الثلاثاء، 17 أبريل 2012

تأثير الفراشة و الثورة المصرية



تأثير الفراشة هى نظرية إفتراضية ظهرت من خلال رواية سافر بطلها فى رحلة عبر الزمن ليعود إلى عصر الديناصورات, و أثناء عودته إلى مركبته دهس فراشة بحذائه فلما عاد إلى زمنه وجد أن العالم أصبح خراباً و أن كل شىء تغير, لأن تغييره للماضى تسبب فى حدوث سلسلة من الأحداث سارت بالتاريخ فى مسار مختلف مما أدى به لنتائج مختلفة تماماً على المدى البعيد.فالنظرية توضح كيف أن تغيير فى حدث بسيط قد يتسبب على المدى البعيد فى نتائج ضخمة.
و يمكنك أن تعود بمقعدك إلى الوراء و تغمض عينيك و تتخيل نقاط فارقة فى التاريخ, فتخيل مثلاً كم كان سيتأخر نشوء الإمبراطورية الرومانية – لو كانت ستنشأ أصلاً- إن كان أوكتافيوس هو الذى هُزِمَ فى موقعة أكتيوم. و تخيل لو أن سيدنا أبو بكر لم يتمسك بموقفه فى وجوب مقاتلة المرتدين. و تخيل لو أن المسلمون لم يُهزموا فى موقعة تور بواتييه فى فرنسا (يقول أحد المؤرخين الإنجليز أنه لولا هذه الهزيمة لكان القرآن يُتلى و يُفسر الآن فى أوكسفورد).
و تخيل لو أن ملك الخزر إعتنق المسيحية بدلاً من اليهودية(1). أو أن أمير كييف قد اعتنق الإسلام بدلاً من المسيحية(2).
و تخيل لو أن التتار لم ينكسروا فى عين جالوت. و تخيل لو أن نابليون لم ينهزم فى ووترلو.
و تخيل لو أن هتلر قد توصل لصناعة القنبلة الذرية قبل الحلفاء.
و تخيل لو أن العرب قد تمكنوا من هزيمة اليهود فى 1948.
و تخيل لو أن يوسف صديق لم يخرج ساعة مبكراً عن موعده فى ليلة 23 يوليو (3).
ثم دعك من كل ما سبق...و تخيل
تخيل ماذا كان ليحدث لنا لو اكتفينا بالتظاهر يوم 25 يناير 2011...و لم نكمل.
لو حدث هذا لكان عددٌ ممن يقرأ هذه السطور – و ربما كاتبها أيضاً – يشاهد صورة جمال مبارك و هو يقسم اليمين كرئيس للبلاد...من خلال الجرائد...داخل السجن.
يمكن للناقمين على الثورة أن يعددوا كل المساوىء التى حدثت خلال العام الماضى, يمكنهم أن يتباكوا على عهدٍ يتناسون و يدعون أنه خلا من البلطجة و السرقة و إرتفاع الأسعار!!! لكنهم لن يتصوروا أى عهد من الإرهاب كنا لنمر به حتى نُجبر على قبول التوريث.و كل ما نعانى منه من إنفلاتٍ أمنى – بسبب تقاعس الشرطة لا بسبب الثورة – كان السيناريو المعتمد لإجبار الشعب على قبول جمال مبارك كوريث إذا حدثت إحتجاجات ضده, حتى يخرج علينا بصورة المنقذ القوى المسيطر على كل شىء, و القادر على بسط الأمن و النظام.
كل من قال لا – و لو فى قلبه – لم يكن ليأمن على نفسه و أهله, كانت السجون التى هَرَب -  أو بالأحرى هُرِبَ -  منها المجرمون و كأنها قد أُفرغت من نزلائها لندخل نحن فيها.
أيها المتباكون على الإقتصاد و عجلة الإنتاج, أراكم نسيتم إلى أين كنا سائرين. لقد كنا نهرول إلى مزيد من الإنهيار الإقتصادي بينما يخرج علينا أحمد نظيف ببياناتٍ و أرقامٍ توضح إرتفاع معدل التنمية!! و لا تظنوا أننا كنا لنكون أفضل مما نحن عليه الآن.فحتى لو أدى عدم إستقرار الأوضاع الآن لإضطراب الإقتصاد و توقف بعض القطاعات, فقد عادل هذا قفل بعض مصادر تسريب و نهب الأموال بدخول أصحابها السجون.
أيها الناقمون على الثورة, إن الثورة مرحلة, طالت أو قصرت فهى فترة مؤقتة نسعى فيها لوضع الأمور فى نصابها الصحيح و العودة إلى الطريق المستقيم لنحقق غداّ أفضل. أما السيناريو الآخر فلم يكن لنا من غدٍ أصلاً.
و إذا عدنا إلى لعبة التخيل, فقد يقول قائلٌ: ماذا لو لم نغادر الميدان فى 11 فبراير و أصررنا على تسليم السلطة لسلطة مدنية؟
أقول: لو عاد بنا الزمن ألف مرة إلى هذه النقطة, لتصرفنا نفس التصرف و لغادرنا الميدان...و الأحرى أن نسأل أنفسنا السؤال الأصعب: ماذا لو لم يتنحَ المخلوع فى 11 فبراير؟
و إذا كنا نلعب لعبة التخيل هذه بأحداث الماضى سواء البعيد أو القريب, فيمكننا أن نطبقه أيضاً على المستقبل.
ماذا لو بعد كل هذه التضحيات, و الدماء, و الدموع, و العرق...
ماذا لو بعد كل هؤلاء الشهداء, و المصابين, و الثكالى, و الأرامل, و الأيتام, و المعتقلين..
ماذا لو بعد كل هذا إستسلمنا لمسار يؤدى بنا إلى رئيسٍ طرطور, و دستور معيب, و حكومةٍ ضعيفة, و عسكر ما زالوا يحكمون من وراء الستار؟
الأمر كله منوطٌ بوجود هذا الفعل من عدمه (إستسلمنا).
لا أحسب أن أحداً آمن بهذه الثورة, و كان على إستعدادٍ للتضحية بروحه فى سبيل حرية هذا الوطن, ما زال يحتفظ فى قاموسه بهذا الفعل.و لو أعدناه لقواميسنا فلنستحق أن نسير فى المسار الذى يُرسَم لنا.
فليعتبر كل منا المرحلة الحالية هى إستراحة محارب.نتأمل فيها تجربتنا السابقة, و ما يجرى حالياً, و نرصد بأعينٍ مفتوحة السيناريوهات المتعددة للقضاء على الثورة – سواء من الداخل أو الخارج- و لتستمر حملات التوعية و فضح كذب الكاذبين لأن الإعلام يتم توجيهه ضدنا, و الزن على الآذان أمر من السحر. و فى داخل كل منا مؤشر يوضح له الوقت المناسب للنزول (إذا إستدعى الأمر ذلك).و لن نحقق أى من أهدافنا إذا نسينا الله.
توحدنا على إستكمال تحقيق مطالب الثورة و التخلص من الحكم العسكري و كل ما يمت بصلة للنظام القديم هو إعلان إستقلال لمصر, لكى تتخلص من التبعية, و تصبح مصر التى نريد....قولوا عن هذا الكلام أنه كلامٌ عاطفي و كلام شعارات..و لكن هل كانت الثورة إلا حلماً؟ و على قدر أهل العزم تأتى العزائمُ.و ستنتصر هذه الثورة بإذن الله.
و الله غالبٌ على أمره.
هوامش:
1-تقص عددٌ من المصادر أن ملك مملكة الخزر قد استدعى مثلين للديانات السماوية الثلاثة ليتناظروا أمامه, ثم آثر إعتناق اليهودية و إتبعه شعبه.و الخزر هم أصل اليهود الأشكيناز الذين انتشروا فى روسيا و شرق أوروبا – بولندا بالأخص- و ألمانيا.و منهم ظهر أكبر منظرى الصهيونية و مؤسسى إسرائيل. راجع (القبيلة الثالثة عشرة-آرثر كويستلر).
2-فى سياق مشابه للقصة السابقة هناك رواية أن أمير كييف بعد مناظرة دينية بين الدينات الثلاث فضل إعتناق المسيحية و بذلك دخل الروس فى المسيحية.راجع(هجرة اليهود السوفييت - د.عبد الوهاب المسيري).
3-كان من المقرر أن يتحرك يوسف صديق بقواته من الثكنات متجهاً إلى قيادة الجيش فى الساعة الثانية عشرة, لكنه أخطأ و ظنها الساعة الحادية عشرة.فلما وصل لمقر القيادة العامة وجد كل القادة مجتمعين لوضع ترتيبات إحتواء حركة الضباط و إستباقها.و ربما لولا هذه الساعة لكان الضباط الأحرار قد عُلقوا فى المشانق فى اليوم التالى.راجع(أوراق يوسف صديق – يوسف صديق).
 ------------------------------------
تم نشر المقال فى موقع رصد




ليست هناك تعليقات: