الثلاثاء، 29 أبريل 2008

الضحك على العقول باسم الوطنية



أيتها الحرية.....كم من الجرائم ترتكب باسمك

أعتقد أنه يمكننى أن أقول نفس الكلام عن الوطنية

ربما يبدو هذا الكلام غريباً, لكن اصبر على قليلاً و ستفهم ما أعنى

كلنا بنحب مصر؟ صح ؟ أكيد طبعاً

أكيد لا يوجد بيننا من يكن لوطنه إلا كل الحب

و حتى عندما نشتم مصر,فإننا لا نعنى ما نقوله, و نكون غالباً نلعن الظروف, و دائماً نقصد الحكومة.

لكن حينما نهدأ و نعود لصوابنا,فإننا-و أعنى بالحديث هنا من لم تنجح الحكومة فى قتل روح الانتماء لديه-أقول إننا نعود و نقول إن بلدنا رغم كل ما فيها هى أحلى و أجمل بلد فى الدنيا,بتاريخها , و ناسها, و روحها.

و عندما يصبح أمن مصر و حريتها فى خطر, تجدنا جميعاً على قلب رجل واحد فى وجه من يزعزع استقرار الوطن, و يهدد سلامة أراضيه.

و من هذا المنطلق يستغل البعض وطنيتنا و حبنا لمصرنا, لكى يوجهنا لطريق يحقق أهدافه و أغراضه الخاصة, مهما كانت لا تتلاءم مع طبيعتنا و دورنا.

و آخر مثل لهذا هو المقالات المسمومة التحريضية على الفلسطينيين,و الحديث عن خطة لحماس لإختراق الحدود المصرية, و فتوى لإمام مسجد فلسطينى بإستباحة دماء الجنود المصريين....الخ.

ما الغرض من كل هذا إلا تعبئة النفوس و المشاعر ضد أناس هم إخوتنا فى العقيدة و اللسان, يقعون تحت ظلم و جور شديدين, سواء من العدو أو القريب؟

لا أقول أنى أوافق على كلام مثل هذا إن حدث, و لا أريد أن يزايد على أحد فى الوطنية و يقول أنى لا أهتم بدماء الجنود المصريين, و لا بكرامة مصر إذا استبيحت حدودها, و أنا شخصياً لم أكن سعيداً بما حدث فى المرة الماضية عندما تم عبور الحدود, لأنى كنت أتمنى أن تقوم حكومتنا الرشيدة بإدخال المساعدات داخل القطاع, حتى لا يحدث ما جرى, و لكن قدر الله و ما شاء فعل.

و حينما تم عبور الحدود , امتلأت الصحف بأخبار عن فلسطينيين بعضهم أشار بعلامة النصر, و آخر رفع علمه, و بعض الذين احتكوا بقوات الأمن, و تم إبراز هذه الصورة لتترك إنطباعاً بأن هذا توجه عام, بل صور البعض ما حصل بأن الفلسطينيين احتلوا مصر!!!!

لا يا سادة, عيب أن يتم الاستخفاف بالعقول بهذه الصورة, و أكبر خطأ أن يتم الإختزال و تعميم الأحكام بهذا الشكل.

منذ فترة قريبة وجدت من يتكلم عن اليهود, و هو يغالط نفسه قبل أن يغالط التاريخ و الحقائق, و يقول أن فى التوراة دعوة لليهود بحسن معاملة المصريين, لأن المصريين آووهم فى أرضهم قبل أن يغادروها مع موسى عليه السلام!!!
ماذا؟؟ هل وصلنا لمغالطة أنفسنا لهذه الدرجة, هل نسينا أن القرآن قد قص علينا أن فرعون كان يسومهم سوء العذاب؟, و بالطبع كتابهم قد استفاض فى وصف صنوف العذاب هذه, فلماذا يقنع البعض نفسه بهذه الترهات؟
و عندما قيل له بأن توراة اليهود المحرفة تدعوهم إذا غزوا قريةً أن يقتلوا كل سكانها سواء من البشر و البهائم و يحرقوا أرضها(سياسة الأرض المحروقة التى تطبقها اسرائيل الآن إمتثالاً لتعاليم دينها), و أن أحلام إسرائيل التوسعية تشمل بلادنا, و ذكرته بشعار (من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل)و هى آية توراتية كتبوها على الكنيست, وجدته عندها يشكك فيها و يقول أنها ربما من ادعاءاتنا نحن العرب!!!
ثم بدأ فى مهاجمة الفلسطينين, و سبهم, و ذكر قيامهم بإقتحام الحدود-كأن هذا أشد و أنكى من قيام إسرائيل بإحتلال أراضينا و إسالة دمائنا-و بدأ فى الحديث عن الوطنية, و أنه لا قداسة لمن يمس حدود بلده حتى لو كان مسلماً ...الخ, و انتهى بإتهام من يساند مثل هؤلاء القوم(الفلسطينيين) بأنه خائن لوطنه!!!!!!
أرجو ألا يسارع القارىء فى سباب صاحب هذا الرأى, أولاً: لأنه رجل مسلم , لا يستحق منا فى هذه الحال إلا الرثاء له, و الدعاء له و لأمثاله بالهداية.
و ثانياً:حتى لا ننزلق فى نفس منزلقه, فنتخذ السباب و التخوين سلاحاً نشهره فى وجوه من يخالفونا الرأى.
و ثالثاً: لأنه يمت لى بصلة قرابة, يعنى لو اتشتم سينولنى من الحب جانب.
لكنى أضرب هذا المثل لأشير لوجود من ضل فكره بصورة جعلته ينسى من العدو و من الصديق.
طبعاً لكل شذوذ فكرى أسبابه, لكن إذا كان البعض قد رضى بهذا, و حوله لدعوة ينشرها بين الناس, أقل ما توصف به هو أنها تزييف للوعى , فإن هناك من يسيرون فى هذا الطريق بدون وعى , و بحسن نية , متأثرين بالزن على الآذان, و متحركين وراء جزرة الوطنية, و هى فى هذه الحالة كلمة حق يراد بها باطل.
يجب ألا تتسبب بعض التصرفات الغير مسئولة من هذا الطرف أو ذاك فى صرفنا عن الهم الأزلى, و القضية الحقيقية.
يجب ألا تجعلنا نظن أن الفلسطينيين مجرد جيران, و أنهم لا يعنوننا بشىء, و ننسى أن الأرض المغتصبة هى أرض مقدسة, و هى أرض اقتطعت من أراض المسلمين.
و إذا كنا سنغض الطرف عن الأصل و الدين و اللسان و التاريخ و المستقبل المشترك, و سنتحدث فقط بإسم الوطنية, فمن الوطنية أن نهتم بما يحدث وراء حدودنا, لأنه يمس الأمن القومى لبلدنا أيضاً.
و من المضحكات المبكيات أيضاً فى هذا السياق, أن نجد من يدعى بأن كل الحروب التى قد خاضتها مصر فى العصر الحديث, إنما قد خاضتها من أجل الفلسطينيين-اللى ما يستاهلوش حسب تعبير البعض-و أن هذه الحروب هى سبب تعطل تقدمنا,و قد آن الأوان لكى نلتفت لشئوننا.
حسناً , كلام جميل جداً, و لا يستطيع أى منصف أن ينكر أن مصرنا قد قدمت الكثير و الكثير من أجل القضية, فى الوقت الذى اكتفى فيه آخرون بالشعارات.
لكن عفواً, لم نخض حرباً من أجل فلسطين إلا حرب عام 1948 فقط.
كل الحروب التالية كنا الطرف المعتدى عليه, و كان المعتدى هو اسرائيل
اسرائيل لها أطماعها التوسعية التى لا تخفيها, و هى لن تشعر بالأمان أو الاستقرار طالما أن بجوارها جار قوى, و قدرنا أن نكون نحن هذا الجار.
و أى حرب بيننا و بين اسرائيل, هى من أجلنا نحن, قبل أن تكون من أجل أى أحد آخر.
و ما بيننا و بين اسرائيل الآن كان من المفترض أن يكون مجرد هدنة, و نحن جميعاً ندرك أنها ليست آخر الحروب, و فى الحين الذى تطور فيه اسرائيل من صناعاتها و تزيد ترسانتها, فإن المصانع عندنا تباع بأثمان بخسة.
مصر العظيمة بعد أن كان لها الدور الريادى عربياً و اقليمياً و أفريقياً, بل و حتى دولياً , صار دورها مجرد وسيط.
اللون الرمادى هو ما يمكن أن نصف به الدور الحالى, و الصوت المقرر علينا هو الصوت الذى يدعو للتخاذل و الخنوع, و الذى يثبط الهمم و يقتل الروح فى الأمم.
لا ندعو لأن نتصرف تصرفات غير عاقلة, لكن إذا كان الوضع الحالى لمصر هى أن يكون قرارها السياسى أسيراً و رهناً لمشيئة القوى العظمى, فإننا نفتقر للأسف لقيادة لديها الإرادة السياسية و الشجاعة الكافية لتغيير هذا الوضع المخزى.
يجب ألا نسير كالقطيع وراء المضللين , و نحول أخوتنا إلى أعداء, و ننسى من هو العدو الحقيقى.
الأعداء الحقيقيون هم الصهاينة و الأمريكان يا سادة, و لا يحتاج المرء لأن يكون عبقرياً ليدرك هذا, فقط يحتاج لتنشيط الذاكرة و رفع الغمامة عن العيون.
عدونا هو الإستعمار الصهيونى الصليبى المتمثل فى أمريكا و اسرائيل و كل من سار على دربهم, هم الذين لم يعطوا قداسة لحدودنا المقدسة مع كل رصاصة خرجت من حدودهم لتقتل جندياً, أو مواطناً, أو حتى طفلة فى أرضنا.
أعداؤنا هم الذين يسخرون من ديننا و من نبينا الكريم.
أعداؤنا هم من قتلوا جنودنا و أهلنا بالأمس, و يحاولون قتلنا اليوم بشتى الوسائل(مخدرات-إثارة فتن-نشر ثقافات و أفكار فاسدة-نشر المفاسد و الرذائل....الخ)
أعداؤنا هم من يقتلون إخواننا فى العراق, و أفغانستان, و الشيشان, و كشمير........وصولاً لفلسطين.
أعداؤنا هم من يتحكم فى اقتصادنا, و يضع قرارنا السياسى رهناً بمشيئته, يحركه بشحنة قمح من هنا, أو معونة مالية من هناك.
أعداؤنا هم من يضعون أياديهم بأيدى أعداء الأمة, و يفعلون كل ما يلزم للبقاء على كراسيهم, حتى و لو كان ذلك يعنى طعننا و طعن أخواننا فى الظهور.
...
....
.....
أعتقد أن السطور الماضية تكفى
أفيقوا يا قوم, ميزوا بين العدو الحقيقى, و العدو المصطنع, و دعونا لا نقع فى شراك الإستعمار و صنائعه.
إنى أخاطب الشرفاء أصحاب الضمائر النقية, و أهيب بالجميع بأن يكونوا أكثر وعياً فى هذه المرحلة, و لا نسلم عقولنا لمن يريد أن يحركنا كأحجار على رقعة الشطرنج, لأغراض معينة.
أما الذين انغمسوا بفكرهم كليةً فى هذا المستنقع بقصد أو بدون قصد, فلا نملك لهم إلا الدعاء بالهداية , لنا و لهم.
و لنا حديث آخر بشكل موسع فى مرة أخرى عن الوطنية و القومية.

هناك تعليقان (2):

Mohamed Almohandes يقول...

جزاك الله خيراً أخى الحبيب على كلماتك الجميلة، والقوية بذات الوقت..

كان فى العهود السابقة أيضاً من يضحكون على الناس باسم الوطنية تارة، وباسم القومية تارة أخرى، ولكنهم كانوا يقدمون مقابل ذلك مادة - حقيقية كانت أو كاذبة - تكمل تدليسهم، وخداعهم للناس.
أما الآن فقد أصبح الأمر أقرب للكوميديا السوداء؛ فمن يقبلون الصهاينة، ومن يرونهم أبناء عمومتنا، ومن يراهم "أناساً صادقى العهود" هم فى ذات الوقت من يحدثوننا عن الحرية، والوطنية، و ....
وهم فى ذات الوقت لصوص الوطن جهاراً نهاراً، وبائعوا الأقلام، والأوطان إلى من يدفع أكثر، ومن يسرق أكثر.
إنها مأساة بكل المقاييس.

جزاك الله خيراً أخى الحبيب..
ومرحباً بك فى عالم التدوين..

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

شكراً جزيلاً أخى الحبيب محمد
و أرجو ألا تحرمنى من نصحك و ملاحظاتك,و ادع لى بالإخلاص