض، وليتركونا نحن في العيشة الهباب.
و هنا قد ينقسم الناس الى فريقين, فريق يؤيد كلام الشابين على طول الخط, بل و يزيد عليه و يقص علينا من وقائع الفساد و طبائع الإستبداد ما يجعل الدنيا كلها ظلاماً فى أعيننا, و خلاصة رأى هذا الفريق أنه:ليس هناك من فائدة, فلنترك هذا البلد و نرحل!!!
أما الفريق الثانى, فسيسارع إلى إبداء الإندهاش الشديد من الرأى الأول, و ربما سيتهم هؤلاء الشباب-بل و الجيل بأكمله-بضعف الإنتماء, إتهام سريع دون مراعاة الأسباب التى أدت لهذا البلاء, و بعض أفراد هذا الفريق يكون رد فعلهم على الجهة الأخرى تماماً من الفريق الأول, فيسعى إلى تجميل الصورة و يتحدث كأن كل شىء تمام و الحياة لونها(بمبى), و أن الشباب كسول و متعجل و غير صبور....الخ.
و طبيعى أن يكون رد الفعل هذا مصحوباً برد فعل مقابل أكثر تطرفاً من الفريق الأول, فتخيل أنك فى قمة غضبك و سخطك لم تجد من يسعى لإمتصاص هذا الغضب و مناقشة الأمور بعقلانية, بل على العكس تجد من يهاجمك و يتهمك بأنك أنت السبب؟!!و هكذا ندخل فى دوامة لا آخر لها.
و لذا أعلن أنى لست مع الطرف الأول و لا الطرف الثانى على الإطلاق, و إذا جاز لى ذلك فإنى فى منزلة بين المنزلتين.
و طبيعى و أنا أنتمى لهذا الجيل من الشباب أن أكون متفهماً لوجهة نظرهم مهما اختلفت معها, و لأن الوضع لم يعد يقتصر على الشباب فقط, بل إننا نسمع هذه النغمة من شرائح عمرية مختلفة بدءاً من الأطفال!!وصولاً إلى كبار السن.
لأن الوضع صار هكذا, فعندها يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهماً:
كيف أستطيع أن أغرس الإنتماء فى قلب شاب, و هو لا يجد عملاً محترماً يستطيع به أن يصرف على نفسه, بله أن يفتح بيتاً؟
كيف أستطيع أن أتكلم مع شاب عن حب الوطن و هو لم يجد من الوطن نفسه حباً متبادلاً؟
كيف أستطيع أن أتكلم مع شاب عن مصر, و هو لا يعرف من هى مصر أساساً؟
نعم,ألا تدركون أن هذا قد يكون أحد جوانب المشكلة, أننا لا نعرف ما هى مصر, و لا قيمة مصر؟
لا تتعجبوا, فمصر التى نعيش فيها ليست هى مصر التى كانت و التى يجب أن تكون.
مصر ليست الفساد, مصر ليست الزحام و التلوث, مصر ليست البطالة, و مصر ليست القذارة.
مصر ليست الفقر, مصر ليست الجهل, مصر ليست الهزيمة, مصر ليست اليأس و الاحباط.
مصر ليست العبارة, مصر ليست أجريوم, مصر ليست هايدلينا, و مصر ليست بنك القاهرة.
إذا أردت أن أعدد صور الفساد و الخزى فى عصرنا هذا سأملأ سطوراً كثيرة, لكن ليس هذا هو ما أريد.
أريد أن نعى جيداً ما هى مصر
و إذا لمسنا حقيقة الوطن العظيم الذى ننتمى اليه, و إذا عرفنا قيمته, ربما ساعتها سنشعر بالإنتماء اليه, بالرغم من كل الظروف و السلبيات الموجودة.
ليس دور هذا المقال أن يسرد جوانب العظمة فى مصر و تاريخها
لكنى أريد أن أناقش معكم فكرة معينة
إننا كمسلمين نرى بوضوح مدى المهانة و الهوان التى وصل اليها حالنا, فالأمم قد تكالبت علينا, و بلادنا ترزح تحت دكتاتوريات لا ترقب فينا إلاً و لا ذمة, و بلادنا ما زالت أسيرة لقوى الاستعمار الغربى, بعضها بالأسلوب الكلاسيكى للإستعمار كما هو حادث فى أفغانستان و العراق, و البقية أسيرة للاستعمار الإقتصادى و الغزو الثقافى.
و السؤال هنا: فى ظل كل هذا الهوان والضعف, هل يكون الحل هو أن نترك الإسلام؟!!
هل يجوز ألا نشعر بالإنتماء لهذا الدين العظيم, و نفكر بدلاً من ذلك فى أديان و مذاهب الأمم الأخرى المتغلبة علينا؟
بالطبع لا, و بالقطع ألف لا.
العيب ليس فى هذا الدين, و لكن العيب فى الكثير من المنتمين اليه.
و ما وصل حالنا لهذا الا لأننا ابتغينا العزة فى غير ديننا,فأذلنا الله, و حدنا عن طريق النور, فكان من الطبيعى أن نتخبط فى الظلمات.
لكن مع كل هذا, فإن بوادر الصحوة التى بدأت من سنوات, و التى تتسع أفقياً رغم الضغوط الداخلية و الخارجية, تعطى الأمل, بل الكثير من الأمل, و تجعلنا نوقن أن المستقبل لهذا الدين.
نعود لموضوعنا, الإنتماء لمصر
و اسمحوا لى أن أقيس على المبدأ السابق, و خلاصة قولى هنا هى أن العيب ليس فى هذا البلد, العيب ليس فى مصر, و لكن فى بعض المحسوبين على هذا الوطن, و هو منهم براء.
إننا نشعر بالكثير من السخط على هؤلاء الذين اختطفوا الوطن منا, و سرقوا ثرواتنا, و بددوا أموالنا, و باعوا أرضنا.
لكننا لضعفنا-أو بالأحرى لأننا نظن أننا ضعفاء-و نرى أننا غير قادرين على هؤلاء, فإننا نختزل الوطن فيهم, و نصب جام غضبنا عليه.
لكن مصر العظيمة أكبر و أعظم من أن تختزل فى صورة شخص أو عصابة.
مصر هى الوطن الذى ولدنا فيه, و ولد فيه آباؤنا, شئنا أم أبينا.
مصر هى الأرض التى حملت لواء الدفاع عن الاسلام فى عصور مختلفه, و كان لأبنائها شرف الانتصار على الصليبيين و التتار فى غير موقعة, حفظوا بها الاسلام و دياره.

مصر هى البلد الذى أنقذ الشرق الأوسط من المجاعة فى زمن يوسف عليه السلام, و أنقذ الجزيرة العربية فى عام الرمادة.

مصر هى البلد التى كان لها شرف كسوة الكعبة المشرفة كل عام.

مصر هى بلد الأزهر الذى حفظ الإسلام بعلمائه, و الذى خرج أشهر المقرئين, حتى قيل إن القرآن نزل فى مكة, و تلى فى مصر.

مصر هى البلد الذى احتضن الآلاف عبر العصور, و وجدوا فيه الأمن و الأمان.
أعلم جيداً أن هذا التاريخ المجيد لن يوفر شقة لشاب يريد الزواج, أو يوجد فرصة عمل لعاطل.
لكن الذى أدعو اليه, ألا تجعلنا الظروف السيئة نكره بلدنا, نكره مصر و نتبرأ من الانتماء اليها.
و لو كانت الظروف السيئة مبرراً لكى يتخلى الإنسان عن وطنه و يبغضه, لكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه كل الحق فى أن يكرهوا مكة.
نعم, لقد ذاقوا فيها صنوف العذاب و الاضطهاد و الإهانة, و حاول المشركون قتل رسول الله, و مع هذا فإنه فى أول طريق الهجرة نظر اليها و قال أنها أحب البلاد اليه, و لولا أن أهلها أخرجوه منها ما خرج.
و كم من أمة مرت بظروف سيئة و صعبة, فما كانت النتيجة أن تخلى أبناء هذه الأمم عن أوطانهم أو تبرأوا منها, و ليس هناك من داع أن أتكلم عن تواريخ أمم أخرى, فتاريخنا نفسه شاهد على هذا.
عصر الانحطاط الذى نعيش فيه ليس بأول عصر تمر به مصر, الأمم عموماً تمر بدورات من الازدهار و الانحطاط, انه منحنى طبيعى يمكن تطبيقه على كل شىء, بما فيه الإنسان نفسه, و الأمم بدورها تشهد أيام عز تكون فيها فى القمة, و أدوار إنحطاط تكون فيها فى القاع.
لكن عندما تصل الأمة لأدنى مستوياتها, يبرز نفر من الناس, تملأ نفوسهم الرغبة فى التغيير, و كلهم إيمان و تفاؤل و ثقة بأن دوام الحال من المحال,فتلك سنة الحياة.
هؤلاء النفر المصلحون يعملون على الصعود بالمنحنى الى أعلى, يعملون على إعادة تصحيح الأوضاع, و النهوض بالأمة و إعادتها الى دورها الطبيعى.
فى عصر الفراعنة دخلنا فى دور إنحطاط إنتهى بغزو الهكسوس لبلادنا, حتى حرر أحمس البلاد منهم.
و فى عهد الدولة الإسلامية, إحتل الصليبيون أجزاء من أرضنا, فكان لصلاح الدين شرف إعادة بيت المقدس لنا.
ثم جاء عصر انحطاط آخر غزا فيه التتار بلادنا, حتى قيض الله لهم قطز و بيبرس.
و جاء عصر إنحطاط إنتهى بدولة حديثة أسسها محمد على باشا.
و الأمثلة كثيرة جداً, لأنها دورات من قبيل الحتمية التاريخية, و لو خلت الأمم من النفر المصلحين المجددين, لماتت تلك الأمم و انقرضت الى الأبد.
هذا ما يريده أعداؤنا لمصر, فهل نحقق لهم ما يريدون؟
إننا إذ ندافع عن مصر, فإننا ندافع عن أرضنا, عن أهلنا, عن أنفسنا, و عن أبنائنا, و لسنا ندافع عن نفر من المنتفعين و الفاسدين.

إننا ندافع عن بعض القيم الجميلة الموجودة فى شعبنا, ندافع عن الشهامة و الرجولة و الجدعنة, حتى لو كانت هذه القيم فى إنحسار فإنها لم تنقرض و لن تنقرض بإذن الله.
و واجب على كل من يحمل فى قلبه ذرة من التفاؤل و الأمل, أن يبث روح الأمل فى قلوب اليائسين, و ألا يستسلم لدعاوى اليأس و الإحباط و الإنهزامية, و أن يدرك مدى المسئولية الملقاة على عاتقه, لأنه لو استسلم هو للإحباط و تركك نفسه يقع فى براثن اليأس, فمن سيقف فى وجه هذا الطوفان, و ينتشل الشباب من بحار الإحباط؟

ربما سيعتبر الكثير هذا الكلام من قبيل الخطابة و الإنشاء, و أنه غير واقعى, لذا ألخص النتيجة التى أريد أن نصل اليها هنا:

نعم نحن فى عصر نمر فيه بظروف غاية فى السوء, و الذى لا يرى هذا فهو أعمى, و لا عجب أن يسعى الكثير من الشباب الى السفر لتحسين الحالة الإقتصادية, و أنا نفسى أحد هؤلاء, لكن ليس معنى كل هذا أن نكره وطننا, و أن نختزل كل الظروف السيئة و كل الفاسدين و المفسدين فى صورة الوطن, مصر أعظم من أن تختزل فى أى صورة, فلنعرف قيمة مصر جيداً, أعداؤنا عرفوا قيمتها فحاولوا غزوها عبر العصور و ما زالوا يضربونها بمعاولهم ليخربوها, فلا نكن عوناً لهم و نتركها لهم لقمة سائغة.

و يا ريت تقرأوا قصيدة على اسم مصر لصلاح جاهين

و قصيدة قالولى بتحب مصر قلت مش عارف لتميم البرغوثى

يمكن الشعر يكون له أثر أحسن من الكلام الناشف

السبت، 2 أغسطس 2008

الوقوع فى إسار التاريخ


ليس السؤال المطروح هو:هل ممكن أن يقع الإنسان أسيراً لتاريخه؟
بل السؤال الحقيقى هو:هل يمكن ألا يقع أسيراً لهذا التاريخ؟
بدايةً, لا شك أنك تتفق معى أن هناك عوامل متعددة تساهم فى تكوين شخصية الإنسان,منها أسلوب التربية و التنشئة,و منها الظروف المحيطة, و منها كذلك الطبيعة و الجغرافيا و التاريخ, و هذه العوامل الأخيرة تشكل العوامل النفسية المشتركة بين أبناء الشعب الواحد.و لكى تتضح الفكرة فلابد من طرح أمثلة بالطبع:
أبدأ بالحديث عن دول الغرب, فالغربيين و إن كانت الثقافة السائدة فيهم هى الديمقراطية و الليبرالية و تقديس حرية التعبير, إلا أنه عند التطبيق المباشر, تجد شريحة واسعة تنسى كل هذه المبادىء, و يتجلى هذا أكثر ما يتجلى عند تعامل الإنسان الغربى مع الإسلام.
نعم, فالمواطن الأوروبى العادى أسير لتاريخ طويل من الصراع بين النصارى و المسلمين, بدأ بطرد الروم من الشام و مصر و شمال أفريقيا,ثم الحروب مع الدولة البيزنطية فى عهود الأمويين و العباسيين, ثم الحروب الصليبية, ثم الصراع مع الدولة العثمانية التى هزت عروش أوروبا.
حتى الآن, و رغم سهولة الحصول على المعلومات, و رغم تعدد وسائل الاتصال, إلا أن المواطن الغربى العادى يشعر بخوف و قلق من الإسلام, و ليس عنده إلا صورة مختزلة و مشوهة عنه, نفس الصورة التى كانت تُثَبَت فى عقول المقاتلين الصليبيين قبل أن يذهبوا لغزو بلادنا, و رسخت هذه الصورة عبر العصور و ظلت فى عقول الغربيين, و لا يغير هذه الصورة الا التعامل المباشر مع مسلمين حقيقيين يمثلون روح الإسلام الحقة.
و قد يبدو غريباً للبعض أن يرى أن بعض الملحدين و اللادينيين فى الغرب-و الذين يفترض أن يكونوا معادين للأديان كلها-نجد عداوة هؤلاء للإسلام تفوق عداوتهم لأى دين آخر, و هذا راجع أيضاً للوقوع فى إسار تاريخهم, إنهم يحملون نفس النظرة الصليبية فى العقل الباطن, و لو لم يؤمنوا بالدين من الأساس, لكنه تاريخهم و ثقافتهم التى نشأوا فيها.

أضرب مثلاً آخر بأخوتنا الشيعة, فالشيعة قد توقف التاريخ عندهم عند العاشر من محرم سنة 61 هجرية, يوم كربلاء الذى إستشهد فيه سيدنا الحسين رضى الله عنه, و من تقاعسهم عن نصرته فى هذا اليوم فإنهم عدوا أنفسهم عبر العصور مسئولين عن هذه النتيجة, فتجدهم فى هذا اليوم يلطمون و يضربون أنفسهم بالآلات الحادة,تعبير لا معنى له عن الحزن لن يعيد الحسين و لن يغير التاريخ, و فى الوقت ذاته تجدهم يستخدمون مفردات مثل:الثأر الثأر!!!
الثأر مِن مَن؟ للأسف الثأر الذى يتكلمون عنه هو منى و منك و من كل من يعتنق مذهب أهل السنة, لأننا بنظرهم أتباع يزيد و جنوده الذين قتلوا الحسين, و الذين يتحملون وزر ما حدث لأهل البيت, و الذين يجب أن يتحملوا (مظلومية) الشيعة عبر العصور.
و بهذه النظرة الاختزالية للتاريخ تستطيع أن تفهم تصرفات الكثير من أخوتنا الشيعة, سواء فى عصرنا هذا أو عبر العصور المختلفة, و لن يتغير الحال طالما ظلوا واقعين فى إسار نفس هذه اللحظة.

المثل الثالث أضربه بشعبنا المصرى, فشعبنا أسير لتاريخ يمتد الى آلاف السنين, و لا أرانى مبالغاً إذا قلت أنه قلما نجد لشعب تاريخ يفخر به مثل شعبنا.
لكن تعاطينا مع هذا التاريخ يخرج أحياناً فى صورة إيجابية, و أحياناً أخرى فى صور شديدة السلبية.
الصورة السلبية هى عندما نقول أننا أحفاد الفراعنة, و نتكلم عن حضارة السبع آلاف سنة, و نغرق فى الإشادة بماضى أعظم منا, و لا نحاول أن نستلهم منه العبر, و لا أن نتعلم من أجدادنا, و لا أن نسعى لأن نصل لبعض ما وصلوا اليه.
أما الصورة الايجابية, فهى عندما يتغلغل هذا التاريخ فى الجينات, باعثاً فى النفس روحاً تجعل الإنسان المصرى واثقاً من نفسه فى أى مكان يذهب اليه, و فى أى عمل يعمل فيه, حتى إذا ما عُرِضَ عليه أداء عمل صعب و تشكك أحد من قدرته على أدائه رد بكل ثقة قائلاً:عيب عليك,دحنا مصريين.
نعم,فالمصرى يستند بظهره الى تاريخ مجيد, و من يستند الى الهرم ليس كمن يستند الى كوخ من القش, فإذا تعاطى المصرى مع هذا التاريخ بإيجابية, و كان دافعاً له للأمام ليقوم بدوره بأعمال عظيمة, فقد استفاد من تاريخه, أما إذا ركن اليه, و عاش فى ظلاله, فقد وقع حينئذٍ فى إساره.

هنا يجب أن نتساءل:و ما العمل إذاً؟كيف نستطيع ألا نقع أسرى للتاريخ؟
الإجابة:إننا لن نستطيع ذلك, إلا إذا نسينا أو تناسينا التاريخ, و هو ما لا نستطيعه, و ما لا يجب أن نفكر فيه من الأساس, فأمةٌ بلا تاريخ هى بكل بساطة أمة بلا هوية.
الحل برأيى هو التوازن, نعم, يجب أن يكون الإنسان متوازناً عندما يتعاطى مع التاريخ, سواء تاريخه أو تواريخ الآخرين.
يجب أن نتخلص من القراءة الاختزالية للتاريخ, و يجب ألا يكون تحديد مواقفنا تجاه الآخرين مبنياً بالأساس على قراءة أحداث تاريخية معينة, و هنا يجب أن أطرح أمثلة معكوسة للأمثلة الأولى كى تتضح الفكرة أكثر:
المثل الأول هو فى التعامل مع الغرب, إذا وقعنا فى إسار التاريخ, حينها سنرفض كل ما يأتينا من الغرب, فلم نر منه عبر تاريخنا إلا الإستعمار و القتل و النهب و نشر القيم الرديئة...الخ
لكن النظرة المتوازنة للأمور يجب أن تدفعنا الى عدم رفض الغرب ككل, و لا وضع كل الغربيين فى قالب واحد, فالغرب ليس شراً خالصاً, و كما أنه ملىء بالقيم الرديئة و الثقافات الفاسدة, فبه أيضاً التطور و العلم و كثير من الأشياء التى نستطيع أن نتعلمها, فنحن كبشر لا نستطيع أن نعيش فى جزر منعزلة, لقد خلقنا الله أمما مختلفة (لنتعارف), و هذا هو التكامل الإنسانى بين البشر, فكل منا فى حاجة للآخر.
يعنى دولة مثل فرنسا مثلاً, دولة أوروبية متقدمة فى مجالات عدة, ترى من بنى جلدتنا من يغرق فى الإعجاب بها لدرجة التقديس, و يصفها بمنارة الحرية و شعاع الثقافة و الفن.
لكننا فى الوقت ذاته يجب ألا ننسى أن فرنسا هذه كانت المصدر الرئيس لحشد المتطوعين فى الجيوش الصليبية(لاحظ أن لفظة الفرنجة مشتقة من كلمة الفرنك أى الشعب الفرنسى),و لا يجب أن ننسى فى الوقت ذاته ما فعلوه فى بلادنا و دخولهم الأزهر بخيولهم, أو ما فعلوه فى الجزائر و فى كافة البلاد التى استعمروها.
كل هذا لا يمنع الاستفادة من العلوم و الآداب, و الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدت, و قد كان للبعثات التى أرسلها محمد على دوراً مهماً فى بناء الدولة المصرية الحديثة.
من 10 سنوات,احتفل بعض مثقفينا و على رأسهم وزير الثقافة بمرور 200 عام على قدوم الحملة الفرنسية, مشيدين بدورها (التنويرى)و أنها أدخلت المطبعة لمصر, و صدق من قال:ما قيمة المطبعة يجرها المدفع!! حقاً هذا هو الوجه الآخر للعملة, فكما أرفض الوقوع فى إسار التاريخ, أرفض كذلك نسيانه بالكلية, أو على الأقل إختزاله.

حسناً, و ماذا عن الشيعة؟ هل نضعهم جميعاً فى خانة العداء, و نقع أسرى للتاريخ مثلهم؟ أم يجب أن يكون عندنا نوع من التوازن فى الرؤية و تقدير لمصالح الأمة العليا؟
هل نتخذ موقفاً سياسياً معادياً لحزب الله فى لبنان حتى لو كانت حربه مع إسرائيل؟و هل نفرح لو ضرب الأمريكان إيران و ننسى أن هذه دولة تؤمن بأنه لا إله إلا الله؟
لا أقول أن ننسى التاريخ, لكن لا تجعله عقبة فى تعاملك معهم, تعامل بشكل عادى, و لكن كن على حذر, تذكر أن من هؤلاء خرج ابن العلقمى الذى باع بغداد للتتار, و منهم الصفويين الذين تحالفوا مع النصارى لضرب الدولة العثمانية, و منهم من يتعاون مع الأمريكان فى العراق حالياً.
الخلاصة:عندما تتعامل مع الآخر,كن متوازناً, لا تنس التاريخ و كأن شيئاً لم يكن, فما تم بالأمس قد يحدث اليوم أو غداً, لكن فى الوقت ذاته, لا تدع هذا التاريخ عائقاً يمنك من التواصل مع الآخرين, و الإستفادة منهم.
لا تدر وجهك بعيداً و ترفض الآخر ككل, و لا تنس نفسك و ماضيك فتقبله ككل, خذ منه ما ينفعك, و ميز الذى يضرك و اطرحه بعيداً, تعامل بطريقة طبيعية, و لكن بعقل, و حذر.

الاثنين، 21 يوليو 2008

العرب و مصر:فتح أم غزو؟

لم أكن أتصور أنى سأكتب عن هذا الموضوع, لأنه من البديهيات بنظرى, و عادة ما أجد هذه الشبهة تتصدر بعض كتابات المستشرقين, مخالفين بها ما أثبته التاريخ, و مخالفين بها أى روح موضوعية.
لكن وجدت أن هذا الموضوع قد طُرح بالصدفة على أحد المجموعات البريدية, و قام أخ فاضل بالإعتراض على وصف مصر بالدولة(العربية), و تساءل عن سبب الغاء هوية مصر و تاريخها من أجل عدة آلاف من العرب قاموا بغزو مصر بقوة السلاح من 1400 سنة؟!!!
و عندما تفضل بعض الأخوة بالرد, وجدت الأخ الفاضل قد صرح قائلاً أنه: يحلو للبعض أن يسمى الغزو فتحاً. هذا غير الكلام عن عنصرية العرب.
و لهذا أود أن ألفت نظر الأخ الفاضل-و غيره ممن يتبنى هذا الرأى الى الحقائق التالية:
*إن الإختلاف حول لفظ الفتح أو الغزو يتوقف على الجانب الذى نقف فيه, لكن إذا مررنا بالأحاديث النبوية التى تكلمت عن مصر, و اخترنا منها هذا الحديث:((إنكم ستفتتحون مصر, و هى أرض يسمى فيها القيراط, فإذا فتحتموها فأحسنوا الى أهلها, فإن لهم ذمة و رحما, أو قال: ذمة و صهرا)) صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم, و الحديث وارد بصحيح مسلم.
و بما أن الأخ السائل اسمه (محمد), فأحببت أن أذكره بهذا الحديث, فليس لفظ الفتح لعباً بالألفاظ من أحد.
*المنصفين من المستشرقين قد استخدموا نفس المصطلح-الفتح-فى وصفهم لدخول العرب لمصر, و يمكن مراجعة بعض الكتب الشهيرة فى هذا المجال مثل: (فتح العرب لمصر)للدكتور ألفرد بتلر, و( الدعوة الى الاسلام )لتوماس أرنولد, و (حضارة العرب) لجوستاف لوبون, و غيرهم.
و الغريب أن المنصفين من كتاب الغرب لم يتجنوا على الفتح العربى بمثل ما نتجنى نحن عليه, و اذا قارنا بين سلوك العرب فى مصر, و سلوك أى غازى, يتضح الفرق, و التاريخ يشهد.
*المشكلة ليست فى الألفاظ-فتح أو غزو- بقدر ما هى مشكلة فى المفهوم, فوصف الفتح بأنه عربى هو وصف مبتسر, بل و عنصرى, فالعرب الفاتحين فى هذا الوقت لم يكونوا ينظرون لأنفسهم على أنهم عرب يحاربون قوميات أخرى, بل على أنهم مسلمون يحملون رسالة الى بقية الأمم, و مسئولية هى:إخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد.
*عند التحدث عن العرب الفاتحين هؤلاء, هل ننسى أنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم, هل ننسى أن منهم عمرو بن العاص و عبادة بن الصامت و الزبير بن العوام و أبى الدرداء و غيرهم؟
إن بعض المستشرقين المغرضين يصرون على الوصف العنصرى(الفتح العربى), ليكون هذا مقدمة لشىء أبعد و هو الطعن فى الفاتحين, ثم نتبعهم بحسن نية و ننسى أننا بهذا نطعن فى صحابة الرسول الكريم, الذين حملوا الينا الرسالة, و من اسلم منا فإن إسلامه فى موازين حسنات هؤلاء.
إن مصر قد تعرضت خلال تاريخها الطويل الى الاحتلال من قوى و حضارات مختلفة, غزانا الهكسوس, و الآشوريين, و النوبيين و الليبيين, و الفرس,ثم الاغريق, و بعدهم الرومان.
مع كل هؤلاء, لم يتغير لسان مصر, و لم يعتنق المصريون أديان الغرباء, بل إن من الغرباء من عبد آلهة المصريين, مثل البطالمة.
الديانة المسيحية دخلت مصر و اعتنقها المصريون قبل أن تصبح ديناً سائداً للإمبراطورية الرومانية, و حتى بعد ذلك لاقى المصريون منهم أقسى صنوف الاضطهاد بسبب اختلاف المذهب, و لم يغير المصريون مذهبهم.
حتى أتى المسلمون, و حررونا من ظلم الرومان, و أعادوا العدل الى الأرض, و رأينا ذلك, فاعتنق منا الإسلام من اعتنق, و ظل بقيتنا على دينه الى يومنا هذا.
و صارت مصر عربية الهوية فى نهاية المطاف, قبلت مصر الإسلام مصحوباً بالعروبة, التى هى هوية أكثر منها بجنس.
إذا ماذا يجدى الآن إثارة تساؤلات مثل هذه؟ ألا ينبغى ألا ننساق وراء دعوات الانسلاخ من الهوية, و نميز الغرض الحقيقى منها؟
ألا يجب أن نعقل أن الأمر أبعد من مجرد الطعن فى جنس الفاتحين, لكنه تمهدة للطعن فى عقيدتهم؟
إنى بالطبع لا أتهم الأخ السائل بهذا, فإنى أحسبه على خير, و لكنى أرى أنه بحسن نية يردد أقوال المغرضين من المستشرقين و أعوانهم.
و تبقى فى النهاية مقولة:عنصرية العرب, و القومية العربية.
فلا يخفى عنكم أن دعاوى القومية فى العصر الحديث قد نشأت فى أوروبا و نمت خصوصا فى القرن التاسع عشر, و إستوردناها كمثيلاتها من الأفكار الغريبة على مجتمعاتنا, و التى ليس لها جذور فى تربتنا.
و هكذا وجدنا من يقومون بما أسموه(الثورة العربية الكبرى) ضد الأتراك و الحكم العثمانى, و ليس بخاف عنكم دور الاستعمار الغربى فى إذكاء هذه الروح العرقية لهزيمة دولة الخلافة.
ثم وجدنا من يرفع راية القومية العربية ظنا منهم أنها السبيل الوحيد لضم صفوف العرب, ناسين أن الرسول الأكرم لم يوحد قبائل العرب تحت راية العروبة, و لكن تحت راية لا اله الا الله.
و هكذا, فإن الطعن فى دعاوى القومية نفسها,و التى لم تحقق ما أرادت, لا يجب أن ينسحب بالطعن فى العرب أنفسهم, و ننسى أن الله إصطفى منهم خير البرية.
و إذا كان سلوك بعض العرب فى عصرنا هذا متسماً بالعنصرية, فهذه من الخيبة العربية المعاصرة, التى هى إحدى صور تراجعنا فى كافة المجالات, و بعدنا عن روح الدين, فلا يجب أن نؤاخذ الكل بذنب البعض, و ليس الإنسلاخ من العروبة هو الحل, و على من يطرحون هذا الحل أن يقدموا الينا البديل, و لا أظننا سنجده.
إننا كمصريين لا يجب أن نكون ممزقين بين الوطنية المصرية, و القومية العربية, و الهوية الإسلامية, فهناك أولويات يجب أن نعيها, يجب أن نعى من نحن حقاً, و لكن لهذا حديث آخر.

------------------------------------------------------------------------------
تحديث
بعد كتابة هذا المقال, قرأت مقالين للأستاذ فهمى هويدى يتناولان نفس الموضوع, رداً على محاضرة ألقاها أسقف قبطى يعتبر أحد القيادات الكنسية فى مصر, و تناول فى محاضرته مسألة الفتح الاسلامى بنفس الفكر و الأسلوب المغرض, مما يضع دليلاً عملياً على وجود مخطط وراء طرح هذه الافتراءات, و كذلك نرى بوضوح من يقف وراءها.
أنصح بقراءة هذين المقالين القيمين: طعنة للجماعة الوطنية , العيش المشترك له شروط
و أختم برأيٍ قد قرأته منذ زمن للشيخ محمد الغزالى رحمه الله
يقول الشيخ:((جاءت المسيحية لمصر و انتشرت,فاعتنقها من اعتنقها, و بقى من بقى على الوثنية, و لم يقل عاقل و لا مجنون لمن تنصر إنك قد فقدت وطنك بتنصرك!!
ثم جاء الإسلام, فأسلم من اسلم, و بقى من بقى على نصرانيته, فلماذا يريدون أن نفقد وطننا بإسلامنا؟؟!!))

الاثنين، 14 يوليو 2008

العامل الحفاز

قبل أن تنخدع بالعنوان, فليس هذا المقال حصة فى الكيمياء, و لكن لأن الكيمياء ما هى إلا علم ملىء بالأسرار التى قد تعبر بطريقة فلسفية عن بعض نواحى حياتنا, و لأن حياتنا نفسها ليست الا سلسلة من المعادلات و التفاعلات, كان من الطبيعى أن أستخدم هذا المصطلح الكيميائى.
لا أعتقد أنى بحاجة لشرح ماهية العامل الحفاز الكيميائى, و لا تقل لى أنك لا تدرى لأنك كنت فى القسم الأدبى-الا لو كنت أدبى فى 2 اعدادى فهذا شىء آخر-المهم, العامل الحفاز فى الكيمياء هو مادة تضاف الى عناصر التفاعل لكى تزيد من سرعة التفاعل ذاته, لكنها لا تتأثر بذاتها, حيث يمكن استعادتها فى نهاية التفاعل.
و من البشر من يمكن اعتبارهم عوامل حفازة بدورهم, من البشر من له تأثير على غيره, بحيث يبث فيه طاقة ايجابية و منشطة, و يجعله يتقدم للأمام بدوره, لكنه فى الوقت ذاته يبقى على حاله, و لا يتقدم بدوره.
من البشر من تستطيع أن تلجأ اليه كلما احتجت الى نصيحة, أو الى مستشار حكيم, لكن اذا نظرت لحاله وجدت أنه يحمل حكمة يفيد بها غيره و لم يفد بها نفسه.
من البشر من يعتبر دوره فى الحياة أن يكون ناصحاً أميناً, و مرشداً و موجهاً, لكنه مع ذلك لا يمشى للأمام مع من يرشدهم و يوجههم و يسدى اليهم النصائح!!
و هنا يتبادر للذهن سؤال, هل هناك خلل فى هذه النوعية من الناس؟ أم هل هؤلاء من الذين قد ينطبق عليهم قول الله تعالى ((يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون,كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون))؟
بداية يجب أن نوضح أن هذا الصنف الذميم من الناس ليس المقصود فى هذا المقال, فنحن هنا لا نتكلم عن المنافقين و لا الكاذبين, لا نتكلم عن الذين يظهرون أمام الناس و هم يلبسون ثياب التقى و يأمرونهم بالمعروف و لا يفعلونه, أو ينهونهم عن المنكر و لا ينتهون عنه.
لكن أريد أن ألفت النظر لتوجيهات نبوية, فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الدين النصيحة, كما قال لنا : لا تحقرن من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجه طليق.
نعم, لا تحقرن من المعروف شيئاً, كلمة بسيطة منك, أو نصيحة صغيرة اذا خرجت من قلبك بإخلاص و صدق, قد تترك فى نفس متلقيها أثراً لا ينمحى, بل قد تغير حياته الى الأبد, و مثل الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة اصلها ثابت و فرعها فى السماء.
صديق لى ركب مرة مع سائق تاكسى و تجاذبا أطراف الحديث, و تطرقا الى مسألة الفتن التى يزخر بها زمننا, فقال صديقى:فى هذا الزمن نحتاج أن نلزم هذا الدعاء النبوى:اللهم يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلوبنا على دينك.
مرت الأيام, و قدراً ركب صديقى مع نفس السائق, و تذكره, فقال له السائق:هل تذكر حديثنا؟ لقد علمتنى دعاءً أسأل الله أن يجعله فى ميزان حسناتك, و ما زلت أدعو به من يوم لقيتك, و أحسست بمعناه عندما ركب معى زبون غير مسلم و أخذ يستدرجنى فى الحديث و يلقى لى بعض الشبهات,فتعوذت بالله و لزمت هذا الدعاء أكثر, فجزاك الله خيرا!!!
الغريب أن صديقى هذا لم يكن مواظباً بدوره على هذا الدعاء, لكنه فى حواره مع الرجل ألقى هذه البذرة, و لاقت بفضل الله تربة تنمو بها.
و من هنا أصل لسؤال هام: هل يجوز أن ننصح الناس بأشياء من الخير, و نحن لا نفعلها؟
فى رأيى أن هذا كله متعلق بالنية, يعنى يوجد بالتأكيد فارق كبير جدا بين من يدعو الناس للخير رياءً و سمعة, و كى يظهر أمام الناس غير ما يبطن, و بين من يدعوهم الى الخير و هو ينوى صادقاً أن يفعله عما قريب.
نعم, فربما يدفعك دينك و إيمانك الى بذل النصح لإنسان فى موقف يحتاج النصيحة, لكن يدخل لك الشيطان من مدخل أنه لا ينبغى لك أن تنصح غيرك قبل أن تلتزم أنت, و فى النهاية لا تنل أى من الحسنيين:فلا أنت أسديت لأخيك النصيحة فكسبت ثوابه, و لا أنت التزمت بها بدورك.
اذا وقفت فى مثل هذا الموقف, فكن ايجابياً و لا تتردد, و إن سخر منك أحد لأنه يرى أنك لست مؤهلاً لأن تعظ غيرك و أنت نفسك بحاجة للوعظ ,فلا يكن هذا دافعاً لك الى السلبية, بل اجعل من هذا دافعاً داخلياً لك لكى تحسن من نفسك, و تلتزم بما تدعو غيرك لفعله, لأن هذا موقف أخلاقى قبل كل شىء: لا تنه عن خلق و تأتى مثله........عارٌ عليك إن فعلت عظيمُ
كى يزيد احترامك لنفسك لابد أن تلتزم بما تدفع غيرك لفعله, و ان لم تكن فعلته بعد و لكن لديك النية الصادقة لذلك فى القريب العاجل فانصح و لكن لا تسوف و تنتظر هذا القريب العاجل الى الأبد, فأنت لا تعلم متى يحين الأجل.
الخلاصة: حاول أن تتخلص من دور العامل الحفاز, كن شريكاً فى التفاعل, و لا تتوانى عن اصلاح نفسك بالتوازى مع اصلاح الآخرين, أما اذا كنت سلبياً, فلن تصلح نفسك, و لن تصلح الآخرين, أو على الأقل ستصلح الآخرين و تدفعهم الى الأمام ثم لن تجد أحداً تدفعه لأن الجميع قد سبقوك و أنت واقف فى مكانك, و هذا تذكرة لنفسى قبل أن يكون تذكرة لأى أحد.
و الله من وراء القصد.

السبت، 12 يوليو 2008

ثقافة التبرير

ربما يتعجب البعض من العنوان, أن ينضم التبرير الى قائمة الثقافات التى نحتاج لإعادة النظر فيها, بل و تغييرها, لكن إصبروا على قليلاً.
أحب فى البداية أن أذكركم أن كثير من الأشياء قد تحتوى على الخير و الشر معاً: فحسنها حسن, و قبيحها قبيح.
و من هذا المنطلق نستطيع أن نقسم التبرير بدوره الى نوعان: تبرير محمود, و تبرير مذموم.
و نحتاج فى البداية أن نسأل أنفسنا سؤالاً: لماذا نلجأ كبشر الى التبرير؟
فى أحيان كثيرة قد نقدم على بعض التصرفات التى نظن أن غيرنا قد يسىء فهمها, و يفسرها تفسيراً خاطئاً, لذا قد نبادر بإعطاء بعض التبريرات لهؤلاء الذين نحرص على ألا يظنوا بنا ظناً سيئاً, حتى قبل أن يسألونا.و بالمناسبة, الإنسان ليس بحاجة لأن يسوق تبريرات لكل الناس.
و فى الواقع, فإن هذا يضايقنى فى بعض الأحيان, ففى حين أجد أن هذا الموقف مفهوم و متقبل عندما أفعله أو يفعله معى شخص ليس على علاقة وثيقة بى, بحيث أنه قد ينزلق الى خانة سوء الظن لأنه لا يعلم شخصيتى جيداً و لم يعاشرنى بالقدر الكافى, إلا أنه عندما تجد شخصاً قريباً منك-عمك أو خالك أو حتى أمك!!-يبررون لك بعض أعمالهم, فعندها يكون هذا شىء عجيب حقاً-بالنسبة لى على الأقل-و قد يعطى انطباعاً بعدم وجود ثقة فى عقل الطرف الآخر, يعنى ببساطة , تخيل إن أخوك عمل موقف بالنسبة لك هو عادى, ثم وجدته يقدم لك تبريراً كأنه حريص على ألا تسىء فهمه, ساعتها أنا شخصياً أتضايق لأنى لا أتصور كيف يظن أخى أنى سأظن به ظن سوء أو أسىء تفسير نيته؟!!و هذا إتهام لعقلى و نيتى قبل أن يكون إعتذار منه!
ما علينا, ننتقل لغرض آخر من أغراض التبرير, فإن كانت النقطة السابقة تناقش التبرير عن تصرف شخصى و ذاتى, فإننا كثيراً أيضاً ما نقدم على تبرير تصرفات أشخاص آخرين, حتى قبل أن يقوموا هم بذلك, فلماذا إذاً؟
يحدث هذا عندما ينتقد أحد ما تصرفات أحد الأشخاص الذين نحبهم, فيكون رد فعلنا هو أن نبرر هذا التصرف, و هذا إما لعلمنا المسبق بالأسباب التى أدت الى هذا التصرف, أو لحبنا و ثقتنا فيمن نحبهم ,و لقربنا منهم و فهمنا لشخصيتهم و حسن ظننا بهم, و كلها عوامل تجعل المرء يحسن تفسير التصرف و يبرره لنفسه قبل أن يبرره لغيره.
يعنى مثلا, قد يأتينى شخص و يقول لى أنا غاضب من فلان, لأنى سمعت أنه قال كذا, و لأن هذا الفلان المذكور قد يكون صديق حميم, و لفهمى لطباعه و شخصيته من طول عشرتى معه, فإنى قد أتفهم الأسباب و الظروف التى أدت به لأن يقول هذا, و ساعتها أستطيع أن أبرر تصرفه و أدافع عنه بكل شجاعة, و أرد غيبته و أوضح لمن ينتقده حقيقة الموقف.
الى هذا الحد, ربما تتفقون معى أن هذا يندرج تحت بند:التبرير المحمود, فماذا عن محور هذا المقال, ماذا عن التبرير المذموم إذاً؟
التبرير المذموم يحدث عندما يكون ديدنك-أى عادتك-أن تبرر كل أفعالك حتى لو تيقنت داخلياً أنك على خطأ, و تظل تدافع و تجادل بلا منطق بدون أن يكون لديك شجاعة الإقرار بالخطأ, و لا فضيلة الإعتراف بالحق.
التبرير المذموم أيضاً يكون عندما تبرر مواقف الآخرين على طول الخط, دون تفكير و لا وعى, فقط لأنك تحبهم و تتعلق بهم, و كأن هذا وحده كاف لكى يكونوا معصومين من الخطأ!!
لا يا عزيزى, ليس هناك بشر معصوم من الخطأ, و آخر المعصومين هو رسول الله صلى الله عليه و سلم, فلا قداسة لأحد من بعده, و ليس هناك من لا نستطيع أن نتوجه له باللوم و الانتقاد-بالحسنى طبعاً-و ليس هناك من يسير طوال الوقت دون عثرات أو كبوات أو هفوات.
إن الإسلام يعلمنا ألا نتعصب للرجال و لا لأعمالهم, فإننا نتبع الحق وحده, و قد يكون فلان حبيب إلينا, و لكن ينبغى أن يكون الحق أحب إلينا من فلان, و الإسلام يعلمنا أيضاً أن نعرف الرجال بالحق, لا أن نعرف الحق بالرجال.
إن التبرير المذموم فى هذه الحالة ما هو إلا إنعكاس للتعصب للرأى و للمذهب و للرجال, و أى تعصب مرفوض فى الإسلام, و نكرر أنه لا عصمة و لا قداسة لأحد من بعد الرسول الأكرم, لكن نذكر أيضاً أن الإحترام واجب لكل من يستحقه, لكن بلا تعصب له, و لا إنقياد أعمى لآرائه, و كأنه منزه عن النقص, و أعلى من الخطأ!!
و من التبرير المذموم أيضاً, تبرير الرجل أخطاء قومه و أهله على طول الخط و لو لو يكن الحق معهم, و هذا بدوره إنعكاس لنوع آخر من التعصب, إنها العصبية القبلية المنتنة التى حاربها الإسلام, و ذمها الرسول, لأنها من أخلاق الجاهلية, إنها إنعكاس للمبدأ الجاهلى:إنصر أخاك ظالماً أو مظلوما!!
ذكر العلامة أبى الحسن الندوى فى كتابه القيم:ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين:(أن العرب فى الجاهلية كانوا يتعصبون للقبيلة و كان شعارهم:انصر أخاك ظالماً أو مظلوما, فلما جاء الإسلام و هذب طباع أتباعه, قال الرسول صلى الله عليه و سلم نفس المقولة:إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً, حينها كان تساؤل العربى المسلم:أنصره مظلوما يا رسول الله, فكيف أنصره ظالما؟, فأجاب الرسول الأكرم:أن تمنعه من الظلم, فذلك نصرتك إياه).
و إنك عندما تبرر تصرفات أخيك و تدافع عنه إتباعاً للحمية و العصبية, فإنك حينها تتبع المعنى الجاهلى, لا المعنى الإسلامى, و تضر أخاك بدلاً من أن تنفعه.
و الأولى يا أخى أن تتثبت من الوقائع أولاً, فإن وجدت الحق مع أخيك فدافع عنه و جادل عنه-بالحسنى-كيفما تشاء, لكن إياك ثم إياك أن تسوق المبررات و تدافع بلا هوادة و أنت تعلم أنه على باطل.
و أسوأ أنواع المبررين قاتبة, هم المنافقون الذين يبررون أفعال الحكام الظلمة, و يزيفون الوعى و يكذبون على الشعوب و يسوقون مبررات واهية فى صورة مسكنات يحاولون بها خداع الناس و إمتصاص غضبهم, و يفعلون هذا بشكل عجيب, ربما لا يخطر على بال الحاكم نفسه!!!
نعم, فهناك ملكيون أكثر من الملك, و هناك من يزيف الواقع و يتفنن فى سوق المبررات بطرق عبقرية تفوق فكر الحكام أحياناً, و هؤلاء موجودون فى بلاط كل حاكم, و هذا الأسلوب هو وسيلة كسب عيشهم و رزقهم, نعم هذه هى وظيفتهم فى الحياة: أن يبرروا كل تصرفات الحاكم و يزينوها و يضعوها فى قوالب جذابة و يقدموها للشعب فى صورة خادعة لكى يبتلعها و يصمت.
ستجد من هؤلاء وزراء و صحفيين و كتاب و مثقفين-للأسف-يفعلون هذا لأن وجودهم من وجود النظام, و يبجلون الحاكم الذى هو صنمهم المعبود, و يقدمونه للناس كأنه إله لا يخطىء, و كل تصرفاته إنما هى من حكمة بالغة تحتاج لتوضيح كى تصل لعقول أبناء الشعب البسيط, و فى حال كان هناك خطأ سافر لا سبيل لتبريره, فإن هذا خطأ أحد الأتباع, فحاشا أن يخطىء الحاكم المبجل!!!

الخلاصة:إذا كنت فى موقف يدعوك لأن تقدم تبريرا لتصرف قمت به, أو تصرف قام به غيرك, فلو سمحت كن موضوعياً و منصفاً, قل الحق و لو كان مراً, و لا تكن من الأصناف المذمومة التى تنافح عن نفسها و عن غيرها فى الحق و الباطل بلا تمييز, فقط بسبب التعصب, و لا تكن أيضاً من هذا النوع الأخير الذى يبرر تصرفات الظالمين و الفاسدين, فتجمع بين التعصب, و الكذب, و النفاق.
و الله من وراء القصد.

--------------------------------------------------------------------------------
أخوتى و أخواتى, أذكركم و نفسى بأننا فى شهر رجب, يعنى خلاص هانت و بعد قليل سنجد رمضان قد بدأ, و نحتاج أن نستعد له إيمانياًَ من الآن, أذكركم بنفسى بهذا, و أدعوكم لمتابعة مشروع:100 يوم حتى رمضان على هذا الموقع.
اللهم بلغنا رمضان, و تقبل الله منا و منكم.

السبت، 5 يوليو 2008

ثقافة الإختزال

إذا كنا قد تكلمنا من قبل عن أننا بحاجة لتغيير كثير من الثقافات السائدة فينا كشعب, فلعل ثقافة الإختزال هذه من أهمها.
و لكى تكون الصورة واضحة, فلابد أن نضرب بعض الأمثلة:
-قيام بعض الملتزمين بإختزال الدين فى صورة عبادات, و فى الوقت ذاته ينسون أن الإسلام:عقيدة و شريعة و عبادات و معاملات, و للأسف الطرف الأخير فى المعادلة تجده مفقوداً بشكل عجيب عند عدد من المحسوبين على التيارات الإسلامية المختلفة, فتجدهم يُنفرون الناس بسلوكهم العنيف, أو بضيق خلقهم, و فى بعض الأحيان سوء خلقهم!!!, و يمكنك زيارة بعض المنتديات على الانترنت و مراقبة نوعية الحوار و كيفية تعامل بعض المتدينين مع المخالفين لهم فى الرأى-حتى فى الفروع و القضايا الخلافية-و حسبنا الله و نعم الوكيل.
-من جانب آخر, نجد من يختزل الدين فى الأخلاق فقط, و يهمل العبادات!!, و فى الوقت ذاته يصر على أننا يجب ألا نختزل الإسلام فى المظهر الخارجى فقط(يقصد الحجاب للنساء و اللحية للرجال), و مع أننا نتفق معه فى ذلك تمام الإتفاق, فالظاهر لابد ان يكون انعكاساً للباطن, إلا أننا نعجب لوقوعه فى نفس المأزق,يعنى الإختزال!!!
-إذا ظننا أن هذا الخطأ الشائع موجود عندنا فقط فنحن مخطئون, فما زال كثير من الناس فى الغرب ينظرون الينا بنفس النظرة الإختزالية, و هكذا فإن المسلمين أجمعين هم إرهابيون و قتلة, أما الإسلام فهو دين شرير يدعو لسفك الدماء, و بغض النظر عن من يغذى هذه النعرات و ينشر هذه ألأكاذيب فى الغرب(سواء من أعداء الإسلام بحقدهم,أو بعض المنتسبين الى الإسلام بجهلهم),فإن من يستجيب لهذه الرؤية إنما يفعل هذا لأنه أولاً يختزل المسلمين كلهم فى صورة بعض من يضر الإسلام بقلة وعيه, ثم يختزل الإسلام نفسه فى صورة أتباعه, رغم أننا فى أحيان كثيرة أبعد ما نكون عن الإلتزام بتعاليم الإسلام و أخلاقياته أصلاً.
-مثل آخر, ترى من ينقب فى التاريخ الإسلامى و لا يستخرج منه إلا أخبار الجوارى و الشعراء و الخلفاء المستهترين, تلك القصص التى يمتلىء بها كتاب الأغانى, لكنه يعمى عن دور المسلمين فى نشر العلوم, و دورهم فى الحضارة الإنسانية, و ينسى صفحات الفخر فى اليرموك و عمورية و ملاذكرد و حطين و عين جالوت, و لا يذكر إلا الصراعات المذهبية و فترات الركود.و بذلك يختزل التاريخ فى أسوأ ما فيه, و يقدمه بهذه الصورة المبتسرة, فيزيف وعى الأجيال.
-فى الحالة المصرية, فإننى أقابل أيضاً صنفين من الناس أعانى معهم كثيراً, لأنهم يختزلون الدولة فى شخص الحاكم و النظام, و بذلك ينزلقوا لمنزلقين على قدر كبير من التباين:
فهناك من يحب مصر جداً, لكنه لا يفرق بين مصر و بين حاكم مصر, فيرى أى إنتقاد للحاكم هو بمثابة إنتقاد للبلد نفسها, و كذلك أى إنتقاد لسياسة من سياسات الحكومة هو بمثابة سبة لمصر, و يتحول الى شخص يسعى لتبرير كل تصرفات الحكومة أياً كانت-حتى موضوع الضرائب العقارية و سياسة القمح و تصدير الغاز-و ذلك بطريقة يعجز عنها جهابزة الحزب الوطنى, و لى صديق عزيز من هذا النوع لا أحب الخوض معه فى السياسة لأنه لا يريد أن يتخلص من هذه الثقافة, و آخر مرة تكلمنا كدت أفقد أعصابى معه عندما بدأ فى مدح زكى بدر و أحمد عز إذ ذكرا أمامه!!
أما الفصيل الثانى,فهو أيضاً يحب مصر بشكل كبير, و أيضاً لا يفرق بين مصر و حاكمها و حكومتها, فيصب جام غضبه على البلد و أهل البلد و اللى جابوا البلد, و ينسى أن البلد و ناسها-الذين هم أهله بالمناسبة-لا يستحقون كل هذا الغضب منه, فمصر و شعبها أعظم من أن تختزل فى صورة عصابة من الفاسدين و المنتفعين و الظالمين, و من يصر على هذا الإختزال مثله كمن لم يقدر على الحمار فتشطر على البردعة(لاحظ أن تعميم وصف الفاسدين و المنتفعين و الظالمين على كل من ينتمى للحكومة هو بدوره نوع من التعميم, الذى هو نتيجة للفكر الإختزالى).
نعم, فالاختزال يؤدى بدوره الى أخطاء أخرى, و التى منها تعميم الأحكام بصورة عشوائية, فكل الناس على خطأ, أو كلهم يغرقون فى الفساد, أو كل الناس لاتفهم, و هى فعلاً طريقة ظريفة جداً لكى يريح الإنسان دماغه و لا يفكر, و يجلس مثل الباشا و يدين الجميع.
الإختزال يسبب قصوراً فى الرؤية, و من ثم قصوراً فى الفهم, و القرارات التى تبنى على الصورة الإختزالية هى قرارات خاطئة بالضرورة, لأنها قائمة على رؤية جزء من الحقيقة, فهذا هو المعنى الحرفى للإختزال:أن ترى الحقيقة فى صورة مبتسرة,ثم تضع كل البيض فى نفس السلة.
من جانب الآخر, يؤدى الاختزال الى تطرف فى الفكر, نعم فعندما أرى جزءاً من الحقيقة و أقتنع به فإنى أتطرف فكرياً, و أعادى من يخالفنى فى الرأى, و تشتد الخصومة اذا كان يعانى من نفس الرؤية القاصرة, و فى النهاية لا ندرى أن كل منا يختزل الواقع و يعتقد انه يمتلك الحقيقة كلها!!!
إذاً, عندما يرشق عدد من الفلسطينيين حرس حدودنا بالحجارة, و يحاولون اقتحام الحدود, و يعبرونها فعلاً, فإن الشعب الفلسطينى كله معتدى و لا يحفظ الجميل لمصر, بل و يريد احتلالها!!
و عندما نجد بعض التافهين يكتبون السموم عن مصر فى مقالاتهم و صحفهم, و نجد تافهين آخرين يعاملون المصريين بنوع من الصلف و التعالى, فإن كل العرب جرب, و مصر أشرف من أن تنتسب لهم!!!!
أما عندما يتورط بضعة شباب من أبناء سيناء فى التفجيرات الارهابية-التى نعلم من وراءها-فإن أهل سيناء كلهم يختزلوا فى هذه الحفنة من الشباب ليصبحوا جميعاً عملاء و مهربى مخدرات و بلا انتماء, و لا حول و لا قوة الا بالله.
و أحب أن ألفت النظر أن النظرة الاختزالية غالباً ما تؤدى بصاحبها الى الوقوع فى براثن اليأس و الاحباط, فلا يرى الا النصف الفارغ من الكوب, و يعجز عن رؤية أى إنجاز, و لا يرى الا الخراب و الفساد, حتى يصل لمرحلة متقدمة من هذا المرض-و متأخرة من الحالة الفكرية-يتحول فيها الى شخص رافض لتصديق أى شىء إلا الصورة المختزلة التى ثبتها فى ذهنه.
و من خطايا الإختزال أيضاً, محاسبة الأشخاص بطريقة ظالمة, فتختزل أعمالهم كلها فى عمل واحد, إما عمل عظيم فترفعه الى مصاف الأبطال ثم تبدأ فلا تقديسه, أو عمل حقير فتلعنه ما حييت, و لا تذكر عنه إلا كل سوء.
فمنا من لا يرى فى جمال عبد الناصر إلا رمزاً للقمع, و سبباً فى النكسة , و ينسى دور الرجل فى القضاء على الاستعمار و دعم حركات التحرر فى الوطن العربى و دول العالم الثالث, و بناء السد العالى.
و منا من لا يذكر للسادات إلا العبور العظيم و نصر أكتوبر و استرداد الأرض, و ينسى اعتقالات سبتمبر وخطايا الانفتاح و أحداث يناير77.
و بالمناسبة, لست من عشاق عبد الناصر, و لا الكارهين للسادات, لكنى أؤمن أن على الإنسان أن ينظر للأمور نظرة وسطية, و لا ينسف تواريخ الرجال و الأمم بإختزالها فى بعض الإنتصارات أو بعض الإنكسارات.
و عند الحديث عن الشخصيات المؤثرة, فإنى أشبه من يلوك فى سيرتها بحيث ينسب لها كل خبيث و يعمى عن أى خير, بصنف النساء المذكور فى الحديث النبوى, الصنف الذى يكفر العشير(الزوج), تعيش الدهر معه فى سعادة, فإذا رأت منه ما يسوءها قالت له:ما رأيت منك خيراً قط!!

إن الإختزال و إن كان يُمارسه البعض بلا وعى منهم, و دون قصد, إلا أن هناك من يحاول تثبيت الصورة الاختزالية فى أذهاننا لأغراض خاصة.
و فى ظل الهجوم القوى على الإسلام و المنتسبين اليه و الداعين لتطبيق الشريعة, فإن جهات كثيرة-من ضمنها الحكومة-تستعمل وسائل غير شريفة, منها أن تختزل التيار الاسلامى بكل أطيافه فى صورة الفئات المتطرفة التى تكفر المجتمع, و تستحل الدماء و الأموال, و رغم ان أى باحث منصف يدرك جيداً أن حجم هذه الفئة فى المعسكر الإسلامى ليس كبيراً-و تقلص بشدة بعد الضربات الأمنية و حركات تصحيح الفكر-لكن لتخويف الناس يتم اختزال كل الاسلاميين فى صورة الارهابى!!!
و العيب كل العيب أن تسمح لغيرك بغرس صور قاصرة و مبتسرة و مختزلة فى رأسك, فيتمكن من توجيهك كما يوجه السائس الحصان.
و جدير بالذكر أننا لا ندعى أن التيارات الاسلامية المختلفة فى الساحة تخلو من الأخطاء و الرؤى الاختزالية بدورها, لكن من الظلم بمكان أن ترمى انساناً بجرائم ارتكبها غيره.
و جدير بالذكر أيضاً أن داخل التيارات الاسلامية من يختزل التيار اليسارى كله فى صورة الشيوعيين الملحدين, و كذلك الحال بالنسبة للعلمانيين, فلا يفرقون بين العلمانى الذى يتحفظ على تطبيق الشريعة لأفكار و مخاوف معينة فى نفسه-ليس هذا المقال محل ذكرها-و بين العلمانى الذى يرفض الدين نفسه, و يستهزىء بالرسالة و النبوة.
و الذى يفوت كل هؤلاء, أن كل تيار, و كل فكر, به من السعة -أو الاتساع بمعنى أصح-ما يجعل داخله أجنحة و تيارات أخرى, من أقصى اليمين الى أقصى اليسار.
و أملى, أن يكون للتيارات الوسطية, داخل كل فكر, من الوعى و الرغبة الصادقة فى الإصلاح ما يمكنها من تغيير ثقافة الاختزال, و تعويد الناس على قبول الآخر, على ثقافة قبول المخالف, و على عدم تعميم الأحكام, فلسنا فى حالة تسمح لنا بتضييع الوقت فى صراعات داخلية, نتيجة لقصور الرؤى, و الاختزال.
و قد يرى البعض أن مقابل الإختزال هو أن أوزع المسئولية على الطرفين,و أن يكون رد فعلى إزاء كل من يقول رأياً أختلف معه هو أن أرد عليه بذكر مثال لشخص آخر وقع فى نفس الخطأ, و أذكر مثالاً للتوضيح: يتحدث البعض عن بعض الأخطاء للحكومة, فيخرج علينا من يقول:لماذا لا تنظرون الا لهذه الأخطاء و تنسون كل الإنجازات السابقة, ثم إن ما نفعله لا يحدث عندنا فقط, بل يحدث فى دول كذا و كذا و كذا, و فى أمريكا كمان!!و نعم هناك فساد, لكن هناك أيضاً فساد فى دول كذا و كذا, و أمركيا برضه!!!
لا يا عزيزى, ليس معنى ألا تكون مختزلا هو أن توزع الأخطاء على الجميع, هذا من قبيل ترييح الزبون, و إنامة الوعى و الضمير, و كأننا يجب ألا نعترف بوجود قصور طالما أن غيرنا يعانى من نفس القصور, و هذا نوع من المغالطة لا يؤدى فى النهاية إلا لعدم الوصول لحل للمشكلة الأساسية.
أعود و أقول, يجب أن تكون نظرتنا للأمور وسطية, الصح أعترف بأنه صح و أصفق له, و أدعمه, حتى لو كان من فعل من لا أطيقهم أو أعترف بشرعيتهم, طالما أنه يصب فى الصالح العام.
و الخطأ أصرخ بعلو صوتى قائلاً أنه خطأ, و يجب تصحيحه, و ليس معنى أن بعض الدول بها مجاعات أن نسكت على وجود أزمة فى الخبز, و ليس معنى أن هناك دول كبرى بها فساد أن نكف عن المطالبة بالتغيير و محاربة الفساد.
إن الإسلام أكبر من أن يختزل فى عبادة واحدة و تُهمل بقية أركانه, و هو أعظم من أن يختزل فى صورة المنتسبين اليه,و المسلمين أحق بألا يؤاخذوا بذنب جماعة واحدة, أما مصر فهى أعظم من أن تُختزل فى صورة فرد أو حزب, فنحبها بحبهم, و نلعنها ببغضهم.
الخلاصة: لو سمحت, لا يكن تفكيرك أبداً قاصراً, و لا تجعل رؤيتك للأمور رؤية مبتسرة و مختزلة, و لا تتسرع فى الأحكام, و لا تعمم الأحكام على الجميع, فالحياة بها مساحات كبيرة من الألوان فلا تختزلها فى الأبيض و الأسود فقط, و إذا كنا نريد أن ننهض بهذا البلد, فلنتعاون على التخلص من هذه الثقافة, ثقافة الإختزال, حتى نتمكن من رؤية الأمور بوضوح على حقيقتها, و قبل ذلك, حتى نتمكن من رؤية بعضنا البعض, على حقيقتنا أيضاً.

الجمعة، 4 يوليو 2008

عاشوا فى خيالى-4-الدكتور عبد الوهاب المسيرى(الفارس الذى ترجل)


ربما تظل تقرأ و تسمع لشخص طوال حياتك, و فى النهاية لا يترك بداخلك أثراً, و تنسى كل كلماته.
و ربما تسمع كلمة واحدة من شخص آخر, أو لا تقرأ له الا أقل القليل, لكنه يترك داخلك أثراً, و تتعلق روحك به.
و من النوع الثانى, كان الدكتور عبد الوهاب المسيرى-رحمه الله-بالنسبة لى.
أكتب عنه اليوم مخالفاً للترتيب الذى كنت أضعه فى ذهنى لهذه السلسلة, لكن قلبى هو ما يدفعنى للكتابة, قلب حزين على رحيل هذا الفارس النبيل, أسكنه الله فسيح جناته, و جزاه عنا خير الجزاء.و لا بأس أن يتحول هذا المقال فى أغلبه الى مرثية للرجل, فمثلى أقل من يكتب عن مثله, لكن أعتقد أن لى على الأقل بعض الحق فى أن أرثيه.
بدايةً, أعترف أنى لم أقرأ كثيراً للأستاذ المسيرى, أغلب قراءاتى له بضعة مقالات و كتاب أو اثنين, لكن فى هذا القليل الذى قرأت وجدت عقلاً مفكراً متميزاً, له قدرة تحليلية عميقة, و نظرة فلسفية للأمور, تجعلك تعبر بعقلك آفاقاً جديدة لم تكن لتصل لها وحدك.
لا أستطيع أن اقول أن أسلوب الدكتور المسيرى يتميز بالبساطة, على العكس, فكتبه ليست من النوع الذى تقرأه و أنت مسترخى, بل تحتاج للإنتباه و التركيز و أنت تقرأ, فغالباً ما تجد فى عبارة من عباراته مفهوماً جديداً تماماً على عقلك, أو معنى لم يخطر ببالك من قبل, و دائماً ما أشبه هذه الحالة بالنسبة لى, بأن عقلى كان به باب مغلق حتى فتحه هذا المعنى الجديد فأدخلنى على عالم لم ادخله من قبل.
و الأستاذ المسيرى فنان فى استخدام المصطلحات و التعريفات-ربما لطول الفترة التى قضاها فى تأليف موسوعته الشهيرة-و كثيراً ما تجده يستخدم مصطلحات علمية أكاديمية ترتفع بعقل القارىء-لو وعاها و فقهها-الى مصاف الدارسين, و ليس هذا الأمر قاصراً على كتبه, فنفس المنهج الأكاديمى التحليلى موجود فى مقالاته التى تتميز بالدسامة و العمق الشديد, و تحتاج لقراءتها بنفس القدر من التركيز.
الجميل فى عالمنا الراحل, أن تخصصه الأكاديمى العلمى و الذى حاز فيه على درجة الدكتوراة, لم يكن الدراسات العبرية أو تاريخ العبرانيين, فتخصصه هو الأدب الانجليزى, لكن على حد علمى, فإن أحداً من المتخصصين فى اليهودية و الاسرائيليات لم يفد المكتبة العربية و القارىء العربى بمثل ما أفادها الدكتور المسيرى, و لو لم ينجز فى حياته غير موسوعة:اليهود و اليهودية و الصهيونية, لكفى.
و الأمر لم يقتصر على الاهتمام بالعدو الاسرائيلى فقط, فللدكتور اسهاماته الفكرية فى تخصصه الأكاديمى بالطبع, و عن الحضارة, و عن العلمانية, و حتى الأطفال اهتم بهم و كتب لهم قصصاً!
و من أكثر ما لفت انتباهى فى الدكتور المسيرى, أنه مثال للعالم الذى لا ينفصل عن قضايا و هموم وطنه و أمته, سواء فى الداخل أو الخارج, و موقفه من القضية الفلسطينية و الصراع العربى الاسرائيلى واضح وضوح الشمس, سواء فى كتبه و مقالات, أو فى التصريحات التى كان يلقيها فى وسائل الإعلام, و الرجل لم ترهبه رسائل التهديد التى توالت عليه من الحاخام المتطرف مائير كاهانا و غيره, عندما علموا بنيته فى كتابة الموسوعة, كان عند الرجل من الشجاعة و الإيمان ما جعله يواصل المشوار الى النهاية, بل و يكتب كتباً أخرى عن القضية قبل و أثناء -و حتى بعد-انتهاؤه من الموسوعة.
أما على الجانب الداخلى, فليس أقل من كونه معارضاً مستقلاً شريفاً انحاز كمثقف الى الجماهير التى خرج منها, و كان المنسق العام الثانى للحركة المصرية من أجل التغيير(كفاية), لم يحفل بكونه مريضاً بالمرض الخبيث, و لم يستسلم لمتاعبه الصحية و مشاغله العديدة, فآثر ألا يكتفى بالتنظير و أن يشترك فعلياً-حتى فى المظاهرات-ربما ليضرب مثلاً لغيره.
و كنت قد كتبت فى مقدمة هذه السلسلة عن خاطرة قرأتها فى مقدمة موسوعة الدكتور المسيرى, تكلم فيها عن المراجع و المرجعية, و قلنا أن المرجعية هى عبارة عن الأشخاص و الآراء و الأفكار التى تشكل وعى الكاتب و تسهم بشكل كبير-مواز للمراجع-فى الصورة التى يكتب بها الكاتب و يعرض فكره, و قد تنوعت مرجعيات الدكتور ما بين مسلمين و غير مسلمين, عرب و أجانب, مؤمنين و ملحدين, فبينما تجد أسماء مفكرين عظام مثل:رجاء جارودى , و على عزت بيجوفيتش, تجد أيضاً ماركس , الذى اعتنق أفكاره لفترة فى بداية حياته ثم انتهى به المطاف بكونه أحد أكبر المفكرين المؤثرين فى العالم الإسلامى, و المتعلقين بهمومه, حتى و لو لم يكن محسوباً على التيار الاسلامى.

و الحقيقة أن فكرة رحيل العظماء من مفكرينا كانت تراودنى مؤخراً, كنت أتساءل عن الخسارة التى ستحل بالأمة, و بالفكر المستنير, و بالصحوة الاسلامية, عندما يذهب الجيل الموجود حالياً, فمن البديل لعلماء و أساتذة مثل القرضاوى و فهمى هويدى و المسيرى و محمد عمارة و العوا و البشرى(مع حفظ الألقاب للجميع) ؟
لكن كان الجواب الذى أقنع به نفسى: أن المدير الناجح, هو الذى يربى كوادراً ناجحة, تستطيع ملء الفراغ الذى يتركه عندما يرحل, بحيث يستمر العمل بدون أن يختل.
أما المدير الذى يمسك بكل شىء فى يده, و لا يربى وراؤه جيلاً يستطيع أن يحمل الراية من بعده و يكمل المشوار, فهو مدير فاشل بكل المقاييس, نعم, ليس أفشل من مدير أو مسئول أو حاكم لا يهتم بأن يترك شخصيات قادرة على ملء الفراغ الذى سيتركه, و يقول:لا أجد حولى من يستطيع أن يكون نائباً لى , أو أترك له موقعى!!
و من هذا المنطلق, فإن أساتذتنا هؤلاء جميعاً, مديرين ناجحين, فقد كانوا أولاً نتاج تربية جيل من قبلهم كان من رواده الشيخ الغزالى رحمه الله, الذى أثر بفكره فى كل من يعمل فى الحقل الاسلامى, و أساتذتنا هؤلاء بدورهم لهم تلامذتهم و مريديهم, الذين يتلقون منهم العلم مباشرة, و يخضعون لتربيتهم. هذا غيرى الآلاف من التلاميذ غير المباشرين, الذين تشربوا رؤيتهم من كتبهم و مقالاتهم و أحاديثهم, هؤلاء التلاميذ هم أنا و أنت يا قارئى العزيز.
و أحسب أن الدكتور المسيرى كان بدوره مثالاً للمدير الناجح, و سمعته فى حديث تليفزيونى يتحدث عن اللقاء الأسبوعى الذى يعقده فى احدى الجمعيات, و التلامذة الذين هو فخور بهم و على اتصال دائم بهم و يرى فيهم الأمل و أذكر منهم د.هبة رؤوف عزت.

عندما وصل الإمام الشافعى لمصر, اطلع على فقه إمام أهل مصر:الليث بن سعد, فقال:الليث أفقه من مالك, لكن أصحابه لم يقوموا به, أى لم ينشروا فقهه بالشكل الذى يليق به.
فإن كنا نعتبر أتفسنا من اصحاب المسيرى, فلنقم بعلمه, الذى نسأل الله أن يجعله فى ميزان حسناته.
إنى أؤمن أن خير ما نخلد به ذكرى الرجل, هو ألا نهدر علمه, نعم, نحتاج أن نتزود أكثر من علمه, فكتبه عن الصهيونية و موسوعته هى من أهم ما يكون لمعرفة العدو, هذا غير انجازاته فى المجالات الأخرى التى لها أكبر الأثر فى الارتقاء بالعقل و فتح آفاق جديدة له.
نعم قلوبنا كلها حزن عليه, لكن هذا حال الدنيا, و مصيبتنا فى رسول الله (ص) هى أعظم مصيبة, اذا فلنجفف دموعنا, و لنكمل المسيرة و لنتحمل المسئولية التى أصبحت على عاتقنا, حتى لا نفاجأ فى يوم بأن الساحة قد خلت من القادة, و أن الجنود قد ألقوا السلاح.
و ليست القراءة للعظماء فقط هى ما نحتاجه, بل نحتاج أن ندرس الظروف التى شكلت هؤلاء العظماء, و ندرس الأفكار التى شكلت وعيهم, حتى نستفيد من هذه التجارب على المستوى الشخصى, و من هذا المنطلق أدعوكم لمتابعة هذه القراءة الجميلة لكتاب الدكتور المسيرى:رحلتى الفكرية -سيرة غير ذاتية غير موضوعية, و الذى تعرضه أختنا شمس الدين فى مدونتها جناحى الطائر, جزاها الله خيراً.
و لتحميل بعض كتب الدكتور , اليكم هذا الرابط من مدونة الحضارة العربية
أسأل الله أن يرحم الدكتور المسيرى, و أن يعيننا على تحمل المسئولية من بعده و من بعد كل أساتذتنا, حتى نقوم بعلمهم, فهم يستحقون ذلك, و الأمة تستحق أكثر.