يعتبر هذا الكتاب
من أكثر المذكرات التي قرأتها عن هزيمة يونيو تفصيلاً من وجهة النظر العسكرية، مع
عرض الظرف السياسي العام المصاحب للحرب والمؤثر عليها، لا يكاد يباريه في ذلك سوى
كتاب الفريق صلاح الدين الحديدي (شاهد على هزيمة 67)، مع كون الأخير أهدأ أسلوباً
ونبرة، بسبب اختلاف موقع الكاتبين من الأحداث، فالأول كان في قلبها، وكان ممن تلطخ
اسمه بعار الهزيمة وتحمل وزرها، حتى مع كونه ليس المسؤول المباشر عنها، لذا يجدر
بالقاريء أن يعذر الكاتب وأن ينتبه لبعض الشطط الذي يُولده الشعور بالغبن،
بالإضافة إلى رد فعل البشري الطبيعي الدافع لتبرئة النفس ودفع عار الهزيمة، فالنصر
له ألف أب، والهزيمة يتيمة.
ولقد مررت
بتفاصيل الهزيمة المؤلمة في كتابات العديد من القادة والضباط والجنود على السواء،
ووصف كل منهم من موقعه مشهداً من مشاهدها. مررت بذلك في مذكرات بعض القادة
كالشاذلي وعبد المنعم خليل وكمال حسن علي وطه المجدوب وغيرهم، كما اطلعت على
شهادات الضباط والجنود، ككتاب الناس والحرب (لأسامة علي الصادق)، و(خطوات على
الأرض المحبوسة) لمحمد حسين يونس، و(الأسرى يقيمون المتاريس) لفؤاد حجازي، وكان
القاسم المشترك بينهم جميعاً هو وصف حالة الفوضى والتخبط وتضارب الأوامر والتحركات
شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً بما أنهك المعدات والجنود، إلى أن صدر قرار الانسحاب
الكارثي!
تتميز هذه
المذكرات بالتفاصيل التي عرضها الفريق مرتجي من موقعه كقائد للجبهة، والتي تضمنت
عرض للأحداث بشكل يومي منذ اندلاع الأزمة في منتصف مايو 1967، وصولاً للعدوان
والهزيمة وما جرى بعدها من أحداث، ويشمل هذا العرض الأحداث السياسية العامة
وتفاصيل الأوضاع والتحركات العسكرية، مع ملخص تقارير المخابرات الحربية عن هذا
اليوم.
يبدأ الكتاب بعرض
وضع القوات المسلحة قبيل الحرب، حيث كانت أفضل وحدات الجيش بما يقارب ثلث قوة
الجيش تقريباً متورطة في حرب اليمن التي أنهكت الجيش ولم تضف له خبرات جديدة، بل
بالعكس خفضت من مستواه، فنمط المعارك أساسه حروب عصابات في مناطق جبلية بدون
التعامل مع طيران معادي أو دفاع جوي أو مدرعات، وكل هذا عكس مسرح العمليات في
سيناء تجاه عدونا الأساسي. وفي الوقت ذاته، عانى الجيش بشكل عام من تدني مستوى
التدريب من المستويات الدنيا وصولاً للقيادات، وسوء الحالة الفنية للعديد من
المعدات، وتخلف المعدات الواردة من الاتحاد السوفييتي عن مثيلتها المتواجدة مع
العدو، وعدم توفر الكثير من قطع الغيار، مع تأثر الجيش سلباً من تراجع الوضع
الاقتصادي العام للبلاد، والذي أدى للتوجه لتقليص حجم الاحتياطي العام للقوات
المسلحة، كما أدى لعدم إمكانية تنفيذ العديد من المتطلبات الدفاعية، ومن أهمها
طلبات القوات الجوية التي كانت في احتياج لتجهيز دشم ووسائل حماية للطائرات
بالإضافة لحاجتها لزيادة عدد المطارات لمنع تكدس الطائرات، بالإضافة لتخفيض
ميزانية القوات المسلحة في العام السابق للحرب، وكل هذه ظروف فنية تحد من فاعلية
الجيش وقدرته.
وبخلاف المشاكل الفنية، فقد تعرض لمشكلاتٍ خطيرة أخرى، تتلخص في الوضع العام
للمؤسسة العسكرية التي قادها عامر لمدة 15 عاماً بدون أن يكون مؤهلاً لهذا المنصب،
وقد أشار للحقيقة المعروفة لتقديم الولاء على الكفاءة والتي أدت لغياب الضبط
والربط داخل القوات المسلحة اعتماداً على كون الضابط – حتى لو صغرت رتبته – على
صلة بالمشير أو بأحد المنتفعين المحيطين به، وبالتالي كان من الطبيعي أن تجد بعض
القيادات والرتب العليا تتزلف لرتبٍ أدنى منها لقربها من مراكز القوى، أضف إلى ذلك
أن الجيش كان إحدى ساحات صراع القوى بين عبد الناصر وعامر، وفي حين أصر ناصر على
تعيين محمد فوزي رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة على غير رغبة عامر، فقد عمد
عامر إلى اختراع قيادة جديدة باسم (القيادة العامة للقوات البرية) تحت قيادة
الفريق مرتجى، الذي كان في الوقت ذاته قائداً عسكرياً وسياسياً لجبهة اليمن، وقد
كانت الأسلحة الأخرى (القوات البحرية والجوية) تعيش وكأنها ممالك مستقلة بغير
سيطرة حقيقية من قيادة الأركان، الذي سعى – حسب قول مرتجي - لبسط سيطرته المباشرة على قيادة القوات البرية
ليصبح مرتجي بلا صلاحيات حقيقية، ويجدر بنا أن نذكر أن الفريق فوزي في مذكراته يذكر
رواية عكسية، وهي أنه منذ تعيينه رئيساً للأركان على غير هوى من المشيرالذي عين
مرتجي قائداً للقوات البرية، واستحدث منصب (مدير الأركان) وعين به اللواء علي عبد
الخبير، وجد فوزي نفسه بدون صلاحيات!
وليست كل هذه
الأجواء ببعيدة عن كون عبد الناصر بطبيعته التآمرية ووصوله للسلطة من خلال انقلاب،
متخوفاً بدوره من حدوث انقلاب الجيش عليه، وقد كانت الحرب بين ناصر وعامر حرباً في
انتزاع السلطات والصلاحيات، لم تؤثر على القوات المسلحة فقط، بل على البلد ككل.
وفي المجمل، فإن مرتجي يؤكد أن السلطة السياسية لم توفر العوامل التي تسمح للجيش
بتحقيق أي نصر.
بخلاف العوامل
الداخلية، يمر مرتجي بالوضع الدولي العام، ويشير إلى سوء علاقة مصر ببقية الدول
العربية وحتى مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وكلها عوامل تؤثر
بالسلب على الوضع السياسي والاقتصادي وبالتالي الوضع العسكري. وكل العرض السابق
للأوضاع الداخلية والخارجية هو بغرض بيان أن إقدام القيادة السياسية على المغامرة
واتخاذ قرارات تدفع الأمور دفعاً في اتجاه الحرب، بينما القوات المسلحة في وضعها
هذا غير مؤهلة لخوضها، هو خطأ لا يُغتفر.
يبدأ الفريق
مرتجي بعد ذلك في عرض الأحداث بدايةً من 14 مايو 1967، حين دار الحديث عن الحشود
الإسرائيلية المزعومة على الحدود السورية، والتي كانت كرة الثلج التي تسارعت بعدها
الأحداث لتصل لنهايتها المأساوية.
لقد كان مصدر
المعلومة المغلوطة هو الاتحاد السوفييتي، بجوار النظام السوري نفسه، وقيل في تفسير
ذلك أن النظام السوري كان بحاجة للتلويح بوجود تهديد خارجي للتغلب على اضطرابات
داخلية بسوريا تهدد النظام، أما الاتحاد السوفييتي، فقد كان يراقب تهديدات إسرائيل
للنظام السوري وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي طويلاً أمام العمليات الفدائية
الفلسطينية المنطلقة من الأراضي السورية، وبالتالي أراد السوفييت حماية النظام
الحليف لهم من السقوط من خلال دفع مصر لتحريك قواتها بشكل يردع إسرائيل!
بالرغم من تفقد
الفريق فوزي للجبهة السورية بنفسه وعدم رؤيته لأي حشود وإبلاغه القيادة السياسية
والعسكرية بذلك، إلا أن النظام أصر على المضي في طريقه بدعوى دعم سوريا، فبدأ تدفق
القوات والمعدات إلى سيناء، واستدعي الاحتياطي على عجل وبدون ترتيب، لدرجة أن منهم
من وصل لمواقعه بثيابه المدنية. وكان تفسير هذا الاندفاع هو رغبة نظام عبد الناصر
في تغيير الأوضاع السارية في سيناء والبحر الأحمر منذ نهاية العدوان الثلاثي عام
1956.
وأنتقل هنا
لاستطراد مستقى من كتاب (تحطيم الآلهة) لعبد العظيم رمضان لكي نتناول وضع هذه
المنطقة منذ نكبة 1948، فخلال النكبة، سارع اليهود لاحتلال أم الرشراش وتحويلها
إلى ميناء سمته إيلات ليكون لهم منفذ على خليج العقبة، ولكن حكومة الوفد عام 1950
قد وجهت القوات المصرية للتمركز في جزيرتي تيران وصنافير، بالإضافة لتواجد قوات
عسكرية في رأس نصراني للتحكم في المضيق بشكلٍ كامل، ثم أمرت بإغلاق مضيق تيران في
وجه الملاحة والتجارة الإسرائيلية لتفرض عليها حصاراً بحرياً في البحر الأحمر يجعل
اغتصابها لأم الرشراش بدون فائدة. وظل هذا الحصار مفروضاً حتى عام 1956، وبعد
انتهاء الحرب وبدء ترتيبات انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء، وتواجد القوات
الدولية التابعة للأمم المتحدة على خطوط الهدنة وفي شرم الشيخ، اشترط العدو السماح
لسفنه بعبور خليج العقبة، وقد قبل النظام المصري بهذه التسوية – التي لم يعلم عنها
الشعب المصري شيئاً – لعجزه عن إخراج العدو من سيناء بالقوة، وقد صرحت جولدا مائير
بأن أي إغلاق لخليج العقبة في وجه إسرائيل سيكون بمثابة إعلان للحرب، وظل هذا هو
الوضع حتى عام 1967، والذي كانت إذاعات الدول العربية المعادية لعبد الناصر تسخر
منه، بما مثل عبئاً عليه لأنه يمس صورته كزعيم!
لذلك وجدت
القيادة السياسية في حشد القوات المصرية في سيناء وسيلة لتغيير هذا الوضع، لكن
التحركات العسكرية استدعت أن تطلب مصر من القوات الدولية سحب بعض قواتها من
مواقعها، لتجيب الأمم المتحدة بأن القوات الدولية إما أن تؤدي مهامها بشكلٍ كامل
أو تنسحب بشكلٍ كامل، فيطلب النظام المصري سحب القوات، ثم يشعر أنه قد تسرع فيطلب
بقاءها لكن بعد أن يكون السهم قد انطلق بالفعل، فتنسحب القوات الدولية وتتجه
القوات المصرية لاحتلال مواقعها، ومن ضمنها شرم الشيخ، لتتطور الأحداث من جديد
لغلق مضيق العقبة في وجه سفن العدو.
عندما بدأ حشد
القوات عُين الفريق مرتجي قائداً للجبهة، ومع ذلك فإنه طوال المذكرات أكد أنه كان
قائداً بالإسم فقط، فمع وجوده داخل مركز القيادة المتقدم داخل سيناء، إلا أن كل
تحركات القوات كانت بيد القيادة العامة في القاهرة، وحتى قيادة الجيش الميداني في
سيناء كانت تتلقى تعليماتها من القاهرة رأساً من قيادة غير متواجدة بمسرح الأحداث،
ويتضح من خلال السرد للأحداث اليومية مدى تخبط وارتجال القيادة، وبالرغم من وجود
خطة مُعدة للدفاع عن سيناء باسم (قاهر)، إلا أن القيادة أخذت في تحريك الفرق
والألوية من الشمال والجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، بما يخالف هذه الخطة تماماً، بل
وسحبت وحدات من بعض الألوية لتدعم بها ألوية في أماكن أخرى، تاركة وحداتها الأصلية
بدون فاعلية، هذا إلى جانب ضعف المخابرات الحربية وعدم قدرتها على الحصول على
معلومات دقيقة عن قدرات العدو وحشوده، وينتقدها مرتجي انتقاداً مريراً ويصرح بأن
جهدها الرئيس كان موجهاً للتجسس على الضباط ومراقبتهم لضمان أمن النظام، وأن
المخابرات فشلت في تحديد موعد هجوم العدو، ولم تعلم بشأن القنابل التي أعدها العدو
لتدمير ممرات المطارات، وأعطت معلومات خاطئة عن مدى طيران العدو، فلم يضع الجيش في
حسبانه أن طيران العدو قادر على تخطي محور القناة ومهاجمة بقية مطارات الجمهورية. أما
القيادة، فقد انساقت وراء خطة الخداع والمعلومات المغلوطة التي سربها إليه العدو،
فصار على عقيدة بأنه لو حدث هجوم من العدو، فإنه سيكون بشكل رئيسي في اتجاه المحور
الجنوبي، وبالرغم من أن الاستطلاع الجوي بين أن قوات العدو المتواجدة إزاء المحور
الجنوبي أضعف من أن تمثل خطراً، فقد ظل المشير مصراً على قناعته، ولهذا عمد على
التركيز على سحب قوات من الشمال لدعم هذا المحور، ليُفاجأ في النهاية بأن العدو
ركز هجومه على الشمال والوسط!
وفي إطار انتقاده
للقيادة السياسية وتدخلها في تفاصيل الشأن العسكري على حد قوله، يشير إلى أنه كان
من المقرر عمل ضربة جوية استباقية لمطارات العدو يوم 27 مايو، لكن أُلغي الأمر،
ولكن بمراجعة الروايات الأخرى عن هذه الضربة، نجد أن عبد الناصر قد أمر بإيقافها
بعد أن جاءته تحذيرات مباشرة من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة من مغبة هذا
العمل الذي كانت إسرائيل قد علمته بالفعل من أحد مصادرها، والمدهش أن عبد الناصر
لم يكن على دراية بها أصلاً! وهو ما يعني أن عامر كان سيبدأ الحرب بضربة جوية،
بينما قواته البرية ليست عندها خطة هجومية أصلاً، ولم تستكمل بعد انتشارها في
مواقعها الدفاعية!
أشار مرتجي إلى أنه رغم أن طبول الحرب كانت تدق بقوة، إلا أنه إلى أن وقعت
الواقعة، كان الظن المسيطر على جميع القيادات هو أن العدو لن يجرؤ على الهجوم، وإن
هجم فإن هجومه لن يكون أكثر من عملية محدودة! وبالطبع فقد كان لهذا التصور أثره
السلبي على مدى الجدية والقدرة على التصرف العسكري السليم، كما ذكر الرواية
المعروفة لاجتماع عبد الناصر بالقادة في 2 يونيو، وتصريحه بأنه يتوقع أن ينفذ
العدو ضربة جوية يوم 5 يونيو، وطلبه من قائد القوات الجوية أن يستعد لهذه الضربة،
واعتراض قائد القوات الجوية وطلبه أن تكون مصر هي المبادرة للهجوم، لكن ناصر وعامر
أصرا على أن مقتضيات السياسة تمنع أن تكون مصر المبادرة، وأكد ناصر على أن على
الجيش أن ينفذ طبقاً لمقتضيات السياسة، وهو ما انتقده مرتجي في كتابه حيث أشار أن
التوجيه بالاستعداد لمواجهة الضربة وامتصاصها لا معنى له في ظل عدم وجود استعدادات
من دشم للطيارات ووسائل إنذار ودفاع جوي كافية أصلاً، بالإضافة لنقص عدد الطيارين
المصريين، علماً بأن القوات الجوية للعدو كانت تفوق قواتنا في عدد المطارات والطيارين،
ناهيك عن قدرات طائراتها الفانتوم والسوبر ميستير في مقابل الميج والسوخوي. ويذكر
مرتجي أنه لم يحضر هذا الاجتماع، وأن ما دار به لم يخرج عن حدود الحاضرين، ولم
يُبلغ القادة الميدانيين، ولم تُتخذ بناءً عليه أي استعدادات خاصة!
وقعت الواقعة بتفاصيلها المعروفة، وتسببت الضربة الجوية للعدو في تدمير 90%
من القوة الجوية المصرية، بالإضافة لتدمير ممرات المطارات، واستشهد بعض الطيارين
المصريين الذين قاموا بعمليات انتحارية ضد العدو. أما القوات المحتشدة في سيناء،
فقد فوجئت بأن الهجوم الرئيسي قد جاء من الشمال والوسط، وكانت أغلب القوات
المتمركزة هناك من قوات الاحتياط ضعيفة التدريب. قاومت القوات قدر استطاعتها، كما
قاومت القوات القليلة الموجودة في قطاع غزة وقاتلت حتى آخر طلقة، وسقطت دير البلح
وغزة وخان يونس ورفح، وكانت القوات تحارب تحت سماء مكشوفة يصول ويجول فيها طيران
العدو دون أن يجد من يردعه.
ويقول الفريق مرتجي: "بعد الحرب سألت المشير عامر عن سبب عدم الأخذ
بوجهة نظر الجمهورية بميعاد نشوب القتال...وكان رده بأنه لا يعرف في عبد الناصر
أنه كاهن أو أن الوحي ينزل عليه، أو أن عنده من صفاء الروح والشفافية ما يجعله
يتنبأ مستقبلاً بالأحداث، وأنه سبق وتنبأ في عام 1956 وبعد تأميم قناة السويس بأن
الموقف الدولي لن يسمح للإنجليز والفرنسيين أن يشنوا هجوماً على مصر بسبب هذا
التأميم، وكان هذا التنبؤ ضد رأي المخابرات الحربية التي تجمع لديها من المعلومات
عن تحركات الإنجليز والفرنسيين ما يوحي بأن الهجوم على مصر مرجح جداً بل أنه
مؤكد" ثم يضيف عامر "وهل يُعقل إن كان الرئيس عبد الناصر واثقاً من وقوع
الحرب يوم 5 يونيو أن يسمح للوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء العراقي ومعهم حسين
الشافعي بزيارة القوات العراقية على الجبهة معرضاً حياتهم للخطر؟ وهل يُعقل إذا
أخذت رأي الرئيس بأنه حقيقة أن أطلب من جميع القادة في سيناء أن ينتظروني في مركز
القيادة المتقدم في سيناء يوم 5 يونيو وأن أعرض أنا الآخر حياتي ومعي قائد الطيران
والقادة الآخرين للخطر؟!"
وهنا ننتقل لنتكلم عن الموقف السوري، فبالرغم من التصعيد الحادث منذ منتصف
مايو بسبب دعوى وجود حشود للعدو على الحدود السورية أساساً، وعلى الرغم من استدعاء
الاحتياط وحشد الجيوش في مصر وإسرائيل، فإن النظام السوري كان رد فعله على النقيض،
وعندما حلت الكارثة في الساعة التاسعة من صباح 5 يونيو، يذكر الفريق مرتجي أن "مصر
والأردن اتصلتا بالسوريين طالبة مساعدة الطيران السوري في المعركة، وكان الرد
السوري من أغرب الردود التي يمكن أن يتوقعها الإنسان من دولة ترى أن هناك خطراً
يقف على أبوابها ويتطلب إعداد قوات بصفة دائمة لمقابلة اندلاع هذا الخطر في أي
وقت، فقد ردوا بأنهم بوغتوا بالأحداث، وأن مطاراتهم ليست مستعدة، وأن طائراتهم
تقوم برحلة تدريبية، وطلبوا مهلة نصف ساعة، ثم طلبوا ساعة، وفي العاشرة والدقيقة
الخامسة والأربعين كرروا نفس الطلب، وكان من نتيجة الاستمهال المتكرر من جانب
السوريين أن أضاع تدخل الطيران السوري فرصة ذهبية كان يمكن أن تنتهز لقلب الموقف
لمصلحة العرب، إذ كان من الممكن اعتراض الطائرات الإسرائيلية وهي في طريق عودتها
إلى قواعدها بعد قصف القواعد المصرية، وقد فرغت خزاناتها من الوقود ونفدت ذخيرتها،
أو مهاجمة هذه الطائرات وهي جاثمة في مطاراتها تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمات
جديدة". ويؤكد الفريق مرتجي على أنها كانت فرصة ذهبية بالفعل لأن العدو
اتخذ قراراً في منتهى الجسارة، فقد خصص كامل قواته الجوية تقريباً للضربة الجوية
التي دمر بها الطيران المصري، وترك 12 طائرة فقط للدفاع عن إسرائيل!
وقد استمر تقاعس النظام السوري على الجبهة الأردنية أيضاً، فقد كان الفريق
عبد المنعم رياض موفداً هناك لقيادة القوات العربية المشتركة، ليجد نفسه في
النهاية قائداً للقوات الأردنية فقط، وبنى خطته الدفاعية عن الضفة الغربية بتحريك
لواء أردني من شمال الضفة لجنوبها للدفاع عن الخليل، وتثبيت لواء للدفاع عن القدس،
والدفاع عن شمال الضفة من خلال لواء سوري، والذي لم يصل حتى بداية الحرب، ولما
استعجل الفريق تحرك اللواء، تحرك اللواء ببطء بدعوى التجهيز واستكشاف الموقع، إلى
أن اجتاح العدو الضفة وسقطت بالفعل، فعاد اللواء دون أن يفعل شيئاً!
أما الأنكى فهو موقف القوات السورية على جبهتها نفسها، فلم تحدث عمليات
هجومية من جانب القوات إلا عمليات محدودة على مستوطنة للعدو، وعندما انتهى العدو
من جبهتي سيناء والضفة، استدار للجولان، ورغم كون الخطوط الدفاعية السورية في
الجولان من أقوى الخطوط الدفاعية، فقد انهار الدفاع السوري وانسحب بسرعة، وأذاعت
إذاعة دمشق سقوط مدينة القنيطرة قبل وصول العدو لها بالفعل بأكثر من ساعتين!، ولما
وصلت هذه الأخبار لبقية القوات انهارت وانسحبت تاركة وراءها معداتها وآلياتها
ومحركاتها لا زالت تدور!
ونعود لسيناء، فعلي الرغم من الخسائر في الأرواح والمعدات، والهرج والمرج
وتقدم العدو وتراجع بعض الوحدات، فقد صمدت وحدات أخرى في أماكنها وقاتلوا حتى
الاستشهاد، أما في القيادة العامة في القاهرة، فقد كانت المعركة تُدار بواسطة
المشير والمجموعة المحيطة به، وهم ليسوا فقط بعيدين عن مسرح الأحداث، بل أيضاً
مفتقدين للخبرة والكفاءة التخطيطية، بل وحتى قوة وثبات الأعصاب.
ويذكر الفريق مرتجي أنه تواصل مع المشير يوم 6 يونيو وأخبره بأنه بالرغم من
فقدان القوة الجوية وبالرغم من خسارة ما يقرب من خُمس القوات البرية، فإن الموقف
لا يزال مطمئناً، وأنه من خلال المناورة بالقوات والتمركز عند خط الدفاع الثاني
وتجنب المساحات المكشوفة المعرضة لخطر طيران العدو، يمكن لقواتنا أن تثبت وتوقف
تقدم العدو، لحين وصول طيارات من الدول الصديقة، وخصوصاً أن أغلب الطيارين
المصريين ما زالوا أحياء، وعرض عليه مقترح التحركات تفصيلياً فوافق عليه المشير،
وأُبلغ قائد الجيش الميداني بهذا القرار واتفق معه بأن هذا أفضل ما يمكن عمله في
الوضع الحالي. ومع ذلك، انهار المشير عامر مرةً أخرى، وأصدر أمر الانسحاب، والذي
يذكر الفريق مرتجي بكل مرارة أنه علم بهذا الأمر بالصدفة، وبعد أن بدأ الانسحاب
بالفعل، حيث فوجيء بمدير الشرطة العسكرية يصل لمركز القيادة المتقدم داخل سيناء ويسأل
الفريق والقادة المتواجدين معه عن سبب وجودهم بالمقر حتى الآن، في حين أن الأوامر
صدرت بالانسحاب وبقية القادة عبروا القناة بالفعل!
وعن كواليس قرار الانسحاب، ننتقل لكتاب (تحطيم الآلهة)، حيث يخبرنا نقلاً
عن مذكرات الفريق فوزي بأن عامر استدعاه مع مدير عمليات القوات المسلحة بعد ظهر
يوم 6 يونيو طالباً إعداد خطة انسحاب في 20 دقيقة! وبدون مناقشة هرعوا لإعداد
الخطة وعادوا إليه ليخبروه بالخطوط العريضة للخطة، والتي تلخصت بالانسحاب التدريجي
للقوات بشكل تبادلي خلال أربعة أيام، فتهكم عليهم المشير وأخبرهم أنه أصدر أمر الانسحاب
بالفعل. أما مهمة الابلاغ للقادة في سيناء، فقد تمت بشكل عشوائي من خلال مجموعة
الضباط المحيطة بالمشير كشمس بدران وعلي شفيق، وبدون أي مراعاة لأي تدرج قيادي،
وكما ذكرنا سابقاً، فإن قائد الجبهة نفسه لم يُخطر بالقرار في حينه، غالباً لأنه
كان سيعترض عليه.
ويؤكد مرتجي بأن قراراً بحجم قرار الانسحاب لا يمكن أن يكون صادراً من
القيادة العسكرية بشكلٍ منفرد، وأنه لابد من موافقة القيادة السياسية، ويذكر
الروايات المختلفة في هذا الصدد وحديثه مع عبد الناصر وعامر بعد الحرب، وتأكده من
أن القرار عُرض على عبد الناصر قبل تنفيذه. لكن حتى هذا التأكيد لا ينفي حقيقة أن
التنفيذ الكارثي للقرار هي مسؤولية عامر وحده.
ويذكر الفريق مرتجي أنه بعد الحرب سأل المشير عامر عن سبب العدول عن فكرة
الدفاع والصمود في المضايق حسب الاتفاق، وأنه كان بإمكاننا الثبات لأسابيع يمكن
خلالها تدخل المحافل الدولية للحل بدلاً من ضياع سيناء كلها. وأجاب المشير بأنه
بعد تدمير قواتنا الجوية وتقدم العدو على المحورين الشمالي والأوسط، خشي أن تُحاصر
قواتنا المسلحة وتُعزل ويُقضى عليها تماماً، ولذلك أصدر أمر الانسحاب بالأسلحة
الشخصية الخفيفة، فالمعدات يمكن تعويضها، أما الفرد المقاتل فيحتاج سنوات طويلة
لتعويضه، وأما الأرض، فلابد لنا من جولة أخرى مع العدو. فكرر عليه الفريق مرتجي
بأن الموقف لم يكن بهذه الصورة القاتمة، وكان من الممكن إعادة تعديل وضع قواتنا
والمناورة بها كما ذكرنا سابقاً، ثم أخبره بأدب بأن الصورة التي وُضعت أمامه كانت
مشوهة، وأن زحاماً من المعلومات كان يصله بدون تقييم ودون تعليق، ولم تُقدم مشورة
سليمة من هيئة الأركان المحيطة به...إلخ، وقابل عامر هذا الكلام كله بالصمت، وكأنه
يقر التحليل الصادر من مرتجي.
يذكر الفريق مرتجي بكل مرارة أن قرار الانسحاب كلفنا 90% من معداتنا، بخلاف
خسائر الأفراد من شهداء وأسرى، ثم يتحدث عن كارثة الفرقة الرابعة المدرعة أفضل
الفرق والمسماة بجوهرة الجيش، التي شملها قرار الانسحاب، ثم أُمرت بعبور القناة
مرة أخرى والعودة لسيناء للدفاع عن المضايق كما كان مقرراً لها طبقاً لتعليمات عبد
الناصر الذي غضب من انسحاب هذه الفرقة، وفي طريق عودتها هذه دمرها طيران العدو.
وفي حين يحلل عبد العظيم رمضان في كتابه هذه النقطة ويستنتج أن عبد الناصر حين أمر
بثبات الفرقة في موقعها للدفاع عن المضايق لم يكن يعلم أنها غادرت سيناء بالفعل،
ولم يخبره عامر بذلك ولم يناقشه بل أصدر الأمر بعودتها، فوقعت الكارثة!
وفي حين يلاحظ المطلع على كتاب عبد العظيم رمضان أنه في تحليله للأمور ومع
تحميله عبد الناصر المسؤولية، إلا أنه كثيراً ما يلتمس له العذر، بينما يصب جام
انتقاداته على عامر، فإن الفريق مرتجي في كتابه يصب جام غضبه على الاثنين، مع
تحميل عبد الناصر النصيب الأكبر، والحديث عن عامر بشكل أكثر أدباً، ومع الاثنين،
يوجه سهام الانتقاد ل(مراكز القوى) دون أن يحددهم، ويُفهم من سياق الحديث أنهم نفس
مراكز القوى التي أطاح بها السادات، أي المجموعة التي كانت محيطة بعبد الناصر
ومحسوبة عليه، في حين أن المجموعة المحيطة بالمشير عامر وعلى رأسها شمس بدران كانت
في حد ذاتها مراكز قوى وسبباً مباشراً من أسباب الكارثة. وقد انتقد مرتجي شمس
بدران بشكلٍ عابر وتحدث عن قلة خبرته وسوء تقديره وضرب مثلاً بعدم تمييزه بين
الحقائق والمجاملة في اجتماعه مع السوفييت قبيل الحرب، ومخازي شمس بدران معروفة
ولا تحتاج لمزيدٍ من التفصيل، وهنا أستطرد لأشير لمشهد معبر من كتاب (كنت نائباً
لمدير المخابرات) لعبد الفتاح أبو الفضل لنبين مدى التأثير السلبي لهذه القيادة
البائسة على عموم الضباط، فقد ذكر أبو الفضل أنه عند مقابلته أحد الضباط المنسحبين
من سيناء، سأله "لماذا لم تلتحموا
مع القوات الإسرائيلية فيصعب على طيرانهم أن يضربكم؟" فأجابه "لم يكن لدى أحدٌ منا لا النفسية و لا
الرغبة لبذل مجهود لتحقيق انتصار يتحول بعده رجل كشمس بدران إلى رئيس للجمهورية.
وكل من أوقعه سوء حظه من كبار قادة الجيش أو الضباط ليواجه شمس بدران بأي معارضة
كان مصيره التعذيب والاضطهاد والإذلال، فلماذا نبذل جهداً تكون نتيجته وصول
الإنتهازيين لأعلى المراكز؟"!
وقد فصل الفريق مرتجي رأيه في المشير عامر بمنتهى الصراحة، والذي يتلخص في
كونه لم يكن صالحاً لشغل المنصب بسبب عدم حصوله على الخبرة المتراكمة اللازمة
لموقعه، بالإضافة لانشغاله بالعديد من المسؤوليات المدنية بجوار عمله الأساسي،
والحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها أنه بخلاف مسؤولية ناصر عن تصعيد عامر لمنصب
اللواء ثم لمنصب المشير وإبقائه في مكانه رغم فشله في 56 ثم في سوريا، وعجز ناصر
عن إزاحته من موقعه، فإن عامر نفسه مسؤول عن تشتته وتشتت العديد من كبار الضباط في
المسؤوليات المدنية التي اقتنص أغلبها في ضوء حرب إثبات السيادة والنفوذ والسيطرة،
وقد وصل التداخل في الحياة المدنية لدرجة أن جعل عامر من نفسه راعياً لنادي
الزمالك، وعين الفريق مرتجي رئيساً للنادي الأهلي، بجوار عمله قائداً لجبهة اليمن
وللقوات البرية!
ولأن كتاب الفريق مرتجي يحمل الكثير من المرارة والشعور بالغبن والرغبة في
تبرئة ساحة القوات المسلحة من الاتهامات التي لطخت سمعتها وسمعة قادتها، في مقابل
تحميل القيادة السياسية المسؤولية الأكبر عن وصول الأمور لهذا الحد وتوريط الجيش
في حرب غير مستعد لها (وهو على حقٍ في ذلك)، فإنه في هجومه على مراكز القوى كثيراً
ما يشتط، ويكاد يصرح أن التعليمات الصادرة بتحرك القوات على مسرح سيناء المكشوف
لطيران العدو – وخصوصاً الفرقة المدرعة الرابعة -
كان الغرض منه تدمير القوات المسلحة في إطار الصراع بين عبد الناصر وعامر!
وهو ما لا يقبله عقلٌ ولا منطق، ولا يُتصور حدوثه إلا في حالة العمالة والخيانة،
بالإضافة إلى أن المسؤول المباشر عن التحركات هو المشير عامر والمحيطين به، لكن
يُلتمس للفريق مرتجي العذر لأن كافة الأوامر والتحركات في تلك الفترة كانت بدورها
تفتقر إلى المنطق السليم.
ويشير الفريق مرتجي مرة أخرى لعلو حسابات السياسة عن المصلحة العامة، ففي
حين دُفعت كتيبة دبابات تابعة للحرس الجمهوري تجاه الاسماعيلية للدفاع عنها، فقد
سُحبت مرة أخرى يوم 11 يونيو لتأمين الموقف في القاهرة ضد ما ظهر من اعتراض الضباط
على تنحي المشير عامر، وقد ذكر مرتجي أن عبد الناصر قال (مدام عاوزين يحاربونا في
الداخل فسأريهم كيف تكون الحرب ولا يهم ما الذي سيفعله اليهود)، وهي عبارة أخرى
تحتاج للتدقيق، فمصدر العبارة إما أن يكون عبد الناصر، أو قائد الحرس الجمهوري، أو
سامي شرف، ومن غير المعقول أن يذكر أي من الثلاثة عبارة كهذه يدين بها نفسه، وإن
كانت قيلت في الحقيقة فهي ليست أكثر من انفلات أعصاب تحت ضغط محاولة انقلاب
المشير، وبالتالي فإن ذكرها في الكتاب هو بدوره من قبيل الشطط.
وفي ختام كتابه، عقد الفريق مرتجي مقارنةً بين حربي 67 و73، لخص فيها
الخطايا السياسية والعسكرية في 67، بينما أشاد بالسادات وبأحمد إسماعيل وهيئة
الأركان المحترفة التي تولت القيادة في 73. ثم أنهى الكتاب بابتهال لله عز وجل
يستحق أن يُنقل، قال فيه
"ضعف إيماننا، وتأله من صفوتنا من تأله وامتنع عن
ذكر اسم الجلالة، وفي غمرةٍ من العظمة البشرية الزائفة طلب من كبار المفكرين البحث
في صحة وجود رب العالمين.
حق علينا العقاب، وحل في صورة هزيمة سياسية عسكرية
نكراء، حكمة من الحكم الإلهية، وعظة سماوية، وآية من الآيات الكريمة التي شاءت
إرادتكم أن نكتوي بها، لعل المخلصين من أهل هذه البلاد والمؤمنين من شعبنا يتنبهوا
لها ويستفيدوا منها ويعملوا بها، ليرفعوا من شأن مصر الحبيبة، موطن الإيمان
والأصالة ومنبع الحضارة".
وإلى هنا أنهي هذا العرض لكتابٍ من أهم الكتب التي كُتبت عن هزيمة 67 لما
به من تفاصيل ومعلوماتٍ غزيرة، ولكن هذه المعلومات لا يمكن بطبيعة الحال أن تؤخذ
بشكلٍ مسلم به دون مقارنتها بغيرها من الروايات، وخصوصاً أن الكتاب مليء بتساؤلاتٍ
من الفريق مرتجي نفسه لأحداثٍ وقعت لم يجد لها تفسيراً، وتركها للمؤرخين ولجان
تقصي الحقائق ليتحروا حقيقتها، ولأن الكتابات العسكرية في بلادنا تخضع دائماً
للتقييد والمنع بدعوى الأمن، حتى لو كان الحدث قد مر على حدوثه أكثر من خمسين
عاماً، وحتى لو كان كل صانعيه قد واراهم الثرى، فإن المكتبة العربية فقيرة جداً
للأسف في هذا الجانب، ولا نجد سوى كتب القادة الآخرين، والتي وإن وجدت بها روايات تعضد
بعضها البعض، ستجد أيضاً على النقيض من ذلك روايات متضاربة ولا يخلو بعضها من
الهوى وحظ النفس وربما الكذب والتدليس، ولدينا أيضاً كتابات المؤرخين القائمة على
جمع الروايات المختلفة والترجيح بينها ونقدها والتعليق عليها، مع أهمية الانتباه
لخلفية المؤرخ وتوجهه للانتباه لانحيازاته التي قد تطغى على موضوعيته. وفي هذا
الصدد، يمكن قراءة كتاب (تحطيم الآلهة) لعبد العظيم رمضان، وكتاب (الطريق إلى
النكسة: مذكرات قادة العسكرية 1967) لمحمد الجوادي، وكتاب (شاهد على حرب 1967)
للفريق صلاح الدين الحديدي، وهو مكتوب بأسلوب هاديء ورصين من عسكري محترف. ونجد
حديثاً جهد معتبر من د. خالد فهمي في السلسلة التي أعدها على اليوتيوب بعنوان
(هزيمة يونيو المستمرة)، أو البحوث المشتركة المجموعة بكتاب (في تشريح الهزيمة)، كما
لا يمكننا تجاهل ما كتبه العدو نفسه!
أما أحداث النكسة ذاتها، فمطالعة كل ما كُتب عنها تؤكد أننا حتى الآن لدينا
أسئلة لا إجابات عنها، لأنها إما أُخفيت أو ذهبت مع أصحابها إلى القبور. وإن المرء
ليعجب من اجتماع كل العوامل التي أدت لهذه الهزيمة الكاسحة، ويتساءل: هل من المعقول
أن هذا الحدث كان مجرد صدفة؟ أو ذاك القرار كان مجرد نتيجة لإهمال وسوء تقدير أم
نتيجة خيانة؟ لكن وضع الأمور في سياقها وتأمل كيف كانت أمور الأمة تُدار وبمن كانت
تحكم، يؤكد أنه لم تكن الهزيمة لتحدث سوى كنتيجة مباشرة للاستبداد، أو بكلماتٍ
أخرى، يمكننا أن نذكر العبارة التي يدندن بها د. وليد سيف في كتاباته، بأن (الطغاة
هم شرط الغزاة)، ووضع الأمور في سياقها أيضاً يورث اليقين أن هذه الطغمة الفاسدة
لم تكن لتحقق أي نصر في معركة فاصلة، ويُلخص ذلك قول الله تعالى "إن الله لا
يُصلح عمل المفسدين".
وما زلنا نعيش في آثار هذه الهزيمة حتى اليوم، وما زلنا نعيش في ظل الاستبداد، مع ظروفٍ لا تختلف كثيراً عن ستين عاماً مضت، مما يعبر عن مدى بلاغة عبارة (هزيمة يونيو المستمرة).