الأربعاء، 18 يونيو 2008

عن الزواج

بعد ما كتبت خواطرى السابقة عن الزواج بعنوان(عايز أتجوز), وجدت ردود فعل مختلفة من الأصدقاء الذين طالعوا المدونة, فالبعض دعا لى بأن يكرمنى الله بالزوجة الصالحة, و صديق سألنى ضاحكاً (ايه يبنى اللى انت كاتبه ده؟ دنتا خلاص حتتجوز على روحك :) ) , فى حين بدأ آخرون - و جزاهم الله كل الخير-فى عرض البحث لى عن عروسة.
طبعاً هذا الأمر يحتاج للتأنى,كما يحتاج أن توجد صلة لا تنقطع بينك و بين رب العالمين, عمادها:1- الدعاء ((و اذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان)) و (ثلاثة حق على الله عونهم, منهم الناكح يريد العفاف)
2-الاستغفار((فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا, يرسل السماء عليكم مدرارا, و يمددكم باموال و بنين و يجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا)) فالاستغفار أحد اسلحة زيادة و سعة الرزق, و الذى منه الزوجة الصالحة.
لكن نصيحتى لكل من يبحث عن زوجة, أو تُعرض عليه عروسة, ألا ينسى الاستخارة , و أن يواظب عليها حتى اذا حدثت خطوبة, و ما سيحدث بعد ذلك هو نتيجة استخارتك و استعانتك بالله, و كله خير بإذن الله حتى و لو لم تتوج العلاقة بالزواج.

و فى الأسابيع الأخيرة قام الداعية الشاب مصطفى حسنى-بارك الله فيه-بعمل سلسلة حلقات عن الخطوبة و التعارف فى برنامجه خدعوك فقالوا , الذى يذاع فى تمام التاسعة مساء الجمعة على قناة اقرأ, و أنصح الجميع بمحاولة مشاهدة هذه الحلقات لما فيها من فائدة.

و أسعدنى الحظ أن وجدت بعض الأخوة قد قاموا بجهد محمود-جزاهم الله خيرا-و عرضوا رؤى و أفكار جيدة جداً عن الزواج,بدءاً من رحلة البحث, الى الحياة الزوجية و علاقة الرجل و المرأة, و أنصح بمتابعتها ايضاً

سلسلة الزواج,المواصفات, المواصفات 1, البحث للأخ شاب مصرى

الجواز و سنينه للأخ واحد من المسلمين

طبعاً أكيد فى مليون أخ تانى عرض رؤيته و أفكاره و نصائحه سواء عن تجربة أو تفكير مجرد فى ساعة صفا,هذا غير مئات المواقع و آلاف المقالات التى تتناول هذا الموضوع الهام, و سأحاول أن أضيف فى هذه التدوينة كل ما أراه مفيداً و يستحق القراءة أو المتابعة.
ليس من قبيل التكرار أن يتكلم المرء عن هذا الموضوع أكثر من مرة, فالموضوع مهم للغاية, و كلمة أن الزواج نصف الدين ليست كلمة سهلة أو عادية, و الأمر لا يقتصر على الاحصان و العفاف فقط, و لا الاحتياجات الجسدية فقط, بل فى بعض الأحيان ربما يكون الاحتياج النفسى أكثر بكثيييير, و لو لم تصدقنى فاسأل نفسك لماذا نرى شيوخاً بلغوا من الكبر عتيا من الجنسين و يتزوجون؟!, انها الرغبة فى شريك يقضون معه الأيام الباقية و يأنسون به و يسكنون اليه,و قد تكلمنا من قبل عن مفهوم السكن الذى عرضه القرآن و مدى أهميته.
إن عمران الأرض و استمرار البشرية مرهون بهذا الأمر, بالزواج, و لهذا خُلق الانسان و به هذه الاحتياجات النفسية و الجسدية و التى تجعله مشغول النفس و البال و لا يهدأ الى أن يقابل نصفه الآخر,و سعيد الحظ من يرزقه الله بالزوجة الصالحة التى يرتاح معها, و التى تعينه على تربية جيل مسلم جديد يحمل الراية و نحقق ما لم نستطع أن نحققه.
و لا أخفيكم سراً أنه من خلال النقاشات مع المخلصين, و قراءة و سماع ما يكتبه و يقوله الصالحين, مع بعض التفكير الهادىء, فإن المرء بعد هذا كله لابد و أن يراجع نفسه فى بعض الشروط و المواصفات التى يريدها لنفسه, الأمر يحتاج لمرونة حقاً لأنك لن تجد الانسانة التى بها المواصفات 100% الا اذا اخترعوا مصنعاً للزوجات و سلموا لك زوجة مصنعية (فابريكة) على كيفك.
نعم, يجب أن أكون, و تكون مرناً, بالطبع الأولويات لا نقاش و فيها و لا مساس بها, لكن هناك بعض الأمور السخيفة التى يجب ألا نتمسك بها لأنها ليست مهمة فعلاً, يعنى أنا مثلاً كل ما صديق يعرض على عروسة تكون غالباً من القاهرة, فلا أفكر فى الموضوع لأنى أريدها مثلى من الاسكندرية, طب ليه يعنى, طالما أن الفتاة بها أهم المواصفات,و بعدين ليست كل الخيارات متاحة للشاب المغترب حتى يتدلع بهذه الطريقة, و الحمد لله أننى تحررت من هذه العقدة السخيفة و خرجت بتفكيرى من نطاق محافظة الاسكندرية, لكن لا أعتقد أنى سأخرج خارج نطاق الجمهورية.

المهم, اذا كنتم متجوزين, فانصحونى و ادعوا لى و ربنا يبارك لكم فى أولادكم, و اذا لم تكونوا متزوجين فادعوا لى أيضاً حتى يقال لكم (و لكم بالمثل), و نسأل الله أن يرزق شباب المسلمين أزواجاً صالحات, و أن يرزق بنات المسلمين أزواجاً صالحين.اللهم آمين.

الاثنين، 9 يونيو 2008

لماذا تكتب؟؟




نعم,لماذا تكتب؟؟

سؤال قد يسأله الناس لك, و لكن يجب أن تسأله لنفسك قبل أن يسألك أحد آخر.

هل تكتب لكى يشير اليك الناس و يقولوا هذا كاتب عظيم؟

هل تكتب ليصفق لك غيرك؟

هل تكتب لأنك وجدت أناساً غيرك يكتبون, فأردت أن تقلدهم؟

أم هل تكتب لأن لك رسالة تود أن توصلها لغيرك؟

هل تكتب لأنك ترى أن لديك فكراً و رؤى تود أن تنشرها بين الناس؟

هل تكتب لأنك تنشد الإصلاح ما استطعت؟

هل تكتب لأنك تود أن تكون حجراً فى صرح النهضة؟

هل تكتب لأن الكتابة هى أنسب طريق لك للتعبير عن رأيك؟

هل تكتب كلاماً يوضع فى ميزان حسناتك-اذا خلصت النية-أو لا قدر الله,له مفعول عكسى؟

هل تكتب كلاماً يضيف الى غيرك, أم يضيع وقته و نظره؟

هل تكتب من أجل الناس؟ أم لأجل نفسك؟ أم لأجل الله؟

((قل إن صلاتى و نسكى و محياى و مماتى لله رب العالمين))

إذا حددت الهدف من وراء المجهود الذى تبذله فى الكتابة, ستقرر حينها هل تتوقف نهائياً, أم تتوقف و تراجع نفسك و تكمل من جديد, أم تواصل خطاك بثبات و ثقة.

قرأت فى مدونة صديق مقولة لشاعر ألمانى يقول فيها: لا تكتب الشعر الا اذا أحسست أنك ستموت اذا لم تكتبه.

و بالطبع, فإن هذه المقولة اذا صلحت للشعر, فإنها تصلح لكل أنواع الكتابة.

اكتب اذا شعرت برغبة ملحة فى الكتابة

اكتب لأن الإنسان قد اشتق اسمه من النسيان, و الخاطرة التى تمر بعقلك اليوم ربما تنساها غداً, أو حتى بعد ساعة, اذا لم تدونها.

اكتب اذا رأيت أن لديك خيراً تحب أن تشارك غيرك فيه, و لا تكن بخيلاً تستأثر بالعلم و الخير الذى لديك عن بقية اخوانك.

اكتب حتى لو ظننت أنه لا يوجد من يتابعك بالقدر الكافى, أو حتى لو لم يقرأ كلامك الا عيناك, فعسى أن ترى كلماتك النور بعد ذلك, حتى لو بعد موتك, و توضع كلها فى ميزان حسناتك, و كم من عالم عاش حياته مجهولاً و لكن كلماته أضاءت سيرته حتى عصرنا هذا.

اكتب و لو كلفك هذا الجهد و المشقة و أخذ من وقتك, و تطلب منك بحثاً و دراسة, ما دمت تفعل ذلك من أجل قضية تؤمن بها, و ما دمت تنشر خيراً و تدفع شراَ, و تذكر أن الخيرية فى أمتنا كان من أسبابها الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله))

اكتب و لا تخف و لو كان كل قلم حولك يرتعش فى يد صاحبه-نعم اكتب و لو كان كل من حولك خائفاً, فإنك بشجاعتك ستكسر حاجز الخوف داخل غيرك, فقط كن ذكياً و أنت تكتب, اعرف ما يقال و متى يقال و لمن يقال.

اكتب لكى تبث الأمل فى قلوب غيرك, لكى تعيد التفاؤل الى النفوس, لكى تصحح المفاهيم فى العقول.

اكتب و لو كان ما تكتبه مجرد فكاهة و تسلية, ما دام غرضك الترويح عن الآخرين, و ادخال السرور على قلوب الناس عمل تؤجر عليه أيضاً, فالقلوب تحتاج الترويح ساعة بعد ساعة لأنها تكل كما تكل الأبدان.

اكتب لكى تذكر الناس بما ترى انهم نسوه و تغافلوا عنه, فلرب موعظة و تذكرة أحيت نفساً بعد موتها ((و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)).

اكتب لكى تحارب الجهل و الفساد و المفسدين و المنافقين, و لكى تؤيد النور و العلم و الشرفاء و المصلحين.

اكتب و لو كان رأى غيرك فى كتابتك سلبياً, لا تيأس و لا تكسر قلمك, فقط استفد من أخطائك و راجع نفسك و حاول أن تعالج القصور الذى لديك اذا وجد.

اكتب و استرشد برأى الصالحين ممن تعرف, و حاول أن تحسن من أدائك و تقيس من وقت لآخر جودة بيانك, و حاول أن تميز بين آراء المجاملين, و آراء الصادقين.

اكتب ما يمليه عليك ضميرك, و ما تدفعك اليه نفسك, و تذكر قول الله((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد))

اكتب فى كل مجال تحسن أن تكتب فيه, اكتب فى الدين اذا كان لك القدرة على ذلك, و لا تنس نصيبك من الدنيا, اكتب فى سبيل النهضة, فى سبيل الاصلاح, فى سبيل التغيير, اكتب فى سبيل الحرية, و كل هذا فى سبيل الله.

اكتب حتى لو ظننت أن ما ستكتبه لن يهم أحداً غيرك, اكتب حتى لو فكرت أن ما تكتبه ليس بالشىء الكبير, اكتب و لو كان كل ما تكتبه هو سطر واحد, فقط اكتبه و انشره طالما آمنت أن فيه خيراً, و لا تكتمه داخلك,فإن العلم الذى لديك مسئولية, و واجب عليك أن تنشره قدر استطاعتك.

اكتب و لا تفكر كثيراً فيمن يقرأ كلامك و فيمن لا يقرأه, و فيمن سيعلق عليه و فيمن سيمر به مرور الكرام, و أقولها مرة أخرى, اكتب حتى لو ظننت أنه لا أحد يهتم بما تكتب, فطالما أن نيتك خالصة, و أن ما تكتب هو لوجه الله, فاعلم أن الله وكيلك, و أنه سبحانه و تعالى سيكتب لك الخير فى كلمتك بالقدر الذى يراه, و سينشر كلمتك بين الناس فى الوقت المناسب, و كم من رجل كتب رسالة و بعثها عبر البريد الاكترونى فأخذت تنتقل من عنوان لعنوان, و من منتدى لمنتدى, حتى عادت اليه مرات و مرات مشفعة بدعاء الناس لكاتب الرسالة.فقط اكتب ما تراه حسناً و خذ بالأسباب و حاول نشره و الله يرزقك على قدر نيتك.

اكتب طالما وجدت فى نفسك القدرة على الكتابة, و طالما أن الله منحك نعمة العقل, و نعمتا البيان و البلاغة, و سخر قلمك لخدمة القضية التى تؤمن بها, و اسع لنشر النور و حارب الظلمة قدر استطاعتك.

اكتب ثم اكتب ثم اكتب, فلعل الكلمة الطيبة التى تخرج منك يكون لها تأثير ايجابى فى نفس من يتلقاها, بل ربما تغير كلمة واحدة مسار حياة انسان بشكل كلى, و لأن يهدى الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم.

((ألم تركيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها فى السماء, تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الأمثال للناس))

نعم يا أخى, اكتب فلعل الله يكتب لك بكل حرف صدقة, و يهدى بكل كلمة منك نفساً, و ينشر بكل سطر لك سنة, و يزيل بكل مقالة لك ضلالة, و يجعلها صدقة جارية فى ميزان حسناتك.

اذا حدد كل منا هدفه من كتابته, و أخلص نيته لله, فليسر فى طريقه و لا يلتفت و لا يستمع الا لصوت قلبه, و لأصوات المخلصين, و نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص, و ألا يحرمنا نصيحة الصادقين, و أن يكتب لنا بكل حرف حسنة, و ألا يجعلنا من الأخسرين أعمالا, اللهم آمين.

السبت، 7 يونيو 2008

عاشوا فى خيالى-3-عمرو خالد1(الداعية المجدد)


عن أبى هريرة رضى الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها دينها)),

و ذكر الإمام أحمد بن حنبل أن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى.

و قد توالى على أمتنا عبر العصور الكثير من المجددين, كل منهم قد ترك أثراً فى زمنه, بل و تخطى تأثيره عصره الى العصور التى تلته وصولاً لعصرنا هذا.
و لأن لفظ الحديث الشريف قد احتوى على كلمة (من), و هى قد تدل على الفرد و على الجماعة, فإن المجدد فى كل عصر ليس فرداً بعينه, بل هم عدد من المجددين, لأن أمة الإسلام قد نمت و اتسعت, و تعددت بلدانها و لغاتها, و لأن علوم الدين متعددة(تفسير,حديث,قراءات,عقيدة,فقه...الخ).
و فى القرن الرابع عشر الهجرى- الذى واكب القرن العشرين الميلادى-ظهر عدد من المجددين, أثروا فى جيلهم و أجيال تلتهم, فى مصر و فى معظم بلدان العالم الاسلامى, لعل أبرزهم الإمام حسن البنا فى مجال الدعوة, و خلفه الشيخ الغزالى فى نفس المجال, و كان الشيخ الشعراوى فى مجال التفسير, و الألبانى فى الحديث.
و لأن أمة محمد لم تعقم بعد عن إنجاب الرجال, فكان من الضرورى أن يخلف هؤلاء الأعلام جيل جديد يتسلم منهم الراية, و يكمل المشوار, أعلام جدد تلتف حولهم الأمة, كى يصححوا المفاهيم اذا فسدت, و ينبهوا العقول اذا نامت, و يحيى الله بهم القلوب اذا ماتت و غرقت فى الران.
من هذا المنطلق, فإنه من الطبيعى أن نعتبر رجلاً مثل عمرو خالد أحد المجددين لهذا القرن, و الفرع الذى تخصص فيه هو الدعوة.
فلا ينكر أحد-مهما كان شعوره تجاه عمرو خالد-أن الداعية الشاب قد فاق أقرانه فى الشعبية, و الحضور, و عدد المتابعين و المتأثرين به, هذا غير تميزه بأسلوب و طرح مختلف عن غيره.
و لا تهدف هذه التدوينة الى تمجيد عمرو خالد,أو الى سرد تاريخى بحثى عن الداعية الشاب,و من يرد أن يقرأ دراسات عنه فصفحات النت مملوءة و أرشح لك قراءة هذه الصفحة على اسلام أون لاين, أعود و أقول إنى لا أكتب دراسة أو سرد تاريخى عن الرجل, و لكن كما قلت فى بداية هذه السلسلة,أنى أحاول أن أعرض كيف أثر كل فرد أكتب عنه فى تفكيرى و شخصيتى بشكل أو بآخر, و من ثم عاش فى خيالى.
بدأ عمرو طريق الدعوة عن طريق الدروس التى كان يلقيها فى بعض نوادى و مساجد القاهرة, و بسبب أسلوبه المتميز الهادىء, اجتذب قلوب الكثير و الكثير من الشباب و الفتيات, و بالتدريج انتقل من مسجد الى مسجد أكبر, حتى وصل الى المحطات الفضائية و صار متابعيه ملايين فى مختلف الدول العربية, بل و حتى الجاليات المسلمة فى الخارج.
ربما كان من الغريب أن بداية سماعى عن الرجل لم تكن من خلال شريط كاسيت من شرائطه مثلا,فلم أكن يوما من هواة سماع الشرائط و الدروس لتعودى على القراءة, و أول ما سمعت عن الداعية الشاب كان فى مقال لمجلة روز اليوسف!!!. تلك المجلة التى تخصصت فى محاربة كل ما يمت للدعاة و للإسلاميين بصلة, تلا ذلك حلقة مخصوصة شهيرة فى برنامج ماسبيرو كانت تتحدث عن الدعاة الجدد(رد الشيخ وجدى غنيم على هذه الحلقة فيما بعد).
حتى هذه اللحظة لم أكن قد رأيت وجهه , الى أن بدأ التليفزيون المصرى فى عرض حلقات من تقديمه, و حينها أدركت أن هذا هو عمرو خالد الذى أثير حوله هذه الضجة, و لم أجد فى كلام الرجل ما يعيب, على العكس, كان يتكلم عن العبادات من منظور مشوق, ينفذ الى الروح ,و يبرز الهدف من العبادة و لا يقف عند الطقوس فقط, لكن كان طبيعياً أن يجد الرجل من يتتبعه و يحاربه, لذا لم يستمر برنامجه الا لفترة قصيرة للغاية و اختفى من شاشة التليفزيون الرسمى فجأة مثلما ظهر فجأة.
بدأت تصلنى شرائط للرجل, و لأول مرة أستمع الى شرائط دينية, كانت تتكلم عن العبادات أيضاً, و بالطبع تأثرت بكلام الرجل و زاد اعجابى به.
لم يكن عندنا دش فى هذا الوقت, و كنت أسمع أنه يذيع حلقات بعنوان(و نلقى الأحبة) يتحدث فيها عن الصحابة, و كان الشباب يتناقلون الحلقات فيما بينهم عن طريق الاسطوانات, لكن لم أسع للحصول عليها, فأنا و الحمد لله قد قرأت كتاب رجال حول الرسول للأستاذ خالد محمد خالد رحمه الله لأول مرة و عمرى 10 سنوات, و أعدت قراءته بعد ذلك, و أحاول ألا يمر عام دون أن أقرأ كتاباً عن السيرة النبوية لكاتب مختلف, فمن أنبياء الله لأحمد بهجت, الى الوعد الحق لطه حسين, الى محمد صلى الله عليه و سلم لتوفيق الحكيم, الى الرحيق المختوم للمباركفورى, الى البداية و النهاية لإبن كثير...الخ.
لكن عندما شاهدت بعض هذه الحلقات فيما بعد, وجدت أن الرجل ليس مجرد قصاص و لا يحكى حواديت قبل النوم, و إنما يعرض قصص الصحابة رضوان الله عليهم ليبرز قيماً معينة نفتقدها, و يلقى الضوء على مواقف محددة نحتاج أن ندرسها, و يركز على صفات معينة يجب أن نتأسى بها,و إذا كان بعض من تناول السيرة النبوية قد قام بمعالجتها من المنظور المعروف بفقه السيرة -كما فعل شيوخنا الغزالى و البوطى فى كتابيهما-فإن عمرو خالد لابد أنه قد استفاد من هذه الرؤية و سار على نفس النهج فى عرض قصص الصحابة,الى أن قام بعرض السيرة فى حلقات على خطى الحبيب بعد ذلك بسنوات.
بالطبع ازداد اعجابى بالرجل و بفكره,و خاصة أنى لمست تأثيره فى العديد من الشباب حولى, فهناك الكثير من الشباب كان يجد فى كلامه أشياء يعرفها لأول مرة, و هناك من لم يكن يهتم بالصلاة و غيرها من العبادات و يتكاسل عنها, و هناك من كن لا يفكرن فى الحجاب, و الجميل أن الحجاب شهد زيادة فى نسبته فى وقت متزامن مع تتابع برامج الرجل و شرائطه, حتى أن بعض الفتيات كن عندما يهديهن الله لارتداء الحجاب يؤكدن لمن يعرفهن أنهن تحجبن لإقتناعهن الشخصى لا لتأثرهن بكلام عمرو خالد حتى تتميزن عن البقية :) .
مرت الأيام, و جاءت حرب العراق, و ساعتها أصبح لدينا دش, و فى وسط متابعتنا لأحداث الحرب كان الداعية الشاب يقدم حلقات يومية بعنوان(حتى يغيروا ما بأنفسهم), و من خلال هذا المبدأ القرآنى الخالد كان عمرو يعرض الصفات السيئة الراسخة فينا كمسلمين و التى يجب أن نتخلص منها لنتقدم, و كذلك الأخلاق و القيم التى يجب أن نحييها فى نفوسنا كى نتحرر و نفيق من سباتنا.
و فى اليوم الذى سقطت فيه بغداد كانت معنوياتى فى الحضيض, كان أحد أسوأ أيام حياتى بلا مبالغة-و ربما حياتك أنت أيضاً- و لم يخرجنى من الإحباط الذى كدت أغرق فيه إلا حلقة عمرو خالد فى هذه الليلة, كان كلامه مفعماً بالأمل و بالتفاؤل, كان يقول أن الحرب قد انتهت و علينا أن نفكر سوياً كيف نعمل من أجل هذا البلد المنكوب, و كيف نستطيع تحويل كل السلبيات الى ايجابيات. ربما لم نستطع بعد أن نفعل شيئاً فى العراق, لكن ما بشر به عمرو بعد ذلك كان بداية لتغيير حقيقى لمسه العديد من الناس فى بلادنا. تغيير حدث فى عدد من الشباب و حولهم الى طاقة منتجة و مؤثرة و ايجابية لها دور فى خدمة المجتمع, و لها دور فى تغيير السلبيات الى ايجابيات, و تحويل اليأس الى أمل, و التشاؤم الى تفاؤل, تغيير حول الكثير من طاقة وضع الى طاقة حركة, من كم مهمل الى كائن منتج,تغيير جعل هؤلاء يستحقون بحق أن يطلق عليهم(صناع الحياة), و هذا ما سنتكلم عنه فى الجزء الثانى بإذن الله.

الأربعاء، 4 يونيو 2008

فى ذكرى الهزيمة



فى ذكرى أحد أكبر الهزائم التى تعرضت لها أمتنا فى العصر الحديث, الهزيمة التى تم تخفيفها لفظاً فحولها الأستاذ هيكل الى (نكسة) و لكن أنى له أن يخفف من أثرها فى الواقع , فى ذكرى الخامس من يونيو 1967, يجب أن نعرف موقفنا و ندرس وضعنا جيداً.

و لذا سأحاول طرح بعض الأسئلة؟

1-هل معنى أننا رددنا الصفعة الى اسرائيل بانتصارنا المشرف فى حرب أكتوبر, هل هذا يعنى أننا منتصرون حتى اليوم؟

إن المنتصر -كى يستحق هذا الاسم برأيى-يجب أن يحقق أهدافه من معركته, و يحافظ على مكاسبه, و يعمل على ألا يترك لعدوه فرصة لكى يفسد انتصاره.

و نحن إن كنا قد انتصرنا عسكرياً فى حرب أكتوبر-و لن أتجادل هنا مع من ينكر هذا النصر و لهذا حديث لاحق بإذن الله-أقول أننا إن كنا قد انتصرنا عسكرياً, فإن القيادة المصرية فى ذاك الوقت قد رأت أن تكمل الطريق بخيار السلام, و نجحنا فى استرداد بقية الأرض باتفاق حكومتنا مع اسرائيل, و أنا لست ضد الاتفاقية بالمناسبة إذا كنا سنعتبرها فى اطار الهدنة, هدنة نستطيع خلالها اعادة بناء ما دمرته الحروب, و اصلاح اقتصاد البلاد, و تحسين معيشة العباد, و بناء جيل يستطيع اكمال المسيرة.

لكن الحكومة-اذا افترضنا حسن النية بها-لم تسر طويلاً فى هذا الطريق, انحرفت عنه بشكل مريع, ارتمت فى أحضان الأمريكان و نست أن (المتغطى بهم عريان).سارت فى طريق تطبيق أجندته, و سارت رهينة لمعونته, حتى رغيف العيش صار لا يأتينا الا من العم سام.

نعم حدثت مشروعات و توسعات و انجازات, لكن ليت هذا استمر, ليت البلد لم تصبح فى النهاية أسيرة بين أيدى العملاء و المنافقين و اللصوص و المحتكرين و الفاسدين و المفسدين و الجبناء و المخذلين.

هؤلاء فتحوا أبواب البلاد لأعدائنا ليدخلوا بطريق شرعى, و يفسدوا أرضنا و زراعتنا و يتدخلوا فى تعليمنا و يحتكرون تسليحنا و يفسدوا شبابنا, و فى النهاية نعطيهم ثرواتنا برخص التراب, و الحبر الذى وقع اتفاقية الغاز لم يجف بعد.

أمثال هؤلاء أضاعوا قيمة الانتصار, و صنعوا بيئة رديئة معطلة لأى تقدم و تطور, و طاردة للكفاءات, و قاتلة للإنتماء, و مضيعة للدين و الأخلاق, و هم بهذا يجنون على هذه الأمة أعظم جناية.

فى سياق إضاعة الإنتماء, و قتل الروح فى القلوب من جراء الظلم و الطغيان, أسرد قصة قرأتها فى مذكرات أحد الضباط الأحرار

يقول الرجل أنه قد قابل فى الأيام الأولى للهزيمة ضابطاً من فلول جيشنا الذى قد صدرت له الأوامر بالإنسحاب من سيناء,و بعد سؤاله عن الأوضاع ذكر الضابط فى مرارة أنهم على أية حال لم يكونوا يرغبوا فى أن يقاتلوا من أجل نصر ينسب فى النهاية لرجل مثل شمس بدران الذى أساء للكثير و اضطهد الكثير داخل و خارج الجيش!!

بالتأكيد لا يمكننا تعميم هذا النموذج, لكن على أية حال هذا النموذج صورة لما يمكن أن يفرزه الإحباط و القهر و الإذلال و الظلم.

هل الظروف التى أدت الى هزيمتنا و احتلال أرضنا قد تلاشت و لم نعد لها بعد ذلك؟

لا, بل عادت تلك الظروف بشكل مخيف, ما زلنا نعيش فى ظل نظام قمعى فاسد متمسك بالسلطة و باطش بالشعب, فى ظل نظام يقتل الانتماء فى نفوس أبنائه و يدفعهم الى الموت غرقاً فى سبيل الهجرة و مغادرة البلد نهائياً, و من بقى فإن الهجمة شرسه عليه فى دينه و أخلاقه, و قد يرى البعض مبالغة فى ذلك و يتساءل: هل هناك حكومة تعمل بيدها على هدم شبابها الذين هم عماد التقدم؟و الاجابة هى: عندما لا تقوم هذه الحكومة بمحاربة المفاسد و المفسدين, و تضيق المجال على المصلحين, و تترك البوق عالياً للمتهجمين على الدين, و تصفق للراقصات و الراقصين و المخنثين, فأى رسالة توجهها هذه الأنظمة اذا؟ و كيف نفسر هذا التوجه: هل هو عمالة؟ أم خيانة؟ أم مجرد غباء؟

لا أحب توزيع الاتهامات و وصف الجميع بالعمالة و الخيانة, لكن هناك غباء شديد فى التعامل مع هذا الشعب و هذا الجيل, و هذا الغباء له آثاره التى نعانى منها على كل الأصعدة:دينياً و أخلاقياً و علمياً و اقتصادياً.

و فى ظل هذا التراجع, تتكون بيئة ملائمة لتكرار نفس الأخطاء, و الوقوع فى نفس المصائب.

هل نحن قادرون اليوم على هزيمة عدونا اذا فكر فى تكرار الكرة؟أو هل نحن قادرون حتى على مجرد الدفاع عن أراضينا ازاء العدوان؟

أذكر أن من العلماء من قال: اذا كان للنصر 100 سبب, و أخذنا ب99% منها و لم نستكمل الباقى, فلن يأتى النصر.

و منهم من قال أيضاً: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة,على الأمة المسلمة الظالمة.

و لا يفهمن أحد أنى أصف أعداؤنا بالعدل,فهم الظلم بعينه, لكن اذا كان العدل هو عكس الظلم, فنحن قد ظلمنا أنفسنا بتأخرنا و تقاعسنا, و هم لم يفعلوا.

إن الله تعالى قد قال ((يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم)) فهل نصرناه؟

و قال أيضاً((و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم)) فهل أعددنا لهم؟

ليست العدة بالسلاح و العتاد فقط-و نحن خلف أعدائنا بمراحل فى هذا المجال على أية حال-لكن الأهم هو العنصر البشرى.

هذا العنصر الذى تكالب عليه المفسدون من الداخل و الخارج منذ زمن , كى يخرج لنا فى النهاية أجيال ضائعة تافهة مشتتة جاهلة هشة لا انتماء لها.

لم نصل لمرحلة مثل هذه, و بإذن الله لن نصل لهذا الدرك((و الله متم نوره و لو كره الكافرون))

و الصحوة الاسلامية ما زالت تظهر لنا ثمراتها فى عدة ميادين, و تقدم لنا كل يوم شباباً يبثون الأمل فى النفوس, و الروح فى البدن, يجعلوننا نرى مستقبلاً أفضل.

لكن الحرب ضدنا ما زالت شرسة.

نحتاج لأن نربى أولادنا و أنفسنا على أننا ما زلنا فى حالة حرب.

و أن المطلوب منا أن نحارب أعداءنا فى الداخل و الخارج.

و أن ندرك من الصديق و من العدو.

و ألا ننسى مخططات الأعداء, حتى نستطيع أن نقاومهم.

لا أريد أن يكون كلامى تشاؤمياً, و لا أن يكون حماسياً بلا أساس , و الافراط فى التفاؤل خطأ مثله مثل الافراط فى التشاؤم, كلاهما نوع من التطرف فى المشاعر يؤدى فى النهاية لعدم تقدير سليم للأمور.

الأولى بنا أن نكون واقعيين, ندرك حالنا و وضعنا الراهن جيداً, و ندرس تاريخنا حتى لا نقع فى الأخطاء-بل الخطايا-التى وقعنا فيها من قبل, و أدت الى هزيمتنا و تراجعنا, و إن أمة لا تستفيد من تاريخها و لا تصحح أخطائها , بل و تكررها, لهى أمة تسير نحو الهاوية.

و بإذن الله لن نكون كذلك, بى , و بك, و بكل من يؤمن بالله, و يؤمن بأن العزة لله و لرسوله و للمؤمنين , اللهم اجعلنا منهم, اللهم آمين.

السبت، 31 مايو 2008

عاشوا فى خيالى-2-مالك بن نبى و القابلية للإستعمار


ربما يُعد اسم مالك بن نبى غريباً على أذهان البعض, و ربما ظن من يقرأ اسمه لأول مرة أنه اسم لفقيه مسلم عاش فى القرون الوسطى مثلاً, فإذا كان هذا حالك, فاعلم أن مالكاً هو فيلسوف جزائرى مسلم عاش فى القرن العشرين, و توفى فى السبيعينيات بعد أن ترك تراثاً فكرياً عظيماً, و عدد من النظريات أهمها نظرية القابلية للإستعمار, و التى سنحاول مناقشتها هنا بشىء من التفصيل.
فى العديد من الكتب التى قرأتها,وجدت من كتابها اشارات للمفكر الراحل, و ذكر موجز و عابر لبعض آرائه, و لكن لم يقع فى يدى أحد كتبه كى أتعرف على فكره بشىء من التفصيل, و لم يحدث هذا الا مؤخراً و الفضل لمدونة عالم الكتب التى تحتوى على العديد من كتبه, و كان من حظى أن حملت كتاب شروط النهضة الذى جذبنى عنوانه, و كان -لحظى أيضاً-هو أهم كتبه , و الذى ناقش فيه النظرية سالفة الذكر.
فى هذا الكتاب الذى كُتب فى الأربيعينيات, حاول المفكر الراحل أن يعرض للمسلمين الشروط التى يراها واجبة لنهضة الأمة, و ذلك فى وقت كان العالم الإسلامى كله تقريباً يرزح تحت نير الإستعمار, و تعرض ابن نبى الى ذكر التجربة الجزائرية التى كان أساسها اتباع الآية الكريمة ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) , و التى آمن أنها هى السبيل الوحيد للخلاص.
تكلم الكاتب عن الحضارة, و الفرق بين الحضارة الغربية المادية, و الحضارة الإسلامية القائمة على الروح و العقل, و أن عناصر أى حضارة هى معادلة=انسان+تراب(مادة)+وقت.
و كان أهم ما عرضه المفكر الراحل فى كتابه هو نظرية القابلية للإستعمار, و نستطيع أن نلخص رأيه فى هذا السطر(لكى لا نكون مستعمرين,يجب أن نتحرر من القابلية للإستعمار).
القابلية للإستعمار بكل بساطة, هى حالة نفسية تمر بها الشعوب المُستعمَرة, ناتجة من الهزيمة النفسية و المعنوية من المُستعمِر الذى لا يتوانى عن نشر الروح الانهزامية بين أفراد الشعوب التى يستعمرها, و يعمل على تزييف وعيهم و إقناعهم فى اللاوعى لديهم بأنه لا سبيل لتطورهم و نهوضهم إلا إذا إتبعوا سبيله فى الحياة, و بهذه الطريقة تظل الشعوب المُستعمَرة فى حالة تبعية دائمة للإستعماريين, لأن الذل و الهوان و مسخ الهوية الوطنية و الضعف و الإستكانة و اليأس كلها قيود يقيدنا بها المُستعمر حتى لا ننهض و نتحرر.
و من وجهة نظر مالك بن نبى, إن الشعوب التى تخضع للإستعمار تتحمل بعض هذه المسئولية , و تصبح شعوباً قابلة للإستعمار و تسمح لأمم أخرى أن تحتلها و تقودها و تمسخ هويتها, لأنها بكل بساطة تستسلم و تستكين , و لا تحاول أن تتعلم من الدروس, و تغير الأوضاع التى أدت بها للوصول الى هذه الحالة من الهوان.
هذا هو ملخص نظرية الكاتب, و فى رأيى أن هذا الكتاب الذى كُتب فى ألأربيعينيات فى ظل عالم مسلم خاضع لإستعمار غربى أوروبى , يظل محتفظاً بقيمته فى القرن الواحد و العشرين.
فبعض الناس ترتبط عنده كلمة الإستعمار إرتباطاً شرطياً بحقبة زمنية معينة, تنتهى بعقد الخمسينيات الذى شهد تحرر معظم الدول المُستعمرة فى آسيا و أفريقيا, كما يرتبط اللفظ فى ذهنه بأشخاص كان لهم دورهم فى قيادة حركات التحرر فى بلادهم كغاندى فى الهند مثلاً, أو بمن تخطوا حدود بلادهم و ساندوا حركات التحرر فى العالم الثالث كله كجمال عبد الناصر.
و يكون واهماً من يظن أن الإستعمار الذى تكرر كثيراً فى خطب عبد الناصر و أغانى عبد الحليم قد انتهى و زال, ربما رحل الإستعمار بجنوده و جيوشه, و لكنه ترك وراؤه جيوشاً من أنواعٍ أخرى, دعاة على أبواب جهنم, و هم من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا.
فالإستعمار لم يرحل بجيشه من أرض إلا بعد أن تأكد من أنه ترك فى مواقع السلطة و التوجيه مسوخاً لا حظ لهم من الدين أو الوطنية, يقودون بلدانهم بالحديد و النار لتنفيذ مخططات و أجندات غربية, فمن حكام يفتحون أبواب بلدانهم لجيوش من المنصرين, و فى الوقت ذاته يقمعون كل من يحاول إحياء الشريعة و نشر الصحة الإسلامية, الى حكام و مثقفين يسيرون فى ركاب الغرب, و يتخذون من العلمانية ديناً, و من الإسلام عدواً, حتى صار همهم الأكبر هو محاربة و محو كل ما يمت للإسلام و الهوية الإسلامية بصلة, و لإن كان أتاتورك -الذى قيل عنه أنه بعد أن كانت تركيا فى مقدمة الشرق جعلها فى مؤخرة الغرب-أقول أنه لإن كان من أوائل من نفذ أجندة الإستعمار بحرفية تامة,بل و حتى بأكثر مما حلم به الإستعمار, فإنه على الأقل كان واضحاً, و ليس كحكام آخرين لبسوا ثياب المؤمنين و ادعوا أنهم غيورين على الإسلام, و نصت دساتير بلادهم على أن الإسلام المصدر الرئيس للتشريع, بينما القول موسى و العمل فرعون.
نعم رحل الإستعمار بجنوده, و لكن بعد أن جند عملاءً له على أراضينا, من حكام,و مسئولين فى دوائر صنع القرار,و مفكرين, و إعلاميين, بل و فى قلب من يضعون مناهج التعليم, كل هذا لكى تظل شعوبنا على حالها,فى حالة إستعمار, فتبقى خاضعة, خانعة, تابعة,تُسرق منها ثرواتها و هى تصفق بل و تشكر السارق, و تلتمس منه الحماية و تطلب منه الرضا, بل و تستعديه على أخوتها.
نحن ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار يا سادة, ربما قد نسى البعض أن هناك بلد اسمه فلسطين ما زال مستعمراً بأكمله, و أننا نتفاوض على شبر و ننسى أن بقية الأرض ملكُ لنا, ربما بعد بضعة سنوات يتعود بعضنا على الوضع الراهن فى أفغانستان و العراق, و ننسى أن الكفاح المسلح الذى أخرج الاستعمار من بلداننا فى الخمسينات و الستينات هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الوضع.
ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار, طالما أننا نرزح تحت قيود السلبية و الهوان, و نترك أمورنا رهن بمشيئة هذا أو ذاك, و نصفق لأبنائنا الذين يحسنون العد و وصف الألوان و الأشياء بالإنجليزية, و عندما نسألهم عن معانيها بالعربية لا يستطيعون, نصفق لهم بعد أن مسخنا هويتهم!!!
ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار طالما أن مناهج الدين تُعدل, و التاريخ يُزيف, و المصلح مطرود, و المفسد معبود.
ما زلنا نعيش فى حقبة الإستعمار طالما أن الوهن فى قلوبنا قد ثبت, و أن شعلة الجهاد قد خبت.
لكن مع كل ما نعيش فيه من سلبيات, يجب ألا نيأس, و نؤمن بأن المستقبل لهذا الدين.
و أنه لا سبيل لتغيير أحوالنا إلا بتغيير ما بأنفسنا, يجب أن نتخلص من القابلية للإستعمار.
و يمكن للقارىء مطالعة الكتاب المذكور و غيره من كتب المفكر الراحل من مدونة عالم الكتب
و للمزيد عن المفكر الراحل, يمكن زيارة هذه المدونة التى تحمل اسمه
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا,و أن يعيننا على تغيير أحوالنا و ما بأنفسنا الى الأفضل, و أن يستخدمنا و لا يستبدلنا, و أن نكون جيل النصر المنشود, إنه ولى ذلك و القادر عليه.
و إلى لقاء آخر مع شخصية أخرى بإذن الله.

الجمعة، 30 مايو 2008

عاشوا فى خيالى-1-الشيخ محمد الغزالى(شيخى الذى لم أقابله)


عندما أفكر فى العلماء و المفكرين و الأشخاص الذين أثروا فى شخصيتى و عقلى و تفكيرى,فإن الشيخ محمد الغزالى-رحمه الله-يأتى فى مقدمة هؤلاء.
و إن كانت العملية التعليمية تتطلب علاقة بين مدرس و طالب, أو شيخ و تلميذه, فإن الشيخ محمد الغزالى هو شيخى الذى لم أره و لم يرنى, و العلاقة التى ربطت بينى و بينه هى كتبه العديدة التى تزين مكتبتى.
منذ طفولتى, و أنا أسمع اسم الشيخ الغزالى يتردد فى بيتنا, و خصوصاً من جدتى رحمها الله, و لا يقترن الذكر الا بكل تقدير و احترام, و ما زلت أذكر مشهد من نشرة الأخبار التى أذاعت نبأ وفاة الشيخ العظيم فى السعودية, بعد حضوره مهرجان الجنادرية الثقافى هناك, فى عام 96 على ما أذكر, و كم حزن عليه الناس وقتئذ.
كنت ما زلت صغيراً-ربما فى المرحلة الاعدادية-و لكن لفت نظرى ان مكتبتنا تحتوى على العديد من كتبه,لا أذكر ما أول كتاب قرأته له, لكنى ادرك جيداً أنى قد شغفت بأسلوب الشيخ فى كتابته, فهو ليس شيخاً تقليدياً, و لا أذكر أنى قرأت له كتاباً مخصصاً فى العبادات أو العقيدة مثلاً, لأن معظم كتاباته كانت تصب فى خانة الإصلاح:إصلاح ما أصاب الفكر الإسلامى من جمود, و مناقشة القضايا الفقهية و حاضر مصر و العالم الإسلامى فى زمن إجتمع فيه الهجوم على الإسلام مقترناً بحالة تردى و هوان كبيرة للمسلمين.
أول ما أسرنى فى فكر الشيخ الغزالى, هو اعتدال الرجل و وسطيته , و فقهه و ذكاؤه, و قوته و شجاعته, و بساطته و بلاغته, و يكفى أن ترى صورة عادية له لكى تشعر بأن هذه الصفات مجتمعة به, فالذكاء يلمع فى عينيه, و القوة ظاهرة فى قسماته, و البساطة و عدم التكلف باديان عليه.
يكتب الشيخ الغزالى كتبه عادة فى صورة مقالات مجتمعة , تمتاز بالبلاغة و الايجاز, فلا تمل و أنت تقرأ, بل تلتهم الكتاب فى تشوق و أنت مأخوذ بكم المعلومات التى يضمنها الكاتب ثنايا الحديث, فمن رأى فقيه قديم هنا, الى شرح حديث هناك, الى فهم جديد لمبدأ قرآنى و كأنك تقرأ الآية لأول مرة, و فى نهاية الكتاب دعوة للمسلمين و حث لهم على الأخذ بأحد شروط النهضة, أو التخلى عن سبب من أسباب الخذلان.
من أهم كتب الشيخ الغزالى كتاب قذائف الحق, و هو كتاب ممنوع فى مصر-بل فى أغلب البلدان العربية- لخطورة المعلومات التى ضمنها, و هو قذائف بالفعل, و أذكر انى قرأته و عمرى حوالى 15 سنة, و كم تأثرت وقتها لدى قراءتى للتقرير الرهيب الذى تضمنه الكتاب عن مخطط الكنيسة القبطية فى مصر, و أيضاً التقرير الذى تضمن كيفية القضاء على دعوة الاخوان المسلمين فى العهد الناصرى من خلال خطط شيطانية تؤدى فى النهاية لإفساد وعى عموم المسلمين فى مصر و تجهيلهم بدينهم على المدى البعيد, و كل هذا للقضاء على فكر معارض بعينه!!!و يمكن للقارىء ببحث بسيط على الانترنت الحصول على نسخة من الكتاب ليقرأ بنفسه .
أزعم أنى قبل أن أقرأ للشيخ الغزالى كنت ماضياً فى طريق التعصب للرأى, و عدم قبول الرأى الآخر, و ربما لو لم أقرأ لهذا الرجل و الذين على شاكلته لتحولت الى (قفل) كبير, و لكن الشيخ الذى أمضى عمره فى معارك فكرية مع أناس يختلفون معه فى الفكر الى أقصى درجة, لم يكن أبداَ كذلك, على العكس, كان يفند آراء الخصوم بشكل علمى ذكى فقهى دقيق, و كان أكثر ما يضايقه هو الأغبياء و المتنطعين و المتشددين, لأنهم ربما كانوا أضر على الدعوة و الدين من هؤلاء الذين يهاجمونه من المعسكرات الأخرى, و ما زال الشيخ الغزالى يلاقى هجوماَ -حتى بعد مماته-من هؤلاء و هؤلاء.
كان الشيخ مهموماً بحال الأمة كلها, و كان دائم التحذير فى كتاباته من الهجمات التى يتعرض لها ديننا و أمتنا على كل الجبهات,سواء من الداخل أو الخارج, فمن متشددين و متنطعين محسوبين على الدعوة و هم ينفرون الناس عن الإسلام بقلة فقههم و ضيق آفاقهم, الى مسلمين بالإسم و محل الميلاد فقط, لكن عقولهم سارت فى ركاب الغرب و تحولوا الى أبواق تروج لبضاعته, أو أدوات تنفذ مشاريعه, و هم إما مفكرين و مثقفين, أو حكام و مسئولين.
هذا عن الجبهة الداخلية, أما على الجبهة الخارجية, فكان دائم التحذير من مخططات الصليبية العالمية و الاستعمار الغربى الصليبى و ربيبته الدولة العبرية, و جيوش المنصرين الذين يعملون فى الدول الإسلامية, و المؤلفات التى يصدرها المستشرقين و التى يدسون فيها سموماً و أكاذيب لتشويه حقيقة الدين و التاريخ الاسلامى.
و اذا كان الشيخ قد دأب على الكتابة عن كل هذه الهجمات و ابرازها, فإنه كان يفعل هذا لإيقاظ الناس و توعيتهم بما يدبر لهم و لدينهم, و رغم أنه عاش فى زمن شهد تراجعاً عاماً للمسلمين فى كافة المجالات, فإنه كان دائم الأمل و التفاؤل, و كان يدرك جيداً أن المستقبل لهذا الدين.
ترك الشيخ الغزالى تراثاً فكرياً عظيماً, أكثر من خمسين كتاباً, اذا بدأت بقراءة كتاب له ستدمن أسلوبه و ستنتقل الى غيره,و من اهم كتبه برأيى:
قذائف الحق.
قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة و القيم الوافدة و الذى ناقش فيه قضايا المرأة المسلمة من منظور معتدل مفنداً حجج المضيقين عليها, و واقفاُ بحزم فى وجه المتحررين.
السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث, و الذى طالب فيه بأن يكون من يتصدى لشرح السنة النبوية فقيهاً, و أن يعتنى بالمتون بجوار الأسانيد.
من هنا نعلم, و هو رد راق على كتاب (من هنا نبدأ)للمفكر الراحل خالد مخمد خالد, و الذى كان قد شط فيه قليلا عن الطريق, و لكن الشيخ الغزالى فند آراء صديقه خالد محمد خالد بأسلوب علمى راق مهذب كان من أثره عودة الكاتب الكبير الى الحق.
دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين
معركة المصحف
دفاع عن العقيدة و الشريعة ضد مطاعن المستشرقين
صيحة تحذير من دعاة التنصير
مستقبل الاسلام خارج أرضه
و غيرهم الكثير و الكثير من الكتب و المقالات
مهما كتبت عن شيخى, فلن أوفيه حقه, رحمه الله, و أسأل الله أن ينفعنا جميعا بعلمه,و أن يجعله فى ميزان حسناته, و أن يكون فكره سبباً فى تنوير بصيرة الشباب, و نبراساً لمن سيكون على عاتقهم اصلاح شأن هذه الأمة,اللهم آمين.

الأحد، 25 مايو 2008

عاشوا فى خيالى-المقدمة


أستعير هذا العنوان من اسم كتاب للراحل عبد الوهاب مطاوع
فى هذا الكتاب ذكر الكاتب الراحل نماذج لبعض الشخصيات التى أثرت فيه بسيرتها,بعضها حقيقى كتوفيق الحكيم, و الفاجومى-أحمد فؤاد نجم-,و بعضها خيالى كشخصية فورست جامب Forrest Gump
و سأحاول فى هذه السلسلة التى أنتوى كتابتها بإذن الله الحديث كذلك عن بعض الشخصيات التى أثرت فى تفكيرى و ساهمت فى تشكيل وجدانى و شخصيتى. لن أعرضهم بترتيب أهميتهم بالنسبة لى, و لن أتكلم عن سيرتهم الذاتية و تاريخ حياتهم, فهذا شىء يمكن لأى فرد أن يعرفه من خلال النت-من موقع ويكيبديا مثلا.
كل ما سأحاوله هو عرض مبسط لبعض ملامح فكر هذه الشخصية,و هذا فى نظرى هو الأهم .
ليس من الضرورى أن تكون قد قرأت كتباً كاملة,أو سلسلة مؤلفات لكاتب ما كى تستفيد منه و ينطبع بتأثير على شخصيتك, أو يضىء مصباحاً فى ركن مظلم من عقلك, بل ربما كان لمقال أو مقدمة كتاب نفس الأثر.
و أعرض فى هذا المجال رأياً كنت قد قرأته فى مقدمة موسوعة (اليهود و اليهودية و الصهيونية) للدكتور عبد الوهاب المسيرى, لم تسنح لى الفرصة الا لقراءة المقدمة فقط حتى الآن, لكن فى هذه المقدمة تكلم المؤلف عن المراجع التى استند اليها فى تأليف الموسوعة, فكان خلاصة رأيه هو التالى:
إن مؤلفى الكتب و الموسوعات قد دأبوا على كتابة (ثبت بالمراجع) التى استندوا لها عند الكتابة, لكنه يرى أنه من الأهمية بمكان أن يذكر أيضاً (المرجعية), و ليس المراجع فقط.
و المرجعية هى نتيجة الأفكار التى تراكمت و ترسبت داخل المؤلف من كل ما مر به و تأثر به خلال عمره من آراء و مذاهب مفكرين أثرت فى شخصيته و شكلت هويته و أسلوب تفكيره, و قد ذكر د.عبد الوهاب العديد و العديد كان منهم حتى كارل ماركس الذى تأثر به فى مرحلة من حياته.
و هكذا, فإنى سأحاول أن أعرض بعض من كانوا بالنسبة لى المرجعية, مع تفاوت كل منهم فى المقدار الذى ساهم به فى تكوين شخصيتى.
و أسأل الله أن يكون ما أكتبه نافعاً, و دافعاً لغيرى أن يقرأ لهؤلاء الذين عاشوا فى خيالى
و الى اللقاء فى التدوينة التالية مع أول هؤلاء.

السبت، 17 مايو 2008

لبيك اللهم لبيك


لبيك اللهم لبيك....لبيك لا شريك لك لبيك...إن الحمد و النعمة لك و الملك...لا شريك لك لبيك

من منا لم يردد هذا النداء, و هو يتابع مناسك الحج على التليفزيون كل عام, و يتمنى أن يجعل الله زيارة بيته الحرام من نصيبه؟

من منا لم يخفق قلبه كلما رأى صورة للكعبة, أو للحرم النبوى الشريف, و كأن مغناطيساً يشده الى هناك؟

الحمد لله الذى أكرمنى بتحقيق هذا الحلم, أولاً بالحج فى موسم الحج قبل الماضى, و مرة أخرى بعمرة أنعم الله بها على فى الأسبوع الماضى.

لا أريد فى هذه السطور أن أقص ما جرى لى من أحداث فى الرحلتين, لكن سأحاول بإيجاز عرض بعض الخواطر و المشاعر التى اعتملت بنفسى بعد هذه التجربة العظيمة:

أولاً:إن الحج و العمرة فى عدة جوانب منهما يتشابهان مع عملية الولادة:

فالولادة رغم كل ما يصاحبها من ألم و إرهاق, سواء خلال شهور الحمل وصولاً للحظة الولادة ذاتها, فإن الأم لا تتردد فى خوض هذه التجربة مرة أخرى , متناسيةً أى ألم و أى مشقة, و كذلك الحاج, بعد أن ينهى مناسك الحج بكل ما تحتويه من مشقة و إرهاق, فإنه ما إن ينهيهها حتى يتوق لتكرارها مرة أخرى, حتى قبل أن يغادر الديار المقدسة!

و هو مثل الولادة لأن الحاج و المعتمر يخرج من حجه و عمرته -إذا قبلها الله-نقياً من الذنوب, كما يخرج المولود الى هذه الحياة.

ثانياً:إن قرار الحج أو العمرة-شأنه شأن أى قرار فى الدنيا- ليس بيدى و لا بيدك, إنما هو بيد المولى سبحانه و تعالى, فعندما يأذن الله لك, ستتلاشى أى عقبة و لو وضع أهل الأرض لك عقبات و عراقيل فى طريقك, و إذا لم يأذن الله لك, لن تدخل الحرم و لو كان معك واسطة من ملك السعودية نفسه. و تستطيع أن تسمع قصصاً كثيرة عن هذا, و لابد أن تمر أن نفسك بمثل هذه المواقف, و أسأل الله أن تنتهى تجربة أى منا بتيسير الأمور بالزيارة و الوصول و القبول و لو بعد لأى و مجهود.

ثالثاَ:ربما كان من أهم أهداف الحج هو جمع هذا الكم الهائل من المسلمين من كل مكان فى الأرض, على إختلاف ألسنتهم, و ألوانهم, و أجناسهم , فى مكان واحد, فى أبسط الثياب, لا يتمايزون إلا أمام الله بالتقوى, و إن العين لتدمع حقاً حين ترى هذه الأعداد الهائلة من البشر, و حين تسمعهم و هم يحاولون الدعاء باللغة العربية و ينطقونها بصعوبة, و حينها يشعر الإنسان بنعمة أنه ولد فى بلد يتكلم العربية, و أنه يستطيع قراءة القرآن و الدعاء بدون ترجمة, و هى نعمة لن نشعر بأهميتها إلا إذا كنا مكان أخوتنا من المسلمين الأعاجم.

رابعاً:إن زيارة الأماكن المقدسة تبعث فى نفس الزائر قدراً من السكينة و الراحة , و لا أكون مبالغاً إن قلت أيضاً(الإنتعاش), و أحياناً يجلس المرء فى الحرم لا يفعل شيئاً غير النظر إلى الكعبة-التى سمعت أن مجرد النظر لها عبادة و الله أعلم-و هذا النظر و التأمل لبيت الله يجعل فى النفس سكينة و راحة غريبة, و كذلك الحال فى المسجد النبوى, يسند المرء ظهره لعمود و ينظر أمامه الى صفوف لا تنتهى من الأعمدة, و لا يفعل شيئاً سوى التفكر بصفاء, نتيجة للسكينة و روحانيات المكان.
خامساً:هذه الزيارة مسئولية, لأن المرء يبدأ بعدها فى التفكير فى كل خطوة يخطوها حتى لا يفسد عمرته أو حجه, فلا يتكلم مثلاً عن تجربته بتفاخر أو غرور فيحبط عمله بالرياء, و لا يرتكب كبيرة فيبدأ فى تسويد صفحته التى بيضها بالحج أو العمرة, و بالطبع ليس منا من هو معصوم من الخطأ, و الحال التى نصير فيها بعد الحج أشبه بحالنا بعد 30 يوما من التضرع و العبادة فى رمضان, نخرج متأثرين و قد عاهدنا الله على التوبة, لكن كل بنى آدم خطاء, و نسأل الله إن لم نكون معصومين من الأخطاء,ان يعصمنا من الخطايا.

سادساً:على المرء أن يسعى قدر جهده أن يؤدى هذه الفريضة و هو شاب بكامل صحته, لأنها مرهقة حتى للشباب, فما بالك بكبار السن و المرضى و العجزة؟! و قد رأيت أناس فى أعمار متقدمة, و بظروف صحية صعبة, و سبحان من قدرهم على أداء الفريضة فى حالهم هذا, لكن أن تؤدى الفريضة و أنت قادر, خير من أن تؤديها و أنت معتمد على غيرك.

أسأل الله أن ييسر للجميع زيارة بيته الحرام, و مسجد رسوله صلى الله عليه و سلم, و أن يتقبل الله هذه الزيارة و يجعلها خالصة لوجهه الكريم بلا رياء أو سمعة, و أن نعود بعدها أنقياء من الذنوب, و أن يعيننا الله على أنفسنا حتى لا نسود صفحاتنا بأفعالنا السيئة مرة أخرى, إنه ولى ذلك و القادر عليه, اللهم آمين.