يتناول هذا
الكتاب مسيرة الفريق/ عبد المنعم خليل، الذي كان أشهر محطات خدمته هو توليه قيادة
الجيش الثاني الميداني خلال النصف الثاني من حرب أكتوبر، وقد سمى الكتاب (حروب مصر المعاصرة) لأنه شهد كل هذه الحروب، بدايةً
من الحرب العالمية الثانية، وصولاً لحرب أكتوبر المجيدة. وقد قرأت هذه النسخة من
المذكرات من إصدار دار الكرمة، ولكني لاحظت أن د. محمد الجوادي قد سبق له عرض
مذكرات الفريق عبد المنعم خليل تحت عنوان (حروب مصر
المعاصرة في أوراق قائد ميدانى)، وأنها تحوي تفاصيل أكثر من النسخة
الموجودة الآن والتي بها بعض الاختصار والحذف لا أدري له سبباً، وأعتقد أن الفارق
بين الكتابين لا يقل عن 100 صفحة، لذا لا غنى لمن يريد إكمال الصورة عن قراءة ما
ورد بكتاب الجوادي.
يبدأ عبد
المنعم خليل كتابه بمشاهد يوم 16 أكتوبر 1973، حيث استدعاه الفريق سعد الشاذلي
وكلفه بقيادة الجيش الثاني، إثر تعرض قائد الجيش اللواء سعد مأمون لأزمة قلبية بعد
أحداث تطوير الهجوم، وينطلق خليل إلى قيادة الجيش الثاني الذي سبق له أن قاده حتى
عام 1972، ويصف لنا بكلماته مشهد لقائه برجاله بعد طول غياب بشكل فيه الكثير من
الحرارة والروح الإيمانية التي كانت من أسباب النصر، فيقول:
"قابلت رجالي الأوفياء، وبعد أن أخذت فكرةً عن
الموقف وقفت على كرسي أمام خريطة موقف العمليات وكتبت بالقلم الفلومستر الأحمر بخط
يدي في أعلى الخريطة هذه الآية الكريمة:
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا
صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَأَنصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .
فأحسست بدهشة كل أسرة مركز العمليات واطمئنان قلوبهم.
وهكذا اطمأن قلبي وازدادت ثقتي بالنصر إن شاء الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
قيادة الجيش الثانى الميداني
التاريخ ١٠/٢٠/ ١٩٧٣
نداء
قائد الجيش الثاني الميداني
أيها الأبطال رجال الجيش الثاني
الميداني... لقد أراد الله أن أعود إليكم لتولي قيادتكم نظرًا لمرض اللواء سعد
مأمون شفاه الله.
إن مصر كلها تبني آمالها عليكم،
فقاتلوا عدوكم بغلظة وشدة يعذبهم الله ويُخزهم وينصركم، ونفّذوا قول الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم (قَتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ
وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)
صدق الله العظيم
لواء عبد المنعم محمد خليل"
بعد ذلك عند
تناوله لكل حرب، يبدأ بتمهيد تاريخي موجز للفترة التي سبقت الحرب، ثم يسرد شهادته
عن الحرب في حدود صلاحياته خلال المعركة.
بدأ بالحديث
عن الحرب العالمية الثانية، لكن بدون أي تفاصيل، حيث كان دور الجيش المصري هامشياً
أصلاً ويكاد يكون منحصراً في أعمال التأمين والتشهيلات.
بعد ذلك تناول
حرب فلسطين، وعرض التفاصيل التي شهدها، وتتفق شهادته مع أي شهادة لضباط هذا الجيل
ممن شهدوا الحرب، من أن أهم العوامل التي أدت للهزيمة هي: قلة الخبرة للجيوش
العربية، والتخبط في الأوامر، وعدم وجود قيادة موحدة حقيقية للجيوش.
ثم تحدث عن
العدوان الثلاثي، ومعركة أم قطف مع العدو الإسرائيلي.
ثم انتقل
للحديث عن حرب اليمن ودوره ومشاهداته فيها، وبعد ذلك انتقل للحديث عن هزيمة 67،
وهي من أهم المواضع في الكتاب، حيث كان خليل شاهداً عليه بحكم توليه قيادة منطقة
شرم الشيخ، ولأنه كان قبلها قائداً لقوات المظلات فقد انطلق إلى هناك برجاله، وأضيف
إليها وحدات غير متجانسة من عناصر جوية وبحرية ودفاع جوي ومدفعية ساحلية، وكانت
التعليمات تصل إليه من القيادة العامة رأساً، وتحدث عما لاقاه من متاعب في تنظيم
الأسلحة المختلفة، وعدم توفر معلومات عن العدو، وعن التخبط في الأوامر والتي
استدعت تغيير الخطط بشكل متكرر، إلى أن بدأت المعركة، وصدر له أمر الانسحاب،
فانسحب أولاً إلى الطور، ثم في الليلة التالية انسحب بقواته بدون خسائر كبيرة إلى
القناة، ونجح في تدبير انسحاب جزء من قواته بحراً بسفن الإبرار. وبعد وصوله للقناة
صدرت له أوامر أخرى متخبطة بقيادة وحدات لتدمير قوات مظلات العدو في ممر متلا، لكن
كانت الهزيمة قد تحققت بالفعل.
ينتقل بنا بعد
ذلك للحديث عن مرحلة الاستنزاف، ودوره فيها من خلال الجيش الثاني الذي تولى رئاسة
أركانه ثم قيادته حتى عام 1972، وبخلاف الحديث عن البطولات المختلفة للجنود
والضباط، فإن من أهم ما تتميز به هذه المذكرات، هو إيرادها لملخصات بعض محاضر
الاجتماعات والمؤتمرات، ومن أهمها، المؤتمر الذي عقده عبد الناصر مع القادة وبحضور
المستشارين السوفييت لمناقشة الدروس المستفادة من المرحلة السابقة وكيف يمكن
التطور، وبالأخص بعد واقعة نجاح العدو من تفكيك وسرقة رادار بمنطقة رأس غارب.
ينتقل بنا بعد
ذلك لمرحلة السادات، وعلى نفس النهج ينقل لنا ملخص عدد من الاجتماعات الهامة، مثل
الاجتماع الذي سبق إقالة فوزي، والذي سبق إقالة صادق، وقبل إقالة الأخير، أصبح
رئيس هيئة التدريب، ثم قائد المنطقة المركزية.
ويدلل عما اعتبره
دهاء من السادات وحنكته السياسية بعدة مواقف ننقل منها الموقف التالي، حيث يقول
خليل:
"زارني
السادات وهو في منصب نائب رئيس الجمهورية، وأنا قائد للفرقة الثالثة المشاة بجبهة
قناة السويس، وأذكر أنه فى اللقاء مع الضباط قالوا له يا سيادة النائب نحن هنا
بالجبهة فى حالة تأهب مستمر وقتال لا ينتهي ومعرضين للموت فى كل لحظة، ونسمع في إذاعة
القاهرة أغان ركيكة وخليعة بعيدة كل البعد عن جو المعركة، تصور عدم الاهتمام بنا
!! وحتى فى أثناء نزولنا للأجازات نجد الناس في عالم آخر غير عالمنا، فلماذا لا
نبدأ في تعبئة هذا الشعب للقتال ليشعروا بنا ويحسوا بما نحن فيه من متاعب؟ فرد
السيد أنور السادات رداً حكيماً أعجبنى وقال موجهاً حديثه لنا جميعاً (شوفوا يا
أولاد، إذا حشدنا وعبأنا الناس للقتال اليوم ولم نحارب غداً ماذا نفعل .. حانعمل
زى حكاية الذئب والغنم. نحشد ولا نحارب مرة بعد أخرى سيفقد الناس الثقة فينا ...)،
والحقيقة أنها حكمة، وقلت لنفسى وقتها لعل هذا الرجل سيكون يوماً ما رئيساً
للجمهورية ويتذكر هذا الحديث وما دار فيه".
بدأت حرب
أكتوبر، وتابعها من موقعه، وعند حدوث الثغرة دفعه الشاذلي لتولي قيادة الجيش
الثاني، وقوبل طلبه بسحب بعض القوات من الضفة الشرقية لتكون احتياطي للقيادة
يستطيع أن يناور به بالرفض من القيادة العامة، بل وصدرت له التعليمات من تلك
القيادة بتحريك بعض القادة بغير ما يراه هو مناسباً، وبذلك صار قائداً مقيداً،
وازداد القيد بأن فوجيء بأن السادات أرسل له الشاذلي يوم 18 أكتوبر ليتولى بنفسه إدارة
الجيش الثاني لتصفية الثغرة، واستمر تدخل القيادة العامة ورفضها التام لسحب أي
قوات من الشرق، ثم عاد الشاذلي للقاهرة، واستأنف خليل قيادة الجيش، واستطاع تحقيق
تحسن في الأوضاع وتدمير بعض قوات العدو في الشرق والغرب وتحجيم الثغرة، إلى أن صدر
وقف إطلاق النار، ولكننا نلاحظ أن هذا النجاح لم يحدث إلا بعد أن سحب بالفعل جزء
من القوات الموجودة باشرق ليستطيع أن يتحرك ويعمل بها في الغرب، ولنا أن نتساءل عن
الموقف لو أخذت القيادة العليا برأي الشاذلي وغيره من القادة بسحب جزء من القوات
في الشرق لوأد الثغرة في مهدها، أو الالتزام بالخطة وعدم الخروج عنها من الأساس!
في النسخة التي
ينقل منها الجوادي، يذكر أنه في اجتماع حضره القادة مع السادات ووزير الحربية في
نوفمبر 73، تحدث السادات عن الدروس المستفادة، ومن ضمن ما ذكره هو حديث السادات عن
الثغرة، وأن ليلة بكاملها ضاعت بلا داع عندما سافر الشاذلي للدفرسوار، ونظرته
للشاذلي نظرة ذات مغزى، وانفراد السادات بعد ذلك بأحمد إسماعيل والشاذلي، وخروج
الشاذلي من الاجتماع وقوله لخليل "إلحق يا
منعم دول عايزين يلبسوك الثغرة" وأن
خليل سأل أحمد إسماعيل عن ذلك فأجابه "لا هو
اللي لابسها"! وقد ظلت رواية السادات للأحداث هي الرواية الرسمية
لسنوات، لكن قراءة مذكرات الشاذلي وغيره من القادة توضح أن قرار تطوير الهجوم هو السبب
الأساسي لعدم إمكانية السيطرة على الثغرة، وعموماً، فإن خليل في كتابه هذا أثنى
على الشاذلي وذكر أن تخطيطه وإعداده للتوجيه 41 الذي يحوي كافة تفاصيل عملية
العبور كان له دور وفضل كبير في نجاح هذه العملية.
في الفصول
الأخيرة من الكتاب تحدث خليل باختصارعن الدعم العربي العسكري خلال الحرب من خلال
بعض الكتائب العربية التي أوفدت للجبهة، ثم تحدث عن الدروس المستفادة من حرب
أكتوبر. وبذلك تنتهي هذه المذكرات التي تنضم لمذكرات العسكريين وتكمل الصورة بما
تنفرد به من بعض التفاصيل التي سجلها الفريق خليل من الاجتماعات والمواقف التي
حضرها، ولا غنى عن قراءة مذكرات بقية القادة للاقتراب من الصورة الكاملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق