السبت، 31 مايو 2008

عاشوا فى خيالى-2-مالك بن نبى و القابلية للإستعمار


ربما يُعد اسم مالك بن نبى غريباً على أذهان البعض, و ربما ظن من يقرأ اسمه لأول مرة أنه اسم لفقيه مسلم عاش فى القرون الوسطى مثلاً, فإذا كان هذا حالك, فاعلم أن مالكاً هو فيلسوف جزائرى مسلم عاش فى القرن العشرين, و توفى فى السبيعينيات بعد أن ترك تراثاً فكرياً عظيماً, و عدد من النظريات أهمها نظرية القابلية للإستعمار, و التى سنحاول مناقشتها هنا بشىء من التفصيل.
فى العديد من الكتب التى قرأتها,وجدت من كتابها اشارات للمفكر الراحل, و ذكر موجز و عابر لبعض آرائه, و لكن لم يقع فى يدى أحد كتبه كى أتعرف على فكره بشىء من التفصيل, و لم يحدث هذا الا مؤخراً و الفضل لمدونة عالم الكتب التى تحتوى على العديد من كتبه, و كان من حظى أن حملت كتاب شروط النهضة الذى جذبنى عنوانه, و كان -لحظى أيضاً-هو أهم كتبه , و الذى ناقش فيه النظرية سالفة الذكر.
فى هذا الكتاب الذى كُتب فى الأربيعينيات, حاول المفكر الراحل أن يعرض للمسلمين الشروط التى يراها واجبة لنهضة الأمة, و ذلك فى وقت كان العالم الإسلامى كله تقريباً يرزح تحت نير الإستعمار, و تعرض ابن نبى الى ذكر التجربة الجزائرية التى كان أساسها اتباع الآية الكريمة ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) , و التى آمن أنها هى السبيل الوحيد للخلاص.
تكلم الكاتب عن الحضارة, و الفرق بين الحضارة الغربية المادية, و الحضارة الإسلامية القائمة على الروح و العقل, و أن عناصر أى حضارة هى معادلة=انسان+تراب(مادة)+وقت.
و كان أهم ما عرضه المفكر الراحل فى كتابه هو نظرية القابلية للإستعمار, و نستطيع أن نلخص رأيه فى هذا السطر(لكى لا نكون مستعمرين,يجب أن نتحرر من القابلية للإستعمار).
القابلية للإستعمار بكل بساطة, هى حالة نفسية تمر بها الشعوب المُستعمَرة, ناتجة من الهزيمة النفسية و المعنوية من المُستعمِر الذى لا يتوانى عن نشر الروح الانهزامية بين أفراد الشعوب التى يستعمرها, و يعمل على تزييف وعيهم و إقناعهم فى اللاوعى لديهم بأنه لا سبيل لتطورهم و نهوضهم إلا إذا إتبعوا سبيله فى الحياة, و بهذه الطريقة تظل الشعوب المُستعمَرة فى حالة تبعية دائمة للإستعماريين, لأن الذل و الهوان و مسخ الهوية الوطنية و الضعف و الإستكانة و اليأس كلها قيود يقيدنا بها المُستعمر حتى لا ننهض و نتحرر.
و من وجهة نظر مالك بن نبى, إن الشعوب التى تخضع للإستعمار تتحمل بعض هذه المسئولية , و تصبح شعوباً قابلة للإستعمار و تسمح لأمم أخرى أن تحتلها و تقودها و تمسخ هويتها, لأنها بكل بساطة تستسلم و تستكين , و لا تحاول أن تتعلم من الدروس, و تغير الأوضاع التى أدت بها للوصول الى هذه الحالة من الهوان.
هذا هو ملخص نظرية الكاتب, و فى رأيى أن هذا الكتاب الذى كُتب فى ألأربيعينيات فى ظل عالم مسلم خاضع لإستعمار غربى أوروبى , يظل محتفظاً بقيمته فى القرن الواحد و العشرين.
فبعض الناس ترتبط عنده كلمة الإستعمار إرتباطاً شرطياً بحقبة زمنية معينة, تنتهى بعقد الخمسينيات الذى شهد تحرر معظم الدول المُستعمرة فى آسيا و أفريقيا, كما يرتبط اللفظ فى ذهنه بأشخاص كان لهم دورهم فى قيادة حركات التحرر فى بلادهم كغاندى فى الهند مثلاً, أو بمن تخطوا حدود بلادهم و ساندوا حركات التحرر فى العالم الثالث كله كجمال عبد الناصر.
و يكون واهماً من يظن أن الإستعمار الذى تكرر كثيراً فى خطب عبد الناصر و أغانى عبد الحليم قد انتهى و زال, ربما رحل الإستعمار بجنوده و جيوشه, و لكنه ترك وراؤه جيوشاً من أنواعٍ أخرى, دعاة على أبواب جهنم, و هم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا.
فالإستعمار لم يرحل بجيشه من أرض إلا بعد أن تأكد من أنه ترك فى مواقع السلطة و التوجيه مسوخاً لا حظ لهم من الدين أو الوطنية, يقودون بلدانهم بالحديد و النار لتنفيذ مخططات و أجندات غربية, فمن حكام يفتحون أبواب بلدانهم لجيوش من المنصرين, و فى الوقت ذاته يقمعون كل من يحاول إحياء الشريعة و نشر الصحة الإسلامية, الى حكام و مثقفين يسيرون فى ركاب الغرب, و يتخذون من العلمانية ديناً, و من الإسلام عدواً, حتى صار همهم الأكبر هو محاربة و محو كل ما يمت للإسلام و الهوية الإسلامية بصلة, و لإن كان أتاتورك -الذى قيل عنه أنه بعد أن كانت تركيا فى مقدمة الشرق جعلها فى مؤخرة الغرب-أقول أنه لإن كان من أوائل من نفذ أجندة الإستعمار بحرفية تامة,بل و حتى بأكثر مما حلم به الإستعمار, فإنه على الأقل كان واضحاً, و ليس كحكام آخرين لبسوا ثياب المؤمنين و ادعوا أنهم غيورين على الإسلام, و نصت دساتير بلادهم على أن الإسلام المصدر الرئيس للتشريع, بينما القول موسى و العمل فرعون.
نعم رحل الإستعمار بجنوده, و لكن بعد أن جند عملاءً له على أراضينا, من حكام,و مسئولين فى دوائر صنع القرار,و مفكرين, و إعلاميين, بل و فى قلب من يضعون مناهج التعليم, كل هذا لكى تظل شعوبنا على حالها,فى حالة إستعمار, فتبقى خاضعة, خانعة, تابعة,تُسرق منها ثرواتها و هى تصفق بل و تشكر السارق, و تلتمس منه الحماية و تطلب منه الرضا, بل و تستعديه على أخوتها.
نحن ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار يا سادة, ربما قد نسى البعض أن هناك بلد اسمه فلسطين ما زال مستعمراً بأكمله, و أننا نتفاوض على شبر و ننسى أن بقية الأرض ملكُ لنا, ربما بعد بضعة سنوات يتعود بعضنا على الوضع الراهن فى أفغانستان و العراق, و ننسى أن الكفاح المسلح الذى أخرج الاستعمار من بلداننا فى الخمسينات و الستينات هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الوضع.
ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار, طالما أننا نرزح تحت قيود السلبية و الهوان, و نترك أمورنا رهن بمشيئة هذا أو ذاك, و نصفق لأبنائنا الذين يحسنون العد و وصف الألوان و الأشياء بالإنجليزية, و عندما نسألهم عن معانيها بالعربية لا يستطيعون, نصفق لهم بعد أن مسخنا هويتهم!!!
ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار طالما أن مناهج الدين تُعدل, و التاريخ يُزيف, و المصلح مطرود, و المفسد معبود.
ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار طالما أن الوهن فى قلوبنا قد ثبت, و أن شعلة الجهاد قد خبت.
لكن مع كل ما نعيش فيه من سلبيات, يجب ألا نيأس, و نؤمن بأن المستقبل لهذا الدين.
و أنه لا سبيل لتغيير أحوالنا إلا بتغيير ما بأنفسنا, يجب أن نتخلص من القابلية للإستعمار.
و يمكن للقارىء مطالعة الكتاب المذكور و غيره من كتب المفكر الراحل من مدونة عالم الكتب
و للمزيد عن المفكر الراحل, يمكن زيارة هذه المدونة التى تحمل اسمه
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا,و أن يعيننا على تغيير أحوالنا و ما بأنفسنا الى الأفضل, و أن يستخدمنا و لا يستبدلنا, و أن نكون جيل النصر المنشود, إنه ولى ذلك و القادر عليه.
و إلى لقاء آخر مع شخصية أخرى بإذن الله.

هناك 3 تعليقات:

شــــمـس الديـن يقول...

السلام عليكم

عندما بدأت في الكتابة التأملية وجدت ان من يقرأ لي يعجب بما اكتب و لكني من داخلي وجدت ان هناك افكار كثيرة تحتاج الي اعادة صياغة بشكل انضج , و لاني كنت من الناحية الثقافية بلاطة فقررت ان اقرأ

و لا اريد ان اقول ان القراءة للعضماء الحقيقيين اثرتني بشكل مهول و اضافت الي ملا لا يحصي

من اثروني حقا هم الشيخ الغزالي و الذي كتبت في حقة ان ان من افضل فضائلة علي الاطلاق هي فقة الاختلاف و تقبل الاخر لان هذا الامر و للاسف الشديد جدا تكاد تكون الافة القاضية و القاصمة للملتزمين

و مهما قولت في حقه فلن اوافيه ولا جزء ضئيل من علمة الذي ادعوا اللي ان يكون صدقة جارية في ميزانة

و من اللذين اثروا في بشدة ووجدت تفسير لما كنت افكر فيه في كثير من الاحيان و لكن لم اكن قد نضجت بعد لاخطة كتابات العظيم بيجوفيتش و العظيم المسيري

و من اللذين لم اقرأ لهم بعد شخصيا و لكن حدثني كثيرين عنه هو الاستاذ مالك بن نبي

و اعتقد ان الجميع يربطهم خط خفي في ابسط صورة هو العلاقة الثنائية بين المادي و المعنوي .... بين الانساني و الرباني و انه لا يمكن اختزال هذه العلاقة باي حال من الاحوال والا تحولت البشرية الي شقاء منقطع النظير

هذه الحالة يتناولها المسيري بشكل فلسفي , و بيجوفيتش بشكل اوروبي مرتبط بخلفيتة الاوروبية الثقافية و الفنية و السياسية , و الغزالي في كتاب جدد حياتك بشكل اسلامي مباشر

و الجميل ان الجميع لديهم مرجعية اسلامية شاملة تستوعب و تتناول جميع القضايا و اعتقد ان من النبذة المختصرة التي شرحتها عن مالك بن نبي انه يمتلك و يسير علي نفس الخط و انا واثقة انه سوف يقدم الامر بأسلوب جديد

و حقا مدونة عالم الكتب مشكوره في ان تنشر العلم و تجعله متاح في الكتب ... و انا واثقة ان التلاميذ سوف يظهروا فقط وفر لهم البداية و الخامات الاولية

لم اقرأ له شخصيا , و لكن ان شاء الله انتهي من تلخيص و كتابة ما بيدي الان و له عندي نقد مفصل ان شاء الله تعالي

بارك الله لك علي الاشادة بهؤلاء

--------------------
و شكرا علي حذف الكلمات المعوقة :)

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

السلام عليكم
أختى شمس الدين
اذا كانت للقراءة عموما مفعول السحر فى توسيع مدارك الانسان, و تشكيل وعيه و تكوين شخصيته,فإن نوعية القراءة ذاتها هى التى تشكل حدود هذا السحر.
فالقراءة للعظماء,أصحاب الرؤية و الأهداف المثلى,تهذب التفكير و تقلمه-اذا جاز التعبير-و تجعل للمرء رؤية و فكرا يفوق سنه, و رأياً محترما بين غيره, لأنه قد تشرب فكر و خبرات مفكرين قد تشربوا بدورهم خبرات من قبلهم,و كل إناء بما فيه ينضح, و الحمد لله الذى وفقنا للقراءة لمثل هؤلاء العظام, عسى أن نسير على دربهم.
غير أن إعجابنا بهم و إيماننا بمبادئهم التى بشروا بها لا يعنى أننا لن نختلف معهم فى بعض النقاط,فالاسلام يعلمنا أن نعرف الرجال بالحق,لا أن نعرف الحق بالرجال.
و يسعدنى أن قائمة العظام لدينا مشتركة حتى الآن, و أنا أنوى بعون الله أن أكتب عن الراحل العظيم على عزت بيجوفيتش,قد يكون غريبا أن هذا الرجل-الذى قرأت كتابه من سنوات-قد نسيت ما قرأته له من أفكار, و لا أذكر الا شيئين:شعورى و أنا اقرأ الكتاب, و كان شعورا ممتعا بطبيعة الحال, و الثانى:عبارة تعتبر أهم ما أثر فى شخصياً فى الكتاب, ربما لم تكن من أهداف الكتاب, و لا قيمة لها بجوار بقية المحتوى, لكنها لأهميتها لى علقت فى ذاكرتى حتى الآن, و ستكون محور الخاطرة التى سأكتبها عنه بإذن الله.
و بالنسبة للأستاذ مالك بن نبى, فهو رحمه الله يمشى على نفس الخط الفكرى, نفس الخط الذى يربطنى عاطفياً بالشيخ الغزالى, و الشيخ القرضاوى, و أ.فهمى هويدى, و د.سليم العوا,و د.محمد عمارة,و المستشار طارق البشرى, و بيجوفيتش و مراد هوفمان....الخ
انه الهم الاسلامى الذى يجمعهم, و رؤية كل منهم للصحوة و النهضة الواعية, و المجتمع الاسلامى كما يجب أن يكون, و شروط النهضة, و الفكر المعتدل, و كما تفضلتى, فإن كل منهم يعبر عن (هذه الحالة) بشكل معين:فلسفى,أوروبى,اسلامى مباشر...الخ حسب مرجعيته و طريقة تفكيره, لكن الهدف السامى الأساسى و هو الاسلام هو الذى يجمهم , و يجمعنا بهم.
و فى انتظار كتابتك عن هذا المفكر العظيم يا أختى.

بالمناسبة:مدونة عالم الكتب تم حذفها للأسف,و عموما جزى الله صاحبها كل خير على مجهوده.
و لا شكر على واجب بالنسبة للرجل المعوق :)
و بالمتاسبة ايضاً:frequency=التردد
wave length=طول الموجة
أصلى درست الفيزياء بالعربى :)

أشكرك على هذا التعقيب الثرى,و جزاكى الله كل الخير

شــــمـس الديـن يقول...

انا اتاخدت لما قولت ان المدونة اتحذفت و خاصة اني عاملة ليها اعلان عندي علي المدونة
دخلت اشوف الموضوع لاقيت فعلا انها مش موجودة
و اللي قلقني اكتر اني لما بعت ميل للاستاذ علاء صاحب ا لمدونة لاقيت ان الميل اترد لي

مش عارفة اعمل ايه للاسف محتفظتش بال RSSبتاع المدونة ولا المواقع اللي محمل عليها

و بجد دي خسارة فادحة جدا للثقافة العربي ":((

قدر الله و ماشاء فعل و ياريت لو توصلت لاي شئ بخصوصها تقوللي
:(
--------------------------------

بالنسبة لموضوع بيجوفيتش
انا سمعت عن الرجل دا انه مفكر عبقري اوي من ناس عقلاء

فبحثت عنه و لاقيت انه مألف حوالي 4-5 كتب
لم اتمكن من الحصول الا علي كتاب الاسلام بين الشرق و الغرب علي النت و النسخة المكتوبة
و كتاب الهروب للحرية نشر دار الفكر المعاصر - لبنان و مش في مصر ولا له اي نسخة اليكترونية علي النت

انا مش عارفة ازاي العرب ميهتموش بنشر العلم و انه يكون متاح , و حتي المدونة اللي عملت كدا للاسف اتحذفت

عامة
دا رابط الكتاب بتاع الاسلام بين الشرق و الغرب علشان لما تكتب عنه تكون واقف علي ارض صلبه
http://www.facebook.com/share_redirect.php?h=347bbef41e5ad34f4f3ef7f948b74b5f&url=http%3A%2F%2Fal-mostafa.info%2Fdata%2Farabic%2Fdepot2%2Fgap.php%3Ffile%3D008270.pdf&sid=20963686024

و دا رابط الصفحة التعريفية بيه علي الفيس بوك
معمولة بالعربي و البوسني و التركي و الانجليزي http://www.facebook.com/home.php?#/pages/-Alija-Izetbegovic/8864754946

و شكرا علي ترجمة المسطلحات :)
خالص التحية