يعرض هذا الكتاب شهادات مجموعة من الضباط الذين شهدوا حرب 67، ومثل هذا
الكتاب من الأهمية بمكان، لأن أغلب ما لدينا من شهادات هي شهادات القادة، سواء
كانوا من كبار القادة، كشهادة مرتجي وفوزي وصادق، أو من كانوا برتبة قائد لواء في
وقت الحرب، كالشاذلي وعبد المنعم خليل وكمال حسن علي، وكل هذه الشهادات تعرض
الرؤية من القمة، لكن هذا الكتاب الذي يعرض شهادات الضباط ينقلنا إلى القاعدة،
ليكمل لنا جزءاً من الصورة.
بدأ الكتاب بشهادة العميد طيار تحسين زكي قائد
لواء السوخوي، وكان موقعه في مطار فايد، وتحدث عن ضرب العدو للمطار وأثر
قنبلة الممرات به وتدمير طائرة حسين الشافعي بعد هبوطها، ومحاولاته هو وزملائه
لإبعاد الطائرات السوخوي التي نجت من التدمير وتحريكها لإمكانية الانطلاق بها. ثم
تحدث عن مكالمة المشير له لتنفيذ الخطة الهجومية لمطارات العدو، وخروج طائرتين في
اليوم التالي للهجوم على المطار المذكور، ولم يجدوا المطار أصلاً بما يعني أن
معلومات المخابرات كانت خطأ، وبحثهم عن أي هدف حتى وجدوا مطار آخر به عدد من
طائرات الهليوكوبتر فضربوها. وتحدث كذلك عن طلعات أخرى لقصف قوات العدو المتقدمة،
ومشاهدته لقواتنا المنسحبة، ولقوات الفرقة الرابعة وهي تتقدم مرة أخرى، ثم مشاهدته
لها بعد أن دُمرت.
بعد ذلك نقرأ شهادة الطيار هشام مصطفى حسين،
ويحكي عن استدعائه لقاعدة العريش الجوية مساء يوم 14 مايو 67، والخرائط والصور
القديمة التي وضعوها أمامهم لأهداف من المفترض أن يهاجموها، وعند السؤال عن تاريخ
التقاط الصور كانت الإجابة عام 1948!
وتحدث عن انتظارهم 5 ساعات داخل الطائرات، ثم إلغاء المهمة، وتكرار الإلغاء
في الأيام التالية.
ثم يحكي عن انتقاله لمطار بير تمادة، وترك الطائرات مكشوفة تلمع في العراء،
وعن الأوامر التي صدرت لهم قبل الحرب ب3 أيام بوقف الطلعات التدريبية والمظلات
الجوية حتى لا تُستهلك الطائرات قبل المعركة، ثم يحكي لنا عن الهجوم في 5 يونيو،
وتدمير ممر المطار بكل ما به من طائرات، قبل أن يتمكن أي طيار من الوصول لطائرته.
ثم ننتقل لشهادة ضابط الصاعقة علي عبد المنعم
مرسي عن دوريات الصاعقة التي اشترك بها وانطلقت من الأردن لداخل الأرض
المحتلة بهدف تدمير بعض المطارات، ولكن فشلت المهمة، مع تمكنهم من الاشتباك مع
العدو وإحداث خسائر به، ثم اضطرارهم للانسحاب للأردن.
ثم شهادة ضابط الاستطلاع يحيى سعد باشا،
الذي تمركزت وحدته في نخل، وحكى عن بعض الصعوبات التي واجهتهم في المعدات
والأسلحة، وبالأخص ال آر بي جي، حيث جمعوا منهم ما كان معهم (طراز 2) ووزعوا عليهم
طراز أحدث (طراز 7)، وحينما سألوا عن الذخيرة، قيل لهم أن نفس الذخيرة القديمة
تعمل مع السلاح الجديد، وعندما اجتاحت قوات العدو مواقعنا وبدأ جنودنا يحاولون
اصطياد الدبابات بال آر بي جي، لم تنطلق الذخيرة، فتعرض جنودنا لمذبحة، وماتوا
بنيران الدبابات أو تحت جنازيرها!
ثم ينقل لنا شهادة الفريق عبد المنعم واصل،
وكان وقتها برتية عميد وقائد اللواء 14 مدرع، وكانت قواته قد أُنهكت قبل القتال
بعد أن تحركت 910 كم على الجنزير من القناة إلى جبل لبني ثم إلى الشيخ زويد ثم
العودة إلى الحسنة ثم جبل لبنى، وفي كل منطقة يحتاج لتجهيز مخابيء الدبابات والحفر
لها، والتحركات كلها بسبب الأوامر المتضاربة من القيادة ومنها أوامر بالهجوم ثم
الإفغاء والتحرك لمنطقة أخرى للدفاع، وفي إحدى المرات كلفوه بالتمركز في منطقة
ولما استطلعها وجد أنها حقل ألغام!
يحكي عن الهجوم يوم 5 يونيو حيث كان مع القادة في مطار بير تمادة في انتظار
طائرة المشير، وبعد بدء هجوم العدو أسرع بالعودة إلى قواته ونظمها، واستطاع ببعض
المناورات تفادي القوات الإسرائيلية، ثم اشتبك معها مساء يوم 6 يونيو في معركة
دبابات، وكانت خسائر العدو 39 دبابة سنتوريان + 4 دبابة باتون + 27 عربة نصف
جنزير، في مقابل 8 دبابات مصرية، وعشرين شهيداً، وللأسف حين صدر قرار الانسحاب،
هاجمت طائرات العدو قواته المنسحبة، فخسر 32 دبابة، بالإضافة للعديد من المعدات
والمركبات، وهذا يُثبت أن ثباتنا في مواقعنا ومواجهة
العدو كان سيحدث بهم خسائر فادحة، وأن خسائرنا في القتال لا تُقارن بأي حال من
الأحوال بما خسرناه في الانسحاب العشوائي.
ثم يعرض الكاتب شهادة ضابط الإشارة محمد أحمد
خميس، وبدأ كلامه عن بعض ما شهده في اليمن، ثم انتقل للحشد العشوائي للقوات
في سيناء، والحالة السيئة للقوات وقلة التجهيزات، وصدور الأمر لهم بالانسحاب إلى
القناة، والصدمة المروعة التي تعرض لها الضباط وعدم تمكنهم من إبلاغ جنودهم بعد أن
كانوا شحنوهم معنوياً وكانوا يظنون أنهم في طريقهم للهجوم على العدو، وبعد أن طلع
النهار شاهد الجنود القناة أمامهم فعلموا أنهم انسحبوا فأخذوا يبكون!
ثم ينتقل الكاتب لشهادة ضابط الاستطلاع حسن
بهجت، الذي يبدأ شهادته بانتقاد ما حدث في حرب اليمن، ويعتبر أن العديد ممن
شاركوا فيها كان همهم الأساسي الامتيازات المادية والعودة بالبضائع غير المتوفرة
في مصر الاشتراكية، ومنها (الكمبوت)!، وتحدث عن غسيل المخ الذي كانوا معرضين له،
واستبعاد التدين، وشحنهم بأنهم يقاتلون في سبيل الاشتراكية!، ثم تحدث عن جرائم
الحرب التي ارتكبتها القوات المصرية في اليمن، وعن مجموعات العمليات الانتقامية
ومنها مجموعة (عادل سوكة) ومجموعة (الشاذلي)، وهي معلومة محزنة جداً، حيث يذكر أن
هذه المجموعات كانت تدخل إلى القرى اليمنية وتُبيد كل ما هو حي على وجه الأرض من
بشر عزل وحتى الحيوانات، ثم نسف البيوت، واعتبر أن هزيمة 67 هي انتقام إلهي.
ويحكي عن حضوره اجتماع في سيناء حضره المشير عامر، وأن أحد الضباط سأله عن
الأسطول الأمريكي السادس، ليجيب المشير بأن الأسطول السادس أمره سهل وسيتم القضاء
عليه، وقال ساخراً: إحنا مش بتوع كلام، ولا نريد أن نفصح عن كل شيء!
وعندما بدأت الحرب، كانت وحدته مرتكزة بخط الدفاع الثاني، ويوم 6 يونيو
رصدت مجموعات الاستطلاع قوات العدو قد نزلت من عرباتها وتتقدم على الأقدام، وكان
هذا مثار استغرابه لأن العدو لا يُهاجم إلا من مدرعاته، وعندما أخبر القيادة أصدرت
الأمر بالضرب بالمدفعية، وبعد ساعة وصل أحد أفراد هذه القوة ليكتشفوا أن ما قصفوه
كانت قوات مصرية منسحبة من خط الدفاع الأول الذي سقط، فانهارت معنويات الجميع، ثم
انسحبت القوات تبعاً لقرار الانسحاب الشهير.
ثم نقرأ شهادة عاصم شراكي ضابط أمن قاعدة
المليز الجوية، وهو أول مطار متقدم في سيناء، ويحكي لنا تفاصيل الهجوم،
ومحاولة طياري الحالة الأولى (الطيار في حالة الاستعداد داخل الطائرة) والحالة
الثانية (الطيار في حالة الاستعداد بالقرب من الطائرة) الاقلاع بطائراتهم، ونجاح
العدو في تدمير هذه الطائرات وبقية الطائرات والذخائر على الأرض، حاول الرجال
القتال بأي شيء لكن فقدوا كل شيء، وحتى مواسير مدافع الدفاع الجوي انصهرت من كثر
ما أطلقت من نيران، ثم صدر أمر الانسحاب فنسف الضابط المطار وانطلق غرباً.
ثم نقرأ شهادة ضابط الاستطلاع عادل محجوب،
الذي قاد فصيلة استطلاع تمركزت بالقرب من العريش وفي مواجهة مستعمرة جيفات راحيل
الإسرائيلية، وأعد دورية استطلاع وغبر بجنوده الحدود دون أي أوامر لاستطلاع منطق
العدو، ونقل الفارق بين استعدادات العدو تجهيزاته، وبين الوضع المزري في الجانب
المصري، وبعد يومين من عودته فوجيء باستدعائه للقيادة وتوبيخه للقيام بدورية
الاستطلاع - رغم أن هذا دوره وواجبه –
وعوقب بالنقل. ثم يحكي عن انضمامه للمجموعة الخفيفة رقم (1) المعروفة بمجموعة
الشاذلي، ويتكلم عن محاولة الشاذلي حل المشاكل الإدارية ومشاكل المعدات، ويصف
الشاذلي بأنه نشط وغزير المعلومات العسكرية، ولكن يؤخذ عليه ثقته الزائدة عن الحد
بنفسه. ثم يحكي عن الأوامر المختلفة بتحرك القوات في امثر من موقع، حتى وصلت لأقصى
حالات الإنهاك يوم هجوم العدو، ويقول أن الشاذلي ركب سيارته وذهب للقيادة للحصول
على الأوامر، وأنهم لم يشاهدوه بعد ذلك في سيناء، وأن قواتهم تعرضت للقصف العنيف
في معركة غير متكافئة مع العدو إلى أن اضطروا للانسحاب، وهذه الرواية تخالف ما
رواه الشاذلي عن نفسه من أنه قاد قواته داخل أراضي العدو، ثم استطاع الانسحاب بهم
بعد ذلك بشكل منظم بأدنى حد من الخسائر، إلا لو كان الضابط عادل محجوب يتحدث عما
حدث لفصيلته هو فقط.
ثم نقرأ شهادة الدكتور عبد الفتاح تركي،
وكان ضابط احتياط عمل كضابط استطلاع في اللواء الثاني المدرع بقيادة العميد كمال
حسن علي، والتابع للفرقة الرابعة المدرعة، وحكى عن حماسهم وهم متجهين لسيناء، وعن ضعف
التدريب في السنة السابقة للحرب، وأنهم تدربوا على ال أر بي جي لأول مرة في سيناء،
ثم محاولاتهم الاشتباك مع طيران العدو من مدافع مدرعاتهم والمدفعية المضادة
للطيران، وعن الأوامر بتحركات اللواء وهو مكشوف بدون غطاء جوي وما سببه ذلك من
خسائر، والانسحاب إلى القناة، ثم الأوامر بالعودة مرة أخرى واحتلال المضايق، ووصوله
للمضايق ورؤيته لقوات العدو وهي تتقدم، ثم إصابته بنيران صديقة قد على إثرها بصره،
بينما تولى طيران العدو تدمير بقية اللواء وهو يحاول مقاتلة قوات العدو المتقدمة
على الأرض.
ثم نأتي لشهادة المهندس محمد فؤاد غانم
وهو ضابط مهندس إنشاءات بالقوات الجوية، ويحدثنا أولاً عن صواريخ الظافر والقاهر،
وأن ما ما شاهده الناس في الاستعراض العسكري كان مجرد هيكل من الصاج والخشب، وأن
تجارب الصواريخ الفعلية لم تكن ناجحة وكان الصاروخ يسقط على مسافة قريبة.
ثم ينتقل للحديث عن ضعف الاعتمادات المالية المخصصة للانشاءات اللازمة
للمطارات – ومن أهمها الدشم - طوال
السنوات السابقة للحرب، ويتحدث بمرارة عن جهله وهو ضابط بأن إسرائيل كانت تمر من
خليج العقبة طوال الفترة من بعد حرب 56، ثم يتحدث عن الأوامر التي صدرت له قبل
الحرب بالمرور على مطارات سيناء للبدء في عمل التجهيزات الهندسية (بعد إيه!)، وما
شاهده في مطار العريش يوم 5 يونيو من ضرب المطار، وتفاجئه بوصول دبابات العدو غرب
مدينة العريش في نفس اليوم، ونجاته من العدو بأعجوبة.
ثم يُختم الكتاب بشهادة محمد عبد الحفيظ من
قوات المظلات، وكان من ضمن القوات المكلفة بتأمين شرم الشيخ مع اللواء عبد
المنعم خليل، ويخبرنا أنهم حتى يوم 6 يونيو لم يكونوا يعرفون عن تطورات الأحداث
أكثر مما يسمعونه في إذاعة صوت العرب من أن قواتنا على مشار تل أبيب، وفي مساء 6
يونيو استدعاهم القائد ليخبرهم بصدور أمر الانسحاب، فعلاهم الوجوم، واقترح البعض
أن يتقدموا للهجوم على ميناء إيلات ومن بعدها جنوب النقب ويثيروا المتاعب للعدو
داخل الأرض المحتلة ليخفوا الضغط عن قواتنا ببقية سيناء، لكن أوامر القيادة كانت
صريحة بالانسحاب، وفي هذا الانسحاب اضطروا للتخلي عن الكثير من الأسلحة والمعدات
التي إما دمرت أو تُركت لقمة سائغة للعدو، ثم يتحدث عن الأوامر الصادرة بالتحرك
للإسماعيلية يوم 8 يونيو لمشاركة الفرقة الرابعة المدرعة في الهجوم المضاد، وعن
انقلاب بعض السيارات بالجنود لأن سائقيها لم يناموا من 48 ساعة، وعند وصولهم
للإسماعيلية عرفوا أن الفرقة الرابعة المدرعة قد دُمرت!
وإلى هنا ينتهي هذا الكتاب المؤلم بكل ما فيه من شهادات مؤلمة، عن هزيمةٍ
يُمكن أن نجد عنها مائة ألف حكاية بعدد من شهدوا أهوالها، وعلى اختلاف مواقع
أصحابها، ستجمع هذه الحكايا على أنهم إما لم يجدوا الفرصة للقتال، أو أنهم عندما
قاتلوا قاتلوا بشجاعة وأثخنوا في العدو، ولكن عشوائية أوامر التحركات قبل الحرب
أنهكتهم، ثم أتت عشوائية أوامر الانسحاب لتُجهز عليهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق