ميكو بيليد هو ناشط سلام إسرائيلي من المتعاطفين مع الحق الفلسطيني، والرافضين لجرائم جيش الاحتلال، والمثير في قصته هو أن والده كان جنرالاً في جيش العدو، وشارك بشكل مباشر في النكبة وحرب 67
بدأ الكاتب كتابه بالحديث عن أسرته من جيل الأجداد الذين هاجروا إلى أرضنا في فلسطين من بلدان مختلفة (روسيا-أوكرانيا-بولندا..إلخ)، وعن كيفية تعارف والديه ببعضهما، وعن انضمام والده للهاجاناه والبالماخ، وعن هذا الجيل من أبناء المهاجرين الذين عبرنوا أسماءهم بدلاً من الأسماء الأوروبية واختيار والده اسم بيليد الذي يعني حديد بالعبرية، ومشاركته في حرب 48، وأنه كان يعتبر أحد أبطالها من منظورهم، ومن أهم إنجازاته تمكنه من صد هجوم للقوات المصرية في النقب!
بعد احتلال غزة خلال العدوان الثلاثي عام 56، تولى بيليد إدارة القطاع كحاكم عسكري إلى حين الانسحاب عام 57، وكان هذا أول احتكاك عن قرب بالمدنيين الفلسطينيين، ثم ترقى حتى وصل لرتبة الجنرال، وكان المسؤول عن الإمداد واللوجيستيات، وكان أحد الصقور الذين ضغطوا على الحكومة المدنية الإسرائيلية للمبادرة بالهجوم على مصر في عام 67 فيما عُرف بانقلاب الجنرالات.
بعد الحرب ببضعة سنوات ترك الخدمة، وقد تبين في نهاية الكتاب أن أحد العوامل التي غيرت تفكيره ومواقفه بشكلٍ كبير هو علمه بمذبحة قام بها أفراد من جيش العدو في غزة، حيث جمعوا عدداً كبيراً من الأطفال والشباب والرجال وأطلقوا عليهم النار ثم هرسوا أجسادهم بالمعدات ثقيلة حتى لا يتعرفهم أحد!
اتجه ماتي بيليد لمجال الأكاديميا وتخصص في الأدب العربي ودرسه في الجامعات الإسرائيلية، وأصبح منادياً للسلام مع العرب، وكان من أوائل من تواصل مع مسئولي حركة فتح منذ منتصف السبعينيات لتبادل الأفكار والرؤى حول كيفية الوصول للسلام، وإن كانت هذه الحوارات لم تكن بشكل رسمي، لكنه استطاع عمل علاقات متينة مع بعض كوادر فتح، وصولاً إلى ياسر عرفات نفسه، أي أن ياسر عرفات كان على تواصل مع الإسرائيليين بشكلٍ غير رسمي في نفس الفترة التي كان يهاجم فيها السادات في مبادرته، بغض النظر عن معارضتي الشخصية لما فعله السادات.
تردد اسم نجيب محفوظ من ضمن الشخصيات التي كان يلتقيها في مصر، وكانت أطروحته في أدب نجيب محفوظ.
سار ميكو بيليد في نفس المسار بشكلٍ مستقل، لا بتوجيه من والده، وإن كان يبدو أثر والديه فيه، وخصوصاً والدته التي أخبرته أنها رفضت في عام النكبة أن تسكن في البيت الذي عُرض عليها في أحد أرقى مناطق القدس بصفتها زوجة ضابط، لأن هذا البيت كان منزل أسرة فلسطينية كانت قد طُرددت منه.
يسرد ميكو بيليد أنشطته المختلفة وبداية علاقاته الشخصية مع الفلسطينيين المهاجرين في أمريكا حيث عاش هناك كمدرب للكاراتيه في سان دييجو، والمبادرة المشتركة من خلال الروتاري لإرسال 1000 كرسي متحرك للأطفال مناصفةً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وزياراته المتكررة للضفة الغربية وتعرفه على دعاة المقاومة السلمية اللاعنفية في بلعين وغيرها، مع تحفظي على بعض الآراء التي نقلها عنهم، لأني أؤمن أنه لا بديل عن الكفاح المسلح مع عدو همجي مثل هذا
حكى كذلك عن مشاركاته في الاحتجاجات ضد عنف الجدار العازل، وإلقاء الجيش الإسرائيلي القبض عليه، ومحاولته لزيارة غزة عام 2008 ودخولها من جهة مصر وفشله في ذلك.
في الجزء الخاص بمصر، وصف ما لقاه من ضباط المخابرات المتواجدين عند المعبر، ورفضهم لدخوله أو فتح المعبر أصلاً بدعوى أن إسرائيل لن توافق على هذا، وهو ما يثير الألم مع ما نراه من الموقف المخزي الحاصل الآن خلال معركة طوفان الأقصى، وأنقل هنا هذه الفقرة المعبرة على لسان ميكو بيليد:
"لو كانت للمصريين يدٌ في إدارة بلدهم وحكمها، فلربما كانت الأمور تسير بشكل أفضل في كل المنطقة؛ على عكس ما هو حاصل نتيجة خضوعهم لدكتاتور وكما تبين، إن الحكومة المصرية كانت ملتزمة مع إسرائيل والولايات المتحدة في إحكام الحصار على غزة"
لكي يكون القاريء على بينة، فكون الرجل ووالده من دعاة السلام، فهذا لا يعني أنهما يؤمنان بأن اليهود ما كان لهم أن يأتوا لهذه الأرض ويستعمروها من الأساس، فالأب كان ممن قاتل في سبيل اغتصاب هذه الأرض ولم يجد في ذلك غضاضة، والابن لا ينكر كونه صهيونياً يؤمن بحق اليهود في أرضنا، لكنهما يرفضان سياسات الحكومة الإسرائيلية وعنصريتها ووحشيتها تجاه الفلسطينيين، وبخلاف دعاة (السلام) الداعين لما يسمى بحل الدولتين، فإنه يؤمن بأن الحل هو في بلد واحدة تحت نظام ديمقراطي علماني لا يفرق بين مواطنيه على خلفية الدين واللغة!
الكتاب مفيد بالطبع للاطلاع على القضية من المنظور الآخر، وعلى لمحات من داخل مجتمع العدو.
الأحد، 25 مايو 2025
ابن الجنرال: رحلة إسرائيلي في فلسطين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق